ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
الأربعاء أول أيام شهر رمضان
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان}. هذه آخر جمعة من شهر شعبان، ونلتقي مع شهر رمضان في يوم الأربعاء القادم، فهو أول أيام شهر رمضان المبارك على حسب النظرية الفقهية التي أكدناها في أبحاثنا الفقهية، وهي ترتكز على أساس إذا ثبتت ولادة الهلال وثبت إمكانية الرؤية، فيُحكم بالشهر حتى قبل مجيئه.
وولادة هلال شهر رمضان هي في الساعة العاشرة وأربعة وثلاثين دقيقة مساء، ففي ليلة الثلاثاء لا يمكن أن يُرى في أي مكان في العالم، ويمكن رؤيته مساء الثلاثاء (ليلة الأربعاء)، فيكون يوم الأربعاء هو أول أيام شهر رمضان المبارك لهذا العام، على حسب الحكم والفتوى، ولا نحتاج من خلال هذا المبنى الفقهي إلى أن نشغل أنفسنا هذا رآه وهذا لم يره، ومن هم الشهود وكم عددهم، لأننا نريد أن ننتهي من كل هذا الجدل الذي يظهر فيه المسلمون وهم مختلفون في بداية الشهر أو في نهايته، في الوقت الذي صعد فيه العالم إلى القمر.
فرأينا الفقهي هو أن يوم الأربعاء هو أول أيام شهر رمضان المبارك، الذي نسأل الله تعالى أن يجعله شهر خير ونصر وبركة وطاعة ورحمة للمسلمين جميعاً.
شهر الخير والبركة
وقد أرادنا رسول الله (ص) أن نستعدَّ روحياً لاستقبال هذا الشهر، فأكد لنا في خطبته المروية عنه التي استقبل بها شهر رمضان في آخر جمعة من شعبان، وأكد فيها أن هذا الشهر جاء محمّلاً بالخير والبركة والرحمة، فكأنه يقول للناس: استعدوا فقد جاءت هداياكم الإلهية في هذا الشهر المبارك، وهي رحمة الله بكم، وبركته عليكم، ومغفرته لكم.
وقد أكدت خطبته (ص) أن هذا الشهر هو أفضل شهور السنة، فهو الموسم في فيوضات الله بألطافه ورحماته على الناس، كما أن أيامه أفضل الأيام، ففيها يمكن للإنسان أن يحصل على محبة الله عندما يتحرك في خط طاعته والبعد عن معصيته، ولياليه أفضل الليالي، ففيها الدعاء والتخشّع والتخضّع لله والانفتاح عليه، لنطلب منه حاجاتنا ونستغفر أمامه من ذنوبنا، ونطلب أن يحقق لنا ما نصبو إليه من أمانينا وأحلامنا في الدنيا والآخرة.
وقد اعتبرنا الله تعالى ضيوفاً عليه في هذا الشهر، ونحن نعرف أن المضيّف يمنح ضيفه كل كرامة وخير وإعزاز، وضيافة الله لنا، كما ورد في بعض أدعية شهر رمضان، هي: "وقد أوجبت لكل ضيف قرى، وأنا ضيفك، فاجعل قراي الليلة الجنة"، وكما أن على المضيف أن يكرم ضيفه، فعلى الضيف أن يكون ضيفاً مهذّباً لا يسيء إلى كرم الضيافة، ولا يسيء إلى المضيّف في مواقع ضيافته.
وقد جعلنا الله تعالى من أهل كرامته، ومن كرامته أنه أكرمنا، فجعل أنفاسنا التي تتردد بمثابة التسابيح عندما نعيش التسبيح في مشاعرنا وأحاسيسنا، وجعل نومنا الذي نتنشّط من خلاله ونريح فيه أجسادنا لتنطلق إلى عبادة الله من خلال القوة، فجعل نومنا عبادة، ودعاؤنا فيه مستجاب فيما يراه الله من مصلحتنا في استجابة الدعاء. وأرادنا الله تعالى أن نستجيب لكل هذه الرحمة والكرامة، فننطلق في هذا الشهر لنرفع أيدينا إليه ونسأله بنيّات صادقة وقلوب طاهرة، أن يوفقنا لصيامه وتلاوة كتابه، وأن يمنحنا من بركاته وألطافه، لأن "الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم"، فالإنسان الذي يخسر في الموسم لا يستطيع أن يربح في خارجه، لأن الموسم هو مظنة الربح.
الصيام وسيلة لتذكر يوم القيامة
والله تعالى أراد لصيامنا في هذا الشهر أن يكون وسيلة لتذكّر يوم القيامة، لأن ذلك اليوم يوم طويل وصعب، يجوع فيه الناس ويعطشون، وهم يستعدون للحساب وللقاء الله، ولذلك يقول: إنكم تجوعون في شهر رمضان وتعطشون عندما تصومون، فاذكروا بهذا الجوع والعطش جوع يوم القيامة وعطشه، فإذا كنت مطيعاً لله في دنياك فإنك سوف لن تجوع ولا تعطش في ذلك اليوم. لذلك، لا بدّ أن نتذكر يوم القيامة دائماً، لأننا في نسياننا لهذا اليوم ننسى ربنا وننسى حسابنا، وننسى مسؤوليتنا أمام الله عندما نستغرق في حسابات الدنيا وشهواتها ولذاتها.
الحثّ على الصدقة
ثم يؤكد النبي (ص) في هذا الشهر ما يريد منا أن نركزه ونقوم به من القيم الروحية والأخلاقية، فيؤكد أولاً على الصدقة: "وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم"، وقد ورد أن صدقة السر تدفع غضب الرب، وورد: "داووا مرضاكم بالصدقة"، وقد اعتبر الله الصدقة وسيلة من وسائل تطهير النفس وتزكيتها، فقال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها}، والصدقة على الفقراء والمساكين تتنوّع عندما ندرس حاجة الفقراء، خصوصاً الفقراء الذي يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، البيوت المستورة والعائلات المستورة، والناس الأعفّاء الذين لا يسألون الناس إلحافاً، وإنما يصبرون على جوعهم وعطشهم وما إلى ذلك.
توقير الكبار ورحمة الصغار
ثم أكد على مسألة توقير الكبير ورحمة الصغير، فقال (ص): "وقّروا كباركم وارحموا صغاركم"، أن نوقّر الكبار الذين سبقونا في الإسلام، وعلينا أن نحترم شيبتهم وسنّهم ونقدّم لهم الاحترام، وإذا احتاجوا إلى الرعاية فعلينا أن نقدمها لهم، لأن الإنسان إذا ردّ إلى أرذل العمر يتحوّل إلى ما يشبه الطفل الذي هو بحاجة إلى رعاية واحتضان يعينه على استكمال حياته، وكما أن الله أرادنا بالنسبة إلى والدينا أن لا ننهرهما وأن نقول لهما قولاً كريماً، أرادنا من خلال هذه اللفتة أن نتحمّل من كبارنا حتى لو لم يكونوا من ولدنا، فأراد لنا أن لا ننهرهم ولا نتعسف بهم، وأن نقول لهم قولاً كريما، وقد ورد عن النبي (ص) أنه قال: "من إجلال الله إجلال شيبة المسلم"، وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (ع): "ليس منا من لم يوقّر كبيرنا ويرحم صغيرنا"، وعن الإمام الصادق (ع): "عظّموا كباركم، وصلوا أرحامكم، وليس تصلونهم بشيء أفضل من كفِّ الأذى عنهم".
أما رحمة الصغار، فهي أن نفهمهم بحسب حجم عقولهم ومشاعرهم وأحاسيسهم، فلا نثقل على هذه المشاعر الطفولية بالعنف، ولا نحاسبهم محاسبتنا للكبار، لأن علينا أن نعطي كل مرحلة من العمر حجمها، فللصغير تفكير محدود، وعلينا أن نعامله بحسب محدودية تفكيره، وعلينا أن نتجاوز عن أخطائه ونرفق به عندما نريد تنبيهه إلى هذه الأخطاء، فلا نتعامل مع أطفالنا بالعنف والضرب، لأن الله تعالى لم يسلّط أباً ولا أخاً ولا أماً ولا معلّماً على الأطفال، بحيث يبررون ضربهم، لأن الإنسان إذا ضرب طفلاً ـ حتى لو كان ابنه ـ فاحمرّت يده فهناك دية لا بد أن يدفعها له.
نعم، هناك حالات تأديبية قد يحتاج معها الطفل إلى شيء من العنف، ولكن يجب أن يكون العنف مدروساً، كمثل دراستك للدواء الذي هو بحاجة إليه، فعلى الآباء والأمهات أن ينتبهوا إلى نقطة، وهي أن الكثير من الآباء والأمهات أو المعلّمين والمربين، قد يعيش أزمة نفسية معينة نتيجة خلاف عائلي أو خلاف في عمله، فيحاول التنفيس عن غيظه بضرب الطفل، هذا ظلم يعاقبه الله عليه، لأن "ظلم الضعيف من أفحش الظلم".
وأنا أقول لكل الأخوة والأخوات: إن ابنك أو ابنتك ليس ملكك، هو ليس من أثاث البيت، بل هو مخلوق مثلك، وأراد الله له أن ينمو نمواً طبيعياً وجعلك مشرفاً عليه، بل أكثر من ذلك: إذا تعسّف الأب أو الأم على الطفل، بحيث يقسوان عليه دائماً ويسيئان تربيته، ففي الدولة الإسلامية إذا كان الحاكم الشرعي مبسوط اليد، جاز له أن يأخذ الولد منهما، وفي الغرب يوجد مثل هذا القانون عندما يسيء الأب أو الأم إلى التعامل مع أولادهم.. ورحمة الصغار هي أن ترحمهم وتحسن تربيتهم وتعليمهم، فهم أمانة الله عندنا.
التأكيد على صلة الرحم
ويتابع النبي (ص): "وصلوا أرحامكم"، صلة الأرحام من الأمور التي ركّز عليها القرآن الكريم، وقد سئل الإمام الصادق عن قوله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام}، فقال (ع): " هي أرحام الناس، إن الله أمر بها وعظّمها، ألا ترى أنه جعلها منه". وورد في بعض الأحاديث أن شخصاً قال للنبي (ص): إن أهل بيتي أبوا إلا توثّباً عليّ وقطيعة لي وشتيمة، فأرفضهم؟ فقال (ع): "إذاً يرفضكم الله جميعاً"، قال: فكيف أصنع؟ قال (ع): "تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك، إنك إذا فعلت ذلك كان لك من الله عليهم ظهير"، وعن الإمام الباقر (ع): "صلة الأرحام تزكّي الأعمال وتنمّي الأموال وتدفع البلوى وتيسّر الحساب يوم القيامة، وتنسئ في الأجل"، أي تطيل العمر. قد لا يتحمّل البعض أن يبادر إلى وصل من قطعه، ولكن الله تعالى يعطي على الأخلاق، لا سيما إذا كانت ضد رغباته، الفضل العظيم والنتائج الكبرى.
الاهتمام بالقيم الروحية والأخلاقية
هذه القيم الإنسانية التي تؤكدها هذه الخطبة، كما يؤكدها القرآن الكريم، تعطينا فكرة، وهي أن المطلوب من الإنسان أن يكون في وعي لنموّه الروحي والأخلاقي، فكما نعيش اهتماماتنا بالتربية الجسدية علينا أن نهتم بالقيم الأخلاقية الإنسانية الروحية التي تنمّي إنسانيتنا، وتعظّم شخصياتنا في مستوى الكمال، حتى نستطيع أن نربي أنفسنا لنكون جديرين بالإقامة في جنة الله، لأن الجنة هي المكان الذي كله خير وتعاون وإخلاص وصدق وطهارة وأخوّة، والله تعالى يتحدث عن أهل الجنة فيقول: {ونزعنا ما في صدورهم من غلّ إخواناً على سرر متقابلين}، لذلك يريد الله تعالى لنا أن نجعل من الدنيا جنّة مصغّرة نتدرب فيها على أخلاق أهل الجنة، كما نتدرب على ممارسة أي صنعة أو مهنة أو على العمل العسكري.
إن شهر رمضان هو هذا الشهر الذي يمثّل شهر التدرّب على ما يحبه الله ويرضاه، وعلى بناء أنفسنا بناءً روحياً إسلامياً إنسانياً، حتى نكون جديرين بلطف الله ورحمته وضيافته، لنحصل من هذه الضيافة الإلهية الكريمة على النتائج الكبرى يوم القيامة، وهناك فقرات أخرى في هذه الخطبة نرجو أن نوفّق لها في حديث آخر.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله واستعدوا للموقف بين يدي الله تعالى، هذا الموقف الذي يريد الله منا أن نأتي إليه بعد أن عشنا الحياة من دون أن نركن إلى الظالمين، لأنه تعالى أرادنا أن لا نركن إليهم: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار}، وأرادنا أن نأخذ بالعدل والإحسان فنعدل مع أعدائنا وأقربائنا، فالعدل صفة الله، لذلك كونوا العادلين في أنفسكم وأهليكم ومجتمعاتكم، والعادلين في مواجهة كل الظالمين الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق.
إن الله حمّلنا مسؤولية كل ما نملك من قوة في سبيل مواجهة كل منكر، والظلم هو أبشع المنكرات، كما أن الله تعالى لا يريد لنا أن نكون الحياديين بين الظالم والمظلوم، من دون فرق بين أن يكون الظالم شخصاً أو جماعة أو محوراً دولياً. ونحن لا نزال في هذه المرحلة من الزمن نعيش مواقع الظلم بين وقت وآخر من المستكبرين الصغار والكبار، فماذا هناك؟
الانتفاضة: دروس حية في الصمود
الانتفاضة مستمرة في حيويتها الجهادية، وفي عملياتها المتنوّعة التي تحاصر المستوطنات، وتربك الجيش الإسرائيلي، وتتحدّى الاحتلال.. لم يرهقها الحصار، ولم يتعبها الجهاد، ولم تسقطها المجازر الوحشية للعدو، لأنها تعرف جيداً أن ضوء الحرية ينتظرها في نهاية النفق، وأن إرادة الاستقلال لا بد أن تبقى في موقع التحدي بالرغم من كلِّ تحديات العدوّ..
إن الانتفاضة لا تزال تحمل على كتفيها مسؤولية مستقبل الأمة التي تواجه كل إسرائيل، وكل الموقف الأمريكي الذي يحمي مجازرها وأطماعها واحتلالها.. إنها تمنح كل جيل المستقبل دروساً حيّة ميدانية كيف يكون الصمود وكيف تُصنع الحرية.. لم يخدعها المندوب الأمريكي في مشروع "خريطة الطرق" نحو الدولة الفلسطينية، لأنها فهمت طبيعة اللعبة التخديرية لإبعاد المسألة الفلسطينية عن دائرة الضوء الإعلامي في الواقع العربي والإسلامي ولدى الرأي العالم العالمي، بالإيحاء بأن اللجنة الرباعية قد بدأت التخطيط لحل المشكلة الفلسطينية في خط قيام الدولة، ليتوجّه الجميع إلى الحرب الأمريكية ضد العراق، باعتباره ـ بحسب المنطق الأمريكي ـ خطراً على السلم العالمي، بما في ذلك الأمن الأمريكي، ولنزع أسلحة الدمار الشامل التي تدّعي أمريكا أنه يمتلكها..
المشروع الأمريكي في مأزق
ولذلك، فقد أطبق الضباب على المشروع الأمريكي، لأنه لا يحمل أيّ ضوء للحل في المستقبل، فالجميع يعرفون ـ في المنطقة وخارجها ـ أن أمريكا تتحرك لحساب المشروع الإسرائيلي في فلسطين والمنطقة، لا لحساب المشروع العربي الفلسطيني.. فهي الدولة التي لا تحترم قراراتها ولا كلماتها ولا توقيعاتها، بل تنسحب منها بين مرحلة وأخرى، ولسان حال الشعب الفلسطيني ـ ومعه الشعوب المستضعفة ـ في خطابه للموقع الأمريكي:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي |
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم |
إن أمريكا تخطِّط الآن، سواءٌ في تهديدها الأمم المتحدة إذا لم تستجب للموافقة على قرارها في الحرب ضد العراق، أو في مواجهتها لكل أنظمة المنطقة، بالسيطرة على كل خطوطها السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، وفي إطلاقها للحرب على ما تسمّيه الإرهاب وعلى أسلحة الدمار الشامل، في الوقت الذي تمارس فيه إرهاب الدولة، وتدعم الإرهاب الصهيوني الوحشي ضد الشعب الفلسطيني، ولا تعترض على امتلاك إسرائيل أسلحة الدمار الشامل من أجل أن تملك السيطرة على المنطقة كلها، أنظمةً وشعوباً؟!.. إنها الدولة الكبرى، التي تعمل على أن تبقى المهيمنة على العالم كله في مقدّراته الحيوية، بما في ذلك الدول الكبرى كالاتحاد الأوروبي والروسي والصين التي تتعامل معها أمريكا على طريقة العصا والجزرة، لتخضع لخططها العسكرية في المنطقة..
مسؤولية الدفاع عن القضايا الإنسانية
إننا ـ أمام هذا الواقع ـ ندعو العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحديد مواقفهم من المرشحين في الانتخابات الفرعية القادمة، لا سيما مرشحي الحزب الجمهوري ـ حزب الرئيس بوش ـ تبعاً للموقف من القضايا العربية والإسلامية، في عملية التخطيط السياسي الواعي، ليتحوّلوا إلى قوة سياسية انتخابية ضاغطة على قرارات الإدارة الأمريكية.. إننا نؤكد ذلك من موقعنا الشرعي من جهة، ومن خلال المصلحة العليا التي يتحمّلون مسؤوليتهم تجاهها من أجل تأكيد أصالتهم في وجودهم القانوني في أمريكا..
وإننا في الوقت نفسه، نرفض أيّ عمل عنف أو إرهاب في الولايات المتحدة الأمريكية، كاحتجاج على سياسة إدارتها الرسمية، بل نريد للمسلمين والعرب في أمريكا أن يكونوا مواطنين صالحين محافظين على انتمائهم القانوني إلى البلاد التي يحملون جنسيتها، في الوقت الذي يمارسون فيه حقهم في التعبير عن آرائهم السياسية في الدفاع عن القضايا الإنسانية والسياسية والاقتصادية والأمنية المرتبطة ببلادهم الأصلية..
ولعل هذا هو ما يفعله اليهود الذين استطاعوا أن يفرضوا على السياسة الأمريكية تأييد القضايا الصهيونية أكثر من تأييدها القضايا الأمريكية في مصالحها في العالم العربي والإسلامي.. لذلك، فإننا نريد للجالية العربية والإسلامية في أمريكا أن تستفيد من حرية الرأي والموقف التي يكفلها القانون الأمريكي بالطرق السلمية.
دعوة الروس للتفاوض مع الشيشان
وفي جانب آخر، فإننا ندعو الحكومة الروسية التي نحتفظ معها بعلاقات إيجابية عربياً وإسلامياً، إلى الدخول في مفاوضات جدّية مع المسؤولين عن الشعب الشيشاني، من أجل الوصول إلى حل جذري لقضية الحرية والاستقلال، فذلك هو الذي ينشر السلام في تلك المنطقة، وهو الذي يمنع من القيام ببعض الوسائل العنيفة غير المبررة من الناحية الشرعية والإنسانية، كما حدث في مسرح موسكو، فإننا ندين ذلك كما ندين الطريقة التي عالجت فيها الحكومة الروسية هذه القضية، ما أدى إلى حصاد الكثير من القتلى الأبرياء، حتى من الشعب الروسي والأجانب.. إن من الصعب السيطرة الدائمة على شعب يطلب الحرية والاستقلال.
لبنان: الكفّ عن الشحن الطائفي
أما في لبنان، حيث لا يزال "شارون" يهدده بالحرب، قائلاً: "إن الوضع على الحدود الشمالية قد يتطوّر لحرب صعبة معقّدة".. فجوابنا له: إنه قد جرّب الحرب مع المجاهدين في لبنان، وقد رأى كيف خسر على مستوى النتائج العسكرية والسياسية، فهل يبقى مع التجربة الفاشلة؟؟
وأخيراً، إننا نكرر دعوتنا للبنانيين أن يرحموا لبنان الوطن والشعب والدولة، وأن يتوازنوا في دائرة المعارضة والموالاة، فيكفّوا عن الشحن الطائفي في عناوين سياسية.. كما ندعو كل المسؤولين في المواقع الدينية الطائفية أن يتقوا الله في تصريحاتهم، وفي رعايتهم لهذا الموقع الطائفي هنا والموقع الطائفي هناك، وليتذكّروا أن الشرارة قد تحرق كل الأشجار في الغابات، فهل يُراد لأشجار الوحدة الوطنية والتعايش المشترك أن تحرقها العصبيات، وهل يُراد للشعب الغارق في أزماته الاقتصادية أن يسقط في حرب جديدة؟؟
إن المنطقة تستعدُّ لحريق هائل يقترب من كل مواقعنا، فهل نجمع الحطب السياسي والطائفي لنساعد في إشعال الحريق بدلاً من إطفائه؟ |