الشك في عدد الركعات إذا وقع بعد الفراغ من الصلاة فلا أثر له ولا يعتنى به، وأمّا إذا كان في أثناء الصلاة فهو على أقسام: لأنَّ منه ما هو مبطل للصلاة، ومنه ما هو غير مبطل وبحاجة إلى علاج شرعاً، ومنه ما هو غير مبطل وليس بحاجة إلى علاج، فهذه أقسام ثلاثة:
1 ـ الشك الذي لا أثر له:
ونريد به الشك الذي لا يبطل الصلاة، ولا تحتاج معه في صحتها إلى معالجة بمثل صلاة الاحتياط، وهو يتمثّل في إحدى الصور التالية:
الأولى: أن يجد المصلي نفسه وهو يتشهد، أو قد أكمل تشهده، وشك في أنه هل فرغ من الركعة الثانية وهذا هو التشهد المطلوب منه في مثل هذا الموضع، أو أنه لم يفرغ حتى الآن إلاَّ من الركعة الأولى وقد وقع هذا التشهد منه سهواً، ففي هذه الحالة يبني المصلي على أنه قد صلى ركعتين، وأنَّ هذا هو التشهد المطلوب منه، ويقوم لأداء الركعة الثالثة إذا كانت صلاته ثلاثية أو رباعية ولا شيء عليه، وأمّا إذا كانت صلاته ثنائية ـ ذات ركعتين ـ فعليه أن يكمل تشهده وتسليمه وتصح صلاته.
الثانية: أن يصلي الإنسان صلاة رباعية فيجد نفسه يتشهد أو قد أكمل تشهده، وهو على يقين بأنه تجاوز الركعة الثانية إلى ما بعده من ركعات، وشك في أنه هل فرغ من الركعة الرابعة وهذا هو التشهد المطلوب منه في مثل الموضع، أو أنه لا يزال في الركعة الثالثة وقد وقع منه هذا التشهد سهواً، ففي هذه الحالة يبني على أنه في الرابعة ويكمل صلاته على هذا الأساس ولا شيء عليه.
الثالثة: أن يصلي الإنسان صلاة ثلاثية فيجد نفسه مشغولاً بالتسليم ويشك في أنه هل فرغ من الركعة الثالثة وهذا التسليم هو المطلوب منه في مثل هذا الموضع، أو أنه لا يزال في الركعة الثانية وقد وقع منه هذا التسليم سهواً، ففي هذه الحالة يبني على أنه أتى بالثالثة ويكمل تسليمه ولا شيء عليه.
2 ـ الشك الذي له علاج:
ونريد به صور الشك التسع المشهورة التي لا تبطل بها الصلاة إذا تمت معالجتها بالنحو المطلوب شرعاً، ووقعت في خصوص الصلاة المؤلفة من أربع ركعات، وهذه الصور هي:
الصورة الأولى: أن يرفع المصلي رأسه من السجدة الثانية، أو يكمل الذكر فيها على الأقل، ثُمَّ يشك في أنَّ هذه الركعة التي فرغ منها الآن: هل هي ثانية أو ثالثة، فالثانية متيقنة لا ريب فيها، والثالثة محل الريب، فيبني على أنها ثالثة، ويأتي بالرابعة، ويتشهد ويسلّم، ثُمَّ يأتي بصلاة الاحتياط، وهي ـ في هذه الصورة ـ ركعة واحدة من قيام على الأحوط وجوباً للقادر على القيام، أو ركعة واحدة من جلوس بدلاً عنها لمن عجز عن القيام وكانت وظيفته الصلاة جالساً.
الثانية: أن يشك هل صلّى ثلاث ركعات أو أربع، فإنه يبني على الأربع، سواء أوقع الشك منه حال القيام أم حال الركوع أم السجود أم بعد رفع الرأس من السجود، ويتمّ ما بقي من الركعة الرابعة ويتشهد ويسلّم، وإذا كان المصلي مكلّفاً بالصلاة قائماً فله هنا الخيار بين الاحتياط بركعة من قيام والاحتياط بركعتين من جلوس، وإن كان عاجزاً عن القيام ومكلّفاً بالصلاة من جلوس فعليه الاحتياط بالإتيان بركعة واحدة جالساً.
هذا كلّه إذا لم يطرأ هذا الشك على المصلي وهو يتشهد وإلاَّ كان من الصورة الثانية للقسم السابق الذي تصح معه الصلاة بلا علاج.
الثالثة: أن يشك بين الركعتين والأربع بعد إكمال السجدتين، وذلك بالفراغ من الذكر من السجدة الثانية أو برفع الرأس منها، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة ويأتي بركعتين من قيام، وإن كان المصلي ممن يصلي جالساً احتاط بركعتين من جلوس.
الرابعة: أن يشك بين الركعتين والثلاث والأربع أيضاً بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة، ويأتي أولاً بركعتين من قيام ثُمَّ بركعتين من جلوس. وإن كان فرضه أن يصلي جالساً احتاط بركعتين من جلوس ثُمَّ بركعة جالساً.
الخامسة: أن يشك بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة ويسجد سجدتي السهو.
السادسة: أن يشك بين الأربع والخمس حال القيام، فعليه أن يهوي جالساً، وبذلك يرجع شكه إلى الشك بين الثلاث والأربع، لأنه بجلوسه هدم الركعة التي كان فيها وقطعها، وهذا يعني أنها لو كانت هي الرابعة فقد بقي معه ثلاث ركعات، ولو كانت هي الخامسة فقد بقي معه أربع ركعات، فهو الآن بين الثلاث والأربع، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة ويأتي بركعة قائماً أو بركعتين جالساً، تطبيقاً لما تقدّم في الصورة الثانية.
السابعة: أن يشك بين الثلاث والخمس وهو قائم، فيجلس ويرجع شكه إلى الشك بين الاثنتين والأربع، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة ويأتي بركعتين من قيام تطبيقاً لما تقدّم في الصورة الثالثة.
الثامنة: أن يشك بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام، فيجلس ويرجع شكه إلى الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة ويأتي أولاً بركعتين من قيام ثُمَّ بركعتين من جلوس تطبيقاً لما تقدّم في الصورة الرابعة.
التاسعة: أن يشك بين الخمس والست وهو قائم فيجلس ويرجع شكه إلى الشك بين الأربع والخمس ويتمّ صلاته ويسجد سجدتي السهو تطبيقاً لما تقدّم في الصورة الخامسة.
ففي هذه الصور التسع تصح الصلاة بالعلاج الذي حدّدناه، ويستثنى من ذلك حالات تصح فيها الصلاة من دون علاج رغم كون الشك من نوع تلك الصور التسع، وهذه الحالات هي:
أولاً: إذا حصل للشاك ترجيح معين لأحد الاحتمالات، وهو ما يسمى "بالظنّ" فيعتمد على ظنّه، فإذا غلب على ظنّ المصلي أنَّ هذه الركعة التي هو فيها هي ثالثة أو رابعة أو ثانية ـ مثلاً ـ عمل بظنّه هذا، تماماً كما يعمل بعلمه في عدد الركعات، ولا شيء عليه ولا يحتاج إلى علاج.
ثانياً: إذا كان الإنسان مفرطاً في الشك وخارجاً عن الحالة الاعتيادية على نحو يصدق عليه عرفاً أنه كثير الشك، كما إذا كان يشك عادة في كلّ ثلاث صلوات متتالية مرة واحدة على الأقل، أو في كلّ ست صلوات متتالية مرتين، وهكذا، فعليه أن يلغي شكه ويفترض أنه قد أتى بما شك فيه من ركعات، أي أنه يبني على الأكثر، فإذا شك في أنه هل أتى بركعتين أو ثلاث بنى على الثلاث، وإذا شك بين الثلاث والأربع بنى على الأربع، ويتمّ صلاته في هاتين الحالتين أو غيرهما من حالات الشك ولا شيء عليه ولا يحتاج إلى علاج، إلا إذا كان الأكثر مبطلاً للصلاة فإنه ـ حينئذ ـ يبني على الأقل ويتمّ صلاته بدون علاج، وذلك كما لو شك بين الأربع والخمس فإنه يبنى على الأربع، لأنَّ البناء على الخمس يبطل الصلاة.
ثالثاً: إذا كان الشاك في عدد الركعات إماماً أو مأموماً، وكان مأمومه أو إمامه حافظاً وضابطاً للعدد، رجع إليه واعتمد على حفظه، سواء كان حفظه على مستوى اليقين أو الظنّ، كما سيأتي تفصيله. (أنظر: ص:365).
رابعاً: إذا كان المصلي يؤدي صلاة النافلة وشك في عدد ركعاتها فإنَّ له أن يبني على أقل عدد محتمل ويكمل صلاته ولا شيء عليه، وله أن يبني على أكبر عدد محتمل ما لم يكن مبطلاً ويكمل صلاته ولا شيء عليه.
3 ـ الشك المبطل للصلاة:
ونريد به القسم الثالث الذي ليس له علاج، فتبطل به الصلاة عند حدوثه، ويجمع فروع هذا القسم أن نقول: "إن كلّ حالة غير الحالات الذي ذكرناها مما تقدّم صحة الصلاة معه، بعلاج أو بدون علاج، فهو من النوع الذي يتسبب ببطلان الصلاة". وتوضيحاً لذلك نذكر الحالات التالية من هذا القسم:
الأولى: أن لا ينحصر شك المصلي في عدد معين من أعداد الركعات، فلا يدري في أية ركعة هو، من دون أن يخطر في ذهنه عدد معين متيقن ينطلق منه لمعالجة الشك، وليس عليه هنا إلاَّ قطع الصلاة واستئنافها من جديد.
الثانية: أن يكون شكه في غير الرباعية من الصلوات اليومية، كأن يكون شكه بين الاثنين والثلاث في صلاة المغرب، أو بين الأولى والثانية في صلاة الصبح، وتبطل الصلاة بهذا الشك في الموردين.
الثالثة: أن يتردّد المصلي في عدد الركعات في صلاة رباعية دون أن يتأكد ويتثبت من وجود الركعة الثانية كاملة سالمة، وإنما تكمل ـ كما أسلفنا القول ـ بإكمال الذكر في السجدة الثانية من الركعة الثانية، كما إذا شك بعد رفع الرأس من السجدة الثانية في أنَّ هذه الركعة التي فرغ منها الآن هل هي الأولى أو الثانية، وكما إذا شك بعد رفع الرأس من السجدة الأولى، أو قبل ذلك، في أنَّ هذه الركعة التي يؤديها هل هي الثانية أو الثالثة، فإنَّ صلاته تبطل حينئذ، لأنَّ وجودَ الركعة الثانية كاملةً غيرُ مؤكد. وهذا هو معنى اشتراط حدوث الشك في بعض الصور بعد إتمام ذكر السجدة الثانية.
م ـ 778: يجب التذكير في هذا القسم بأنَّ بطلان الصلاة وإن كان حتماً لازماً في مثل هذه الحالات، غير أنه يمكن تدارك ذلك وتصحيح الصلاة ضمن الاستثناءات التي وردت في ثنايا كلامنا الآنف، وهذه الاستثناءات هي:
1 ـ حدوث الشك من المصلي أثناء التشهد أو بعده، بنحو يشك أن تشهده هذا هل وقع منه خطأ في الركعة الأولى، وأنه الآن في الركعة الأولى، أو أنه في الركعة الثانية والتشهد في محله، فإنه يجعل التشهد قرينة على أنه قد أتـمّ الركعة الثانية ويرتب عليها الآثار المناسبة.
2 ـ تحوُّلُ شكِّه إلى الظنّ والترجيح لعدد على غيره، فضلاً عمّا لو تحوّل إلى يقين، فإنه يعمل على مقتضى ظنّه أو يقينه في جميع الحالات.
3 ـ كونه كثير الشك، فإنه لا يعتني بشكه حتى في الحالات التي يكون الشك فيها من الإنسان العادي مبطلاً.
4 ـ أن يعتمد كلّ من الإمام والمأموم على الآخر، الشاك منهما على الحافظ.
5 ـ أن يكون الشك في نافلة، فإنه تصح به الصلاة رغم كونها ركعتين في معظم النوافل. وقد مرّ جميع ذلك في محله مفصلاً.
م ـ 779: في كلّ صورة يهدم فيها القيام فإنَّ الأحوط وجوباً أن يسجد سجدتي السهو لزيادة القيام، ومحلها بعد الانتهاء من صلاة الاحتياط أو بعد سجدتي السهو الواجبتين في علاج الشك.
م ـ 780: في الصور التسع التي يمكن تصحيح الصلاة فيها في حال الشك لا يجوز للمكلف قطع الصلاة واستئنافها على الأحوط وجوباً، بل لا بُدَّ له من العمل بموجب العلاج الذي تفرضه صورة الشك التي هو عليها.