التَّمهيد العمليّ للإمام المهديّ (عج)

التَّمهيد العمليّ للإمام المهديّ (عج)

انتظار الرّساليّين

• معه، ننتظره لا انتظار الغافلين، ولا انتظار المرتاحين، ولا انتظار المتعبين، بل انتظار الرساليّين، لأنه في معناه في وجداننا الإسلامي، رسالة نعيش روحانيتها في الحاضر، وننتظر حركيتها في المستقبل. والسؤال الذي لا بدَّ لنا من أن نطرحه على أنفسنا هو أنّنا نزوره، ونتوسّل إلى الله أن يعجّل ظهوره، ونتحدّث إليه بالمحبة كلها، وربما يبكي البعض شوقاً إليه، ولكن ليس هذا هو دورنا الحركي، لأنّ قضيّة أن تكون مسلماً وأن تكون ملتزماً بمنهج أهل البيت(ع)، هو أن تبقى تتحرّك في الخطّين اللّذين رسمهما رسول الله(ص) للأمّة من بعده، لترتبط الأمّة بهما معاً، لأنهما لن يفترقا في خطّ الرّسالة، فلا بدّ من أن لا يفترقا في وعي الذين يلتزمون الرّسالة:

"إني تاركٌ فيكم الثّقلين؛ كتاب الله حبلٌ ممدود من السَّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي".

الالتزام بمنهج أهل البيت(ع)

• نلتزم الإسلام في منهج أهل البيت(ع)، ومنهج أهل البيت هو في كتاب الله وسنّة نبيّه، لأنه ليس لأهل البيت(ع) أية خصوصية زائدة عن خصوصيّة الإسلام، فهم ينفتحون على الإسلام كلّه، لا يزيدون ولا ينقصون فيه، لأنّ الإسلام في كتاب الله وسنّة رسوله كلمة الله، ونحن نعرف أن رسول الله(ص) لم ينقص حرفاً ولم يزد حرفاً {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}، والنبي(ص) لا يفعل ذلك، ولكنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يوحي إلى النّاس: فكيف بكم أنتم إذا أنقصتم حرفاً من الإسلام أو زدتم حرفاً على الإسلام؟...

لذلك ـ أيّها الأحبة ـ إن أول التزام بالإمام(عج)، هو أن نلتزم بالكتاب، وأن يكون القرآن كلّ شيء في حياتنا، أن نعيشه وأن نقرأه وأن نتدبّره وأن نعمل به، وأن نجعله عنواناً لثقافتنا ولسياستنا ولاقتصادنا ولاجتماعنا ولحربنا ولسلمنا، لأنّه يمثّل العناوين الكبرى لذلك كلّه، وأن نلتزم العترة الذين التزموا الكتاب والتزموا النبي(ص)، لأن ما عندهم هو ما عند رسول الله(ص)، ولأنّ حديثهم هو حديث رسول الله، ولأنّ سيرتهم هي سيرة رسول الله..

دراسة تراث أهل البيت(ع)

• علينا أن ندرس العترة، وأن ندرس التراث الذي تركوه لنا مما صحّ منه، سواء كان تراث الكلمات التي تكلّموها، أو تراث السيرة التي ساروا عليها.. وإنني أزعم ـ أيها الأحبّة ـ أننا حتى ونحن نبكي عليهم في مآسيهم كلّها، ونفرح لهم في أفراحهم كلّها، أزعم أننا حتى الآن لم نفهم سرّ أهل اليت(ع)، ولم نفهم مناهجهم التربوية، والخطوط السياسية والخطوط الأخلاقية التي انطلقوا بها والقيم التي أثاروها.. إنهم بالنسبة إلينا دمعة نذرفها وفرحة نفرحها، أمّا غير ذلك، فإنّ الاتجاه العام في إثارة ذكرى أهل البيت(ع)، هو اتجاه تجميدهم في عقولنا بدلاً من أن نحرّكها (أي الذكرى) حركة المسؤوليّة.

• أن نتحرَّك وفق حركة أهل البيت(ع)، وهذا هو ما ورد عن الإمام الباقر(ع)، عندما أراد أن يتحدّث عن خط التشيّع في خطّ الإسلام: "فوالله ما شيعتنا إلّا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون، يا جابر، إلا بالتواضع والتخشّع... وصدق الحديث"، "أفيكفي لمن ينتحل التشيّع أن يقول بحبنا أهل البيت؟"، "حسب الرجل أن يقول أحبّ علياً وأتولاّه ثم لا يكون مع ذلك فعّالاً. فرسول الله(ص) خيرٌ من علي(ع)، فلو قال إني أحبّ رسول الله، ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنّته، ما نفعه حبّه إياه شيئاً. فاتّقوا الله، واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحبّ العباد إلى الله عزّ وجلّ وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته. يا جابر، والله ما يتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلّا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجّة... من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع" .

دورنا في عصر الغيبة

• دورنا في هذه المرحلة هو أن نعيش ذلك في أنفسنا، لنبني قلوبنا وعقولنا وكياننا وحركتنا على هذا الأساس، ثم لا بدّ لنا من أن نعمل من أجل أن نكون الدّعاة إلى الله، بأن نفهم الإسلام وندعو له في داخل الحياة الإسلاميّة، حتى نستطيع أن نحفظ المسلمين من الضّلال، ومن كلّ ما يتحرّك من كفرٍ في داخلنا، وفي خارج الحياة الإسلامية، بأن ندعو الناس إلى الإسلام، لأنّ الكثيرين من الناس في هذا العصر، يمكن أن يدخلوا في الإسلام إذا أحسنّا عرضه وبيان مفاهيمه ونقاط القوّة فيه، وأحسنّا أن نكون القدوة له، فهذه هي المسألة التي أرادنا الله أن ننطلق فيها {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

جنود العدل

• إنّ الله يريد لنا أن نكون جنود العدل وأن نرفض المستكبرين لصالح المستضعفين، لأنه سبحانه وتعالى لا يريد للمستضعفين أن يستضعفوا أنفسهم، ولا يريد لنا أن نترك المستضعفين تحت سيطرة المستكبرين. أما الجانب الأوّل، فهو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا* إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا* فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورً}. فالمستضعف الذي يملك أن يخرج عن استضعافه، والمستضعف الآخر الذي يملك أن يحوّل ضعفه إلى قوّة لينطلق في مواجهة المستكبرين من موقع قوّة جديدة، لا يعذره الله إذا انحرف تحت تأثير سيطرة المستكبرين عليه.

أمّا الآية الثانية التي تريد لنا أن نقاتل في سبيل المستضعفين، فإنَّ الله يحدّثنا عن الذين يقاتلون في سبيل المستضعفين بقوله: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ}. ونحن نعرف أن من أهداف الإسلام، هو القتال في سبيل المستضعفين. لهذا، فالله يريدنا أن نقاتل في سبيل المستضعفين، حتى لو كان المستضعفون غير مسلمين في بعض الحالات، فمسألة الاستكبار هي مسألة واحدة يرتبط بعضها ببعض، ذلك أن أيّ قوة للاستكبار في موقع، تعطيه قوّة في المواقع الأخرى، وأيّ ضعف للمستضعين في أيّ موقع، يكون ضعفاً للمستضعفين في موقع آخر.

ومن هنا، نعرف لماذا لا يريد الله الظّلم كلّه، حتى ظلم المسلمين الكافرين، وقد ورد عندنا في (الكافي) عن أحد أئمة أهل البيت(ع): "أوحى الله إلى نبيّ في مملكة جبّار من الجبارين، أن ائتِ هذا الجبّار، وقل له إني إنما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فإني لم أدع ظلامتهم ولو كانوا كفاراً". فلا يجوز للمسلمين أن يظلموا الكافرين، بمعنى أنه إذا كان للكافر حقّ عندك، فلا يجوز لك أن تغمطه حقه، ولا يجوز لك أن تظلمه حقه. وأن تقاتل الكافر عندما يكون محارباً أو مفسداً في الأرض، فهذا شيء آخر، ولكن في الحياة العامَّة، إذا كان للكافر حقّ عندك، فلا يجوز لك أن تمنعه حقَّه.

ونحن ـ أيها الأحبة ـ عندما نعيش في واقعنا المعاصر الذي يسيطر فيه الاستكبار العالمي على مقدّرات المستضعفين في العالم كلّه، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، فإن علينا أن ندرس المسألة في دائرتها السياسية والاقتصادية والأمنية، وأن ندرس كيف يمكن أن نقف ضد المستكبرين. فالهدف الكبير هو أن نسقط استكبار المستكبرين، بحيث لا تقوم لهم سلطة على المستضعفين في العالم، سواء فيما يتحركون به من مصادرة ثروات الشعوب، أو من مصادرة أمنهم، أو من محاولة مصادرة سياستهم، بحيث تكون سياستنا على هامش سياستهم، وأن لا يكون لنا استقلال في اقتصادنا وفي سياستنا وفي أمننا وفي قضايانا الحيويّة، بل لتكون بأجمعها تحت سيطرتهم، وهذا الاستقلال هو هدف إسلاميّ كبير، إذ لا بدّ لنا من أن نقمع استكبار المستكبرين، ليعيش المستضعفون على أساس أن تكون لهم الحريّة في خطّ العدالة.

تحالف المستضعفين

• إنّ علينا أن نفكّر بأن نتحالف أو ننسّق بين المستضعفين في العالم، ولقد كان الإمام الخميني(رض) على درجة كبيرة من الوعي للواقع السياسي في العالم، سواء واقع المسلمين في مقابل غير المسلمين، أو واقع المستضعفين في مقابل واقع المستكبرين، حيث أطلق شعارين في بداية الثورة، هما "أيها المسلمون اتحدوا اتحدوا"، ثم أطلق "يا مستضعفي العالم اتحدوا"، لأنه أدرك أن المسلمين لن يكونوا قوّة في إسلامهم إلا إذا اتحدوا، حتى يمكن أن يواجهوا الكفر والاستكبار من موقع واحد...

لذلك ـ أيها الأحبة ـ علينا أن لا نسقط أمام قوة الأقوياء، وأن نعمل على أساس أن لا نجترّ ضعفنا لنزداد ضعفاً بعد ضعف...

استلهام القوّة من الله

• عندما نعيش مع الله، فإننا نستطيع أن نستلهم القوّة بالله {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ}، والقوم يقتربون منه، حتى لم يكن بينه وبينهم إلّا خطوتان {إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَ}.

معه، نسير نحوه وننتظره ونحن ندعو إلى الله، وننتظره ونحن نطيع الله، وننتظره ونحن نستمدّ القوة من الله، ونتحرّك لنحقّق نصراً ولو بمستوى 10% اليوم، ليأتي الجيل من بعدنا ليحقّقوا نصراً آخر ونصراً آخر، لأنّ حركة النصر الكبير لا يمكن أن تنطلق إلّا من خلال حركة الأجيال في طريق النصر، وإذا لم نلتقِ به في معنى الحضور الواقعيّ، فإننا نلتقي به اليوم وغداً وبعد غد في معنى الحضور الرّساليّ، من أجل أن نمهّد له في موقع ننتصر به اليوم، وفي بلد نفتحها غداً.

*من كتاب النّدوة، ج 5، ص 411-422...

انتظار الرّساليّين

• معه، ننتظره لا انتظار الغافلين، ولا انتظار المرتاحين، ولا انتظار المتعبين، بل انتظار الرساليّين، لأنه في معناه في وجداننا الإسلامي، رسالة نعيش روحانيتها في الحاضر، وننتظر حركيتها في المستقبل. والسؤال الذي لا بدَّ لنا من أن نطرحه على أنفسنا هو أنّنا نزوره، ونتوسّل إلى الله أن يعجّل ظهوره، ونتحدّث إليه بالمحبة كلها، وربما يبكي البعض شوقاً إليه، ولكن ليس هذا هو دورنا الحركي، لأنّ قضيّة أن تكون مسلماً وأن تكون ملتزماً بمنهج أهل البيت(ع)، هو أن تبقى تتحرّك في الخطّين اللّذين رسمهما رسول الله(ص) للأمّة من بعده، لترتبط الأمّة بهما معاً، لأنهما لن يفترقا في خطّ الرّسالة، فلا بدّ من أن لا يفترقا في وعي الذين يلتزمون الرّسالة:

"إني تاركٌ فيكم الثّقلين؛ كتاب الله حبلٌ ممدود من السَّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي".

الالتزام بمنهج أهل البيت(ع)

• نلتزم الإسلام في منهج أهل البيت(ع)، ومنهج أهل البيت هو في كتاب الله وسنّة نبيّه، لأنه ليس لأهل البيت(ع) أية خصوصية زائدة عن خصوصيّة الإسلام، فهم ينفتحون على الإسلام كلّه، لا يزيدون ولا ينقصون فيه، لأنّ الإسلام في كتاب الله وسنّة رسوله كلمة الله، ونحن نعرف أن رسول الله(ص) لم ينقص حرفاً ولم يزد حرفاً {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}، والنبي(ص) لا يفعل ذلك، ولكنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يوحي إلى النّاس: فكيف بكم أنتم إذا أنقصتم حرفاً من الإسلام أو زدتم حرفاً على الإسلام؟...

لذلك ـ أيّها الأحبة ـ إن أول التزام بالإمام(عج)، هو أن نلتزم بالكتاب، وأن يكون القرآن كلّ شيء في حياتنا، أن نعيشه وأن نقرأه وأن نتدبّره وأن نعمل به، وأن نجعله عنواناً لثقافتنا ولسياستنا ولاقتصادنا ولاجتماعنا ولحربنا ولسلمنا، لأنّه يمثّل العناوين الكبرى لذلك كلّه، وأن نلتزم العترة الذين التزموا الكتاب والتزموا النبي(ص)، لأن ما عندهم هو ما عند رسول الله(ص)، ولأنّ حديثهم هو حديث رسول الله، ولأنّ سيرتهم هي سيرة رسول الله..

دراسة تراث أهل البيت(ع)

• علينا أن ندرس العترة، وأن ندرس التراث الذي تركوه لنا مما صحّ منه، سواء كان تراث الكلمات التي تكلّموها، أو تراث السيرة التي ساروا عليها.. وإنني أزعم ـ أيها الأحبّة ـ أننا حتى ونحن نبكي عليهم في مآسيهم كلّها، ونفرح لهم في أفراحهم كلّها، أزعم أننا حتى الآن لم نفهم سرّ أهل اليت(ع)، ولم نفهم مناهجهم التربوية، والخطوط السياسية والخطوط الأخلاقية التي انطلقوا بها والقيم التي أثاروها.. إنهم بالنسبة إلينا دمعة نذرفها وفرحة نفرحها، أمّا غير ذلك، فإنّ الاتجاه العام في إثارة ذكرى أهل البيت(ع)، هو اتجاه تجميدهم في عقولنا بدلاً من أن نحرّكها (أي الذكرى) حركة المسؤوليّة.

• أن نتحرَّك وفق حركة أهل البيت(ع)، وهذا هو ما ورد عن الإمام الباقر(ع)، عندما أراد أن يتحدّث عن خط التشيّع في خطّ الإسلام: "فوالله ما شيعتنا إلّا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون، يا جابر، إلا بالتواضع والتخشّع... وصدق الحديث"، "أفيكفي لمن ينتحل التشيّع أن يقول بحبنا أهل البيت؟"، "حسب الرجل أن يقول أحبّ علياً وأتولاّه ثم لا يكون مع ذلك فعّالاً. فرسول الله(ص) خيرٌ من علي(ع)، فلو قال إني أحبّ رسول الله، ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنّته، ما نفعه حبّه إياه شيئاً. فاتّقوا الله، واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحبّ العباد إلى الله عزّ وجلّ وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته. يا جابر، والله ما يتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلّا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجّة... من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع" .

دورنا في عصر الغيبة

• دورنا في هذه المرحلة هو أن نعيش ذلك في أنفسنا، لنبني قلوبنا وعقولنا وكياننا وحركتنا على هذا الأساس، ثم لا بدّ لنا من أن نعمل من أجل أن نكون الدّعاة إلى الله، بأن نفهم الإسلام وندعو له في داخل الحياة الإسلاميّة، حتى نستطيع أن نحفظ المسلمين من الضّلال، ومن كلّ ما يتحرّك من كفرٍ في داخلنا، وفي خارج الحياة الإسلامية، بأن ندعو الناس إلى الإسلام، لأنّ الكثيرين من الناس في هذا العصر، يمكن أن يدخلوا في الإسلام إذا أحسنّا عرضه وبيان مفاهيمه ونقاط القوّة فيه، وأحسنّا أن نكون القدوة له، فهذه هي المسألة التي أرادنا الله أن ننطلق فيها {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

جنود العدل

• إنّ الله يريد لنا أن نكون جنود العدل وأن نرفض المستكبرين لصالح المستضعفين، لأنه سبحانه وتعالى لا يريد للمستضعفين أن يستضعفوا أنفسهم، ولا يريد لنا أن نترك المستضعفين تحت سيطرة المستكبرين. أما الجانب الأوّل، فهو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا* إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا* فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورً}. فالمستضعف الذي يملك أن يخرج عن استضعافه، والمستضعف الآخر الذي يملك أن يحوّل ضعفه إلى قوّة لينطلق في مواجهة المستكبرين من موقع قوّة جديدة، لا يعذره الله إذا انحرف تحت تأثير سيطرة المستكبرين عليه.

أمّا الآية الثانية التي تريد لنا أن نقاتل في سبيل المستضعفين، فإنَّ الله يحدّثنا عن الذين يقاتلون في سبيل المستضعفين بقوله: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ}. ونحن نعرف أن من أهداف الإسلام، هو القتال في سبيل المستضعفين. لهذا، فالله يريدنا أن نقاتل في سبيل المستضعفين، حتى لو كان المستضعفون غير مسلمين في بعض الحالات، فمسألة الاستكبار هي مسألة واحدة يرتبط بعضها ببعض، ذلك أن أيّ قوة للاستكبار في موقع، تعطيه قوّة في المواقع الأخرى، وأيّ ضعف للمستضعين في أيّ موقع، يكون ضعفاً للمستضعفين في موقع آخر.

ومن هنا، نعرف لماذا لا يريد الله الظّلم كلّه، حتى ظلم المسلمين الكافرين، وقد ورد عندنا في (الكافي) عن أحد أئمة أهل البيت(ع): "أوحى الله إلى نبيّ في مملكة جبّار من الجبارين، أن ائتِ هذا الجبّار، وقل له إني إنما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فإني لم أدع ظلامتهم ولو كانوا كفاراً". فلا يجوز للمسلمين أن يظلموا الكافرين، بمعنى أنه إذا كان للكافر حقّ عندك، فلا يجوز لك أن تغمطه حقه، ولا يجوز لك أن تظلمه حقه. وأن تقاتل الكافر عندما يكون محارباً أو مفسداً في الأرض، فهذا شيء آخر، ولكن في الحياة العامَّة، إذا كان للكافر حقّ عندك، فلا يجوز لك أن تمنعه حقَّه.

ونحن ـ أيها الأحبة ـ عندما نعيش في واقعنا المعاصر الذي يسيطر فيه الاستكبار العالمي على مقدّرات المستضعفين في العالم كلّه، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، فإن علينا أن ندرس المسألة في دائرتها السياسية والاقتصادية والأمنية، وأن ندرس كيف يمكن أن نقف ضد المستكبرين. فالهدف الكبير هو أن نسقط استكبار المستكبرين، بحيث لا تقوم لهم سلطة على المستضعفين في العالم، سواء فيما يتحركون به من مصادرة ثروات الشعوب، أو من مصادرة أمنهم، أو من محاولة مصادرة سياستهم، بحيث تكون سياستنا على هامش سياستهم، وأن لا يكون لنا استقلال في اقتصادنا وفي سياستنا وفي أمننا وفي قضايانا الحيويّة، بل لتكون بأجمعها تحت سيطرتهم، وهذا الاستقلال هو هدف إسلاميّ كبير، إذ لا بدّ لنا من أن نقمع استكبار المستكبرين، ليعيش المستضعفون على أساس أن تكون لهم الحريّة في خطّ العدالة.

تحالف المستضعفين

• إنّ علينا أن نفكّر بأن نتحالف أو ننسّق بين المستضعفين في العالم، ولقد كان الإمام الخميني(رض) على درجة كبيرة من الوعي للواقع السياسي في العالم، سواء واقع المسلمين في مقابل غير المسلمين، أو واقع المستضعفين في مقابل واقع المستكبرين، حيث أطلق شعارين في بداية الثورة، هما "أيها المسلمون اتحدوا اتحدوا"، ثم أطلق "يا مستضعفي العالم اتحدوا"، لأنه أدرك أن المسلمين لن يكونوا قوّة في إسلامهم إلا إذا اتحدوا، حتى يمكن أن يواجهوا الكفر والاستكبار من موقع واحد...

لذلك ـ أيها الأحبة ـ علينا أن لا نسقط أمام قوة الأقوياء، وأن نعمل على أساس أن لا نجترّ ضعفنا لنزداد ضعفاً بعد ضعف...

استلهام القوّة من الله

• عندما نعيش مع الله، فإننا نستطيع أن نستلهم القوّة بالله {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ}، والقوم يقتربون منه، حتى لم يكن بينه وبينهم إلّا خطوتان {إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَ}.

معه، نسير نحوه وننتظره ونحن ندعو إلى الله، وننتظره ونحن نطيع الله، وننتظره ونحن نستمدّ القوة من الله، ونتحرّك لنحقّق نصراً ولو بمستوى 10% اليوم، ليأتي الجيل من بعدنا ليحقّقوا نصراً آخر ونصراً آخر، لأنّ حركة النصر الكبير لا يمكن أن تنطلق إلّا من خلال حركة الأجيال في طريق النصر، وإذا لم نلتقِ به في معنى الحضور الواقعيّ، فإننا نلتقي به اليوم وغداً وبعد غد في معنى الحضور الرّساليّ، من أجل أن نمهّد له في موقع ننتصر به اليوم، وفي بلد نفتحها غداً.

*من كتاب النّدوة، ج 5، ص 411-422...

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية