الشركة
01/06/2023

التعريف والأسباب

التعريف والأسباب


ـ (الشَّركة) في اللغة: إسم من المشاركة. وفي مصطلح الفقهاء هي: (حدوث الملكية، لأكثر من شخص واحد، على مملوك واحد، على نحو الإشاعة، عند حدوث سبب أو أكثر من أسباب الاشتراكوعند التأمل في هذا التعريف نلاحظ ما يلي:


أ ـ قولنا: (حدوث الملكية) يشمل حالتي: (حدوثها) قهرياً كالشركة الحادثة بالميراث والامتزاج، و:(إحداثها) اختياراً، كما لو اتفقا على إحداث المشاركة بمبادرتهما إلى إصابة صيد واحد أو اقتلاع شجرة واحدة بعمل واحد مشترك، أو شراء جزء من العين، أو نحو ذلك من الأسباب الاختيارية.


ب ـ قولنا: (لأكثر من شخص واحد) يفيد عدم كونها مقيدة بعدد معين، فكما يحصل الاشتراك للإثنين فإنه قد يحصل للمئات والآلاف منهم.


ج ـ قولنا: (على مملوك واحد) يشمل غير العين من الأمور الأخرى التي تقع عليها الملكية، وهي المنفعة والحق، وسنذكر ذلك لاحقاً.


د ـ قولنا: (على نحو الإشاعة) نريد به ثبوت ملكية كل طرف بمقدار حصته في كل جزء من أجزاء العين القابلة للتجزأة حقيقة وخارجاً، وكذا في كل (جزءٍ) من أجزاء المنفعة أو الحق القابلين للتجزأة تنزلاً واعتباراً بلحاظ العين التي تعلقا بها؛ وذلك بغض النظر عن كون المال الذي حدث الاشتراك فيه واحداً أو متعدداً، وعن كونه مما يمكن اقتسامه كقطعة القماش أو مما لا يمكن اقتسامه كالكتاب أو القلم؛ فلو فرض أن شخصين قد ورثا دارين متماثلتين في الأوصاف، أو وكَّلا شخصاً بشرائهما لهما معاً بعد أن دفع له كل واحد منهما من ثمنهما مقداراً مساوياً لما دفعه الآخر، كان كل جزء من الدارين مشتركاً بينهما، وليس لأحدهما أن ينفرد بإحدى الدارين ويستبد بها دون رضا الآخر وموافقته؛ وهكذا الأمر في كل مال مشترك بما في ذلك أموال الشركة العقدية التجارية، كما سيأتي.


هـ ـ قولنا: (عند حدوث سبب أو أكثر) يراد به تأثير كل سبب حادث من أسباب الاشتراك في تحقّق الشركة، وتظهر الفائدة عند انكشاف بطلان أحدها، فيبقى السبب الآخر مؤثراً فيها، وذلك كما لو اقتلعا معاً شجرة فملكاها بالحيازة، ثم تبين لهما أنها كانت ملكاً لمورثهما وأنهما قد ملكاها ـ الآن ـ بالميـراث، فإنَّ بُطلان اشتراكهما في ملكيتها بالحيازة لا يلغي تأثير اشتراكهما في ملكيتها بالميراث؛ وهكذا.


ـ الأسباب الموجبة للاشتراك عديدة، ولما كان بعضها مما يوجب الاشتراك قهراً، دون حاجة لعلم الشركاء ولا رضاهم، كالاشتراك الحادث من الميراث والوصية؛ وبعضها يوجبه اختياراً، كالمشاركة في شراء شيء واحد، أو في الإجارة على عمل واحد؛ وبعضها يوجبه قهراً تارة واختياراً أخرى، كامتزاج شيئين أو حيازة شخصين لشيء واحد، فإنه لا بد من بيان ذلك في أقسام ثلاثة:


القسم الأول: الأسباب القهرية المحضة، وهي:

الميراث، وكذا الوصية والوقف بناءً على ما اخترناه فيهما من كونهما من الإيقاعات التي لا تحتاج إلى قبول الموصى له ولا الموقوف عليه؛ فإذا مات المالك اشترك وُرَّاثُه مهما كثروا في تركته قهراً عنهم، وكذا لو أوصى بشيء لمجموعة من الأشخاص فإنهم يشتركون في ملكية الموصى به حتى لو لم يقبلوا الوصية ورَدُّوها؛ ومثله ما لو أوقف عليهم.

هذا، وكما تتحقّق الشركة بسبب الميراث والوصية في الأعيان فإنها تتحقّق ـ أيضاً ـ في المنافع، وكذا فيما يقبل الإنتقال من الحقوق، كحق الاختصاص وخيار الفسخ والتحجير وغيرها من الحقوق التي لها تعلق بالأعيان؛ فيما تختص شركة الوقف بالأعيان دون المنافع والحقوق، كما تختص شركة (الحبس) بالمنافع دون الأعيان والحقوق.


القسم الثاني: الأسباب الاختيارية المحضة، وهي أمور:

1 ـ عقد الشركة، وهو اتفاق اثنين أو أكثر على أن يتشاركا في ماليهما، إما من أجل الإتجار به واستنمائه أو لمجرد تحقيق التشارك بينهما. فتتحقّق الشركة بالعقد ويصير مال كل منهما مملوكاً لهما على نحو الإشاعة حتى لو بقي مال كل منهما عنده دون أن يمتزج أو يختلط وينضم إلى مال الآخر.

2 ـ حدوثُ عقد مُملِّك لأكثر من شخص واحد في وقت واحد، وذلك:

أ ـ بأن يهب شخص ماله لأكثر من شخص واحد بعقد واحد أو بأكثر، فإذا قبل الموهوب لهم ملكوا العين شركة.

ب ـ أو يقوم شخصان أوأكثر بتوكيل شخص عنهم بشراء عين واحدة لهم أو استئجارها أو استعارتها، بحيث يملك الجميع العين أو المنفعة على نحو الاشتراك في وقت واحد.

3 ـ خروج جزء مشاع من العين المملوكة أو من منفعتها بناقل من النواقل، كأن يبيع نصف داره أو يؤجره أو يهبه أويهب نصف منفعته أو يعيره، فيصير المنقول إليه شريكاً للناقل في ملكية العين أو المنفعة.

4 ـ استئجار عاملين أو أكثر لإنجاز عمل واحد، كقطع شجرة أو فلاحة أرض، أو نحو ذلك، فإذا أنجزا عملهما اشتركا في الأجرة؛ سواءً استأجرهما معاً على أن يعمل أحدهما قبل الظهر والآخر بعده، أو على أن يعمل أحدهما يوماً والآخر يوماً، أو على أن يُنجز أحدُهما شيئاً منه والآخر شيئاً آخر، أو على أن ينجزاه معاً في وقت واحد.

هذا من جهة، وأما من جهة مدى شمولية الشركة المتحقّقة بهذا القسم من الأسباب للأعيان والمنافع والحقوق، فإن السبب الأول منه سيأتي بحثه تفصيلياً لاحقاً، وأما الثلاثة الباقية فإنها تشمل كل مملوك ما عدا الأمر الثالث فإنه لا يشمل الحقوق لعدم قابليتها للتجزأة.


القسم الثالث: الأسباب الاختيارية تارة والقهرية تارة أخرى، وهي أمران:

1 ـ الحيازة، وتكون الشركة بسببها اختيارية عند قيام شخصين أو أكثر عن قصد واختيار برمي صيد واحد أو اقتلاع شجرة واحدة أو شق قناة أو إحياء أرض، أو عند قيام شخص بإحياء أرض أو حيازة مباح نيابة عن جماعة دون تكليف منهم، فإذا أجازوا ما فعله ملكوا ما أحياه وما حازه. وتكون قهرية عند قيام أحدهما برمي صيد في نفس الوقت الذي يرميه غيره دون معرفة منهما، فيصيبانه معاً إصابة قاتلة، أو نحو ذلك. هذا، ولا تتحقّق الشركة في الحيازة إلا في الأعيان دون المنافع والحقوق.

2 ـ الامتزاج، وهو على أنحاء:

الأول: ما كان الخليطان فيه من جنس واحد، وفي مرتبة واحدة من الجودة أو الرداءة، وانعدمت بالامتزاج الشخصية المستقلة لكل جزء منهما، وذلك كامتزاج زيت الزيتون بزيت مثله، أو طحين القمح بطحين قمح مثله، ونحو ذلك. وتتحقّق الشركة بهذا النحو من الامتزاج قهراً واختياراً، ومع إذن أحدهما للآخر بمزج ماله بماله أو من دون إذنه، وإن كان آثماً في صورة عدم الإذن.


الثاني: ما لو كان الخليطان من جنس واحد، لكنهما لم يكونا متماثلين في الجودة والرداءة؛ فإن كان الامتزاج غيرَ مضمون على الفاعل، كأن حدث برضا صاحبه، أو بغير فعله مع كون يده عليه يد أمانة، تحقّق به الاشتراك في الخليط قهراً أو اختياراً، وإن كان مضموناً على الفاعل تخيّر صاحبه بين مطالبته بمثل العين أو قيمتها وبين الاشتراك معه فيها.

ومثله في الحكم ما لو كان الخليط من جنسين مختلفين، وانعدمت بالاختلاط هوية كل عنصر منهما، فتكونَتْ طبيعةٌ ثالثةٌ، كاختلاط الخل بالعسل وتَوَلُّد الشراب المعروف بـ (السكنجبين) منه.


الثالث: ما إذا كان الخليط من جنس واحد، وبقي كل جزء من كل جنس محتفظاً بهيئته المستقلة رغم الامتزاج، سواءً كانت أجزاؤه صغيرة أو كبيرة، وسواءً كان بالمماثل له في الجودة والرداءة أو بالمختلف عنه، وذلك كاختلاط السمسم أو القمح أو الجوز بمثله؛ وفي مثله لا تتحقّق الشركة بهذا الامتزاج، فضلاً عن عدم تحقّقها بما لو كان الخليط من جنسين مختلفين لا يمكن فرز أحدهما عن الآخر، كامتزاج القمح بالشعير أو العدس بالأرز، ونحو ذلك. فإنْ رغب كل منهما في أخذ ماله لزمه التصالح مع الآخر بما لا يؤدي إلى الربا بالنحو الذي تقدمت أحكامه في ربا المعاملة من الجزء الثاني، ص: 495.


ـ كما تتحقّق الشركة في الأعيان الخارجية للأموال فإنها تتحقّق في الأموال الذمية (أي: التي في الذمة) من الديون، إضافة إلى ما سبق ذكره من تَحَقُّقها في المنافع والحقوق، وذلك من دون فرق بين الشركة العقدية وغيرها مما يحصل من أسباب أخرى غير عَقْدية؛ ولها موارد كثيرة:

منها: ما لو كان لشخص دين في ذمة الآخر، فإذا مات ذلك الدائن عن عدد من الورّاث اشتركوا في ذلك الدين الذي ما يزال في ذمة المدين؛ كما أنهم يشتركون في مال مُورِّثهم المودَع في البنك بعدما صار بالإيداع ديناً له في ذمة البنك.

ومنها: ما لو اشترى إثنان ديناً في ذمة الغير، أو اشترى شخص نصف الدين من الدائن، أو اشتركا في عمل واحد وبقيت الأجرة لهما في ذمة المستأجر، وما أشبه ذلك.

ومنها: ما لو اتفق عدد من الدائنين على أن تكون الديون التي لهم في ذمة شخص ـ أو أشخـاص ـ شركة بينهم؛ ومن مصاديق هذا المورد الشركات العقدية التي تحدث في أموال الشركاء المودَعة في البنوك، من حيث إنها ديون للمودعين ثابتة في ذمة البنك، فيعد التشارك فيها مصداقاً للشركة في الديون.


وهكذا سائر موارد الدين، وبخاصة ما يجري التشارك فيه من الأموال المودعة في المصارف مما هو كثير الوقوع في زماننا.


ـ لا تعتمد الإشاعة في المال المشترك ـ دائماً ـ على امتزاج أموال الشركاء، سواءً ما يكون منه على نحو اختلاطها ببعضها واجتماعها في كم واحد وفي مكان واحد، أو ما يكون على نحو الامتزاج الطبيعي الذي تنعدم فيه استقلالية الأجزاء، بل تتحقّق الإشاعة ـ إضافـة إلى ذلك ـ بأمـور أخرى لها علاقة بنوع السبب الذي تحقّق به الاشتراك؛ وتوضيحاً لذلك وتأكيداً له نقول: إن أسباب الشركة من هذه الجهة على نوعين:


الأول: الشركة العقدية، ويكفي في تحقّق التشارك بها ووقوع الإشاعة، نفسُ الاتفاق، فإذا اتفق اثنان أو أكثر على أن يشتركوا في النقد أو القمح الموجود في خزانة كل واحد منهم أو مزرعته، فقد ملك كل واحد منهم ـ بمجرد الاتّفاق ـ مقدار حصته من مال شريكه الذي ما يزال عنده، وصار ذلك النقد ـ أو القمح ـ مشتركاً بينهم ومملوكاً لهم على نحو الإشاعة، رغم بقاء كل مال في خزانة صاحبه وعدم اجتماعه مع مال الآخر في كم واحد ولا في مكان واحد؛ سواءً كانت الشركة في أعيان خارجية أو في أموال ذميّة. وهذا الأمر هو ميزة وخصيصة للشركة العقدية دون سواها.


الثاني: غير الشركة العقدية من الأسباب التي ذكرناها آنفاً، فإن الإشاعة فيها لا تكون إلا في إطار وحدة العين، سواءً في ذلك ما لو كان سبب الاشتراك هو الامتزاج بالنحو الذي ذكرناه سابقاً، أو كان سببه غير ذلك، كالحيازة والهبة والميراث ونحوها، فما لم يرد سبب التمليك على عين واحدة، وما لم يصر الشيئان بالامتزاج عيناً واحدة لا يتحقّق الاشتراك، فلو اصطاد كل من الصائدين طائراً من نفس النوع، أو اشترى كل واحد من المبتاعين نسخة من نفس الكتاب، أو مقداراً من القمح، فاشتبه طائر كل منهما ـ أو كتابه ـ بالآخر، أو اختلط المقداران من القمح ببعضهما، لم تتحقّق الشركة بذلك، لعدم حدوث الإشاعة بمجرد تجاور الأعيان واشتباهها، ولا بمجرد اختلاط مثل القمح وغيره من الحبوب الكبيرة، كما ذكرنا آنفاً.



ـ (الشَّركة) في اللغة: إسم من المشاركة. وفي مصطلح الفقهاء هي: (حدوث الملكية، لأكثر من شخص واحد، على مملوك واحد، على نحو الإشاعة، عند حدوث سبب أو أكثر من أسباب الاشتراكوعند التأمل في هذا التعريف نلاحظ ما يلي:


أ ـ قولنا: (حدوث الملكية) يشمل حالتي: (حدوثها) قهرياً كالشركة الحادثة بالميراث والامتزاج، و:(إحداثها) اختياراً، كما لو اتفقا على إحداث المشاركة بمبادرتهما إلى إصابة صيد واحد أو اقتلاع شجرة واحدة بعمل واحد مشترك، أو شراء جزء من العين، أو نحو ذلك من الأسباب الاختيارية.


ب ـ قولنا: (لأكثر من شخص واحد) يفيد عدم كونها مقيدة بعدد معين، فكما يحصل الاشتراك للإثنين فإنه قد يحصل للمئات والآلاف منهم.


ج ـ قولنا: (على مملوك واحد) يشمل غير العين من الأمور الأخرى التي تقع عليها الملكية، وهي المنفعة والحق، وسنذكر ذلك لاحقاً.


د ـ قولنا: (على نحو الإشاعة) نريد به ثبوت ملكية كل طرف بمقدار حصته في كل جزء من أجزاء العين القابلة للتجزأة حقيقة وخارجاً، وكذا في كل (جزءٍ) من أجزاء المنفعة أو الحق القابلين للتجزأة تنزلاً واعتباراً بلحاظ العين التي تعلقا بها؛ وذلك بغض النظر عن كون المال الذي حدث الاشتراك فيه واحداً أو متعدداً، وعن كونه مما يمكن اقتسامه كقطعة القماش أو مما لا يمكن اقتسامه كالكتاب أو القلم؛ فلو فرض أن شخصين قد ورثا دارين متماثلتين في الأوصاف، أو وكَّلا شخصاً بشرائهما لهما معاً بعد أن دفع له كل واحد منهما من ثمنهما مقداراً مساوياً لما دفعه الآخر، كان كل جزء من الدارين مشتركاً بينهما، وليس لأحدهما أن ينفرد بإحدى الدارين ويستبد بها دون رضا الآخر وموافقته؛ وهكذا الأمر في كل مال مشترك بما في ذلك أموال الشركة العقدية التجارية، كما سيأتي.


هـ ـ قولنا: (عند حدوث سبب أو أكثر) يراد به تأثير كل سبب حادث من أسباب الاشتراك في تحقّق الشركة، وتظهر الفائدة عند انكشاف بطلان أحدها، فيبقى السبب الآخر مؤثراً فيها، وذلك كما لو اقتلعا معاً شجرة فملكاها بالحيازة، ثم تبين لهما أنها كانت ملكاً لمورثهما وأنهما قد ملكاها ـ الآن ـ بالميـراث، فإنَّ بُطلان اشتراكهما في ملكيتها بالحيازة لا يلغي تأثير اشتراكهما في ملكيتها بالميراث؛ وهكذا.


ـ الأسباب الموجبة للاشتراك عديدة، ولما كان بعضها مما يوجب الاشتراك قهراً، دون حاجة لعلم الشركاء ولا رضاهم، كالاشتراك الحادث من الميراث والوصية؛ وبعضها يوجبه اختياراً، كالمشاركة في شراء شيء واحد، أو في الإجارة على عمل واحد؛ وبعضها يوجبه قهراً تارة واختياراً أخرى، كامتزاج شيئين أو حيازة شخصين لشيء واحد، فإنه لا بد من بيان ذلك في أقسام ثلاثة:


القسم الأول: الأسباب القهرية المحضة، وهي:

الميراث، وكذا الوصية والوقف بناءً على ما اخترناه فيهما من كونهما من الإيقاعات التي لا تحتاج إلى قبول الموصى له ولا الموقوف عليه؛ فإذا مات المالك اشترك وُرَّاثُه مهما كثروا في تركته قهراً عنهم، وكذا لو أوصى بشيء لمجموعة من الأشخاص فإنهم يشتركون في ملكية الموصى به حتى لو لم يقبلوا الوصية ورَدُّوها؛ ومثله ما لو أوقف عليهم.

هذا، وكما تتحقّق الشركة بسبب الميراث والوصية في الأعيان فإنها تتحقّق ـ أيضاً ـ في المنافع، وكذا فيما يقبل الإنتقال من الحقوق، كحق الاختصاص وخيار الفسخ والتحجير وغيرها من الحقوق التي لها تعلق بالأعيان؛ فيما تختص شركة الوقف بالأعيان دون المنافع والحقوق، كما تختص شركة (الحبس) بالمنافع دون الأعيان والحقوق.


القسم الثاني: الأسباب الاختيارية المحضة، وهي أمور:

1 ـ عقد الشركة، وهو اتفاق اثنين أو أكثر على أن يتشاركا في ماليهما، إما من أجل الإتجار به واستنمائه أو لمجرد تحقيق التشارك بينهما. فتتحقّق الشركة بالعقد ويصير مال كل منهما مملوكاً لهما على نحو الإشاعة حتى لو بقي مال كل منهما عنده دون أن يمتزج أو يختلط وينضم إلى مال الآخر.

2 ـ حدوثُ عقد مُملِّك لأكثر من شخص واحد في وقت واحد، وذلك:

أ ـ بأن يهب شخص ماله لأكثر من شخص واحد بعقد واحد أو بأكثر، فإذا قبل الموهوب لهم ملكوا العين شركة.

ب ـ أو يقوم شخصان أوأكثر بتوكيل شخص عنهم بشراء عين واحدة لهم أو استئجارها أو استعارتها، بحيث يملك الجميع العين أو المنفعة على نحو الاشتراك في وقت واحد.

3 ـ خروج جزء مشاع من العين المملوكة أو من منفعتها بناقل من النواقل، كأن يبيع نصف داره أو يؤجره أو يهبه أويهب نصف منفعته أو يعيره، فيصير المنقول إليه شريكاً للناقل في ملكية العين أو المنفعة.

4 ـ استئجار عاملين أو أكثر لإنجاز عمل واحد، كقطع شجرة أو فلاحة أرض، أو نحو ذلك، فإذا أنجزا عملهما اشتركا في الأجرة؛ سواءً استأجرهما معاً على أن يعمل أحدهما قبل الظهر والآخر بعده، أو على أن يعمل أحدهما يوماً والآخر يوماً، أو على أن يُنجز أحدُهما شيئاً منه والآخر شيئاً آخر، أو على أن ينجزاه معاً في وقت واحد.

هذا من جهة، وأما من جهة مدى شمولية الشركة المتحقّقة بهذا القسم من الأسباب للأعيان والمنافع والحقوق، فإن السبب الأول منه سيأتي بحثه تفصيلياً لاحقاً، وأما الثلاثة الباقية فإنها تشمل كل مملوك ما عدا الأمر الثالث فإنه لا يشمل الحقوق لعدم قابليتها للتجزأة.


القسم الثالث: الأسباب الاختيارية تارة والقهرية تارة أخرى، وهي أمران:

1 ـ الحيازة، وتكون الشركة بسببها اختيارية عند قيام شخصين أو أكثر عن قصد واختيار برمي صيد واحد أو اقتلاع شجرة واحدة أو شق قناة أو إحياء أرض، أو عند قيام شخص بإحياء أرض أو حيازة مباح نيابة عن جماعة دون تكليف منهم، فإذا أجازوا ما فعله ملكوا ما أحياه وما حازه. وتكون قهرية عند قيام أحدهما برمي صيد في نفس الوقت الذي يرميه غيره دون معرفة منهما، فيصيبانه معاً إصابة قاتلة، أو نحو ذلك. هذا، ولا تتحقّق الشركة في الحيازة إلا في الأعيان دون المنافع والحقوق.

2 ـ الامتزاج، وهو على أنحاء:

الأول: ما كان الخليطان فيه من جنس واحد، وفي مرتبة واحدة من الجودة أو الرداءة، وانعدمت بالامتزاج الشخصية المستقلة لكل جزء منهما، وذلك كامتزاج زيت الزيتون بزيت مثله، أو طحين القمح بطحين قمح مثله، ونحو ذلك. وتتحقّق الشركة بهذا النحو من الامتزاج قهراً واختياراً، ومع إذن أحدهما للآخر بمزج ماله بماله أو من دون إذنه، وإن كان آثماً في صورة عدم الإذن.


الثاني: ما لو كان الخليطان من جنس واحد، لكنهما لم يكونا متماثلين في الجودة والرداءة؛ فإن كان الامتزاج غيرَ مضمون على الفاعل، كأن حدث برضا صاحبه، أو بغير فعله مع كون يده عليه يد أمانة، تحقّق به الاشتراك في الخليط قهراً أو اختياراً، وإن كان مضموناً على الفاعل تخيّر صاحبه بين مطالبته بمثل العين أو قيمتها وبين الاشتراك معه فيها.

ومثله في الحكم ما لو كان الخليط من جنسين مختلفين، وانعدمت بالاختلاط هوية كل عنصر منهما، فتكونَتْ طبيعةٌ ثالثةٌ، كاختلاط الخل بالعسل وتَوَلُّد الشراب المعروف بـ (السكنجبين) منه.


الثالث: ما إذا كان الخليط من جنس واحد، وبقي كل جزء من كل جنس محتفظاً بهيئته المستقلة رغم الامتزاج، سواءً كانت أجزاؤه صغيرة أو كبيرة، وسواءً كان بالمماثل له في الجودة والرداءة أو بالمختلف عنه، وذلك كاختلاط السمسم أو القمح أو الجوز بمثله؛ وفي مثله لا تتحقّق الشركة بهذا الامتزاج، فضلاً عن عدم تحقّقها بما لو كان الخليط من جنسين مختلفين لا يمكن فرز أحدهما عن الآخر، كامتزاج القمح بالشعير أو العدس بالأرز، ونحو ذلك. فإنْ رغب كل منهما في أخذ ماله لزمه التصالح مع الآخر بما لا يؤدي إلى الربا بالنحو الذي تقدمت أحكامه في ربا المعاملة من الجزء الثاني، ص: 495.


ـ كما تتحقّق الشركة في الأعيان الخارجية للأموال فإنها تتحقّق في الأموال الذمية (أي: التي في الذمة) من الديون، إضافة إلى ما سبق ذكره من تَحَقُّقها في المنافع والحقوق، وذلك من دون فرق بين الشركة العقدية وغيرها مما يحصل من أسباب أخرى غير عَقْدية؛ ولها موارد كثيرة:

منها: ما لو كان لشخص دين في ذمة الآخر، فإذا مات ذلك الدائن عن عدد من الورّاث اشتركوا في ذلك الدين الذي ما يزال في ذمة المدين؛ كما أنهم يشتركون في مال مُورِّثهم المودَع في البنك بعدما صار بالإيداع ديناً له في ذمة البنك.

ومنها: ما لو اشترى إثنان ديناً في ذمة الغير، أو اشترى شخص نصف الدين من الدائن، أو اشتركا في عمل واحد وبقيت الأجرة لهما في ذمة المستأجر، وما أشبه ذلك.

ومنها: ما لو اتفق عدد من الدائنين على أن تكون الديون التي لهم في ذمة شخص ـ أو أشخـاص ـ شركة بينهم؛ ومن مصاديق هذا المورد الشركات العقدية التي تحدث في أموال الشركاء المودَعة في البنوك، من حيث إنها ديون للمودعين ثابتة في ذمة البنك، فيعد التشارك فيها مصداقاً للشركة في الديون.


وهكذا سائر موارد الدين، وبخاصة ما يجري التشارك فيه من الأموال المودعة في المصارف مما هو كثير الوقوع في زماننا.


ـ لا تعتمد الإشاعة في المال المشترك ـ دائماً ـ على امتزاج أموال الشركاء، سواءً ما يكون منه على نحو اختلاطها ببعضها واجتماعها في كم واحد وفي مكان واحد، أو ما يكون على نحو الامتزاج الطبيعي الذي تنعدم فيه استقلالية الأجزاء، بل تتحقّق الإشاعة ـ إضافـة إلى ذلك ـ بأمـور أخرى لها علاقة بنوع السبب الذي تحقّق به الاشتراك؛ وتوضيحاً لذلك وتأكيداً له نقول: إن أسباب الشركة من هذه الجهة على نوعين:


الأول: الشركة العقدية، ويكفي في تحقّق التشارك بها ووقوع الإشاعة، نفسُ الاتفاق، فإذا اتفق اثنان أو أكثر على أن يشتركوا في النقد أو القمح الموجود في خزانة كل واحد منهم أو مزرعته، فقد ملك كل واحد منهم ـ بمجرد الاتّفاق ـ مقدار حصته من مال شريكه الذي ما يزال عنده، وصار ذلك النقد ـ أو القمح ـ مشتركاً بينهم ومملوكاً لهم على نحو الإشاعة، رغم بقاء كل مال في خزانة صاحبه وعدم اجتماعه مع مال الآخر في كم واحد ولا في مكان واحد؛ سواءً كانت الشركة في أعيان خارجية أو في أموال ذميّة. وهذا الأمر هو ميزة وخصيصة للشركة العقدية دون سواها.


الثاني: غير الشركة العقدية من الأسباب التي ذكرناها آنفاً، فإن الإشاعة فيها لا تكون إلا في إطار وحدة العين، سواءً في ذلك ما لو كان سبب الاشتراك هو الامتزاج بالنحو الذي ذكرناه سابقاً، أو كان سببه غير ذلك، كالحيازة والهبة والميراث ونحوها، فما لم يرد سبب التمليك على عين واحدة، وما لم يصر الشيئان بالامتزاج عيناً واحدة لا يتحقّق الاشتراك، فلو اصطاد كل من الصائدين طائراً من نفس النوع، أو اشترى كل واحد من المبتاعين نسخة من نفس الكتاب، أو مقداراً من القمح، فاشتبه طائر كل منهما ـ أو كتابه ـ بالآخر، أو اختلط المقداران من القمح ببعضهما، لم تتحقّق الشركة بذلك، لعدم حدوث الإشاعة بمجرد تجاور الأعيان واشتباهها، ولا بمجرد اختلاط مثل القمح وغيره من الحبوب الكبيرة، كما ذكرنا آنفاً.


اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية