وفاة الإمام الباقر(ع)

وفاة الإمام الباقر(ع)

انتقل الإمام الباقر (عليه السلام) إلى رضوان بارئه بالحميمة من الشراة، ثم نقل إلى بقيع المدينة يوم الإثنين، السابع من ذي الحجة، في ملك هشام بن عبد الملك، سنة ١١٤ هـ، وسنّه يومئذ سبع وخمسون سنة، وهو المشهور عند غالبية المؤرخين والمحدثين، والموافق لما قرّر في المشهور من تاريخ ولادته، وما قدّر من عمره.

واختلفوا في تعيين اليوم والشهر والسنة التي توفّي فيها على أقوال عدة، فقيل: الثالث أو السابع من ذي الحجة، والثالث والعشرون من صفر، والسابع من ربيع الأول أو من ربيع الآخر. وقيل في ذكر سنة وفاته: ١٠٥ و ١١٢ و ١١٣ و ١١٥ و ١١٦ و ١١٧ و ١١٨ و ١١٩ و ١٢٤ و ١٢٥ من الهجرة.

واختلف في الحاكم الذي توفي في زمانه، فهناك أخبار تصرح بوفاة الإمام (عليه السلام) في زمان عبد الملك بن مروان. وهو غريب، لأن خلافة عبد الملك ابن مروان كانت من سنة ٦٥ إلى ٨٦ هـ، ولم يقل أحد بهذا التاريخ، بل الأخبار الصحيحة صرحت بوفاته سنة ١١٤ هـ، أي بعد مضي نحو تسع سنين من أيام هشام بن عبد الملك ١٠٥ ـ ١٢٥ هـ. واستظهر العلاّمة المجلسي كونه هشام بن عبد الملك بن مروان، فسقط اسم هشام من الرواة أو النساخ، وبقي عبد الملك بن مروان.

وذكر الطبري أنه قبض في أول ملك إبراهيم بن الوليد، وذكر القرماني وابن شهرآشوب عن أبي جعفر بن بابويه أنّه سمّه إبراهيم بن الوليد.

وروى الطبري عن أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام)، أنّ سبب وفاته (عليه السلام) أنّ إبراهيم بن الوليد سمّه.

فإذا كان الباقر (عليه السلام) قبض سنة ١١٤ هـ، على المشهور، فوفاته في ملك هشام ١٠٥ ـ ١٢٥ هـ، لا في ملك إبراهيم الذي ولي وقتل سنة ١٢٧ هـ، فهذا القول معارض بالمشهور، إلاّ أن نقول إن إبراهيم بن الوليد قد نفذ هذه الجريمة العظمى في زمان هشام بن عبد الملك، وبإشارة منه، وليس في زمان ملك إبراهيم.

وذكر المسعودي أن وفاة أبي جعفر الباقر (عليه السلام) كانت أيام الوليد بن يزيد ١٢٥ هـ، ثم قال: وقد تنوزع في ذلك، فمن الناس من رأى أن وفاته كانت على أيام هشام بن عبد الملك، وذلك سنة ١١٧ هـ، ومن الناس من رأى أنه مات في أيام يزيد بن عبد الملك، وكانت أيام يزيد من سنة ١٠١ إلى ١٠٥ هـ.

مقدار عمره الشريف:

الرواية المشهورة في مقدار عمر الإمام الباقر (عليه السلام) هي سبع وخمسون سنة، بناءً على القول المشهور في ولادته ووفاته، وهناك أقوال أخرى تتفاوت بحسب تعدّد الأقوال المتقدمة في الولادة والوفاة، والمذكور منها ٥٥ و ٦٠ و ٥٦ و ٥٨ و ٦٣ و ٧٣ سنة.

ورجّح سبط ابن الجوزي وفاته عن ثمان وخمسين سنة، لما روي عنه (عليه السلام): أنّ علياً (عليه السلام) قتل وهو ابن ثمان وخمسين، ومات لها الحسن (عليه السلام)، ومات لها الحسين (عليه السلام)، ومات لها علي بن الحسين (عليه السلام) .

وروي عن جعفر بن محمد (عليهما ‌السلام) يقول: سمعت أبي يقول لعمتي فاطمة بنت الحسين (عليه السلام): قد أتت عليَّ ثمان وخمسون، فتوفّي لها، وروي نحو ذلك ابن سعد، والجنابذي، وابن عساكر، والقاضي النعمان.

وفاته:

رغم ابتعاد الإمام الباقر، ومن قبله أبوه الإمام السجّاد (عليهما ‌السلام)، عن كل ما يمتّ بصلة إلى السلطة ورموز بلاطها، إلاّ أنّه يمثل بالنسبة إلى السلطات الأُمويّة هاجساً من الخوف المشوب بالغيرة والحقد ونصب العداء، ويدخل ذلك ضمن الثقافة التي توارثها الأبناء عن الآباء من رجالات السلطة، ذلك لأنّهم يدركون خطورة النّشاط الذي يمارسه عليها، لكونه مصدر الوعي الإسلامي الصحيح، ورائد الحركة الاصلاحية في الأُمّة، التي تكنّ له التبجيل والاحترام، فعملت السلطة على تصفيته جسدياً، ولجأت إلى سلاحها المعهود، فاغتالته بالسمّ في زمان هشام بن عبد الملك، الذي نقل أنّه كان شديد العداوة والعناد لأبي جعفر الباقر (عليه السلام) ولأهل بيته. ولم تذكر الروايات تفاصيل أسباب دسّ السم إليه وكيفية شهادته.

ومهما يكن، فإنّ بعض المصادر ذكرت أنّ سبب موته مرض، بينما اكتفت بعض المصادر أنّ الإمام الباقر (عليه السلام) استُشهد مسموماً كأبيه، ولم تذكر الذي باشر ذلك، في حين ذكرت بعضها أنّ هشام بن عبد الملك هو الذي سمّه، وذكرت أُخرى أنّ إبراهيم بن الوليد هو الذي سمّه.

غير أنَّ هناك رواية طويلة لأبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، جاء فيها أنّ سبب إقدام السلطة على قتل الإمام (عليه السلام)، هو وشاية زيد بن الحسن إلى عبد الملك بن مروان، وأنّه قال له حين دخل عليه: أتيتك من عند ساحر كذّاب لا يحلّ لك تركه، وأنّ عنده سلاح رسول الله وسيفه ودرعه وخاتمه وعصاه وترِكته، ما أثار حفيظة عبد الملك بن مروان، وذلك لأنّ زيداً خاصم الإمام الباقر (عليه السلام) في ميراث رسول الله إلى القاضي، ثمّ أنّ عبد الملك بعث بسرج إلى الإمام الباقر (عليه السلام)، فلمّا أسرج له نزل متورّماً، وعاش ثلاثاً، ثم مضى إلى كرامة ربّه.

وتقدّم أنّ الرواية تذكر الأحداث في زمان عبد الملك، ولا يصحّ إلاّ بافتراض السقط والتحريف، لتكون أجواء الرواية في أيام هشام بن عبد الملك.

وممّا يدلّ على إصرار هشام على قتل الإمام (عليه السلام)، أنّه كتب إلى عامل المدينة بعد أن أشخص الإمام مع ولده الصادق (عليهما ‌السلام) أن يحتال في سمّ أبي جعفر (عليه السلام) عند عودته في طعام أو شراب، فلم يتهيّأ له شيء من ذلك.

قال الشاعر:

هلمّ بنا نبكي على باقر العلم سليل النبيّ المصطفى الأُمّي

على لذّة العيش العفا بعد ما قضى شهيداً بلا ذنب أتاه ولا جرم

له طول حزني ما حييت وحرقتي ونوحي ولو أنّ البكا قد برى عظمي

سقاه على رغم الوقى السمّ خفية هشام ردي الأب والجدّ والأُم

عليه من الرّحمن لعن مؤبّد بما سرّ من بغي وما سنّ من ظلم

وصاياه وجهازه:

كان الإمام الباقر (عليه السلام) قد نعى نفسه المقدّسة لولده الصادق (عليه السلام)، وأوصاه عدّة وصايا تتعلّق بالإمامة وبجهازه ودفنه، في أكثر من مناسبة، ففي الليلة التي قبض فيها، أدنى ولده الصّادق (عليه السلام) فناجاه، فلما فرغ من المناجاة، قال: يا بنيّ، هذه الليلة التي وُعدت أن أُقبض فيها.

ولما حان حينه، وتيقن وفاته، وعزم إلى أن يصير إلى روح الله وريحانه، ويعرج إلى معارج فوزه وجنانه، أوصى إلى ابنه أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) بجميع ما يحتاج إليه الناس، واستودعه ما كان محفوظاً عنده من الكتب والسّلاح وآثار الأنبياء وودائعهم، وأوصاه بأشياء في غسله وكفنه ودخوله قبره...

وفي خبر آخر، أنّه أمر حين حضرته الوفاة بإدخال أربعة من قريش من أهل المدينة فأشهدهم، وكان منهم نافع مولى عبد الله بن عمر، ثم قال: "اكتب: هذا ما وصّى به يعقوب بنيه: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد، وأمره أن يكفّنه في ثلاثة أثواب، أحدها رداء له حبرة كان يصلّي فيه الجمع، وثوب آخر، وقميص، وأن يعمّمه بعمامته، وأن يربّع قبره، ويرفعه أربع أصابع، ثم يخلى عنه، ويرشّه بالماء، وأن يحلّ عنه أطماره عند دفنه. وأوصاه أيضاً أن يحفر له ويشقّ له شقّ، وقال: إن قيل لكم: إنّ رسول الله (صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم) لُحّد له، فقد صدقوا"، وعلّل الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: "وشققنا له الأرض من أجل أنّه كان بادناً...".

وفي يوم وفاته، قام الإمام الصّادق (عليه السلام) بتهيئته، فغسّله كما أمره وحنّطه بحنوطه، وأدرجه في أكفانه، وصلّى عليه مع شيعته، وروي أنّه كان على نعشه برد حبرة، وخرج الناس لجنازته بالبكاء والعويل، وكان يوماً عظيماً مشهوداً، وأخرجه إلى بقيع الغرقد بالمدينة، في القبر الذي فيه أبوه علي بن الحسين (عليهما ‌السلام)، وعمّ أبيه الحسن (عليه السلام)، في القبّة التي فيها قبر العباس (عليهما ‌السلام)، وهكذا رحل باقر العلم إلى كرامة ربه الأعلى سبحانه صابراً محتسباً، شاهداً وشهيداً.

*من كتاب "الإمام أبو جعفر الباقر(ع) سيرة وتاريخ".

انتقل الإمام الباقر (عليه السلام) إلى رضوان بارئه بالحميمة من الشراة، ثم نقل إلى بقيع المدينة يوم الإثنين، السابع من ذي الحجة، في ملك هشام بن عبد الملك، سنة ١١٤ هـ، وسنّه يومئذ سبع وخمسون سنة، وهو المشهور عند غالبية المؤرخين والمحدثين، والموافق لما قرّر في المشهور من تاريخ ولادته، وما قدّر من عمره.

واختلفوا في تعيين اليوم والشهر والسنة التي توفّي فيها على أقوال عدة، فقيل: الثالث أو السابع من ذي الحجة، والثالث والعشرون من صفر، والسابع من ربيع الأول أو من ربيع الآخر. وقيل في ذكر سنة وفاته: ١٠٥ و ١١٢ و ١١٣ و ١١٥ و ١١٦ و ١١٧ و ١١٨ و ١١٩ و ١٢٤ و ١٢٥ من الهجرة.

واختلف في الحاكم الذي توفي في زمانه، فهناك أخبار تصرح بوفاة الإمام (عليه السلام) في زمان عبد الملك بن مروان. وهو غريب، لأن خلافة عبد الملك ابن مروان كانت من سنة ٦٥ إلى ٨٦ هـ، ولم يقل أحد بهذا التاريخ، بل الأخبار الصحيحة صرحت بوفاته سنة ١١٤ هـ، أي بعد مضي نحو تسع سنين من أيام هشام بن عبد الملك ١٠٥ ـ ١٢٥ هـ. واستظهر العلاّمة المجلسي كونه هشام بن عبد الملك بن مروان، فسقط اسم هشام من الرواة أو النساخ، وبقي عبد الملك بن مروان.

وذكر الطبري أنه قبض في أول ملك إبراهيم بن الوليد، وذكر القرماني وابن شهرآشوب عن أبي جعفر بن بابويه أنّه سمّه إبراهيم بن الوليد.

وروى الطبري عن أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام)، أنّ سبب وفاته (عليه السلام) أنّ إبراهيم بن الوليد سمّه.

فإذا كان الباقر (عليه السلام) قبض سنة ١١٤ هـ، على المشهور، فوفاته في ملك هشام ١٠٥ ـ ١٢٥ هـ، لا في ملك إبراهيم الذي ولي وقتل سنة ١٢٧ هـ، فهذا القول معارض بالمشهور، إلاّ أن نقول إن إبراهيم بن الوليد قد نفذ هذه الجريمة العظمى في زمان هشام بن عبد الملك، وبإشارة منه، وليس في زمان ملك إبراهيم.

وذكر المسعودي أن وفاة أبي جعفر الباقر (عليه السلام) كانت أيام الوليد بن يزيد ١٢٥ هـ، ثم قال: وقد تنوزع في ذلك، فمن الناس من رأى أن وفاته كانت على أيام هشام بن عبد الملك، وذلك سنة ١١٧ هـ، ومن الناس من رأى أنه مات في أيام يزيد بن عبد الملك، وكانت أيام يزيد من سنة ١٠١ إلى ١٠٥ هـ.

مقدار عمره الشريف:

الرواية المشهورة في مقدار عمر الإمام الباقر (عليه السلام) هي سبع وخمسون سنة، بناءً على القول المشهور في ولادته ووفاته، وهناك أقوال أخرى تتفاوت بحسب تعدّد الأقوال المتقدمة في الولادة والوفاة، والمذكور منها ٥٥ و ٦٠ و ٥٦ و ٥٨ و ٦٣ و ٧٣ سنة.

ورجّح سبط ابن الجوزي وفاته عن ثمان وخمسين سنة، لما روي عنه (عليه السلام): أنّ علياً (عليه السلام) قتل وهو ابن ثمان وخمسين، ومات لها الحسن (عليه السلام)، ومات لها الحسين (عليه السلام)، ومات لها علي بن الحسين (عليه السلام) .

وروي عن جعفر بن محمد (عليهما ‌السلام) يقول: سمعت أبي يقول لعمتي فاطمة بنت الحسين (عليه السلام): قد أتت عليَّ ثمان وخمسون، فتوفّي لها، وروي نحو ذلك ابن سعد، والجنابذي، وابن عساكر، والقاضي النعمان.

وفاته:

رغم ابتعاد الإمام الباقر، ومن قبله أبوه الإمام السجّاد (عليهما ‌السلام)، عن كل ما يمتّ بصلة إلى السلطة ورموز بلاطها، إلاّ أنّه يمثل بالنسبة إلى السلطات الأُمويّة هاجساً من الخوف المشوب بالغيرة والحقد ونصب العداء، ويدخل ذلك ضمن الثقافة التي توارثها الأبناء عن الآباء من رجالات السلطة، ذلك لأنّهم يدركون خطورة النّشاط الذي يمارسه عليها، لكونه مصدر الوعي الإسلامي الصحيح، ورائد الحركة الاصلاحية في الأُمّة، التي تكنّ له التبجيل والاحترام، فعملت السلطة على تصفيته جسدياً، ولجأت إلى سلاحها المعهود، فاغتالته بالسمّ في زمان هشام بن عبد الملك، الذي نقل أنّه كان شديد العداوة والعناد لأبي جعفر الباقر (عليه السلام) ولأهل بيته. ولم تذكر الروايات تفاصيل أسباب دسّ السم إليه وكيفية شهادته.

ومهما يكن، فإنّ بعض المصادر ذكرت أنّ سبب موته مرض، بينما اكتفت بعض المصادر أنّ الإمام الباقر (عليه السلام) استُشهد مسموماً كأبيه، ولم تذكر الذي باشر ذلك، في حين ذكرت بعضها أنّ هشام بن عبد الملك هو الذي سمّه، وذكرت أُخرى أنّ إبراهيم بن الوليد هو الذي سمّه.

غير أنَّ هناك رواية طويلة لأبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، جاء فيها أنّ سبب إقدام السلطة على قتل الإمام (عليه السلام)، هو وشاية زيد بن الحسن إلى عبد الملك بن مروان، وأنّه قال له حين دخل عليه: أتيتك من عند ساحر كذّاب لا يحلّ لك تركه، وأنّ عنده سلاح رسول الله وسيفه ودرعه وخاتمه وعصاه وترِكته، ما أثار حفيظة عبد الملك بن مروان، وذلك لأنّ زيداً خاصم الإمام الباقر (عليه السلام) في ميراث رسول الله إلى القاضي، ثمّ أنّ عبد الملك بعث بسرج إلى الإمام الباقر (عليه السلام)، فلمّا أسرج له نزل متورّماً، وعاش ثلاثاً، ثم مضى إلى كرامة ربّه.

وتقدّم أنّ الرواية تذكر الأحداث في زمان عبد الملك، ولا يصحّ إلاّ بافتراض السقط والتحريف، لتكون أجواء الرواية في أيام هشام بن عبد الملك.

وممّا يدلّ على إصرار هشام على قتل الإمام (عليه السلام)، أنّه كتب إلى عامل المدينة بعد أن أشخص الإمام مع ولده الصادق (عليهما ‌السلام) أن يحتال في سمّ أبي جعفر (عليه السلام) عند عودته في طعام أو شراب، فلم يتهيّأ له شيء من ذلك.

قال الشاعر:

هلمّ بنا نبكي على باقر العلم سليل النبيّ المصطفى الأُمّي

على لذّة العيش العفا بعد ما قضى شهيداً بلا ذنب أتاه ولا جرم

له طول حزني ما حييت وحرقتي ونوحي ولو أنّ البكا قد برى عظمي

سقاه على رغم الوقى السمّ خفية هشام ردي الأب والجدّ والأُم

عليه من الرّحمن لعن مؤبّد بما سرّ من بغي وما سنّ من ظلم

وصاياه وجهازه:

كان الإمام الباقر (عليه السلام) قد نعى نفسه المقدّسة لولده الصادق (عليه السلام)، وأوصاه عدّة وصايا تتعلّق بالإمامة وبجهازه ودفنه، في أكثر من مناسبة، ففي الليلة التي قبض فيها، أدنى ولده الصّادق (عليه السلام) فناجاه، فلما فرغ من المناجاة، قال: يا بنيّ، هذه الليلة التي وُعدت أن أُقبض فيها.

ولما حان حينه، وتيقن وفاته، وعزم إلى أن يصير إلى روح الله وريحانه، ويعرج إلى معارج فوزه وجنانه، أوصى إلى ابنه أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) بجميع ما يحتاج إليه الناس، واستودعه ما كان محفوظاً عنده من الكتب والسّلاح وآثار الأنبياء وودائعهم، وأوصاه بأشياء في غسله وكفنه ودخوله قبره...

وفي خبر آخر، أنّه أمر حين حضرته الوفاة بإدخال أربعة من قريش من أهل المدينة فأشهدهم، وكان منهم نافع مولى عبد الله بن عمر، ثم قال: "اكتب: هذا ما وصّى به يعقوب بنيه: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد، وأمره أن يكفّنه في ثلاثة أثواب، أحدها رداء له حبرة كان يصلّي فيه الجمع، وثوب آخر، وقميص، وأن يعمّمه بعمامته، وأن يربّع قبره، ويرفعه أربع أصابع، ثم يخلى عنه، ويرشّه بالماء، وأن يحلّ عنه أطماره عند دفنه. وأوصاه أيضاً أن يحفر له ويشقّ له شقّ، وقال: إن قيل لكم: إنّ رسول الله (صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم) لُحّد له، فقد صدقوا"، وعلّل الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: "وشققنا له الأرض من أجل أنّه كان بادناً...".

وفي يوم وفاته، قام الإمام الصّادق (عليه السلام) بتهيئته، فغسّله كما أمره وحنّطه بحنوطه، وأدرجه في أكفانه، وصلّى عليه مع شيعته، وروي أنّه كان على نعشه برد حبرة، وخرج الناس لجنازته بالبكاء والعويل، وكان يوماً عظيماً مشهوداً، وأخرجه إلى بقيع الغرقد بالمدينة، في القبر الذي فيه أبوه علي بن الحسين (عليهما ‌السلام)، وعمّ أبيه الحسن (عليه السلام)، في القبّة التي فيها قبر العباس (عليهما ‌السلام)، وهكذا رحل باقر العلم إلى كرامة ربه الأعلى سبحانه صابراً محتسباً، شاهداً وشهيداً.

*من كتاب "الإمام أبو جعفر الباقر(ع) سيرة وتاريخ".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية