إصدار يوثّق تأبين المرجع فضل الله في القطيف
|
ترك رحيل سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، صدى كبيراً وأثراً بالغاً في قلوب المؤمنين على امتداد العالم العربيّ والإسلاميّ ودول المهجر، حيث أقيمت مجالس العزاء والتّأبين، وفاءً لسماحته، وتأكيداً للارتباط بخطّه ونهجه الإسلاميّ..
وأقام محبّو سماحته في القطيف حفلاً تأبينيّاً حاشداً ومشهوداً مساء الأربعاء الواقع فيه 29/9/2010، بحضور حشدٍ علمائيّ وشعبيّ توافد من أنحاء القطيف والأحساء ودول الخليج.
وقد أصدرت "اللّجنة المنظّمة لذكرى المرجع فضل الله" في القطيف كتاباً متنوّعاً يحمل عنوان "صدى الرَّحيل"، تضمَّن نبذةً عن حياة سماحته ومرجعيَّته ومؤسَّساته، ومجموعةً من الشَّهادات الّتي قيلت في حقِّه، كما نشر مجموعةً من الكلمات التي ألقيت في الحفل التّأبيني الّذي أقيم في القطيف...
في المقدِّمة، عاهد معدّو الإصدار سماحة المرجع الرَّاحل على أن يبقوا أوفياء لخطّه الفكريّ الإسلاميّ الأصيل، لأنّه "كان بحقّ خير من قرن الكلمة بالعمل، فأضحى مثالاً صادقاً لقول الإمام المعصوم: "كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم...".
يتطرّق الفصل الأوّل من الإصدار إلى "السّيرة المباركة" لسماحة المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله(رض)، حيث يستعرض نسبه الشَّريف، وولادته المباركة، ونشأته في النَّجف الأشرف، متطرّقاً إلى دراسته العلميّة الحوزويَّة الّتي بدأ عطاءه من خلالها، حيث أصبح أستاذاً للفقه والأصول، تتوجّه إليه شرائح مختلفة من طلاب العلم، ما عكس ثقةً كبيرةً به من قبل المرجع الكبير السيّد أبو القاسم الخوئي، الّذي أعطاه وكالته المطلقة في الأمور الّتي تناط بالمجتهد العالم...
كما يستعرض الإصدار الجانب المؤسساتي الذي ميّز نشاط وحركة سماحة السيّد، ويعدد المؤسّسات التّربويّة والاجتماعيّة والإعلاميّة والطبيّة الّتي أنشأها سماحة السيّد، ويقدّم نبذةً عن عطائه العلميّ ومنهجه الفقهيّ المتميّز الّذي اعتمد القرآن مرجعيّةً أساسيّة.
ويتناول الكتاب الموسوعة التّفسيريّة لسماحة المرجع فضل الله "من وحي القرآن"، الّذي "كتب بلغةٍ ممتعةٍ ومشوّقة، وبأسلوبٍ أدبيّ رائع، ومنهج علميّ متأدّبٍ نزيهٍ يجذب القارئ، ويغذّي روحه وعقله وإيمانه".كما يتناول بشيءٍ من التوسّع، المنهج العلميّ والأدبيّ للمرجع السيّد فضل الله.
وتحت عنوان "الملامح العامّة في تفسير المرجع فضل الله"، يتحدَّث السيّد محي الدّين المشعل عن أهميّة تفسير "من وحي القرآن" بمجلّداته العشرين، والّذي: "شكّل معيناً ثقافيّاً وتاريخيّاً وفقهيّاً وحركيّاً لا ينضب"، متناولاً المنهج التَّفسيريّ للمرجع المقدَّس الّذي قدَّم موسوعةً تفسيريّةً تستوحي القرآن الكريم في كلّ مفاصل الواقع، حيث وصف آية الله الشّيخ محمد هادي معرفة تفسير "من وحي القرآن" بقوله: "تفسير تربويّ شامل، ويعدّ من أروع التّفاسير الجامعة، من روح نابضة بالحيويّة الإسلاميّة العريقة". كما يعرض أهمّ ملامح المنهج التّفسيري لسماحة السيّد، وخصوصاً الأسلوب التّربويّ والحركيّ، وملاحقة المشاكل الحياتيّة الّتي تلاحق العاملين في سبيل الله، إضافةً إلى الأسلوب الاستيحائيّ، والبعد الأدبيّ الممتزج مع الأسلوب العلميّ، والتّبويب المنهجيّ للتّفسير.
كما يتضمَّن الكتاب مقالاً للفقيه الدّكتور آية الله الشَّيخ عبد الهادي الفضلي بعنوان "المرجع فضل الله شاعر إسلاميّ"، أُدرج ضمن ملفّ المنهج العلميّ والأدبيّ للمرجع، حيث أجرى الشّيخ الفضلي دراسةً مفصّلةً عن شاعريّة السيّد وأسلوبه الأدبيّ والشّعريّ المميّز، مستلهماً حياة سماحته الشّعريّة، والعوامل الّتي أسهمت في تكوينها وإثرائها، حيث يمكن أن نتلمّس في شعره "وضوح إيمانه بالفكرة الإسلاميّة الهادفة الّتي ترمي إلى سيادة الإسلام في الحياة، وبروز العاطفة الإسلاميّة المنبثقة عن هذه الفكرة". وأنهى الشّيخ الفضلي دراسته هذه، بقصيدةٍ للعلامة الدّكتور الشّيخ أحمد الوائلي، يحيّي فيها المرجع فضل الله(رض) فيقول:
رأيتك والحرفُ المعبّر صورةً بديوان شعرٍ بالحياة يمورُ
تجسّدت الدّنيا به فهو بسمةٌ ودمعٌ وحزنٌ مرّةً وسرورُ
فكنت القريض الفذّ نسجاً وفكره وربَّ كلامٍ للكلام أميرُ
الرّحيل إلى الملكوت:
وتحت عنوان "الرّحيل إلى الملكوت الأعلى"، أجرت اللّجنة المعدّة للإصدار، تغطيةً مفصّلةً لحدث رحيل المرجع فضل الله إلى الملكوت الأعلى، وتشييعه المهيب الّذي لم يشهد له لبنان مثيلاً، والّذي عبّر عن ارتباط جماهير الأمّة بمرجعها ومعلّمها الّذي تخرّج في مدرسته طلّاب الوعي والحركيّة والجهاد.
كما تضمّن الإصدار بيان نعي العلامة المرجع فضل الله إلى الأمَّة، إضافةً إلى بيانات التّعزية الّتي صدرت عن الشّخصيّات العلمائيّة والمراجع، على امتداد العالم الإسلاميّ، كما استعرض جانباً من برقيّات كبار الشّخصيّات السياسيّة ورؤساء الدّول التي عزّت بالمرجع الرّاحل.
وفي القسم الأخير، يقدِّم الإصدار مجموعةً كبيرةً من المقالات الّتي كُتبت في المرجع الرَّاحل بأقلام جانبٍ من العلماء والمفكّرين، الّذين أجمعوا على عظيم الخسارة الّتي لحقت بالأمّة، معتبرين رحيل سماحته ثلمةً كبيرةً في الإسلام، حيث يعتبر سماحته "واحداً من الأنماط الاستثنائيّة في التّاريخ المعاصر"، ويمكن ان نقرأ في شخصيّة سماحته تميّز الفقيه والمفكّر أو المثقّف والأديب، إذ تتضافر كلّ تلك العناوين لتشكّل هذه الشخصيّة الاستثنائيّة لسماحة السيّد، الّذي يعتبر "من الأنماط الاستثنائيّة في التّاريخ".
وتحت عنوان "شذرات من الشّعر في رثاء المرجع الرّاحل"، يتناول الكتاب مجموعةً من القصائد لشعراء وأدباء من العالم العربيّ والإسلاميّ، رثوا سماحته بأبياتٍ وجدانيّةٍ تبيّن حجم الحبّ والوفاء والإخلاص لهذه المرجعيّة الفذّة...
ويتناول الكتاب المجالس التّأبينيّة الحاشدة الّتي أقامتها جماهير المؤمنين للمرجع الرّاحل، في القطيف والأحساء وبقيّة المناطق، والّتي تبيّن الأثر الكبير الّذي تركه المرجع الرّاحل في وعي الأمّة وقلبها، حبّاً لا تمحوه السّنين، ولا تغيّره الأزمان، لأنّه خُطَّ بشغاف القلب، وحبر الوفاء لمرجعٍ مجددٍّ فتح للأمّة آفاق المستقبل.