ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
إن الله تعالى أراد للإنسان في أكثر من آية كريمة أن يبحث عن أسباب الفلاح ليكون من المفلحين الناجحين، في الدنيا والآخرة، ولينال من خلال ذلك القرب من الله، حيث يُدخله تعالى في رضوانه ويوصله إلى جنّته، وقد أكد القرآن الكريم على أن من أولى مسؤوليات الإنسان هي الاهتمام بنفسه وتربيتها من الداخل، من خلال ما يفكر ويشعر، ثم تربيتها في حركة الخارج، بأن يربي نفسه على أن تعمل الخير كله، وتقف عند مواقع الحق كله، وتنطلق بالعدل كله للناس جميعاً.
تزكية النفس
وقد عبّر القرآن الكريم عن هذه العملية التربوية بكلمة التزكية، والتزكية تعطي معنى التطهير للنفس، لأنك عندما تطهّر نفسك من كل الرذائل الروحية والفكرية والشعورية والعاطفية، فإنك تعطي نفسك الانفتاح على كل ما يقرّبك إلى الله تعالى، وبذلك تجعل نفسك تنمو في خط الخير والحق والعدل ورضوان الله، لأن التزكية تعطي مسألة التنمية، وهذا ما حدّثنا الله تعالى عنه في أكثر من آية كريمة.
يقول تعالى: {ونفس وما سوّاها* فألهمها فجورها وتقواها ـ فالله تعالى عندما سوّى هذه النفس وحشد فيها كل العناصر في ما أعطاها من قوة التفكير بالعقل، وفي ما منحها من حركة الشعور في القلب، ومن حالة النموّ في الروح والعاطفة، دلّها على طريق الخير وطريق الشر، وقال للإنسان: إن في الحياة طريقين، طريق الفجور الذي يعني أن تبتعد عن طاعة الله، فتترك ما أمرك الله به وتفعل ما نهاك عنه، وهذا هو الفجور العملي، وهناك خط التقوى، وهي أن تأتي بما أمرك الله به وتترك ما نهاك عنه، ولم يحدد لك الله تعالى في إرادتك ما يفرض عليك هذا أو ذاك، بل جعلك حراً في الاختيار، ولكنه حمّلك مسؤولية ما تختار، وقال لك: إذا اخترت الفجور فهناك حساب وعقاب، وإذا اخترت التقوى فهناك الثواب: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}. خذ حريتك ولكن بشرط أن تتحمّل مسؤولية الحرية.. وهنا أراد الله تعالى أن يبيّن ما يحبه وما يحبّ للإنسان أن يأخذ به بعد أن ترك له حرية الاختيار، فقال له: ربِّ نفسك على أن لا تكون نفساً جامدة تخضع لمن يفرض سلطته عليها، أو تنسحق تحت تأثير شيطان الغريزة ـ قد أفلح من زكّاها ـ فالإنسان الذي يأخذ بأسباب الفلاح هو الذي يزكّي نفسه ويهذبها ويربيها ويجعلها تنمو نمواً طبيعياً ليغرس فيها غراس الخير، ولتنتصب منها أشجار الخير ـ وقد خاب من دسّاها}، من أخفاها وأهملها وتركها تعيش في داخل زنازين الشهوات والغرائز.
وفي آية أخرى يقول تعالى: {قد أفلح من تزكّى* وذكر اسم ربه فصلّى}، إن الذي يفلح وينجح في الدنيا والآخرة هو الذي يزكّي نفسه ويتعهّدها بأن يطهّرها من كل الرذائل الأخلاقية والروحية ليجعلها مزكاة، نامية، ومن مظاهر هذه التزكية هي أن تنفتح على الله وتذكره، لا ذكر اللسان فحسب، بل ذكر الوعي، بأن تذكر الله عند كل حرام فتتركه، وأن تذكره عند كل واجب فتفعله، وبعد ذلك تصلّي لربك تأكيداً لإثبات إحساسك بالعبودية له، لأن الصلاة هي مظهر العبودية لله ومظهر الاعتراف بتوحيد الإنسان له، وهي مظهر الشكر له.
مواقع الفلاح
وقد فصّل القرآن الكريم في سورة "المؤمنون" مواقع الفلاح، التي تؤدي بالإنسان المفلح لينال رضى الله ويتحرك بجهده نحو جنته، يقول تعالى: {قد أفلح المؤمنون ـ ما هي مظاهر فلاحهم؟ هو إيمانهم الذي يجعلهم يخشعون لله عندما يذكرونه ـ الذين هم في صلاتهم خاشعون* والذين هم عن اللغو معرضون ـ فلا يتكلمون كلام اللغو الذي لا فائدة منه ولا منفعة، وربما يأتي بالباطل، ويعرضون عن كلام اللغو عندما يقولها الآخرون، فلا يصغون إلى ما يتكلمون به من لغو أيّاً كان مضمونه: {وإذا مروا باللغو مروا كراماً} ـ والذين هم للزكاة فاعلون ـ هؤلاء الذين أنقذوا أنفسهم من البخل: {ومن يوقَ شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون}، لأن البخل يمنع الإنسان عن القيام بما فرضه الله عليه، وعن العطاء في معنى مشاركته الإنسان الآخر في حاجاته الإنسانية ـ والذين هم لفروجهم حافظون ـ الذين يعيشون العفة في الجانب الجنسي، فلا يزنون ولا يمارسون الشذوذ الجنسي المذكّر في اللواط، ولا يمارسون الشذوذ الجنسي المؤنث في السحاق ـ إلا على أزواجهم ـ فالعلاقة الزوجية الشرعية هي العلاقة التي يمكن للإنسان أن يشبع فيها شهوة الجنس عنده، رجلاً كان أو امرأة ـ أو ما ملكت أيمانهم ـ في ما كان يُعرف بملك اليمين في السابق، وقد زال من المجتمع الإسلامي ـ فإنهم غير ملومين* فمن ابتغى من وراء ذلك ـ في ما حرّمه الله عليه من الزنا والسحاق واللواط ـ فأولئك هم العادون ـ هم المعتدون على شريعة الله ـ والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ـ فالمؤمنون المفلحون هم الذين إذا ائتمنوا على أمانة حفظوها وأدّوها، سواء كانت أمانة مال أو عرض أو سرّ أو أمانة مسؤولية مما يأتمن الناس فيها بعضهم بعضاً على مسؤولياتهم، كما يرعون عهودهم، فإذا أعطوا عهداً، سواء كان عهداً تجارياً أو أمنياً أو علاقة زوجية أو أي نوع من أنواع العهد، فإنهم يوفون به ـ والذين هم على صلواتهم يحافظون ـ يصلّونها في أوقاتها فلا يؤخّرونها، ويحافظون عليها فيأتون بها كاملة غير منقوصة بكل أجزائها وشروطها ـ أولئك هم الوارثون* الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}، وتلك هي الجائزة العظيمة.
قد يشعر الناس بالتعب عندما يأخذون بأسباب الفلاح هذه، فيحرم الإنسان نفسه من بعض ماله وشهواته وعلاقاته، ولكن "ما شرّ بشر ـ قالها رسول الله (ص) ـ بعده الجنة، وما خير بخير بعده النار"، ما قيمة أن تجلب لنفسك بعض الخير الذي تحسبه خيراً للدنيا ثم ترمى في نار وقودها الناس والحجارة، وعندها سوف تنسى كل لذاتك وشهواتك، ما قيمة شهوة ولذة عابرتين أمام ما يلاقيه الإنسان؟!
وهكذا، عندما يحدّثنا الله تعالى عن صلاة الجمعة، هذه الصلاة التي يتركها الكثيرون من الناس لأنهم مشغولون بتجارتهم، ويدعو الكثيرون من الناس ـ من خلال عقد ذاتية ـ الآخرين إلى أن لا يحضروها، يقول تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون* فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ـ عندما تعيشون الصلاة ثم يرجع كل واحد منكم إلى عمله وهو يذكر الله، فإنه سبحانه يعطيكم أجر ذلك الفلاح في الدنيا والآخرة، ولكن الله تعالى يتحدث عن الناس في زمن النبي (ص) وفي زماننا أيضاً ـ وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً* قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين}.
التوبة والإخلاص لله
ومن أسباب الفلاح التوبة، أن تتوب إلى الله، أن تجلس في كل صباح يصبح عليك، أو في كل مساء يمسي عليك، لتتذكر ذنوبك في المساء لتتوب في الصباح عنها، أو لتتذكر ذنوبك في النهار لتتوب في المساء عنها، ولتقول: "اللهم إني أتوب إليك من كبائر ذنوبي وصغائرها، وسوالف زلاتي وحوادثها، وبواطن سيئاتي وظواهرها، توبة من لا يحدّث نفسه بمعصية ولا يضمر أن يعود في خطيئة"، ويقول تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}، عندها يتقبل الله توبتكم، {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون} { إن الله يحبّ التوّابين}. ويقول تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ـ الطريق الذين يؤدي بكم إليه وإلى رضوانه ـ وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون}..
وقد قال رسول الله (ص) مما روي عنه: "قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان، وجعل قلبه سليماً ولسانه صادقاً، ونفسه مطمئنة، وخليقته مستقيمة، وأذنه مستمعة، وعينه ناظرة"، وقد قال أمير المؤمنين (ع): "من غلب عقله هواه أفلح". إذا وقفت بين هوى نفسك وبين وعي عقلك، وغلّبت عقلك على هوى نفسك، فإنك تكون من المفلحين. وقال عليّ (ع): "أطع العلم واعصِ الجهل تفلح"، وكان (ع) يقول: "أيها الناس، شقّوا أمواج الفتن ـ إذ انطلقت الفتن كمثل الأمواج في البحر الهائج ـ فاركبوا سفن النجاة ـ سفن الحق والعدل والخير، سفن رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) ـ وعرّجوا عن طريق المنافرة ـ لا تتنافروا ولا تتباغضوا ـ وضعوا تيجان المفاخرة ـ تواضعوا ولا يفخر بعضكم على بعض ـ أفلح من نهض بجناح ـ لم يخلد إلى الأرض، بل نهض بجناح ليحلق به إلى الله ـ أو استسلم فأراح ـ استسلم لدينه ولتقواه فأراح الناس من حوله ـ فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم"، {ومن يوقَ شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون}.
صفات غير المفلحين
أما صفات غير المفلحين، فيقول تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذّب بآياته إنه لا يفلح الظالمون}، الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والكفر والمعصية. وفي آية أخرى يقول تعالى: {إنه لا يفلح المجرمون}، الذين كانت الجريمة طابع حياتهم. ويقول تعالى: {ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون}، {قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون}.
الطريق مفتوح أمامنا، والطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، وعلينا أن نلتقط وسائل الفلاح، حتى إذا جاءنا الموت نكون على فلاح من أمرنا، وتوبة من ربنا، ونردد مع الإمام زين العابدين (ع): "وإذا انقضت أيام حياتنا، وتصرّمت مدد أعمارنا، واستحضرتنا دعوتك التي لا بد منها ومن إجابتها، فصلّ على محمد وآل محمد، واجعل ختام أعمالنا توبة مقبولة لا توقفنا بعدها على ذنب اجترحناه، ولا معصية اقترفناها". تلك هي المسألة، فهل نستعد لذلك اليوم؟ {يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم}.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله في أموركم، وشقوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وواجهوا مسؤولياتكم بالوعي لكل ما حولكم ومن حولكم، ولكل الشياطين الذين يريدون أن يفرضوا عليكم استكبارهم، من شياطين الإنس والجن الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، أن يكون لكم في كل عقولكم عين تبصرون بها ماذا يخطط الآخرون لكم، وبما يتآمرون به من القضاء على أمتكم بكل ما يملكون من قوة، وها هم ينطلقون إلى كل المواقع الإسلامية من أجل أن يشوّهوا صورة الإسلام في العالم، ليقفوا ضد انفتاح الناس على الإسلام، وليجمعوا العالم على حربه باسم "الإرهاب" و"التشدد" وما إلى ذلك.
لذلك، إن هناك فتناً تنتظرنا في الداخل من خلال الذين يكيدون للمسلمين من أجل أن يثيروا فتنة صغيرة هنا وفتنة كبيرة هناك، فنتحرك من خلال فتن اجتماعية أو مذهبية أو طائفية أو حزبية أو سياسية، حتى يشغل الناس بهذه الفتن عن التفكير في الفتنة الكبرى، وهي فتنة الاستكبار العالمي الذي يريد أن يقضي على المستضعفين كلهم، وفتنة الكفر كله الذي يطبق على المسلمين ليقضي عليهم في كل مواقعهم وليمنع الإسلام من الامتداد إلى العالم. إن علينا أن نكون الأمة الواعية الواحدة، لا سيما في هذه المرحلة التي لا تزال فيها الفتن والمشاكل تنهش كل واقعنا، فماذا هناك:
الانتفاضة هي الخيار الوحيد
المعاناة الفلسطينية مستمرة، في القصف الوحشي الذي يحصد المدنيين، ويهدم البيوت، ويجرف المزارع، ويشدد الحصار، ويطوّر الاستيطان، ويثبّت الاحتلال، ويمنع الفلسطينيين من حفر آبار مياه كخطوة لتهجيرهم.. والمندوب الأمريكي يلعب لعبة اللجنة الرباعية الدولية في امتداد الوقت الضائع، من خلال حذر عربي، وتحفّظ فلسطيني، ورفض إسرائيلي، لأن المطلوب ـ أمريكياً ـ هو تأكيد الحصول على التأييد العربي للحرب الأمريكية ضد المنطقة، وليس التمهيد للدولة الفلسطينية..
إن أمريكا ـ في إدارتها الحالية ـ لا تضغط على "شارون" للقبول بمشروعها، بل المسألة عندها هي الضغط على الفلسطينيين ليتحمّلوا وحدهم مسؤولية فشله في حركة اللعبة السياسية. ولذلك، فإن الانتفاضة لا بد أن تستمر، لأنها ـ وحدها ـ وسيلة الضغط على الاحتلال وعلى القرار الدولي في حماية الشعب الفلسطيني من الوحشية الصهيونية، وإنقاذه من الضوء الأخضر الأمريكي الممنوح لإسرائيل في ممارسة الأسلوب النازي ضد الفلسطينيين الذين لا بد لهم من البقاء في نطاق الشعار التحريري، وهو المطالبة بزوال الاحتلال الذي هو أعلى وسائل العنف، لأنه الفعل الذي يجتذب كل ردود الفعل، بما في ذلك العمليات الاستشهادية.
أميركا... نازية جديدة
أما أمريكا، فقد وصلت إلى درجة الهستيريا الاستكبارية، في تهديدها للأمم المتحدة بالإلغاء إذا لم توافق على القرار الأمريكي في تشريع الحرب بشكل تلقائي ضد العراق بحسب الشروط الأمريكية، بحجة المساعدة في الحرب ضد ما تسمّيه "الإرهاب" والدفاع عن الحرية في العالم، وكأنها هي التي تحدد مواقع "الإرهاب" ومعارك الحرية، لأن القضية عندها ليست قضية الشعوب، بل قضية مصالحها الحيوية في العالم، والتي تبرر لإدارتها الكذب في القضايا الأمنية والسياسية على شعبها وعلى العالم، كما تجعلها في موقف الضغط على بعض حلفائها ـ كفرنسا وروسيا ـ من أجل الخضوع لخطتها في الحرب والسلم!!
إن على الشعوب، ولا سيما المستضعفة، أن تواجه هذا التطوّر الاستكباري الجديد الذي تتحوّل فيه الدولة الكبرى الأقوى إلى ما يشبه النازية الجديدة، في صورة "هتلر" يحمل الجنسية الأمريكية ليهدد بالحرب المدمِّرة كل معارض لسياسته الاستعلائية باسم الحضارة والحرية، لأن هذا الواقع سوف ينتج أخطاراً مدمِّرة على كل مصالح هذه الشعوب في جميع الجوانب.
العراق: لموقف حاسم من العدو
وفي مسألة العراق الذي تخطط أمريكا للحرب ضد شعبه الذي عاش ـ ولا يزال ـ بين مطرقة النظام الطاغي وسندان الاستكبار الأمريكي، تطالعنا الأخبار بأن بعض المعارضين العراقيين السائرين في الركب الأمريكي يسعون للتقرّب من إسرائيل، على أساس الوعد بإقامة علاقات جيدة بين إسرائيل والنظام القادم بعد سقوط النظام الحالي في بغداد، وكأن "صدام" وحده عنده مشكلة مع إسرائيل وليس الشعب العراقي.. ولا أدري مَن الذي خوّلهم النطق باسم هذا الشعب العربي المسلم الذي كانت كل مشكلته أنه وقف مع الشعب الفلسطيني ضد إسرائيل الغاصبة لمقدّسات العرب والمسلمين..
إننا نقول لهؤلاء، إذا صحّت هذه الأخبار: قليلاً من التوازن، ولماذا تستعجلون هذا المنطق الخياني، هل لأن الطريق إلى البَرَكة الأمريكية تمر بإسرائيل؟ ولا ندري ما هو موقف بقية فصائل المعارضة العراقية، ولا سيما فصائل المعارضة الإسلامية في العراق من هذه المسألة؟؟ إننا ننتظر الموقف الإسلامي الحاسم ليعرف الناس أن هؤلاء لا يمثّلون الشعب العراقي في موقفه من العدو.
لبنان: مناخ سياسي عاصف
أما في لبنان، فإننا نلمح مناخاً ساخناً ينذر بالعاصفة التي قد تأخذ في عنوانها شعاراً سياسياً يتوزّعه أكثر من فريق، ونعيش في فوضى سياسية قد تتحوّل إلى جدل عقيم لن يؤدي إلى نتيجة، لأنه لا يتحرك في مناخ صحي هادئ حرّ يأخذ بالموضوعية والعقلانية في التفكير بالقضايا الوطنية الملحّة، بل يتحرك في التحدي والتحدي المضاد في أجواء قد يتحول فيها الوضع إلى ما يشبه الهستيريا الطائفية في عناوين وطنية..
إننا ندعو الجميع إلى الرحمة بالوطن والمواطنين، ولا سيما شباب المستقبل الذي نريده جيلاً يهتف للعقل عندما ينفتح على الحرية، وللحوار عندما يواجه اختلاف الرأي، فلا ينجذب للدوّامة الانفعالية التي ما زالت تحكم لبنان بالتوتر الذي تحوّل في الماضي إلى حرب مدمِّرة، ونخشى أن يتحوّل الآن إلى حالة من الانهيار السياسي والاقتصادي والأمني..
الالتفات إلى القضايا المصيرية
إن إسرائيل تهدِّد وتعمل ـ مع أمريكا ـ على منع لبنان من تأكيد انتصاره الثاني في استثمار مياه الوزاني، وتحريك الأوضاع الدولية للضغط عليه، حتى لا يجرؤ على البدء بالمرحلة الثانية من هذا المشروع للري، باسم إبعاد المسألة عن التوتر والانفراد، في الوقت الذي لم يعترض فيه أحد ـ حتى أمريكا ـ على انفراد إسرائيل في الاستيلاء على النهر كله طيلة كل هذه السنوات..
إنَّ المنطقة تهتز في السجال الدولي في أجواء الحرب، ويخشى الجميع أن يتحوّل الموقف إلى زلزال، فهل نبقى نتلهّى بالقضايا الصغيرة التي قد تنتظر، وتضيع القضايا الكبيرة في متاهات الأزمات الصعبة؟! |