مسؤوليَّتُنا في عصرِ الغيبةِ: احتضانُ الإسلامِ ونشرُ العدلِ

مسؤوليَّتُنا في عصرِ الغيبةِ: احتضانُ الإسلامِ ونشرُ العدلِ

إنَّ ما يواجهنا [في غياب الإمام المهدي (عج)]: ما هي مسؤوليَّتنا في هذا الوقت الضَّائع في المدَّة التي تفصل بين غيبته وبين ظهوره؟ هل إنَّ الإسلام قد تجمَّد خلال ذلك، وهو دين الله الَّذي أراد للنَّاس أن يتحرّكوا فيه على مدى الزَّمن، فالإنسان لا بدَّ أن يكون مسلماً ممارساً ومسؤولاً ومنفتحاً على كلِّ حكم من أحكام الإسلام على مدى الزَّمن، فالإسلام بكل أحكامه وشرائعه ومناهجه ومفاهيمه، لا يزال حيّاً متحركاً يواجه النَّاس بمسؤوليَّاتهم في هذا الوقت وفيما قبله.

المسؤوليّةُ في عصرِ الغيبة

وفي ضوء ذلك، نعتقد أنّ كل العناوين الإسلاميَّة، إنْ من ناحية المسائل الفردية المتَّصلة بتكليف الفرد من صلاة أو صوم وما إلى ذلك، أو من ناحية المسائل العامّة المتّصلة بالأمّة في حركتها، هي من أجل أن يكون الإسلام قاعدة للفكر والعاطفة والحياة.

فما دام الإسلام هو دين الله، وهو الحلّ الذي أراده لمشاكل الإنسان، والمنهج الذي رسمه لتغطية حاجاته، فلا بدَّ للمسلمين أن يحتضنوا الإسلام في وجدانهم، وفي ممارساتهم وحركتهم، فردياً وجماعياً، ليحقّقوا الخطوط العامَّة بجهدهم كما يحقّقون الخطى التفصيلية.

ولهذا، فإنَّ مسؤوليَّة المسلمين في غيابه (عجَّل الله فرجه الشَّريف) قد تكون أكثر من مسؤوليَّتهم في حال حضوره، باعتبار أنَّ حضور الإمام قد يخفِّف الكثير من المسؤوليَّات عن عاتق العاملين، لأنّهم يلقون ذلك إليه. ولكنّنا في غيابه، نحتاج إلى أن نحتضن الساحة ونلاحقها ونستوحي كلّ كلماته الَّتي هي ليست فقط ما صدر عنه بالخصوص، ولكنّ كلماته هي القرآن كلّه، وهي السنّة النبويَّة الشريفة كلّها، وهي كلَّ ما صدر عن آبائه الأئمّة (ع) وما صدر عنه هو شخصيّاً.

وعلى هذا الأساس، فنحن نعيش حضوره في كلِّ هذا الخطّ الإسلاميّ من الكتاب والسنَّة بكلِّ امتداداتها وتفاصيلها، فنحن لا نشكو فراغاً من خلال فراغ حضوره، لأنّ هذا الفراغ يمتلئ بهذا التراث الدينيّ الَّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولقد قال للّذين سألوه عمّا يصنعون في حال غيبته، كما روي عنه: "وأمَّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنّهم حجَّتي عليكم، وأنا حجّة الله"1.

ومن هنا، ابتدأت مسيرة العلماء في احتضان التراث الإسلاميّ في خطوطه العامَّة وتفاصيله. ومن هنا أيضاً، انطلقت مسيرة العلماء المجتهدين المتَّقين الواعين المجاهدين والمنفتحين على قضايا الإسلام وقضايا الحياة بكلِّ اجتهادهم ووعيهم وإخلاصهم وجهادهم. فنحن مسؤولون عن أن نملأ الفراغ في كلِّ مجالات حياتنا، ونتحسَّس وجوده من خلال ما نتحسَّسه من رقابته علينا ورصده لنا وبركته علينا بكلِّ ما للحركة الإسلاميَّة من قضايا ومشاكل وتحدّيات.

العملُ من أجلِ العدلِ

وأمّا النقطة الثانية التي لا بدَّ أن نتمثَّلها ونستوحيها من خلال هذه الذكرى، فهي أنَّ العنوان الكبير الِّذي وضع لظهوره هو عنوان (العدل الكلّيّ الشَّامل)، أي العدل للإنسان كلّه وللحياة كلّها، فالتَّجربة الوحيدة التي لم يعهد الإنسان لها مثيلاً في كلّ تأريخه، هي التي أراد الله لها أن تتحقَّق في حضوره.

وبديهيّ، فإنّ ذلك لا يتمّ بلمسة سحريّة تحوّل واقع الظّلم إلى واقع عدل، ولكنها مسألة تنفتح على الجهاد معه، ومواجهة كلّ التحديات تحت قيادته، فنحن عندما ننفتح على ظهوره، فإنّنا ننفتح على العدل الشَّامل.

فماذا يوحي إلينا ذلك؟ إنّه يوحي بأن تكون حركتنا في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني منطلقة من قاعدة العدل، وأن لا يكون اهتمامنا بالعدل في الساحة الإسلاميَّة فحسب، بحيث نفكّر في العدل للمسلمين جميعاً، ولا يهمنّا إذا ظلم الناس من غير المسلمين... [لأنّ] القِيَم في الإسلام ليست محدودةً بجماعة خاصَّة...

كيفَ نكونُ من جنودِهِ؟!

وأمّا النقطة الثَّالثة، فهي أنّنا ونحن نؤمن بالعدالة في نهاية الزمان على يدي الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، علينا أن نكون العادلين، ثم ندعو: "اللّهمَّ اجعلني من أنصاره وأعوانه والمستشهدين معه"، أي أن تكون فريقَهُ وجنده، ففريقه فريق العدل، وجنده جند العدل، فإذا كنت تظلم زوجتك وولدك وجارك والَّذي تتعامل معه والَّذي تتحمّل مسؤوليته، فكيف يمكن أن تكون جنداً له؟ كيف تحارب الظَّالمين وأنتَ معهم؟!. فإذا كنّا جادّين بالالتزام به، فعلينا أن لا يظلم بعضنا بعضاً في أنانياتنا في حركة الواقع ضدَّ الآخر، وعلينا أن لا يظلم بعضنا بعضاً في عصبيّاتنا، سواء كانت ذاتية أو عائلية أو إقليمية أو قومية أو طائفية أو مذهبية، وعلينا أن لا نتصوَّر بأنَّ لنا حقّاً وليس للآخرين حقّ، بل أن نفكِّر في أنَّ الله قد جعل لنا حقوقاً كما جعل علينا واجبات، وجعل للآخرين حقوقاً وجعل عليهم واجبات، وعلينا أن نؤدّي للنَّاس حقوقهم علينا، وأن نطالبهم بحقوقنا عليهم، وعلينا أن نؤدّي الحقّ الأكبر، وهو حقّ الله، فله كلّ الحقّ علينا، وليس لنا على الله أيّ حقّ إلّا ما تفضّل به علينا ممّا جعله لنا من حقّ عليه فيما يثيبنا ويعطينا.

وعندما نعيش هذه الأجواء، علينا أن نسال عمَّا هي مسؤوليتنا، ذلك أنَّ غيبته لم تكن مسؤوليّتنا، وظهوره كذلك ليس من مسؤوليتنا، وأمّا ما هي علامات ظهوره، فذلك علم لا يضرّ من جهله، ولا ينفع من علمه. فمسؤوليتنا مع كلّ التاريخ والرموز في مرحلتنا وعصرنا، هي أنْ نصنع التاريخ من خلال الخطوط الَّتي نؤمن بها ونتعامل معها والأهداف التي نسعى لبلوغها.

* من كتاب "النَّدوة"،ج 2.

[1]الاحتجاج، الشّيخ الطّبرسي، ج2، ص 283.

إنَّ ما يواجهنا [في غياب الإمام المهدي (عج)]: ما هي مسؤوليَّتنا في هذا الوقت الضَّائع في المدَّة التي تفصل بين غيبته وبين ظهوره؟ هل إنَّ الإسلام قد تجمَّد خلال ذلك، وهو دين الله الَّذي أراد للنَّاس أن يتحرّكوا فيه على مدى الزَّمن، فالإنسان لا بدَّ أن يكون مسلماً ممارساً ومسؤولاً ومنفتحاً على كلِّ حكم من أحكام الإسلام على مدى الزَّمن، فالإسلام بكل أحكامه وشرائعه ومناهجه ومفاهيمه، لا يزال حيّاً متحركاً يواجه النَّاس بمسؤوليَّاتهم في هذا الوقت وفيما قبله.

المسؤوليّةُ في عصرِ الغيبة

وفي ضوء ذلك، نعتقد أنّ كل العناوين الإسلاميَّة، إنْ من ناحية المسائل الفردية المتَّصلة بتكليف الفرد من صلاة أو صوم وما إلى ذلك، أو من ناحية المسائل العامّة المتّصلة بالأمّة في حركتها، هي من أجل أن يكون الإسلام قاعدة للفكر والعاطفة والحياة.

فما دام الإسلام هو دين الله، وهو الحلّ الذي أراده لمشاكل الإنسان، والمنهج الذي رسمه لتغطية حاجاته، فلا بدَّ للمسلمين أن يحتضنوا الإسلام في وجدانهم، وفي ممارساتهم وحركتهم، فردياً وجماعياً، ليحقّقوا الخطوط العامَّة بجهدهم كما يحقّقون الخطى التفصيلية.

ولهذا، فإنَّ مسؤوليَّة المسلمين في غيابه (عجَّل الله فرجه الشَّريف) قد تكون أكثر من مسؤوليَّتهم في حال حضوره، باعتبار أنَّ حضور الإمام قد يخفِّف الكثير من المسؤوليَّات عن عاتق العاملين، لأنّهم يلقون ذلك إليه. ولكنّنا في غيابه، نحتاج إلى أن نحتضن الساحة ونلاحقها ونستوحي كلّ كلماته الَّتي هي ليست فقط ما صدر عنه بالخصوص، ولكنّ كلماته هي القرآن كلّه، وهي السنّة النبويَّة الشريفة كلّها، وهي كلَّ ما صدر عن آبائه الأئمّة (ع) وما صدر عنه هو شخصيّاً.

وعلى هذا الأساس، فنحن نعيش حضوره في كلِّ هذا الخطّ الإسلاميّ من الكتاب والسنَّة بكلِّ امتداداتها وتفاصيلها، فنحن لا نشكو فراغاً من خلال فراغ حضوره، لأنّ هذا الفراغ يمتلئ بهذا التراث الدينيّ الَّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولقد قال للّذين سألوه عمّا يصنعون في حال غيبته، كما روي عنه: "وأمَّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنّهم حجَّتي عليكم، وأنا حجّة الله"1.

ومن هنا، ابتدأت مسيرة العلماء في احتضان التراث الإسلاميّ في خطوطه العامَّة وتفاصيله. ومن هنا أيضاً، انطلقت مسيرة العلماء المجتهدين المتَّقين الواعين المجاهدين والمنفتحين على قضايا الإسلام وقضايا الحياة بكلِّ اجتهادهم ووعيهم وإخلاصهم وجهادهم. فنحن مسؤولون عن أن نملأ الفراغ في كلِّ مجالات حياتنا، ونتحسَّس وجوده من خلال ما نتحسَّسه من رقابته علينا ورصده لنا وبركته علينا بكلِّ ما للحركة الإسلاميَّة من قضايا ومشاكل وتحدّيات.

العملُ من أجلِ العدلِ

وأمّا النقطة الثانية التي لا بدَّ أن نتمثَّلها ونستوحيها من خلال هذه الذكرى، فهي أنَّ العنوان الكبير الِّذي وضع لظهوره هو عنوان (العدل الكلّيّ الشَّامل)، أي العدل للإنسان كلّه وللحياة كلّها، فالتَّجربة الوحيدة التي لم يعهد الإنسان لها مثيلاً في كلّ تأريخه، هي التي أراد الله لها أن تتحقَّق في حضوره.

وبديهيّ، فإنّ ذلك لا يتمّ بلمسة سحريّة تحوّل واقع الظّلم إلى واقع عدل، ولكنها مسألة تنفتح على الجهاد معه، ومواجهة كلّ التحديات تحت قيادته، فنحن عندما ننفتح على ظهوره، فإنّنا ننفتح على العدل الشَّامل.

فماذا يوحي إلينا ذلك؟ إنّه يوحي بأن تكون حركتنا في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني منطلقة من قاعدة العدل، وأن لا يكون اهتمامنا بالعدل في الساحة الإسلاميَّة فحسب، بحيث نفكّر في العدل للمسلمين جميعاً، ولا يهمنّا إذا ظلم الناس من غير المسلمين... [لأنّ] القِيَم في الإسلام ليست محدودةً بجماعة خاصَّة...

كيفَ نكونُ من جنودِهِ؟!

وأمّا النقطة الثَّالثة، فهي أنّنا ونحن نؤمن بالعدالة في نهاية الزمان على يدي الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، علينا أن نكون العادلين، ثم ندعو: "اللّهمَّ اجعلني من أنصاره وأعوانه والمستشهدين معه"، أي أن تكون فريقَهُ وجنده، ففريقه فريق العدل، وجنده جند العدل، فإذا كنت تظلم زوجتك وولدك وجارك والَّذي تتعامل معه والَّذي تتحمّل مسؤوليته، فكيف يمكن أن تكون جنداً له؟ كيف تحارب الظَّالمين وأنتَ معهم؟!. فإذا كنّا جادّين بالالتزام به، فعلينا أن لا يظلم بعضنا بعضاً في أنانياتنا في حركة الواقع ضدَّ الآخر، وعلينا أن لا يظلم بعضنا بعضاً في عصبيّاتنا، سواء كانت ذاتية أو عائلية أو إقليمية أو قومية أو طائفية أو مذهبية، وعلينا أن لا نتصوَّر بأنَّ لنا حقّاً وليس للآخرين حقّ، بل أن نفكِّر في أنَّ الله قد جعل لنا حقوقاً كما جعل علينا واجبات، وجعل للآخرين حقوقاً وجعل عليهم واجبات، وعلينا أن نؤدّي للنَّاس حقوقهم علينا، وأن نطالبهم بحقوقنا عليهم، وعلينا أن نؤدّي الحقّ الأكبر، وهو حقّ الله، فله كلّ الحقّ علينا، وليس لنا على الله أيّ حقّ إلّا ما تفضّل به علينا ممّا جعله لنا من حقّ عليه فيما يثيبنا ويعطينا.

وعندما نعيش هذه الأجواء، علينا أن نسال عمَّا هي مسؤوليتنا، ذلك أنَّ غيبته لم تكن مسؤوليّتنا، وظهوره كذلك ليس من مسؤوليتنا، وأمّا ما هي علامات ظهوره، فذلك علم لا يضرّ من جهله، ولا ينفع من علمه. فمسؤوليتنا مع كلّ التاريخ والرموز في مرحلتنا وعصرنا، هي أنْ نصنع التاريخ من خلال الخطوط الَّتي نؤمن بها ونتعامل معها والأهداف التي نسعى لبلوغها.

* من كتاب "النَّدوة"،ج 2.

[1]الاحتجاج، الشّيخ الطّبرسي، ج2، ص 283.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية