ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:
الخطبة الأولى
الإمام زين العابدين(ع): علم وورع ووجهاد
أبعاد متنوّعة لشخصيته (ع)
في الخامس والعشرين من شهر محرّم، نلتقي بذكرى وفاة الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(ع)، وهو الإمام الرّابع من أئمّة أهل البيت(ع). هذا الإمام الّذي قد لا يعرف الكثيرون أبعاد شخصيّته المتنوّعة، وقد لا يعرفون منه إلا ما ينقله الخطباء بأنّه كان كثير البكاء على أبيه الحسين(ع)، وأنّه ما قُدّم بين يديه طعام إلا غسله بدموع عينيه، وما إلى ذلك ممّا لا ينسجم مع كلّ القيم التي عمل أهل البيت(ع) على تأكيدها في الإنسان المؤمن، ولا مع حركتهم في خطّ المسؤوليّة عن الإسلام والدّعوة.
لقد كان الإمام(ع) أستاذ المرحلة العلميّة في عصره، ولعلّ تراث الإمام في المجال الفكريّ والثقافيّ في مواقع المعرفة كلّها يزيد عن تراثه في الدعاء. يقول الشيخ المفيد في الإرشاد: «روى عنه فقهاء العامّة من العلوم ما لا يُحصى كثرةً، وحُفِظَ عنه من المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيّام ما هو مشهورٌ بين العلماء...». إضافةً إلى ذلك، فإنّنا عندما نعدّد تلامذته، فسوف نجدهم يتوزّعون على مختلف الاختصاصات وشتّى المعارف، مثل: التاريخ والفلسفة والفقه، وغيرها.
أدعية الإمام في بعدها الثّقافيّ
ومع ذلك، فقد أطلق الإمامُ الدّعاءَ في بُعده الثقافيّ، فأكّد في مضمونه العقيدة الإسلاميّة والسّلوك والقيم والأخلاق والرّوحانيّة وخطوط المسؤوليّة، ما يجعل الإنسان أكثر معرفةً بالله، وأكثر وعياً بنفسه وبالحياة في كلّ المجالات.
ولذلك، فنحن ندعو إلى دراسة أدعية الإمام(ع) وقراءتها بعمق، ولا سيّما الصحيفة السجّاديّة، كثروةٍ روحيّة تغني في حركتها النّتاج الثقافيّ للإسلام. وقد يراها البعضُ أسلوباً جديداً من أساليب الدّعوة إلى الله والإصلاح الاجتماعيّ، من خلال ما تتضمّنه هذه الأدعية من إشارات فلسفيّة، ونظرات اجتماعيّة، ومناهج أخلاقيّة، وإيحاءات روحيّة، وخطوطٍ سياسيّة؛ وبهذا جمع الإمام(ع) العنصر الروحيّ والاجتماعيّ والأخلاقيّ والسياسيّ، حتى يعرّفنا أنّه ليس معنى أن نلتقي بالله وأن ندعوه أن ننعزل عن الحياة.
مواجهة الطّغاة
وفي الوقت الّذي مثّل الإمام في شخصيّته كلّ الروحانيّة والزّهد، كان(ع) القويّ في موقفه أمام جميع الطّغاة في عصره، من خلال قوّة الله، وهذا ما يتّضح لنا من خلال موقفه من عبد الملك بن مروان الّذي بعث إلى الإمام رسالةً وطلب منه فيها أن يهب له سيف رسول الله(ص)، وعندما رفض الإمام(ع) كتب إليه ابن مروان يهدّده بأنّه سيمنع عنه ما يستحقّه من بيت المال، فأجابه الإمام(ع): "أمّا بعد، فإنّ الله أمّن للمتّقين المخرج من حيث يكرهون، والرّزق من حيث لا يحتسبون: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً}[الطّلاق:2]،وقال جلّ ذكره: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}[الحج:38]. فانظر أيّنا أولى بهذه الآية".
رسالة الحقوق: نظام إنسانيّ متكامل
وفي الحديث عن رسالة الحقوق، فإنّ الإمام(ع) أراد أن يثقّف من خلالها الأمّة بالحقوق الشرعيّة التي تترتّب على كلّ إنسان تجاه الإنسان الآخر، حتى يتوازن النّاس في علاقاتهم ببعضهم البعض. وهذه الرّسالة نحتاج إلى أن نقرأها جيّداً، حتى نعيش في كلّ حياتنا معنى المسؤوليّة.
وقد جاء في سيرته(ع)، أنّه كان يشتري العبيد والإماء ويحرّرهم بعد أن يتعهّدهم بالتربية بما يرفع مستواهم ويغنيهم عمّا في أيدي النّاس، فينطلقون إلى المجتمع مؤمنين صالحين دعاة، ولذلك يُمكن أن نُطلق عليه أنّه محرّر العبيد.
وأخيراً، فإنّ في سيرة الإمام زين العابدين(ع) أكثر من عالَمٍ منفتح على الله وعلى الإنسان والحياة، وأكثر من أفق منطلق بالفكر والرّوح والشّعور والحبّ الإلهيّ والعرفان الروحيّ، وأكثر من مساحة مليئة بالقضايا الأخلاقيّة والأجواء الإنسانيّة والمناهج الحركيّة...
فرحم الله إمامنا زين العابدين(ع) يوم ولد، ويوم انتقل إلى رحاب ربّه، ويوم يُبعث حيّاً.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الخطبة الثّانية
القضيّة الفلسطينيّة برسم الشّروط الإسرائيليّة!
تطلّ القضيّة الفلسطينيّة في هذه الأيّام على مرحلةٍ هي من أشدّ المراحل خطورةً على الشّعب الفلسطينيّ، حيث بدأت الخطوات العمليّة لتسوية مذلّة يستجيب فيها عرب الأنظمة للشّروط الإسرائيليّة الّتي سيُصار إلى تعديلها في الشّكل، لتبقى على ما هي عليه في المضمون، وخصوصاً لجهة القدس ويهوديّة الكيان ومسألة اللاجئين، وصولاً إلى مسألة الاستيطان التي تتواصل بكثافة في هذه الأيّام، وكان آخرها الإعلان عن البدء ببناء أربع وعشرين وحدة استيطانيّة في منطقة جبل الزّيتون في القدس المحتلّة.
وحيث يتواصل الاستيطان الذي جرى تعميم حركته الميدانيّة بالطريقة التي تجعل من قيام الدولة الفلسطينيّة حلماً مستحيلاً، وخصوصاً بعد فصل القدس عن محيطها، وتقسيم الضفّة الغربيّة إلى أجزاء متعدّدة، ومنع التواصل بين هذه الأجزاء؛ في هذا الجوّ، يتواصل الحصار الإسرائيليّ والدوليّ لقطاع غزّة، والمدعوم عربيّاً، عبر رفع المزيد من السواتر والجدران، وإقفال شرايين الحياة والمعابر عن القطاع، ووضع كثير من العراقيل أمام القوافل الإنسانيّة، وعدم تسهيل إيصال المواد الغذائيّة والطبيّة الأساسيّة للمدنيين المحاصَرين، في عمليّة مستمرّة تمثّل خروجاً على أبسط قواعد القانون الدوليّ، فضلاً عن القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة.
الشّراكة العربيّة مع المحتلّ!
والى جانب ذلك، فإنّنا إذ نلمح حركة عربيّة نشطة في الآونة الأخيرة، لدفع الفلسطينيّين إلى التفاوض مع الصهاينة، نحذّر من الشراكة العربية الجديدة مع واشنطن وتل أبيب، للالتفاف على الفلسطينيّين، وسَوْقهم مجدّداً إلى نفق التّفاوض المظلم الذي سيستفيد منه العدوّ لتقطيع الوقت، ولتنفيذ خططه الاستيطانيّة كاملة، وإجهاض مشروع الدولة المستقلّة بالكامل، والتخفّف من أعباء الانتقادات الدوليّة وإن كانت خجولةً ومن دون مضمون سياسيّ حقيقيّ.
الاحتلال المقنّع
وفي موازاة ذلك، نلحظ تضخيماً أمريكيّاً لبعض الأوضاع، لتبرير المزيد من التدخّل في شؤون العالم العربيّ والإسلاميّ، وعندما تتحدّث وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة بأنّ الوضع في اليمن يهدّد العالم، فهي تشير إلى حجم الطّموح الأمريكيّ حيال التدخّل في شؤون اليمن، والانطلاق منه إلى مواقع جديدة في المنطقة العربيّة والإسلاميّة، لأنّنا نعتقد أنّنا دخلنا ـ مع الإدارة الأمريكيّة الجديدة ـ في طور الاحتلال المقنَّع الّذي تقوده المخابرات المركزيّة، بعدما كانت المسألة مع بوش الابن تتمثّل بالاحتلال المباشر.
وإنّنا في الوقت الذي نؤكّد حرمة التعرّض للمدنيّين ولخطوط النقل في العالم، وللطّائرات تحديداً، بأيّ اعتداء أو تهديد، ندعو إلى التدقيق في الروايات الأمريكيّة في هذا الإطار، لأنّنا لا نستبعد تضخيماً أمريكياً جديداً لحوادث من هذا النوع، لتكون المبرّر لمزيد من الاستباحة الأمريكيّة للأمن العربي والإسلامي. ولذلك، فإنّنا ندعو المسؤولين العرب والمسلمين والشّعوب الإسلاميّة والعربيّة إلى التنبّه والحذر من هذه المسألة الخطيرة، والتي بدأت تطلّ برأسها في الآونة الأخيرة.
لبنان: المحاصصة عنوان التّعيينات الإداريّة
أمّا في لبنان الّذي كانت المحاصصة عنواناً أساسيّاً من عناوينه في التّسميات الوزارية، وحتى في بعض خطوط المسألة الانتخابيّة، فسوف تكون المحاصصة هي عروس الشّعر في التعيينات الإدارية، وإنْ تحرّكت الاقتراحات من هنا وهناك للإيحاء بأنّنا تجاوزنا مرحلة المحاصصة المباشرة، إلى مرحلة جديدة يستقدم فيها النادي السياسي اللّبناني عناوين جديدة، ومقدّمات مختلفة، للوصول إلى النتائج عينها.
لقد تبدّلت الأسماء، وتنوّعت الجهات، وبقينا نلفّ وندور في قلب الدوّامة، لأنّنا لا نزال في لبنان السّاحة التي لا يسمح لها الخارج بأن تتحوّل إلى دولة، ولا يبذل الداخل جهوداً كبيرةً لحماية الوطن والنّهوض بمسيرة الدولة الحقيقيّة. وبين هذا وذاك، تُوزَّع الجبنة على آكليها، وتُقسَّم الحصص بين المتنفّذين، وتغيب العناوين والقضايا الكبيرة في متاهات الزّوايا الصّغيرة.
البوم صور الخطبة
ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:
الخطبة الأولى
الإمام زين العابدين(ع): علم وورع ووجهاد
أبعاد متنوّعة لشخصيته (ع)
في الخامس والعشرين من شهر محرّم، نلتقي بذكرى وفاة الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(ع)، وهو الإمام الرّابع من أئمّة أهل البيت(ع). هذا الإمام الّذي قد لا يعرف الكثيرون أبعاد شخصيّته المتنوّعة، وقد لا يعرفون منه إلا ما ينقله الخطباء بأنّه كان كثير البكاء على أبيه الحسين(ع)، وأنّه ما قُدّم بين يديه طعام إلا غسله بدموع عينيه، وما إلى ذلك ممّا لا ينسجم مع كلّ القيم التي عمل أهل البيت(ع) على تأكيدها في الإنسان المؤمن، ولا مع حركتهم في خطّ المسؤوليّة عن الإسلام والدّعوة.
لقد كان الإمام(ع) أستاذ المرحلة العلميّة في عصره، ولعلّ تراث الإمام في المجال الفكريّ والثقافيّ في مواقع المعرفة كلّها يزيد عن تراثه في الدعاء. يقول الشيخ المفيد في الإرشاد: «روى عنه فقهاء العامّة من العلوم ما لا يُحصى كثرةً، وحُفِظَ عنه من المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيّام ما هو مشهورٌ بين العلماء...». إضافةً إلى ذلك، فإنّنا عندما نعدّد تلامذته، فسوف نجدهم يتوزّعون على مختلف الاختصاصات وشتّى المعارف، مثل: التاريخ والفلسفة والفقه، وغيرها.
أدعية الإمام في بعدها الثّقافيّ
ومع ذلك، فقد أطلق الإمامُ الدّعاءَ في بُعده الثقافيّ، فأكّد في مضمونه العقيدة الإسلاميّة والسّلوك والقيم والأخلاق والرّوحانيّة وخطوط المسؤوليّة، ما يجعل الإنسان أكثر معرفةً بالله، وأكثر وعياً بنفسه وبالحياة في كلّ المجالات.
ولذلك، فنحن ندعو إلى دراسة أدعية الإمام(ع) وقراءتها بعمق، ولا سيّما الصحيفة السجّاديّة، كثروةٍ روحيّة تغني في حركتها النّتاج الثقافيّ للإسلام. وقد يراها البعضُ أسلوباً جديداً من أساليب الدّعوة إلى الله والإصلاح الاجتماعيّ، من خلال ما تتضمّنه هذه الأدعية من إشارات فلسفيّة، ونظرات اجتماعيّة، ومناهج أخلاقيّة، وإيحاءات روحيّة، وخطوطٍ سياسيّة؛ وبهذا جمع الإمام(ع) العنصر الروحيّ والاجتماعيّ والأخلاقيّ والسياسيّ، حتى يعرّفنا أنّه ليس معنى أن نلتقي بالله وأن ندعوه أن ننعزل عن الحياة.
مواجهة الطّغاة
وفي الوقت الّذي مثّل الإمام في شخصيّته كلّ الروحانيّة والزّهد، كان(ع) القويّ في موقفه أمام جميع الطّغاة في عصره، من خلال قوّة الله، وهذا ما يتّضح لنا من خلال موقفه من عبد الملك بن مروان الّذي بعث إلى الإمام رسالةً وطلب منه فيها أن يهب له سيف رسول الله(ص)، وعندما رفض الإمام(ع) كتب إليه ابن مروان يهدّده بأنّه سيمنع عنه ما يستحقّه من بيت المال، فأجابه الإمام(ع): "أمّا بعد، فإنّ الله أمّن للمتّقين المخرج من حيث يكرهون، والرّزق من حيث لا يحتسبون: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً}[الطّلاق:2]،وقال جلّ ذكره: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}[الحج:38]. فانظر أيّنا أولى بهذه الآية".
رسالة الحقوق: نظام إنسانيّ متكامل
وفي الحديث عن رسالة الحقوق، فإنّ الإمام(ع) أراد أن يثقّف من خلالها الأمّة بالحقوق الشرعيّة التي تترتّب على كلّ إنسان تجاه الإنسان الآخر، حتى يتوازن النّاس في علاقاتهم ببعضهم البعض. وهذه الرّسالة نحتاج إلى أن نقرأها جيّداً، حتى نعيش في كلّ حياتنا معنى المسؤوليّة.
وقد جاء في سيرته(ع)، أنّه كان يشتري العبيد والإماء ويحرّرهم بعد أن يتعهّدهم بالتربية بما يرفع مستواهم ويغنيهم عمّا في أيدي النّاس، فينطلقون إلى المجتمع مؤمنين صالحين دعاة، ولذلك يُمكن أن نُطلق عليه أنّه محرّر العبيد.
وأخيراً، فإنّ في سيرة الإمام زين العابدين(ع) أكثر من عالَمٍ منفتح على الله وعلى الإنسان والحياة، وأكثر من أفق منطلق بالفكر والرّوح والشّعور والحبّ الإلهيّ والعرفان الروحيّ، وأكثر من مساحة مليئة بالقضايا الأخلاقيّة والأجواء الإنسانيّة والمناهج الحركيّة...
فرحم الله إمامنا زين العابدين(ع) يوم ولد، ويوم انتقل إلى رحاب ربّه، ويوم يُبعث حيّاً.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الخطبة الثّانية
القضيّة الفلسطينيّة برسم الشّروط الإسرائيليّة!
تطلّ القضيّة الفلسطينيّة في هذه الأيّام على مرحلةٍ هي من أشدّ المراحل خطورةً على الشّعب الفلسطينيّ، حيث بدأت الخطوات العمليّة لتسوية مذلّة يستجيب فيها عرب الأنظمة للشّروط الإسرائيليّة الّتي سيُصار إلى تعديلها في الشّكل، لتبقى على ما هي عليه في المضمون، وخصوصاً لجهة القدس ويهوديّة الكيان ومسألة اللاجئين، وصولاً إلى مسألة الاستيطان التي تتواصل بكثافة في هذه الأيّام، وكان آخرها الإعلان عن البدء ببناء أربع وعشرين وحدة استيطانيّة في منطقة جبل الزّيتون في القدس المحتلّة.
وحيث يتواصل الاستيطان الذي جرى تعميم حركته الميدانيّة بالطريقة التي تجعل من قيام الدولة الفلسطينيّة حلماً مستحيلاً، وخصوصاً بعد فصل القدس عن محيطها، وتقسيم الضفّة الغربيّة إلى أجزاء متعدّدة، ومنع التواصل بين هذه الأجزاء؛ في هذا الجوّ، يتواصل الحصار الإسرائيليّ والدوليّ لقطاع غزّة، والمدعوم عربيّاً، عبر رفع المزيد من السواتر والجدران، وإقفال شرايين الحياة والمعابر عن القطاع، ووضع كثير من العراقيل أمام القوافل الإنسانيّة، وعدم تسهيل إيصال المواد الغذائيّة والطبيّة الأساسيّة للمدنيين المحاصَرين، في عمليّة مستمرّة تمثّل خروجاً على أبسط قواعد القانون الدوليّ، فضلاً عن القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة.
الشّراكة العربيّة مع المحتلّ!
والى جانب ذلك، فإنّنا إذ نلمح حركة عربيّة نشطة في الآونة الأخيرة، لدفع الفلسطينيّين إلى التفاوض مع الصهاينة، نحذّر من الشراكة العربية الجديدة مع واشنطن وتل أبيب، للالتفاف على الفلسطينيّين، وسَوْقهم مجدّداً إلى نفق التّفاوض المظلم الذي سيستفيد منه العدوّ لتقطيع الوقت، ولتنفيذ خططه الاستيطانيّة كاملة، وإجهاض مشروع الدولة المستقلّة بالكامل، والتخفّف من أعباء الانتقادات الدوليّة وإن كانت خجولةً ومن دون مضمون سياسيّ حقيقيّ.
الاحتلال المقنّع
وفي موازاة ذلك، نلحظ تضخيماً أمريكيّاً لبعض الأوضاع، لتبرير المزيد من التدخّل في شؤون العالم العربيّ والإسلاميّ، وعندما تتحدّث وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة بأنّ الوضع في اليمن يهدّد العالم، فهي تشير إلى حجم الطّموح الأمريكيّ حيال التدخّل في شؤون اليمن، والانطلاق منه إلى مواقع جديدة في المنطقة العربيّة والإسلاميّة، لأنّنا نعتقد أنّنا دخلنا ـ مع الإدارة الأمريكيّة الجديدة ـ في طور الاحتلال المقنَّع الّذي تقوده المخابرات المركزيّة، بعدما كانت المسألة مع بوش الابن تتمثّل بالاحتلال المباشر.
وإنّنا في الوقت الذي نؤكّد حرمة التعرّض للمدنيّين ولخطوط النقل في العالم، وللطّائرات تحديداً، بأيّ اعتداء أو تهديد، ندعو إلى التدقيق في الروايات الأمريكيّة في هذا الإطار، لأنّنا لا نستبعد تضخيماً أمريكياً جديداً لحوادث من هذا النوع، لتكون المبرّر لمزيد من الاستباحة الأمريكيّة للأمن العربي والإسلامي. ولذلك، فإنّنا ندعو المسؤولين العرب والمسلمين والشّعوب الإسلاميّة والعربيّة إلى التنبّه والحذر من هذه المسألة الخطيرة، والتي بدأت تطلّ برأسها في الآونة الأخيرة.
لبنان: المحاصصة عنوان التّعيينات الإداريّة
أمّا في لبنان الّذي كانت المحاصصة عنواناً أساسيّاً من عناوينه في التّسميات الوزارية، وحتى في بعض خطوط المسألة الانتخابيّة، فسوف تكون المحاصصة هي عروس الشّعر في التعيينات الإدارية، وإنْ تحرّكت الاقتراحات من هنا وهناك للإيحاء بأنّنا تجاوزنا مرحلة المحاصصة المباشرة، إلى مرحلة جديدة يستقدم فيها النادي السياسي اللّبناني عناوين جديدة، ومقدّمات مختلفة، للوصول إلى النتائج عينها.
لقد تبدّلت الأسماء، وتنوّعت الجهات، وبقينا نلفّ وندور في قلب الدوّامة، لأنّنا لا نزال في لبنان السّاحة التي لا يسمح لها الخارج بأن تتحوّل إلى دولة، ولا يبذل الداخل جهوداً كبيرةً لحماية الوطن والنّهوض بمسيرة الدولة الحقيقيّة. وبين هذا وذاك، تُوزَّع الجبنة على آكليها، وتُقسَّم الحصص بين المتنفّذين، وتغيب العناوين والقضايا الكبيرة في متاهات الزّوايا الصّغيرة.
البوم صور الخطبة