يقول الله عزَّ وجل في كتابه المجيد: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ الله كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى الله قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ الله فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}[1].
-التِّجارة الرَّابحة مع الله
إنَّ الله سبحانه وتعالى يحدِّث عباده دائماً بأنَّه ـ وهو خالقهم ورازقهم، وهو الَّذي يمنحهم الحياة والقوَّة وكلَّ شيء ـ يريدهم أن يدخلوا معه، من خلال ما يريده لهم من أعمال وما يحمِّلهم من مسؤوليَّات، في تجارةٍ بينه وبينهم، والله يحبّ لعباده أن يدخلوا معه في تجارة، وليس الأمر كما في حديث بعض النَّاس بأنَّ الإنسان الّذي يعمل من أجل يدخل الجنَّة، أو من أجل أن يبتعد عن النّار، ليس عابداً، وليس مؤمناً، بل هو تاجر، كما قال بعض الشّعراء:
فالقوم لولا عقاب البعث ما عبدوا ربّاً ولولا الثّواب المرتجى كفروا
كأنما الدّين ضرب من تجارتهم إن واظبوا ربحوا أو أهملوا خسروا
إنّنا نقول في علاقتنا مع الله، إنَّ الله يحبّ لنا أن نكون التجّار معه، ولا يريدنا أن نكون تجّاراً في قيمنا وأخلاقنا فيما بيننا وبين بعضنا البعض، فالله يقول لك: تصدَّق قربةً إلى الله، زر أخاك قربةً إلى الله، صل رحمك، }إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً}[2]...
عندما تكون القضيّة بيننا في مجتمعاتنا، فعلينا أن لا نكون تجّاراً في أخلاقنا وفي الأعمال الطيّبة الّتي نواجه بها بعضنا بعضاً، ولكن عندما تكون المسألة مسألة عملنا في طريق الله، فالله يقول: كلّ أعمالكم معي هي أعمال تجاريّة لحسابكم، وليست أعمالاً تجاريّة لحسابي، لأني لا أحتاج إليكم، فقد خلقتكم وأعطيتكم كلّ شيء، وأنا الغنيّ عنكم وعن الكون كلّه، لأنّه صنعة قدرتي، كما عندما يعطيك شخص رأسمالاً ويدعوك إلى الدّخول معه في تجارة. لذلك، لاحظوا أنَّ الله سبحانه وتعالى تحدَّث بلغة التّجارة في أكثر من آية، فمثلاً، عندما طلب منّا أن نتصدَّق ونبذل، قال: }مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ}[3].
هنا، يقول الله لك إنَّ كلّ ما تقدّمه من عطاء هو قرض في ذمّتي، وقرض بالفائدة المضاعفة. }مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ}، والله عندما يضاعف، فقد تصل المسألة إلى أن لا يكون هناك حساب للفائدة، فتكون الفائدة مطلقة، كما في قوله تعالى: }مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ}[4]، }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}[5]. فالله يتحدّث عن كلّ عطاء تقدِّمه في سبيل الله، وسبيل الله هو سبيل النّاس فيما يحقِّق لهم حاجاتهم، وهو سبيل الحياة فيما يرفع مستوى الحياة، وسبيل الحريّة فيما يؤكِّد للحياة حريّتها وللإنسان حريّته، وهو سبيل العدالة فيما يبني للإنسان قاعدة العدل في الحياة.
-الجنّة جائزة المجاهدين
في آيةٍ أخرى، يقول عزَّ وجلّ: }إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ}، لاحظوا هذه المقابلة، أن أعطِ الله نفسك، كلَّ نفسك، فيما تملكه من علم وقوّة وخبرة، وفي كلِّ ما تملكه من قدرات تستطيع أن تقدِّمها للنّاس، وأعطِ مالك لله، بمعنى وجِّهه في المسؤوليَّات الّتي حمّلك الله إيّاها، المسؤوليّة تجاه نفسك، وتجاه عائلتك، وتجاه الناس من حولك، وتجاه القضايا الكبيرة: }إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[6].
استبشر بأنَّك حصلت على بيعٍ لا تحصل عليه في أيِّ بيعٍ وفي أيّ حالة أخرى، لأنَّ ثمن ذلك هو الجنّة، وهذا يتكرَّر في القرآن الكريم ـ عمليَّة البيع والشّراء والتّجارة والقرض مع الله سبحانه وتعالى ـ وهذا الَّذي يحمل للإنسان الإيحاء الدَّائم من خلال علاقتنا بالله في أعمالنا، بأنّنا ندخل مع الله في تجارة، ندخل معه في عمليّة قرض. ثم في آيةٍ أخرى، يريد الله أن تتصوّر نفسك في الحياة الّتي تتحمَّل مسؤوليَّاتها، فنكدح ونتعب ونشقى، أن تتصوَّر نفسك عاملاً في المعمل الكبير في الحياة: }يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ}[7]، إنَّك كادح وعامل: }وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[8]، }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[9]، وتجعلكم تنطلقون إلى الآخرة، بعيداً عن كلِّ تهاويل العذاب، وعن كلِّ مخاوف العذاب: }لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}[10]، ما هي؟ }تُؤْمِنُونَ بِالله وَرَسُولِهِ}[11]، أن تحمل ذلك في عقلك. الإيمان بالله يفرض عليك أن تضع في عقلك وفي فكرك الإيمان بوحدانيّة الله، ورفض كلّ شريكٍ له، سواء كان ذلك الشَّريك مما يصنعه النّاس من أصنامهم وأوثانهم، أو كان ممن يعيش مع النّاس، ممن يملكون القوّة الّتي يسيطرون بها على النّاس؛ أن تؤمن بالله الواحد، والإيمان بالله يعني بحسب مداليله، أن لا تعبد إلا الله، وأن لا تخضع إلا لله، وأن لا تتحرَّك في حياتك إلا من خلال منهج الله وشريعة الله، وأن لا تتَّبع في حياتك إلا خطَّ رسول الله الّذي هو خطّ الله، أو من سار في خطّ رسول الله وأخلص له.
ومن هنا، يكون الإيمان بالله حركةً في اتجاه الإيمان بالرّسول، وإيمانك بالرّسول يعني إيمانك برسالته وشريعته، وإيمانك بمنهجه وخطِّه، وإيمانك بوسائله وأهدافه. وليس الإيمان بالله والرّسول هو مجرّد حالة فكريّة تعقد عليها عقلك وقلبك، ولكنّه حركة في كلّ كيانك، بحيث يكون كيانك هو الكيان الّذي يضمّ معنى الله ومعنى الرّسول في داخله، بحيث لا يفسح المجال لغير الله والرّسول أن يدخل إلى عقله وقلبه وإحساسه...هذه النقطة الأولى.
-الجهاد بالمال والنّفس
}وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ}؛ وهذه الكلمة تختصر كلّ حركة الإنسان في الحياة، لأنّ الإنسان عندما ينطلق في وجوده في الحياة، فهو يملك المال ويملك نفسه. ماذا توحي كلمة "نفس"؟ توحي بكلِّ طاقات النّفس؛ فهي توحي بعلمك، فأنت عندما تقدِّم علمك للناس، وفيما يرفع مستوى النّاس والحياة، فأنت تجاهد بنفسك، لأنّك أعطيت شيئاً من نفسك لله، وهو علمك، وهكذا أيضاً عندما تملك خبرةً تقدِّمها للنّاس، والخبرة هي وسيلة من وسائل العلم، أو عندما تملك جاهاً، فجاهك يمثّل نفسك في موقعها المتقدّم في الحياة، عندما تقدّمه في سبيل الله، أو قوّتك، فما تملكه من قوّة، سواء قوّة الجسد، أو أيّ طاقة تملكها...
وهكذا، فإنَّ الجهاد بنفسك، أن تحرّك نفسك جسداً، تجاهد في سبيل الله، بأن تجعل حركة جسدك في طاعة الله، وأن لا تجعله في معصية الله...
أن تجاهد في سبيل الله بنفسك، هو أن تقف أمام الّذين يتمرَّدون على الله، ويحاربون الله في دينه وفي أوليائه وفي عباده، ويحوِّلون الحياة ساحةً من ساحات الشَّيطان في حربهم وسلمهم وفي كلِّ أوضاعهم؛ أن لا تفسح لهم المجال ليسيطروا على عباد الله، وعلى أولياء الله، وعلى أرض الله، وذلك هو جهاد النَّفس بالقوَّة.
أمّا جهاد المال، فهو أن تقدِّم مالك فيما أوكل الله إليك مسؤوليَّته، أن تصرف مالك في ما تحتاجه في حاجاتك كشخصٍ وفيما تحتاجه عائلتك، وأن تصرف مالك في ما يحتاجه النَّاس: }وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[12]؛ أن تصرف مالك من أجل المجاهدين، فإن لم تستطع أن تشاركهم بالسّيف، فعليك أن تشاركهم في جهادهم بالمال. فالله يعتبر أنّ هذين العنصرين يمثِّلان حركة عقلك في خطِّ الإيمان، وحركة روحك في آفاق الإيمان، وحركة جسدك وكلّ طاقاتك، على مستوى المشاريع الّتي يريد الله لك أن تقوم بها من خلال ما ينفعك، أو على أساس التحدّيات الَّتي يريدك أن تواجهها فيما تواجهه من تحدّيات.
يقول الله لك: }تُؤْمِنُونَ بِالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ} من كلِّ الأشياء الّتي تعيش معكم في الحياة، من اللّهو والعبث واللّذات والفرص الضَّائعة وما إلى ذلك من الأمور الّتي تعتبرونها مهمَّة جدّاً، لأنَّها تمثّل طبيعة ما يتنازعه النّاس في الحياة وما يتسابقون عليه، لأنَّ هذه الأمور الّتي تتقاتلون عليها وتتسابقون عليها، في ما تمثّله من أطماعكم ومصالحكم، تبقى في الحياة وتفارقونها بعد ذلك، وربما تأتي نتائجها السلبيَّة لتلاحقكم إلى يوم القيامة، فتسقط مصيركم عند ذلك، }ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، إذا كنتم تملكون العلم الَّذي ينفذ إلى حقائق الأشياء وعمقها.
فما هي الجائزة؟ الجائزة الأولى: تنجيكم من عذاب أليم، ولكنَّ ذلك غير كافٍ... فعلينا أن لا نكتفي بذلك، فالله عقَّبها عندما قال لنا: }هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
وأيّ فوزٍ أفضل من أن تضمن لنفسك سلامتها عند الله سبحانه وتعالى، وتأتي إلى الله يوم القيامة ولا ذنب عليك، وتصل إلى ساحة القيامة ويقال لك: }ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ}[13]، وتدخل الجنَّة، ويكون مسكنك في جنّات عدن؛ جنّات البقاء الّتي لا موت فيها!
ذلك هو الفوز العظيم، وبعدها، ما قيمة أيّ فوزٍ تحصل عليه في الدّنيا، عندما تحصل على مالٍ حرامٍ كثير، أو تحصل على جاهٍ حرامٍ كثير، أو لذّةٍ حرامٍ كثيرة، فكلّ ذلك سيتبخَّر، }وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}[14]. ثم إنّ الله سبحانه يقول إنَّ الأمّة المؤمنة، التي تعيش إيمانها بأصالة وعمق وقوّة، والتي تتحرّك في خطّ الجهاد في سبيل الله بالمال والنّفس؛ هذه الأمّة سوف تنتصر، عاجلاً أم آجلاً، وسوف تحصل على الفتح.
لقد أخرج رسول الله(ص) من مكّة، وشرِّد منها، وقال له الله: }إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}[15]، وصبر النّبيّ، وعاد وفتح مكّة: }إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً}[16]، من خلال جهاد المجاهدين، ومن خلال إيمان المؤمنين، ومن خلال طبيعة حركة هذا الإيمان في حياتهم، }وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[17]؛ بشِّرهم بما يحصلون عليه في الدّنيا والآخرة.
ثم يقول الله: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ الله كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى الله قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ الله}[18].
-تحصيل رضوان الله
إنَّ الله يريد من المؤمنين أن يتحركوا في حياتهم من موقع إيمانهم، ليعطوا أنفسهم هذه الصّفة، لأنَّ كلّ واحد منّا يقول: أنا من أنصار فلان، وأنا من جنود فلان وحزب فلان، وما إلى ذلك من كلمات. والله تعالى يقول: كونوا أنصار الله، حتى إذا أردتم أن تتحركوا مع النّاس، انظروا علاقة هؤلاء النّاس بالله، وخطواتهم فيما يريده الله، وكلماتهم وأوضاعهم وأهدافهم ووسائلهم في ما يريده الله؛ كونوا أنصار الله، وليكن الله هو كلّ شيء في حياتكم، }كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى الله قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ الله فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}[19].
أيّها الأحبَّة، في هذا الجوّ الّذي ننطلق فيه لنحصل على رضا الله، وعلى محبّة الله، وعلى الآفاق الكبيرة الّتي يريدنا الله أن نعيش فيها، فنرتفع عن الصّغائر، وعن الزّوايا المغلقة، وعن القضايا الصّغيرة، لننطلق إلى الله، ليكون كلّ جهدنا هو القرب من الله، وليكون كلّ هدفنا هو الحصول على رضوان الله.
إنَّ الله عندما يتحدّث عن الجنّة، يقول: }وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ}[20]، يعني كم تتصوَّرون نعيم الجنّة ولذّاتها؟ إنّكم عندما تعيشون هناك، ستجدون أنّ إحساسكم برضا الله عليكم، هو أكبر من كلّ الجنّة ونعيمها، فالرّضوان هو المهمّ. لاحظوا في الآية الكريمة الّتي يخاطب الله بها المؤمنين الّذين ينطلقون من الدّنيا إلى الآخرة: }يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}[21].
إنَّ الله أعطى للإنسان البشارة: }يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ}؛ أيّها الإنسان الّذي عاش حياته على أساس أن يحصل على النّفس المطمئنة، ادخلي، يا أيّتها النّفس المطمئنّة جنَّتي، راضيةً عند ربّك. وهذا الرّضا المتبادل بين الربّ وعبده هو الأساس. ومن خلال ذلك: }فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}، فللّه سبحانه عباد يرتضيهم لنفسه، وله عبادٌ يتمرّدون عليه...
-أهميَّة الإيمان بالله
من خلال ذلك، ينبغي أن نفهم، أيّها الأحبّة، الأشياء التي تتحرّك في حياتنا من خلال هذين العنوانين: الإيمان بالله والرّسول، والجهاد في سبيل الله بأموالنا وأنفسنا؛ لأنهما يعتبران الأساس في دخول الجنّة، والله اختصر كلَّ مسألة الإسلام في هذين العنوانين، لأنهما يضمّان في داخلهما كلَّ مفردات الإسلام، وكلَّ خطوط الإسلام وأهدافه في الحياة. لذلك، لا بدَّ لنا عندما نتطلَّع إلى الحياة من حولنا، من أن ندرس كلَّ حدثٍ وكلّ موقف وكلّ نتيجة من النّتائج الإيجابيّة أو السّلبيّة؛ أن ندرسها على أساس ارتباطها برضوان الله، وارتباطها بخطِّ الله سبحانه وتعالى، فمثلاً، هناك كثير من النّاس يتحدّثون عن الإيمان بالله بطريقة سلبيّة، بمعنى أنّه سواء آمن الإنسان بالله أو لم يؤمن فهذه ليست قضيّة، ولهذا، نجد أناساً يستهينون بصفة الإيمان بالله وبالرسول، بحيث قد يفضّلون غير المؤمن لبعض الصّفات الطيّبة فيه، على المؤمن لبعض الصِّفات غير الطيِّبة فيه، أي يعتبرون أنَّ هذه الصفة الطيّبة تغطّي عدم إيمانه، فسواء كان مؤمناً أو لم يكن، المهمّ عندهم أن يكون صادقاً وليس كاذباً.
إنّ الصّدق قيمة من قيم الأخلاق الَّتي يحبّها الله، والكذب منقصة يبغضها الله، ولكنّ الله سبحانه جعل الإيمان هو الأساس، ولذلك قال: }فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ}، بحيث يكون الإيمان أساس قيمة العمل الصالح، عندما ينطلق من عمق الإيمان، لا من حالة طارئةٍ في حياة الإنسان. والكذب سيِّئ، ولكنَّنا لا نستطيع أن نعتبر أنّ الكذب يجعلنا نواجه هذا الإنسان بالمطلق مواجهة سلبيَّة، ونترك معنى إيمانه. إنَّ الإيمان بالله ورسوله هو أساس كلِّ قيمة، والمعرفة بالله هي غاية المعرفة، ولهذا، فإنَّ الإنسان الذي يتمرَّد على الله، هو إنسان ليس طيّباً، لأنّه يتمرَّد على الّذي خلقه ورزقه وأوجده. فالإيمان بالله ورسوله هو قيمة القيم، وليس مجرّد حالة طارئة.
-الفرق بين التطرّف والاعتدال
ثمَّ هناك مسألة الجهاد بالمال والنَّفس؛ فالجهاد الأكبر هو جهاد النَّفس، والجهاد الأصغر هو جهاد العدوّ. الكثيرون من النَّاس يتحدَّثون عن الجهاد بطريقة سلبيَّة، ولا سيَّما إذا أدَّى إلى نتائج صعبة في حياتهم، بحيث إنَّه يجعلهم يخسرون مالاً أو راحةً أو استقراراً، أو يضعف بعض فرص لذَّاتهم ومصالحهم، أو أنّه يفقدهم بعض أعزّائهم وأحبّائهم، وما إلى ذلك.. بعض النَّاس يتعقَّدون من الجهاد ومن المجاهدين، وربما يدفعهم ذلك إلى أن ينسِّقوا مع الكفر والكافرين، ومع الظّلم والظّالمين، ومع الاستكبار والمستكبرين، وبعض النَّاس يتحركون في حياتهم على أساس أن يكونوا أعواناً لأعداء الله وأعداء الإنسانيّة، ويتجسَّسون لحساب العدوّ، ويتجنَّدون لحسابه، ويقتلون المجاهدين لحسابه.
هؤلاء، سواء كانوا يتحركون مع العدوّ الدّاخليّ، أو مع العدوّ الخارجيّ في الدّائرة الإقليميّة أو الدوليّة، قد يصلّون ويصومون، وهناك الكثير من الجواسيس للمخابرات، الّذين يستعدّون للحجّ في هذه الأيّام، وهناك الكثير من الملوك والأمراء والرّؤساء من يذهب منهم بين الوقت والآخر إلى العمرة والحجّ، ويحاول بعضهم أن يكون واعظاً للعلماء وما إلى ذلك؛ هم يفعلون هذه الأشياء، ولكنّهم يقفون مع العدوّ.. هؤلاء الّذين يقفون مع أميركا ـ أو مع أوروبّا سابقاً ـ من أجل أن يمكِّنوها من السيطرة على مقدّرات المسلمين والمستضعفين، سواء مقدّراتهم السياسيّة أو الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة. كيف يفهم هؤلاء الإيمان؟ إنهم يقولون عن أنفسهم إنّهم مؤمنون، ويزايدون على المسلمين والمؤمنين، ويتحدّثون عنهم على أنهم متطرّفون بينما هم مع الإيمان المعتدل، ولكنَّنا رأينا أنَّ الإيمان المعتدل فيما يتحدَّثون عنه، أو يتحدَّث به بعض مشايخهم من وعّاظ السّلاطين، أنَّ معنى أن تكون مؤمناً، أن لا تكون مجاهداً في وجه الكفر والاستكبار وفي وجه الظّلم، وإلا كنت متطرِّفاً.
إنَّ معنى أن تكون مؤمناً معتدلاً من خلال منطقهم، أن لا تطالب بأن يحكم الإسلام العالم، لأنّ هذا التَّطبيق للشّريعة الإسلاميّة، هو عندهم تماماً كما تتحدّث عن أكبر جريمة في حقّ الإنسانيّة. هكذا، يحاولون الإيحاء بذلك.
أن تنصر الشّعوب المضطهدة، فهذا عندهم تصدير للثّورة، وتصدير الثّورة عندهم أمر غير مقبول.. يقولون: إذا صرت ثائراً كن ثائراً في بلدك.. ولكن لو نجحت الثَّورة ، فعليك أن تبقيها في داخل بلدك، ولكن إيَّاك أن تصدِّر الثّورة، وكأنَّ الثّورة تدخل في وزارة الاقتصاد وتخضع لعمليَّة التّصدير...! ولكن كما الرّياح والعواصف تأتي من خلال القوانين الطبيعيّة الّتي أودعها الله في الكون، كذلك رياح الثَّورة ورياح التّغيير تأتي من خلال القوانين الّتي أودعها الله في الكون.
وهكذا يحاولون الإيحاء إلى النَّاس بأنَّ الإسلام لا يتَّفق مع العنف، بحيث إذا أطلق إنسان عليك صاروخاً، فإنَّ عليك أن تدخل معه بواسطة الوسائل الدبلوماسيَّة، وإلا كنت متطرّفاً وإرهابيّاً وما إلى ذلك، أمَّا أن يحتلّ هو أرضك، أو يحتلَّ إنسان آخر بعض أرضه أو بعض أرض حلفائه، فإنَّ العالم ينبغي أن يدخل في حرب.. إسرائيل تحتلّ كلّ فلسطين.. هذا واقع أعطته الأمم المتّحدة الشرعيَّة من خلال الدّول الكبرى، ولذلك، فإنَّ الّذي يعتدي على هذه الدّولة، هو معتدٍ على الشرعيّة الدّولية، والفلسطينيّون الّذين يريدون أن يعودوا إلى وطنهم إرهابيّون، ويقال لمنظَّمة التَّحرير إنَّ عليها أن تمتنع عن الإرهاب، ومعنى ذلك، أن تمتنع عن الوقوف في وجه الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين، وهذا المنطق هو المنطق الموجود!
-سبب هزيمة العرب
كان العرب ثوريّين سابقاً، وكانوا يتحدّثون بأن لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف، ولكنّهم بدأوا يقدّمون التّنازلات، والآن أصبحوا ضدّ الثَّورة، حتى على اليهود، وأصبحت المسألة في علاقات العرب مع اليهود هي مسألة السَّلام والدبلوماسيّة والمفاوضات وما إلى ذلك، حتّى إذا انطلق صوت في الدّاخل يدعو للانتفاضة، يقول إنّنا نريد حرّيتنا، قالوا لهم جمّدوا الانتفاضة حتى نبحث في الدبلوماسيَّة. ومعنى تجميد الانتفاضة، أن تُخنَق كلّ هذه الرّوح، على أساس جمّدوها ستّة أشهر، كما قال بعض حكام العرب، أو سنة، وبعد ذلك، تصبح السنة سنتين، وهكذا حتى تذهب الانتفاضة.
وهكذا نجد النظرة إلى المقاومة، ولا سيَّما المقاومة الإسلاميّة في لبنان، لأنّ المقاومة تعني قوّة ما يسمّونه بالتيّار الأصولي، الّذي يعمل على أساس أن يقول للمسلمين، إنَّه لا يجوز للمسلم أن يفرّط في عزّته، وفي حريته، وفي أرضه، وفي سيادته على أرضه، وفي كلّ القضايا المتّصلة بكلّ قضايا المستقبل الكبير الّذي يريده الله له. لذلك، هؤلاء إرهابيّون! لأنهم لا يقبلون بسيادة أميركا وأوروبّا على العالم، ولا بسيادة الصهيونيّة على المنطقة، وذلك هو ذنبهم، وتلك هي جريمتهم. ومن خلال ذلك، كانت اللّعبة الدوليّة تثير الناس كلّهم، حتى العرب، في سبيل الوقوف مع النظام العراقي الّذي احتلّ الكويت، وكنا نقول إنَّ احتلال بلد لبلد ليس مبرّراً، حتى عندما نعتبر أنَّ هناك وحدة عربيَّة أو إسلاميَّة، لأنَّ للشّعب حقّه في أن يختار حاكمه أو يرفض نظاماً معيّناً.
ولكنَّ المسألة كانت: لماذا انطلقت أميركا في حرب الخليج؟ انطلقت من أجل المصالح الأميركيَّة، لا من أجل مصالح الكويت أو شعوب الخليج، وهي الآن تبقي حاكم العراق في العراق، وتحاصر شعب العراق، من أجل مصالحها الحاضرة والمستقبلة، لا من أجل الشّعوب. وإلا إذا كانت القضيَّة قضيَّة شعب، فلماذا لا تقف بقوّة مع الشَّعب الفلسطينيّ؟... لأنَّ مسألة إسرائيل هي مسألة السّياسة الأميركيَّة الاستراتيجيَّة في المنطقة، لهذا، حتى في هذه الحال، تتمرَّد إسرائيل على مفاوضات السَّلام، فلا تعطيها أيّ فرصةٍ للنَّجاح، وتقصف كلَّ يوم النّاس الآمنين في لبنان، وتضيف إلى احتلالها الضفَّة الغربيَّة وغزّة ـ ونحن نقول كلّ فلسطين ـ تضيف احتلالها لجنوب لبنان والبقاع الغربي. مع ذلك، لا تحرّك أميركا ساكناً، بل أعطت إسرائيل الحريّة في ذلك كلّه، والنّاس يقولون للمقاومين: ما فائدة أن تقاوموا، إنكم لا تستطيعون أن تهزموا إسرائيل!؟
لقد أصبح المنطق الأميركيّ هو المنطق الّذي يتحدّث به الناس، وأصبح المنطق الإسرائيلي هو الذي يحكم ذهنيّة الكثيرين من الناس، فصاروا يقولون إنّ علينا أن ندخل في السِّلم، وأن نجمِّد المواجهة، وأن نسعى للوصول إلى النَّتائج بالطّرق السّلميَّة والدّبلوماسيَّة. وقالها الحكم اللّبناني منذ أن بدأ عهده، ولكنَّه لم يف بما وعد به، بأنّنا سنتحوّل بأجمعنا إلى مقاومة؛ قال: إذا لم تطبِّق إسرائيل القرار 425، فسنتحوَّل إلى مقاومة، وأعلنت إسرائيل أنّنا لا نعترف بالقرار، ولا نعتبره أساساً للمفاوضات، ولسنا مستعدّين أن ندخل المفاوضات على أساسه، ولكن تعالوا نتحدَّث بالسَّلام والصّلح بيننا وبينكم، أي أنّها أعلنت أنها لا يمكن أن تطبِّق القرار 425.
وأميركا تتحدّث دائماً عن هذا القرار، ولكنّها تقول: تفاوضوا، ولا تتحدّث عن سلبيّات إسرائيل، وإذا حدثت أيّ سلبية من أيّ بلد عربيّ، فإنها تحاول أن تثير العالم حوله، ما يدلُّ على المسألة الاستراتيجيَّة بين أميركا وإسرائيل. الآن مثلاً، أثيرت منذ أسابيع عودة الفلسطينيّين إلى فلسطين، على أساس أنّ المفاوضات المتعدّدة، تريد أن تبحث مسألة اللاجئين.
أميركا بزلَّة لسان قالت نحن نعترف بالقرار 198 أو 194، الّذي يقرّر من قبل الأمم المتّحدة إعادة الفلسطينيّين إلى فلسطين. هنا ثارت ثائرة إسرائيل، وأميركا تعتبر أنَّ هذا نوع من التَّخدير للفلسطينيّين حتى يدخلوا بالمفاوضات المتعدّدة، ونوع من التّخدير للعرب، حتى يعتبروا أنّ أميركا وقفت إلى جانبهم، ونوع من الضّغط على إسرائيل، ولكن عندما ثارت الأوضاع السياسيّة الإسرائيليّة، وقفت النّاطقة باسم الإدارة الأميركيّة لتتحدَّث بأنّه ينبغي أن لا يفسّر كلامنا بطريقة خاطئة، وأنّ مفاوضات السّلام تقوم على أساس قرارات الأمم المتّحدة كلّها، بل على أساس قرارين وهما 242 و238، وكلا القرارين خاضع لجدلٍ في تفسيرهما، وبذلك أغلقت الباب تماماً. وحتى عودة الفلسطينيّين، فإنَّ أميركا ليست مستعدّة لأن تنفِّذ قرارات الأمم المتّحدة فيها. لهذا، نحن نعتبر أنَّ هناك تنسيقاً أميركيّاً إسرائيليّاً في كلِّ القضايا التي تتحرَّك فيها إسرائيل بطريقةٍ أمنيَّة أو سياسيَّة أو عسكريَّة، باعتبار أنَّ المطلوب في هذه المسائل هو إيجاد مشاريع سياسيّة في ما تلتقي به السياسة الأميركيّة والإسرائيليّة في الخطوط الاستراتيجيَّة.
-موارد القتال في الإسلام
ومن هنا، نحن لا نتكلَّم على أساس شعار، أو على أساس استهلاك سياسيّ عندما نقول إنّنا نحمّل أميركا ما تقوم به إسرائيل؛ ليس عندنا عقدة ذاتيَّة ضدّ أميركا، بل عقدة سياسيّة، لأنَّ أميركا لم تقف موقفاً واحداً في كلِّ التّاريخ الّذي عشناه من سنة 48 حتى الآن، لمصلحة العرب أو الفلسطينيّين أبداً. هناك موقفٌ واحد، عندما وقف أيزنهاور وطلب من الإسرائيليّين الانسحاب في قضيَّة قناة السّويس، وكانت لمصلحة أمريكيَّة آنذاك...
وحتى الآن، يصرِّحون بأنّنا نعمل على أساس أن يكون هناك تفوّق عسكريّ نوعيّ لإسرائيل، لماذا؟ هل العرب هم الَّذين يعتدون على إسرائيل، أو أنَّ إسرائيل تحاول بكلِّ وسائلها أن تعتدي عليهم؟! لذلك، نريد أن نقول، أيّها الأحبّة، إنَّ الله عندما شرّع الجهاد وشرّع القتال، فإنّه لم يشرّعه من أجل أن ينطلق المسلمون ليعتدوا على النَّاس، ولكنَّه شرّعه من أجل القضايا الأساسيَّة الّتي يراد بها حماية النّاس من المعتدين.
الآن، مثلاً، نقرأ بعض الآيات بشكلٍ سريعٍ جدّاً، وهي الآيات الّتي تتحدَّث عن مسألة القتال، وعلى أيّ أساسٍ يكون: }وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[22]، أي بمقدار ما تردعونهم عنكم، وتحقّقون الأهداف الكبيرة.
وتقول الآية الثّانية: }وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً * وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً}[23]. ما معنى ذلك؟
إنَّه القتال في سبيل المستضعفين الَّذين اضطهدوا في أرضهم، وفي سبيل المستضعفين الَّذين أخرجوا من أرضهم، والمهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلا أن يقولوا ربّنا الله. فالقتال ليس خطّاً عدوانيّاً يريد الله به للمسلمين أن يقتلوا العالم، ولكنَّ الله جعله من أجل أن ينطلق المسلمون حتى يدافعوا عن المستضعفين، حتى لا يسيطر المستكبرون على الحياة كلِّها، وعلى النَّاس كلِّهم.
أن نقاتل الَّذين يقاتلوننا.. ربما يقول أحدهم، إنَّنا إذا ما ألقينا السِّلاح فلن تقاتلنا إسرائيل.. ولكن هناك قتالٌ على قسمين؛ قتال كناية عن العدوان، كما إذا كان أحد يحتلّ أرضك، وبعد أن يسيطر على أرضك، ويركِّز كلَّ القوَّة العسكريّة فيها، ليمنعك من العودة إليها، يأتي ويقول لك سالم تسلم. وهناك من يقاتلك دائماً.. الآن إذا فرضنا أنَّ إسرائيل كانت لا تقاتل قتالاً فعليَّاً، ولكن هي عندما تحتلّ أرضك، وتمنعك بالقوَّة من العودة إليها، وتمنعك بالقوَّة من أن تضغط عليها لتخرج من أرضك.. فإنّها تكون في موضع قتالٍ لنا... فنحن لا نعتدي، نحن ندافع عن أرضنا، وعن النَّاس، وعن حريِّتنا، وعن كلِّ قضايانا..
-إسرائيل المعتدية دوماً
وعلينا أن لا ننسى التَّاريخ أبداً، أيُّها الأحبَّة، فإسرائيل عندما تنطلق في أيِّ عملٍ عدوانيّ على لبنان، حتّى على مستوى القصف، فإنّها لا تنطلق أبداً من حالة ردِّ فعل، بل هناك دائماً خطط جاهزة عندها، وإلا ما هي العلاقة مثلاً بين أن يقوم أحد بمحاولة اغتيال السَّفير الإسرائيلي في لندن العام 82، وبين الاجتياح للبنان؟ إلى الآن لا زال الأمر غير معروف.. وليس هناك مناسبة، ولكنّ إسرائيل كان لديها خطّة جاهزة تريد أن تقدِّمها للرأي العام العالميّ. وهكذا في سنة 78، وفي كلّ المناسبات، كانت إسرائيل هي الّتي تخطِّط للعدوان، لأنَّ لديها مشاريع توسّعيّة، وكانت تتحرّك في عدوانها على البلاد العربيّة، وعلى لبنان، وعلى سوريا، من خلال التّخطيط مع أميركا في مواجهة الاتحاد السوفياتي، أي أنّنا كنّا ندفع ثمن الصِّراع بين أميركا والاتحاد السوفياتي في الحروب الإسرائيليّة العربيَّة، هكذا كانت المسألة..
لهذا، لا تنطلق إسرائيل من ردّ فعل. حتى إذا فرضنا أنّه صار هناك سلام في جنوب لبنان، وكان هناك مخطَّط لإرباك السّياسة اللّبنانيّة وما إلى ذلك، فإنَّ إسرائيل تفتعل حدثاً، وتبعث أحداً ليطلق صاروخاً...
-مسؤوليَّة مواجهة إسرائيل
لهذا علينا أن نحترم أنفسنا، ونحترم وعينا السياسيّ، حتى لا نقول كما يردِّد الكثير من النّاس الضّعفاء، إنّنا إذا لم نعتد على إسرائيل فإنها لن تفتعل عدواناً علينا. إنَّ أساس وجودها على أرض فلسطين غير شرعيّ، هذه المسألة علينا أن نفهمها. ولذلك يريد الله سبحانه وتعالى لنا أن ننطلق على أساس أن نتحمَّل مسؤوليَّة المستضعفين، ومسؤوليَّة حريَّتنا وقوَّتنا. لأنَّنا إذا أردنا أن نسير وفق هذا المنطق الَّذي يتحدَّث به البعض، فإنَّ معنى ذلك، أن نزيد ضعفاً، وأن نزيد ذلاًّ، وأن نسقط ما عندنا من القوَّة، حتّى عندما يأتي الجيل القادم، يأتي وهو غير قادرٍ على أن يمشي على قدميه...
نحن الآن عندما نواجه الواقع، سواء استطعنا أن نزيل إسرائيل كدولة، أو لم نستطع ذلك، فهناك مستقبل ينطلق فيه الأقوى ليسحق الأضعف. عندما تكون إسرائيل الأقوى على مستوى السّلاح، والأقوى على مستوى معنويّات شعبها، ونحن نكون الأضعف على مستوى السّلاح ومعنويّات شعبنا، فإسرائيل تستطيع أن تصادر كلَّ أوضاعنا؛ تصادر اقتصادنا وسياستنا وأمننا، لتكون جميعاً على هامش اقتصادها وسياستها وأمنها.
مشكلة الكثير من النَّاس أنَّهم يفكِّرون في الحاضر ولا يفكِّرون في المستقبل.. ولكنَّك إذا ضعفت الآن عن حماية أرضك وموقفك وموقعك، ستضعف في المستقبل. لذلك، نحن الآن عندما نواجه الموقف، فإنَّنا نجد أنَّ هذه الطَّليعة من المؤمنين الّذين دخلوا في تجارةٍ مع الله، والّذين اشتروا الجنَّة بأموالهم وأنفسهم من الله، هؤلاء الَّذين يتحركون، وهم من أفضل الشَّباب، وهم من خير النّاس، وهم الذين انفتحوا على الله وأغلقوا قلوبهم عن كلّ ما عداه وعن الشَّيطان، هؤلاء، أيّها الأحبَّة، هم الّذين يصنعون تاريخنا، وليس هؤلاء السياسيّون الّذين يتحركون على أبواب السفارات، والّذين يستعطفون السّفراء في أن يمنحوهم موقفاً أو موقعاً أو وظيفة أو وزارةً أو أيّ شيء، ليس هؤلاء الّذين يصنعون تاريخنا. هؤلاء الشباب الَّذين يتحركون في جبل عامل والبقاع الغربيّ، هم الّذين صنعوا لنا الكثير من التّاريخ، وهم الّذين يصنعون لنا التّاريخ.
أتدرون لماذا دخلت إسرائيل في عمليَّة هستيريَّة في عدوانها؟ لأنَّ حركة المجاهدين في حولا تمثّل انتصاراً أمنيّاً للمجاهدين، استطاع أن يهزم الأمن الإسرائيليّ، وعمليّة المجاهدين في الشومريّة وفي غيرها من المناطق، استطاعت أن تهزم إسرائيل عسكريّاً.
لا نتحدَّث عن المسألة بطريقة استعراض، لكن ادرسوا تحقيقات إسرائيل حول هذا الموضوع، فقد استعملوا الكلمات نفسها الّتي استعملوها في النَّتائج السّلبيّة في حرب 82؛ فكلمة التَّقصير استعملت في هذه المسألة، فقالوا إنَّ هناك تقصيراً من الجيش الإسرائيلي في حمايته لجيش لبنان الجنوبي، وهناك تقصير من جيش لبنان الجنوبيّ، لأنّ المسألة لها مداليل سياسيّة كما لها مداليل عسكريّة. أن ينطلق المجاهدون إلى هذه المنطقة العالية في وضح النَّهار، ولا تستطيع إسرائيل أن تكشفهم، ثم ينطلقوا ليدمّروا ويسحبوا معهم أسرى، ولا يستطيع أحد أن يعرض لهم بسوء، فهذه القضيّة لها مدلول في المسألة السياسيَّة والعسكريَّة، ولها تأثير نفسيّ في كلّ الّذين يعيشون في المنطقة، ممن يسمّون جيش لبنان الجنوبي وما إلى ذلك..
-المقاومة شرف الأمَّة
ومن هنا، عندما انطلقت إسرائيل بطريقة قصف الطّيران والمدفعيَّة الوحشيَّة، انطلقت بطريقة هستيريَّة، لأنها تريد أن تعيد إلى العملاء وإلى جيشها معنويَّاتهم. ومن هنا، لاحظنا أنّها قصفت البيوت المدنيَّة، وقتلت عائلةً كاملةً مع أطفالها.. إنَّ هذه ليست بطولة، ليست بطولةً أن تملك الطّيران وتقصف به، ولا يمثِّل ذلك انتصاراً فيما هو معنى الانتصار في ساحة الصِّراع، لأنَّ القضيَّة: }لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ}[24].
لذلك، إنَّ إسرائيل انطلقت لتعتدي بوحشيَّة على النّاس في الجنوب وفي البقاع، وعنف الردّ دلّ على عنف التّأثير. لهذا، إنّني أقول لكلّ الناس، من مسؤولين وغيرهم، إنَّ المقاومين يمثّلون شرف هذه الأمّة وعزّتها، إذا كنتم، أيّها اللّبنانيّون الّذين تفكّرون في لبنانيّتكم، تبحثون عن عنفوان لبنان، فهؤلاء هم عنفوان لبنان، لأنّ هؤلاء هم الّذين هزموا إسرائيل، ولو في موقع صغير.
ونقول أيضاً لكلّ النّاس في الجنوب وفي البقاع وفي بيروت، إنَّ عليكم أن لا تنظروا إلى المسألة من ناحية الآلام الّتي تصيبكم من خلال العدوّ، ليتحدّث بعضكم أنَّ المسؤول عن هذه الآلام هو المقاومة، تماماً على الطّريقة الّتي قيلت في صفّين، عندما قتل أهل الشَّام عمَّار بن ياسر، وبدأ أهل الشَّام يستذكرون قول رسول الله(ص): "يا عمّار، تقتلك الفئة الباغية"، فبدأوا يتساءلون: إذاً نحن الفئة الباغية، لأنّنا قتلنا عمَّاراً! فجاء إليهم عمرو بن العاص بعقليَّته السياسيّة، وقال لهم إنَّ الفئة الباغية هي جماعة عليّ، لأنَّ عليّاً لو لم يدفع إلينا عمّاراً ليقاتلنا، لما قُتل، فإذاً عليّ هو الّذي قتله!
ونحن أيضاً هكذا. هذا المنطق سائد عند البعض الّذي يحمِّل المقاومين مسؤوليَّة قصف العدوّ وعدوان العدوّ.. ومعناه، لو لم يقم المقاومون بعمليَّاتهم ما كان العدوّ ردّ بالقصف والعدوان، إذاً، المقاومون هم سرّ مشاكلنا، وليست إسرائيل سرّ مشاكلنا! بعض الناس يفكّرون بهذه الطّريقة، وهذه الطّريقة لا تخدمنا، لا حاضراً ولا مستقبلاً.
إنّنا لا نحتاج ـ أيّها الأحبَّة ـ إلى من يقول إنّه ليست هناك أيّة جدوى من المقاومة؛ إنّ المقاومة منعت التَّطبيع، ولولا المقاومة لرأيتم كلَّ اليهود يتحركون في الجنوب وفي البقاع بكلِّ حريّة، ويفسدون البلاد والعباد بكلِّ ما عندهم من عناصر الفساد، والمقاومة استطاعت أن تصنع الانتفاضة في فلسطين، ولولاها لما انطلق النّاس هناك ليعيدوا ثقتهم بأنفسهم. المقاومة استطاعت أن تعطي للأمَّة قوَّة. لقد سمعت قبل سنين من أحد قادة الجمهوريّة الإسلاميّة الكبار، قوله لي: كنا نلهم اللّبنانيّين وغيرهم في حروبنا ومواقفنا، وأصبحنا نستلهم من المجاهدين، نحن نعمل الآن على أن نلهم شعبنا في إيران القوّة الروحيّة من خلال عمليّات المجاهدين في لبنان.
-للوقوف مع المقاومة
إنَّ المسألة هي أنَّ الانتفاضة في فلسطين، والمقاومة الإسلاميّة في لبنان ـ لأنّنا نلاحظ انكفاء فصائل المقاومة الأخرى عن الاستمرار في المقاومة، لأنَّ المقاومة أصبحت تمثّل القوّة الّتي دخلت في الحسابات الأساسيَّة في مسألة المواجهة مع إسرائيل ـ إنَّ الانتفاضة في فلسطين والمقاومة في لبنان، أصبحتا النّقطتين الوحيدتين المشرقتين في كلّ العالم العربي والإسلامي، ومنهما يستمدّ الأحرار في البلاد العربيّة ـ وهم يعيشون تحت ضغط الأنظمة ـ روحيَّتهم ومقاومتهم، ومنهما يستمدّ المسلمون في كلّ أنحاء العالم قوَّتهم وحيويّتهم.
لذلك، حذارِ من إضعاف المقاومة، حذار من تشويه صورة المقاومة، حذار من الوقوف في وجه المقاومة، لأنَّها تمثِّل القاعدة الوحيدة لحركة القوَّة في مستقبل الأمَّة، لأنَّ القضيَّة ليست قضيّة اللّحظة الحاضرة، ولكنّها قضيّة المستقبل الّذي نحتاج أن نحمل له من الحاضر بعض عناصر القوّة، حتى يستطيع أن يستقرّ وينطلق في خطّ المواجهة لكلِّ الّذين يريدون أن يفرضوا عليه الاستعباد. لذلك، إنّنا نشعر بأنَّ على الأمَّة من جديد أن تدعم المقاومة في الموقف، حتى إذا جاء من يريد أن يضرب المقاومة، وقفت الأمّة في وجهه، وأن ندعمها بالمال، لأنَّ ذلك هو معنى الجهاد بالمال؛ أن تجاهد بمالك، وأن تقدّم للمجاهدين ما يستطيعون به أن يثبّتوا مواقعهم في الجهاد والاستمرار في كلِّ قضايا الجهاد.
إنّنا نستطيع أن نقول إنَّ هذه العمليّات، بالرّغم من الآلام الّتي حدثت بعدها، دلَّلت على أنَّ المجاهدين الإسلاميّين يملكون الخبرة العسكريَّة والأمنيَّة والشّجاعة الّتي يستمدّونها من الله سبحانه وتعالى، وذلك زادٌ للأمَّة لا بدَّ لها من أن تحافظ عليه وتستزيد منه في كلّ المجالات العامّة والخاصّة. وإذا كان البعض يتحدّث بطريقة أنَّ هناك اعتداءً، فإنّنا نقول إنّ الشّومريّة أرضنا، وعلمان أرضنا، ومرجعيون أرضنا.
عندما ينطلق المقاومون إلى هناك، فإنّهم ينطلقون إلى أرضهم وفي أرضهم، لكنَّنا نقول لليهود: ما هي علاقتكم بهذه الأرض، إذا كنتم تتحدَّثون عن إسرائيل وعن فلسطين، بحسب هذا المنطق الّذي لا نرتضيه، لأنَّنا نعتقد أنَّ فلسطين هي أرض للفلسطينيّين، لكن كيف تسمون ذلك عدواناً؟ وكيف تسمّيه أميركاً عنفاً؟
إنّ بقاء الاحتلال هو العنف، ونريد أن نقول لكلِّ هؤلاء الّذين جعلوا من أجسادهم أكياساً رمليّة بشريّة يدافعون عن اليهود الّذين احتلّوا أرضنا، إنّنا نقول لهم، سواء كانوا مسيحيّين أو مسلمين: إذا كنتم تحترمون انتماءكم إلى السيّد المسيح(ع)، فإنّ السيّد المسيح يرى أنّ كلّ عملكم حرام في نصرة الظّالم على المظلوم، وإذا كنتم تؤمنون بمحمّد(ص)، فإنّ محمَّداً لا يرضى لكم بأن تنصروا الظّالم ضدّ المظلوم، وأن تمكّنوا اليهود من أرض المسلمين والمستضعفين.
إنَّنا نقول لكلّ الذين يعيشون في المنطقة الحدوديّة من أجل أن يدافعوا عن إسرائيل، ومن موقع المسؤوليّة الشرعيَّة: عليكم أن تتمرَّدوا على كلِّ ما يخطَّط لكم من مخطَّطات التّجنيد وما إلى ذلك، لأنّكم لن تربحوا أنفسكم ولا أرضكم بذلك. وبالتّالي، إنَّ مصيركم إلى النّار وبئس القرار، لذلك الفرصة للتَّوبة مطروحة الآن، وعليكم أن تتوبوا إلى الله من واقعكم الَّذي تعيشون فيه، لأنّه واقع لا يرضاه الله، ولا يرضاه رسله، ولا ترضاه كلّ شرائعه.
أقولها للمسلمين من المنطقة الحدوديَّة، كما أقولها للمسيحيّين من المنطقة الحدوديَّة، لأنَّ خطَّ المسيح وخطّ محمّد (عليهما السّلام)، خطّ واحد في مسألة الانتصار للحريَّة وللعزّة وللكرامة، هذا هو الطَّريق.
[1] [الصفّ: 10 ـ 14].
[2] [الإنسان: 9].
[3] [البقرة: 245].
[4] [البقرة: 261].
[5] [الزّمر: 10].
[6] [التّوبة: 111].
[7] [الانشقاق: 6].
[8] [التّوبة: 105].
[9] [الصّفّ: 10].
[10] [الأعراف: 49].
[11] [الصّفّ: 11].
[12] [الذّاريات: 19].
[13] [الحجر: 46].
[14] [الكهف: 46].
[15] [القصص: 85].
[16] [الفتح: 1].
[17] [الصّفّ: 13].
[18] [الصّفّ: 14].
[19] [الصّفّ: 14].
[20] [التوبة: 72].
[21] [الفجر: 30].
[22] [البقرة: 190].
[23] [النّساء: 74، 75].
[24] [الحشر : 14].
يقول الله عزَّ وجل في كتابه المجيد: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ الله كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى الله قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ الله فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}[1].
-التِّجارة الرَّابحة مع الله
إنَّ الله سبحانه وتعالى يحدِّث عباده دائماً بأنَّه ـ وهو خالقهم ورازقهم، وهو الَّذي يمنحهم الحياة والقوَّة وكلَّ شيء ـ يريدهم أن يدخلوا معه، من خلال ما يريده لهم من أعمال وما يحمِّلهم من مسؤوليَّات، في تجارةٍ بينه وبينهم، والله يحبّ لعباده أن يدخلوا معه في تجارة، وليس الأمر كما في حديث بعض النَّاس بأنَّ الإنسان الّذي يعمل من أجل يدخل الجنَّة، أو من أجل أن يبتعد عن النّار، ليس عابداً، وليس مؤمناً، بل هو تاجر، كما قال بعض الشّعراء:
فالقوم لولا عقاب البعث ما عبدوا ربّاً ولولا الثّواب المرتجى كفروا
كأنما الدّين ضرب من تجارتهم إن واظبوا ربحوا أو أهملوا خسروا
إنّنا نقول في علاقتنا مع الله، إنَّ الله يحبّ لنا أن نكون التجّار معه، ولا يريدنا أن نكون تجّاراً في قيمنا وأخلاقنا فيما بيننا وبين بعضنا البعض، فالله يقول لك: تصدَّق قربةً إلى الله، زر أخاك قربةً إلى الله، صل رحمك، }إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً}[2]...
عندما تكون القضيّة بيننا في مجتمعاتنا، فعلينا أن لا نكون تجّاراً في أخلاقنا وفي الأعمال الطيّبة الّتي نواجه بها بعضنا بعضاً، ولكن عندما تكون المسألة مسألة عملنا في طريق الله، فالله يقول: كلّ أعمالكم معي هي أعمال تجاريّة لحسابكم، وليست أعمالاً تجاريّة لحسابي، لأني لا أحتاج إليكم، فقد خلقتكم وأعطيتكم كلّ شيء، وأنا الغنيّ عنكم وعن الكون كلّه، لأنّه صنعة قدرتي، كما عندما يعطيك شخص رأسمالاً ويدعوك إلى الدّخول معه في تجارة. لذلك، لاحظوا أنَّ الله سبحانه وتعالى تحدَّث بلغة التّجارة في أكثر من آية، فمثلاً، عندما طلب منّا أن نتصدَّق ونبذل، قال: }مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ}[3].
هنا، يقول الله لك إنَّ كلّ ما تقدّمه من عطاء هو قرض في ذمّتي، وقرض بالفائدة المضاعفة. }مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ}، والله عندما يضاعف، فقد تصل المسألة إلى أن لا يكون هناك حساب للفائدة، فتكون الفائدة مطلقة، كما في قوله تعالى: }مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ}[4]، }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}[5]. فالله يتحدّث عن كلّ عطاء تقدِّمه في سبيل الله، وسبيل الله هو سبيل النّاس فيما يحقِّق لهم حاجاتهم، وهو سبيل الحياة فيما يرفع مستوى الحياة، وسبيل الحريّة فيما يؤكِّد للحياة حريّتها وللإنسان حريّته، وهو سبيل العدالة فيما يبني للإنسان قاعدة العدل في الحياة.
-الجنّة جائزة المجاهدين
في آيةٍ أخرى، يقول عزَّ وجلّ: }إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ}، لاحظوا هذه المقابلة، أن أعطِ الله نفسك، كلَّ نفسك، فيما تملكه من علم وقوّة وخبرة، وفي كلِّ ما تملكه من قدرات تستطيع أن تقدِّمها للنّاس، وأعطِ مالك لله، بمعنى وجِّهه في المسؤوليَّات الّتي حمّلك الله إيّاها، المسؤوليّة تجاه نفسك، وتجاه عائلتك، وتجاه الناس من حولك، وتجاه القضايا الكبيرة: }إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[6].
استبشر بأنَّك حصلت على بيعٍ لا تحصل عليه في أيِّ بيعٍ وفي أيّ حالة أخرى، لأنَّ ثمن ذلك هو الجنّة، وهذا يتكرَّر في القرآن الكريم ـ عمليَّة البيع والشّراء والتّجارة والقرض مع الله سبحانه وتعالى ـ وهذا الَّذي يحمل للإنسان الإيحاء الدَّائم من خلال علاقتنا بالله في أعمالنا، بأنّنا ندخل مع الله في تجارة، ندخل معه في عمليّة قرض. ثم في آيةٍ أخرى، يريد الله أن تتصوّر نفسك في الحياة الّتي تتحمَّل مسؤوليَّاتها، فنكدح ونتعب ونشقى، أن تتصوَّر نفسك عاملاً في المعمل الكبير في الحياة: }يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ}[7]، إنَّك كادح وعامل: }وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[8]، }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[9]، وتجعلكم تنطلقون إلى الآخرة، بعيداً عن كلِّ تهاويل العذاب، وعن كلِّ مخاوف العذاب: }لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}[10]، ما هي؟ }تُؤْمِنُونَ بِالله وَرَسُولِهِ}[11]، أن تحمل ذلك في عقلك. الإيمان بالله يفرض عليك أن تضع في عقلك وفي فكرك الإيمان بوحدانيّة الله، ورفض كلّ شريكٍ له، سواء كان ذلك الشَّريك مما يصنعه النّاس من أصنامهم وأوثانهم، أو كان ممن يعيش مع النّاس، ممن يملكون القوّة الّتي يسيطرون بها على النّاس؛ أن تؤمن بالله الواحد، والإيمان بالله يعني بحسب مداليله، أن لا تعبد إلا الله، وأن لا تخضع إلا لله، وأن لا تتحرَّك في حياتك إلا من خلال منهج الله وشريعة الله، وأن لا تتَّبع في حياتك إلا خطَّ رسول الله الّذي هو خطّ الله، أو من سار في خطّ رسول الله وأخلص له.
ومن هنا، يكون الإيمان بالله حركةً في اتجاه الإيمان بالرّسول، وإيمانك بالرّسول يعني إيمانك برسالته وشريعته، وإيمانك بمنهجه وخطِّه، وإيمانك بوسائله وأهدافه. وليس الإيمان بالله والرّسول هو مجرّد حالة فكريّة تعقد عليها عقلك وقلبك، ولكنّه حركة في كلّ كيانك، بحيث يكون كيانك هو الكيان الّذي يضمّ معنى الله ومعنى الرّسول في داخله، بحيث لا يفسح المجال لغير الله والرّسول أن يدخل إلى عقله وقلبه وإحساسه...هذه النقطة الأولى.
-الجهاد بالمال والنّفس
}وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ}؛ وهذه الكلمة تختصر كلّ حركة الإنسان في الحياة، لأنّ الإنسان عندما ينطلق في وجوده في الحياة، فهو يملك المال ويملك نفسه. ماذا توحي كلمة "نفس"؟ توحي بكلِّ طاقات النّفس؛ فهي توحي بعلمك، فأنت عندما تقدِّم علمك للناس، وفيما يرفع مستوى النّاس والحياة، فأنت تجاهد بنفسك، لأنّك أعطيت شيئاً من نفسك لله، وهو علمك، وهكذا أيضاً عندما تملك خبرةً تقدِّمها للنّاس، والخبرة هي وسيلة من وسائل العلم، أو عندما تملك جاهاً، فجاهك يمثّل نفسك في موقعها المتقدّم في الحياة، عندما تقدّمه في سبيل الله، أو قوّتك، فما تملكه من قوّة، سواء قوّة الجسد، أو أيّ طاقة تملكها...
وهكذا، فإنَّ الجهاد بنفسك، أن تحرّك نفسك جسداً، تجاهد في سبيل الله، بأن تجعل حركة جسدك في طاعة الله، وأن لا تجعله في معصية الله...
أن تجاهد في سبيل الله بنفسك، هو أن تقف أمام الّذين يتمرَّدون على الله، ويحاربون الله في دينه وفي أوليائه وفي عباده، ويحوِّلون الحياة ساحةً من ساحات الشَّيطان في حربهم وسلمهم وفي كلِّ أوضاعهم؛ أن لا تفسح لهم المجال ليسيطروا على عباد الله، وعلى أولياء الله، وعلى أرض الله، وذلك هو جهاد النَّفس بالقوَّة.
أمّا جهاد المال، فهو أن تقدِّم مالك فيما أوكل الله إليك مسؤوليَّته، أن تصرف مالك في ما تحتاجه في حاجاتك كشخصٍ وفيما تحتاجه عائلتك، وأن تصرف مالك في ما يحتاجه النَّاس: }وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[12]؛ أن تصرف مالك من أجل المجاهدين، فإن لم تستطع أن تشاركهم بالسّيف، فعليك أن تشاركهم في جهادهم بالمال. فالله يعتبر أنّ هذين العنصرين يمثِّلان حركة عقلك في خطِّ الإيمان، وحركة روحك في آفاق الإيمان، وحركة جسدك وكلّ طاقاتك، على مستوى المشاريع الّتي يريد الله لك أن تقوم بها من خلال ما ينفعك، أو على أساس التحدّيات الَّتي يريدك أن تواجهها فيما تواجهه من تحدّيات.
يقول الله لك: }تُؤْمِنُونَ بِالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ} من كلِّ الأشياء الّتي تعيش معكم في الحياة، من اللّهو والعبث واللّذات والفرص الضَّائعة وما إلى ذلك من الأمور الّتي تعتبرونها مهمَّة جدّاً، لأنَّها تمثّل طبيعة ما يتنازعه النّاس في الحياة وما يتسابقون عليه، لأنَّ هذه الأمور الّتي تتقاتلون عليها وتتسابقون عليها، في ما تمثّله من أطماعكم ومصالحكم، تبقى في الحياة وتفارقونها بعد ذلك، وربما تأتي نتائجها السلبيَّة لتلاحقكم إلى يوم القيامة، فتسقط مصيركم عند ذلك، }ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، إذا كنتم تملكون العلم الَّذي ينفذ إلى حقائق الأشياء وعمقها.
فما هي الجائزة؟ الجائزة الأولى: تنجيكم من عذاب أليم، ولكنَّ ذلك غير كافٍ... فعلينا أن لا نكتفي بذلك، فالله عقَّبها عندما قال لنا: }هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
وأيّ فوزٍ أفضل من أن تضمن لنفسك سلامتها عند الله سبحانه وتعالى، وتأتي إلى الله يوم القيامة ولا ذنب عليك، وتصل إلى ساحة القيامة ويقال لك: }ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ}[13]، وتدخل الجنَّة، ويكون مسكنك في جنّات عدن؛ جنّات البقاء الّتي لا موت فيها!
ذلك هو الفوز العظيم، وبعدها، ما قيمة أيّ فوزٍ تحصل عليه في الدّنيا، عندما تحصل على مالٍ حرامٍ كثير، أو تحصل على جاهٍ حرامٍ كثير، أو لذّةٍ حرامٍ كثيرة، فكلّ ذلك سيتبخَّر، }وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}[14]. ثم إنّ الله سبحانه يقول إنَّ الأمّة المؤمنة، التي تعيش إيمانها بأصالة وعمق وقوّة، والتي تتحرّك في خطّ الجهاد في سبيل الله بالمال والنّفس؛ هذه الأمّة سوف تنتصر، عاجلاً أم آجلاً، وسوف تحصل على الفتح.
لقد أخرج رسول الله(ص) من مكّة، وشرِّد منها، وقال له الله: }إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}[15]، وصبر النّبيّ، وعاد وفتح مكّة: }إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً}[16]، من خلال جهاد المجاهدين، ومن خلال إيمان المؤمنين، ومن خلال طبيعة حركة هذا الإيمان في حياتهم، }وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[17]؛ بشِّرهم بما يحصلون عليه في الدّنيا والآخرة.
ثم يقول الله: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ الله كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى الله قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ الله}[18].
-تحصيل رضوان الله
إنَّ الله يريد من المؤمنين أن يتحركوا في حياتهم من موقع إيمانهم، ليعطوا أنفسهم هذه الصّفة، لأنَّ كلّ واحد منّا يقول: أنا من أنصار فلان، وأنا من جنود فلان وحزب فلان، وما إلى ذلك من كلمات. والله تعالى يقول: كونوا أنصار الله، حتى إذا أردتم أن تتحركوا مع النّاس، انظروا علاقة هؤلاء النّاس بالله، وخطواتهم فيما يريده الله، وكلماتهم وأوضاعهم وأهدافهم ووسائلهم في ما يريده الله؛ كونوا أنصار الله، وليكن الله هو كلّ شيء في حياتكم، }كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى الله قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ الله فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}[19].
أيّها الأحبَّة، في هذا الجوّ الّذي ننطلق فيه لنحصل على رضا الله، وعلى محبّة الله، وعلى الآفاق الكبيرة الّتي يريدنا الله أن نعيش فيها، فنرتفع عن الصّغائر، وعن الزّوايا المغلقة، وعن القضايا الصّغيرة، لننطلق إلى الله، ليكون كلّ جهدنا هو القرب من الله، وليكون كلّ هدفنا هو الحصول على رضوان الله.
إنَّ الله عندما يتحدّث عن الجنّة، يقول: }وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ}[20]، يعني كم تتصوَّرون نعيم الجنّة ولذّاتها؟ إنّكم عندما تعيشون هناك، ستجدون أنّ إحساسكم برضا الله عليكم، هو أكبر من كلّ الجنّة ونعيمها، فالرّضوان هو المهمّ. لاحظوا في الآية الكريمة الّتي يخاطب الله بها المؤمنين الّذين ينطلقون من الدّنيا إلى الآخرة: }يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}[21].
إنَّ الله أعطى للإنسان البشارة: }يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ}؛ أيّها الإنسان الّذي عاش حياته على أساس أن يحصل على النّفس المطمئنة، ادخلي، يا أيّتها النّفس المطمئنّة جنَّتي، راضيةً عند ربّك. وهذا الرّضا المتبادل بين الربّ وعبده هو الأساس. ومن خلال ذلك: }فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}، فللّه سبحانه عباد يرتضيهم لنفسه، وله عبادٌ يتمرّدون عليه...
-أهميَّة الإيمان بالله
من خلال ذلك، ينبغي أن نفهم، أيّها الأحبّة، الأشياء التي تتحرّك في حياتنا من خلال هذين العنوانين: الإيمان بالله والرّسول، والجهاد في سبيل الله بأموالنا وأنفسنا؛ لأنهما يعتبران الأساس في دخول الجنّة، والله اختصر كلَّ مسألة الإسلام في هذين العنوانين، لأنهما يضمّان في داخلهما كلَّ مفردات الإسلام، وكلَّ خطوط الإسلام وأهدافه في الحياة. لذلك، لا بدَّ لنا عندما نتطلَّع إلى الحياة من حولنا، من أن ندرس كلَّ حدثٍ وكلّ موقف وكلّ نتيجة من النّتائج الإيجابيّة أو السّلبيّة؛ أن ندرسها على أساس ارتباطها برضوان الله، وارتباطها بخطِّ الله سبحانه وتعالى، فمثلاً، هناك كثير من النّاس يتحدّثون عن الإيمان بالله بطريقة سلبيّة، بمعنى أنّه سواء آمن الإنسان بالله أو لم يؤمن فهذه ليست قضيّة، ولهذا، نجد أناساً يستهينون بصفة الإيمان بالله وبالرسول، بحيث قد يفضّلون غير المؤمن لبعض الصّفات الطيّبة فيه، على المؤمن لبعض الصِّفات غير الطيِّبة فيه، أي يعتبرون أنَّ هذه الصفة الطيّبة تغطّي عدم إيمانه، فسواء كان مؤمناً أو لم يكن، المهمّ عندهم أن يكون صادقاً وليس كاذباً.
إنّ الصّدق قيمة من قيم الأخلاق الَّتي يحبّها الله، والكذب منقصة يبغضها الله، ولكنّ الله سبحانه جعل الإيمان هو الأساس، ولذلك قال: }فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ}، بحيث يكون الإيمان أساس قيمة العمل الصالح، عندما ينطلق من عمق الإيمان، لا من حالة طارئةٍ في حياة الإنسان. والكذب سيِّئ، ولكنَّنا لا نستطيع أن نعتبر أنّ الكذب يجعلنا نواجه هذا الإنسان بالمطلق مواجهة سلبيَّة، ونترك معنى إيمانه. إنَّ الإيمان بالله ورسوله هو أساس كلِّ قيمة، والمعرفة بالله هي غاية المعرفة، ولهذا، فإنَّ الإنسان الذي يتمرَّد على الله، هو إنسان ليس طيّباً، لأنّه يتمرَّد على الّذي خلقه ورزقه وأوجده. فالإيمان بالله ورسوله هو قيمة القيم، وليس مجرّد حالة طارئة.
-الفرق بين التطرّف والاعتدال
ثمَّ هناك مسألة الجهاد بالمال والنَّفس؛ فالجهاد الأكبر هو جهاد النَّفس، والجهاد الأصغر هو جهاد العدوّ. الكثيرون من النَّاس يتحدَّثون عن الجهاد بطريقة سلبيَّة، ولا سيَّما إذا أدَّى إلى نتائج صعبة في حياتهم، بحيث إنَّه يجعلهم يخسرون مالاً أو راحةً أو استقراراً، أو يضعف بعض فرص لذَّاتهم ومصالحهم، أو أنّه يفقدهم بعض أعزّائهم وأحبّائهم، وما إلى ذلك.. بعض النَّاس يتعقَّدون من الجهاد ومن المجاهدين، وربما يدفعهم ذلك إلى أن ينسِّقوا مع الكفر والكافرين، ومع الظّلم والظّالمين، ومع الاستكبار والمستكبرين، وبعض النَّاس يتحركون في حياتهم على أساس أن يكونوا أعواناً لأعداء الله وأعداء الإنسانيّة، ويتجسَّسون لحساب العدوّ، ويتجنَّدون لحسابه، ويقتلون المجاهدين لحسابه.
هؤلاء، سواء كانوا يتحركون مع العدوّ الدّاخليّ، أو مع العدوّ الخارجيّ في الدّائرة الإقليميّة أو الدوليّة، قد يصلّون ويصومون، وهناك الكثير من الجواسيس للمخابرات، الّذين يستعدّون للحجّ في هذه الأيّام، وهناك الكثير من الملوك والأمراء والرّؤساء من يذهب منهم بين الوقت والآخر إلى العمرة والحجّ، ويحاول بعضهم أن يكون واعظاً للعلماء وما إلى ذلك؛ هم يفعلون هذه الأشياء، ولكنّهم يقفون مع العدوّ.. هؤلاء الّذين يقفون مع أميركا ـ أو مع أوروبّا سابقاً ـ من أجل أن يمكِّنوها من السيطرة على مقدّرات المسلمين والمستضعفين، سواء مقدّراتهم السياسيّة أو الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة. كيف يفهم هؤلاء الإيمان؟ إنهم يقولون عن أنفسهم إنّهم مؤمنون، ويزايدون على المسلمين والمؤمنين، ويتحدّثون عنهم على أنهم متطرّفون بينما هم مع الإيمان المعتدل، ولكنَّنا رأينا أنَّ الإيمان المعتدل فيما يتحدَّثون عنه، أو يتحدَّث به بعض مشايخهم من وعّاظ السّلاطين، أنَّ معنى أن تكون مؤمناً، أن لا تكون مجاهداً في وجه الكفر والاستكبار وفي وجه الظّلم، وإلا كنت متطرِّفاً.
إنَّ معنى أن تكون مؤمناً معتدلاً من خلال منطقهم، أن لا تطالب بأن يحكم الإسلام العالم، لأنّ هذا التَّطبيق للشّريعة الإسلاميّة، هو عندهم تماماً كما تتحدّث عن أكبر جريمة في حقّ الإنسانيّة. هكذا، يحاولون الإيحاء بذلك.
أن تنصر الشّعوب المضطهدة، فهذا عندهم تصدير للثّورة، وتصدير الثّورة عندهم أمر غير مقبول.. يقولون: إذا صرت ثائراً كن ثائراً في بلدك.. ولكن لو نجحت الثَّورة ، فعليك أن تبقيها في داخل بلدك، ولكن إيَّاك أن تصدِّر الثّورة، وكأنَّ الثّورة تدخل في وزارة الاقتصاد وتخضع لعمليَّة التّصدير...! ولكن كما الرّياح والعواصف تأتي من خلال القوانين الطبيعيّة الّتي أودعها الله في الكون، كذلك رياح الثَّورة ورياح التّغيير تأتي من خلال القوانين الّتي أودعها الله في الكون.
وهكذا يحاولون الإيحاء إلى النَّاس بأنَّ الإسلام لا يتَّفق مع العنف، بحيث إذا أطلق إنسان عليك صاروخاً، فإنَّ عليك أن تدخل معه بواسطة الوسائل الدبلوماسيَّة، وإلا كنت متطرّفاً وإرهابيّاً وما إلى ذلك، أمَّا أن يحتلّ هو أرضك، أو يحتلَّ إنسان آخر بعض أرضه أو بعض أرض حلفائه، فإنَّ العالم ينبغي أن يدخل في حرب.. إسرائيل تحتلّ كلّ فلسطين.. هذا واقع أعطته الأمم المتّحدة الشرعيَّة من خلال الدّول الكبرى، ولذلك، فإنَّ الّذي يعتدي على هذه الدّولة، هو معتدٍ على الشرعيّة الدّولية، والفلسطينيّون الّذين يريدون أن يعودوا إلى وطنهم إرهابيّون، ويقال لمنظَّمة التَّحرير إنَّ عليها أن تمتنع عن الإرهاب، ومعنى ذلك، أن تمتنع عن الوقوف في وجه الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين، وهذا المنطق هو المنطق الموجود!
-سبب هزيمة العرب
كان العرب ثوريّين سابقاً، وكانوا يتحدّثون بأن لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف، ولكنّهم بدأوا يقدّمون التّنازلات، والآن أصبحوا ضدّ الثَّورة، حتى على اليهود، وأصبحت المسألة في علاقات العرب مع اليهود هي مسألة السَّلام والدبلوماسيّة والمفاوضات وما إلى ذلك، حتّى إذا انطلق صوت في الدّاخل يدعو للانتفاضة، يقول إنّنا نريد حرّيتنا، قالوا لهم جمّدوا الانتفاضة حتى نبحث في الدبلوماسيَّة. ومعنى تجميد الانتفاضة، أن تُخنَق كلّ هذه الرّوح، على أساس جمّدوها ستّة أشهر، كما قال بعض حكام العرب، أو سنة، وبعد ذلك، تصبح السنة سنتين، وهكذا حتى تذهب الانتفاضة.
وهكذا نجد النظرة إلى المقاومة، ولا سيَّما المقاومة الإسلاميّة في لبنان، لأنّ المقاومة تعني قوّة ما يسمّونه بالتيّار الأصولي، الّذي يعمل على أساس أن يقول للمسلمين، إنَّه لا يجوز للمسلم أن يفرّط في عزّته، وفي حريته، وفي أرضه، وفي سيادته على أرضه، وفي كلّ القضايا المتّصلة بكلّ قضايا المستقبل الكبير الّذي يريده الله له. لذلك، هؤلاء إرهابيّون! لأنهم لا يقبلون بسيادة أميركا وأوروبّا على العالم، ولا بسيادة الصهيونيّة على المنطقة، وذلك هو ذنبهم، وتلك هي جريمتهم. ومن خلال ذلك، كانت اللّعبة الدوليّة تثير الناس كلّهم، حتى العرب، في سبيل الوقوف مع النظام العراقي الّذي احتلّ الكويت، وكنا نقول إنَّ احتلال بلد لبلد ليس مبرّراً، حتى عندما نعتبر أنَّ هناك وحدة عربيَّة أو إسلاميَّة، لأنَّ للشّعب حقّه في أن يختار حاكمه أو يرفض نظاماً معيّناً.
ولكنَّ المسألة كانت: لماذا انطلقت أميركا في حرب الخليج؟ انطلقت من أجل المصالح الأميركيَّة، لا من أجل مصالح الكويت أو شعوب الخليج، وهي الآن تبقي حاكم العراق في العراق، وتحاصر شعب العراق، من أجل مصالحها الحاضرة والمستقبلة، لا من أجل الشّعوب. وإلا إذا كانت القضيَّة قضيَّة شعب، فلماذا لا تقف بقوّة مع الشَّعب الفلسطينيّ؟... لأنَّ مسألة إسرائيل هي مسألة السّياسة الأميركيَّة الاستراتيجيَّة في المنطقة، لهذا، حتى في هذه الحال، تتمرَّد إسرائيل على مفاوضات السَّلام، فلا تعطيها أيّ فرصةٍ للنَّجاح، وتقصف كلَّ يوم النّاس الآمنين في لبنان، وتضيف إلى احتلالها الضفَّة الغربيَّة وغزّة ـ ونحن نقول كلّ فلسطين ـ تضيف احتلالها لجنوب لبنان والبقاع الغربي. مع ذلك، لا تحرّك أميركا ساكناً، بل أعطت إسرائيل الحريّة في ذلك كلّه، والنّاس يقولون للمقاومين: ما فائدة أن تقاوموا، إنكم لا تستطيعون أن تهزموا إسرائيل!؟
لقد أصبح المنطق الأميركيّ هو المنطق الّذي يتحدّث به الناس، وأصبح المنطق الإسرائيلي هو الذي يحكم ذهنيّة الكثيرين من الناس، فصاروا يقولون إنّ علينا أن ندخل في السِّلم، وأن نجمِّد المواجهة، وأن نسعى للوصول إلى النَّتائج بالطّرق السّلميَّة والدّبلوماسيَّة. وقالها الحكم اللّبناني منذ أن بدأ عهده، ولكنَّه لم يف بما وعد به، بأنّنا سنتحوّل بأجمعنا إلى مقاومة؛ قال: إذا لم تطبِّق إسرائيل القرار 425، فسنتحوَّل إلى مقاومة، وأعلنت إسرائيل أنّنا لا نعترف بالقرار، ولا نعتبره أساساً للمفاوضات، ولسنا مستعدّين أن ندخل المفاوضات على أساسه، ولكن تعالوا نتحدَّث بالسَّلام والصّلح بيننا وبينكم، أي أنّها أعلنت أنها لا يمكن أن تطبِّق القرار 425.
وأميركا تتحدّث دائماً عن هذا القرار، ولكنّها تقول: تفاوضوا، ولا تتحدّث عن سلبيّات إسرائيل، وإذا حدثت أيّ سلبية من أيّ بلد عربيّ، فإنها تحاول أن تثير العالم حوله، ما يدلُّ على المسألة الاستراتيجيَّة بين أميركا وإسرائيل. الآن مثلاً، أثيرت منذ أسابيع عودة الفلسطينيّين إلى فلسطين، على أساس أنّ المفاوضات المتعدّدة، تريد أن تبحث مسألة اللاجئين.
أميركا بزلَّة لسان قالت نحن نعترف بالقرار 198 أو 194، الّذي يقرّر من قبل الأمم المتّحدة إعادة الفلسطينيّين إلى فلسطين. هنا ثارت ثائرة إسرائيل، وأميركا تعتبر أنَّ هذا نوع من التَّخدير للفلسطينيّين حتى يدخلوا بالمفاوضات المتعدّدة، ونوع من التّخدير للعرب، حتى يعتبروا أنّ أميركا وقفت إلى جانبهم، ونوع من الضّغط على إسرائيل، ولكن عندما ثارت الأوضاع السياسيّة الإسرائيليّة، وقفت النّاطقة باسم الإدارة الأميركيّة لتتحدَّث بأنّه ينبغي أن لا يفسّر كلامنا بطريقة خاطئة، وأنّ مفاوضات السّلام تقوم على أساس قرارات الأمم المتّحدة كلّها، بل على أساس قرارين وهما 242 و238، وكلا القرارين خاضع لجدلٍ في تفسيرهما، وبذلك أغلقت الباب تماماً. وحتى عودة الفلسطينيّين، فإنَّ أميركا ليست مستعدّة لأن تنفِّذ قرارات الأمم المتّحدة فيها. لهذا، نحن نعتبر أنَّ هناك تنسيقاً أميركيّاً إسرائيليّاً في كلِّ القضايا التي تتحرَّك فيها إسرائيل بطريقةٍ أمنيَّة أو سياسيَّة أو عسكريَّة، باعتبار أنَّ المطلوب في هذه المسائل هو إيجاد مشاريع سياسيّة في ما تلتقي به السياسة الأميركيّة والإسرائيليّة في الخطوط الاستراتيجيَّة.
-موارد القتال في الإسلام
ومن هنا، نحن لا نتكلَّم على أساس شعار، أو على أساس استهلاك سياسيّ عندما نقول إنّنا نحمّل أميركا ما تقوم به إسرائيل؛ ليس عندنا عقدة ذاتيَّة ضدّ أميركا، بل عقدة سياسيّة، لأنَّ أميركا لم تقف موقفاً واحداً في كلِّ التّاريخ الّذي عشناه من سنة 48 حتى الآن، لمصلحة العرب أو الفلسطينيّين أبداً. هناك موقفٌ واحد، عندما وقف أيزنهاور وطلب من الإسرائيليّين الانسحاب في قضيَّة قناة السّويس، وكانت لمصلحة أمريكيَّة آنذاك...
وحتى الآن، يصرِّحون بأنّنا نعمل على أساس أن يكون هناك تفوّق عسكريّ نوعيّ لإسرائيل، لماذا؟ هل العرب هم الَّذين يعتدون على إسرائيل، أو أنَّ إسرائيل تحاول بكلِّ وسائلها أن تعتدي عليهم؟! لذلك، نريد أن نقول، أيّها الأحبّة، إنَّ الله عندما شرّع الجهاد وشرّع القتال، فإنّه لم يشرّعه من أجل أن ينطلق المسلمون ليعتدوا على النَّاس، ولكنَّه شرّعه من أجل القضايا الأساسيَّة الّتي يراد بها حماية النّاس من المعتدين.
الآن، مثلاً، نقرأ بعض الآيات بشكلٍ سريعٍ جدّاً، وهي الآيات الّتي تتحدَّث عن مسألة القتال، وعلى أيّ أساسٍ يكون: }وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[22]، أي بمقدار ما تردعونهم عنكم، وتحقّقون الأهداف الكبيرة.
وتقول الآية الثّانية: }وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً * وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً}[23]. ما معنى ذلك؟
إنَّه القتال في سبيل المستضعفين الَّذين اضطهدوا في أرضهم، وفي سبيل المستضعفين الَّذين أخرجوا من أرضهم، والمهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلا أن يقولوا ربّنا الله. فالقتال ليس خطّاً عدوانيّاً يريد الله به للمسلمين أن يقتلوا العالم، ولكنَّ الله جعله من أجل أن ينطلق المسلمون حتى يدافعوا عن المستضعفين، حتى لا يسيطر المستكبرون على الحياة كلِّها، وعلى النَّاس كلِّهم.
أن نقاتل الَّذين يقاتلوننا.. ربما يقول أحدهم، إنَّنا إذا ما ألقينا السِّلاح فلن تقاتلنا إسرائيل.. ولكن هناك قتالٌ على قسمين؛ قتال كناية عن العدوان، كما إذا كان أحد يحتلّ أرضك، وبعد أن يسيطر على أرضك، ويركِّز كلَّ القوَّة العسكريّة فيها، ليمنعك من العودة إليها، يأتي ويقول لك سالم تسلم. وهناك من يقاتلك دائماً.. الآن إذا فرضنا أنَّ إسرائيل كانت لا تقاتل قتالاً فعليَّاً، ولكن هي عندما تحتلّ أرضك، وتمنعك بالقوَّة من العودة إليها، وتمنعك بالقوَّة من أن تضغط عليها لتخرج من أرضك.. فإنّها تكون في موضع قتالٍ لنا... فنحن لا نعتدي، نحن ندافع عن أرضنا، وعن النَّاس، وعن حريِّتنا، وعن كلِّ قضايانا..
-إسرائيل المعتدية دوماً
وعلينا أن لا ننسى التَّاريخ أبداً، أيُّها الأحبَّة، فإسرائيل عندما تنطلق في أيِّ عملٍ عدوانيّ على لبنان، حتّى على مستوى القصف، فإنّها لا تنطلق أبداً من حالة ردِّ فعل، بل هناك دائماً خطط جاهزة عندها، وإلا ما هي العلاقة مثلاً بين أن يقوم أحد بمحاولة اغتيال السَّفير الإسرائيلي في لندن العام 82، وبين الاجتياح للبنان؟ إلى الآن لا زال الأمر غير معروف.. وليس هناك مناسبة، ولكنّ إسرائيل كان لديها خطّة جاهزة تريد أن تقدِّمها للرأي العام العالميّ. وهكذا في سنة 78، وفي كلّ المناسبات، كانت إسرائيل هي الّتي تخطِّط للعدوان، لأنَّ لديها مشاريع توسّعيّة، وكانت تتحرّك في عدوانها على البلاد العربيّة، وعلى لبنان، وعلى سوريا، من خلال التّخطيط مع أميركا في مواجهة الاتحاد السوفياتي، أي أنّنا كنّا ندفع ثمن الصِّراع بين أميركا والاتحاد السوفياتي في الحروب الإسرائيليّة العربيَّة، هكذا كانت المسألة..
لهذا، لا تنطلق إسرائيل من ردّ فعل. حتى إذا فرضنا أنّه صار هناك سلام في جنوب لبنان، وكان هناك مخطَّط لإرباك السّياسة اللّبنانيّة وما إلى ذلك، فإنَّ إسرائيل تفتعل حدثاً، وتبعث أحداً ليطلق صاروخاً...
-مسؤوليَّة مواجهة إسرائيل
لهذا علينا أن نحترم أنفسنا، ونحترم وعينا السياسيّ، حتى لا نقول كما يردِّد الكثير من النّاس الضّعفاء، إنّنا إذا لم نعتد على إسرائيل فإنها لن تفتعل عدواناً علينا. إنَّ أساس وجودها على أرض فلسطين غير شرعيّ، هذه المسألة علينا أن نفهمها. ولذلك يريد الله سبحانه وتعالى لنا أن ننطلق على أساس أن نتحمَّل مسؤوليَّة المستضعفين، ومسؤوليَّة حريَّتنا وقوَّتنا. لأنَّنا إذا أردنا أن نسير وفق هذا المنطق الَّذي يتحدَّث به البعض، فإنَّ معنى ذلك، أن نزيد ضعفاً، وأن نزيد ذلاًّ، وأن نسقط ما عندنا من القوَّة، حتّى عندما يأتي الجيل القادم، يأتي وهو غير قادرٍ على أن يمشي على قدميه...
نحن الآن عندما نواجه الواقع، سواء استطعنا أن نزيل إسرائيل كدولة، أو لم نستطع ذلك، فهناك مستقبل ينطلق فيه الأقوى ليسحق الأضعف. عندما تكون إسرائيل الأقوى على مستوى السّلاح، والأقوى على مستوى معنويّات شعبها، ونحن نكون الأضعف على مستوى السّلاح ومعنويّات شعبنا، فإسرائيل تستطيع أن تصادر كلَّ أوضاعنا؛ تصادر اقتصادنا وسياستنا وأمننا، لتكون جميعاً على هامش اقتصادها وسياستها وأمنها.
مشكلة الكثير من النَّاس أنَّهم يفكِّرون في الحاضر ولا يفكِّرون في المستقبل.. ولكنَّك إذا ضعفت الآن عن حماية أرضك وموقفك وموقعك، ستضعف في المستقبل. لذلك، نحن الآن عندما نواجه الموقف، فإنَّنا نجد أنَّ هذه الطَّليعة من المؤمنين الّذين دخلوا في تجارةٍ مع الله، والّذين اشتروا الجنَّة بأموالهم وأنفسهم من الله، هؤلاء الَّذين يتحركون، وهم من أفضل الشَّباب، وهم من خير النّاس، وهم الذين انفتحوا على الله وأغلقوا قلوبهم عن كلّ ما عداه وعن الشَّيطان، هؤلاء، أيّها الأحبَّة، هم الّذين يصنعون تاريخنا، وليس هؤلاء السياسيّون الّذين يتحركون على أبواب السفارات، والّذين يستعطفون السّفراء في أن يمنحوهم موقفاً أو موقعاً أو وظيفة أو وزارةً أو أيّ شيء، ليس هؤلاء الّذين يصنعون تاريخنا. هؤلاء الشباب الَّذين يتحركون في جبل عامل والبقاع الغربيّ، هم الّذين صنعوا لنا الكثير من التّاريخ، وهم الّذين يصنعون لنا التّاريخ.
أتدرون لماذا دخلت إسرائيل في عمليَّة هستيريَّة في عدوانها؟ لأنَّ حركة المجاهدين في حولا تمثّل انتصاراً أمنيّاً للمجاهدين، استطاع أن يهزم الأمن الإسرائيليّ، وعمليّة المجاهدين في الشومريّة وفي غيرها من المناطق، استطاعت أن تهزم إسرائيل عسكريّاً.
لا نتحدَّث عن المسألة بطريقة استعراض، لكن ادرسوا تحقيقات إسرائيل حول هذا الموضوع، فقد استعملوا الكلمات نفسها الّتي استعملوها في النَّتائج السّلبيّة في حرب 82؛ فكلمة التَّقصير استعملت في هذه المسألة، فقالوا إنَّ هناك تقصيراً من الجيش الإسرائيلي في حمايته لجيش لبنان الجنوبي، وهناك تقصير من جيش لبنان الجنوبيّ، لأنّ المسألة لها مداليل سياسيّة كما لها مداليل عسكريّة. أن ينطلق المجاهدون إلى هذه المنطقة العالية في وضح النَّهار، ولا تستطيع إسرائيل أن تكشفهم، ثم ينطلقوا ليدمّروا ويسحبوا معهم أسرى، ولا يستطيع أحد أن يعرض لهم بسوء، فهذه القضيّة لها مدلول في المسألة السياسيَّة والعسكريَّة، ولها تأثير نفسيّ في كلّ الّذين يعيشون في المنطقة، ممن يسمّون جيش لبنان الجنوبي وما إلى ذلك..
-المقاومة شرف الأمَّة
ومن هنا، عندما انطلقت إسرائيل بطريقة قصف الطّيران والمدفعيَّة الوحشيَّة، انطلقت بطريقة هستيريَّة، لأنها تريد أن تعيد إلى العملاء وإلى جيشها معنويَّاتهم. ومن هنا، لاحظنا أنّها قصفت البيوت المدنيَّة، وقتلت عائلةً كاملةً مع أطفالها.. إنَّ هذه ليست بطولة، ليست بطولةً أن تملك الطّيران وتقصف به، ولا يمثِّل ذلك انتصاراً فيما هو معنى الانتصار في ساحة الصِّراع، لأنَّ القضيَّة: }لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ}[24].
لذلك، إنَّ إسرائيل انطلقت لتعتدي بوحشيَّة على النّاس في الجنوب وفي البقاع، وعنف الردّ دلّ على عنف التّأثير. لهذا، إنّني أقول لكلّ الناس، من مسؤولين وغيرهم، إنَّ المقاومين يمثّلون شرف هذه الأمّة وعزّتها، إذا كنتم، أيّها اللّبنانيّون الّذين تفكّرون في لبنانيّتكم، تبحثون عن عنفوان لبنان، فهؤلاء هم عنفوان لبنان، لأنّ هؤلاء هم الّذين هزموا إسرائيل، ولو في موقع صغير.
ونقول أيضاً لكلّ النّاس في الجنوب وفي البقاع وفي بيروت، إنَّ عليكم أن لا تنظروا إلى المسألة من ناحية الآلام الّتي تصيبكم من خلال العدوّ، ليتحدّث بعضكم أنَّ المسؤول عن هذه الآلام هو المقاومة، تماماً على الطّريقة الّتي قيلت في صفّين، عندما قتل أهل الشَّام عمَّار بن ياسر، وبدأ أهل الشَّام يستذكرون قول رسول الله(ص): "يا عمّار، تقتلك الفئة الباغية"، فبدأوا يتساءلون: إذاً نحن الفئة الباغية، لأنّنا قتلنا عمَّاراً! فجاء إليهم عمرو بن العاص بعقليَّته السياسيّة، وقال لهم إنَّ الفئة الباغية هي جماعة عليّ، لأنَّ عليّاً لو لم يدفع إلينا عمّاراً ليقاتلنا، لما قُتل، فإذاً عليّ هو الّذي قتله!
ونحن أيضاً هكذا. هذا المنطق سائد عند البعض الّذي يحمِّل المقاومين مسؤوليَّة قصف العدوّ وعدوان العدوّ.. ومعناه، لو لم يقم المقاومون بعمليَّاتهم ما كان العدوّ ردّ بالقصف والعدوان، إذاً، المقاومون هم سرّ مشاكلنا، وليست إسرائيل سرّ مشاكلنا! بعض الناس يفكّرون بهذه الطّريقة، وهذه الطّريقة لا تخدمنا، لا حاضراً ولا مستقبلاً.
إنّنا لا نحتاج ـ أيّها الأحبَّة ـ إلى من يقول إنّه ليست هناك أيّة جدوى من المقاومة؛ إنّ المقاومة منعت التَّطبيع، ولولا المقاومة لرأيتم كلَّ اليهود يتحركون في الجنوب وفي البقاع بكلِّ حريّة، ويفسدون البلاد والعباد بكلِّ ما عندهم من عناصر الفساد، والمقاومة استطاعت أن تصنع الانتفاضة في فلسطين، ولولاها لما انطلق النّاس هناك ليعيدوا ثقتهم بأنفسهم. المقاومة استطاعت أن تعطي للأمَّة قوَّة. لقد سمعت قبل سنين من أحد قادة الجمهوريّة الإسلاميّة الكبار، قوله لي: كنا نلهم اللّبنانيّين وغيرهم في حروبنا ومواقفنا، وأصبحنا نستلهم من المجاهدين، نحن نعمل الآن على أن نلهم شعبنا في إيران القوّة الروحيّة من خلال عمليّات المجاهدين في لبنان.
-للوقوف مع المقاومة
إنَّ المسألة هي أنَّ الانتفاضة في فلسطين، والمقاومة الإسلاميّة في لبنان ـ لأنّنا نلاحظ انكفاء فصائل المقاومة الأخرى عن الاستمرار في المقاومة، لأنَّ المقاومة أصبحت تمثّل القوّة الّتي دخلت في الحسابات الأساسيَّة في مسألة المواجهة مع إسرائيل ـ إنَّ الانتفاضة في فلسطين والمقاومة في لبنان، أصبحتا النّقطتين الوحيدتين المشرقتين في كلّ العالم العربي والإسلامي، ومنهما يستمدّ الأحرار في البلاد العربيّة ـ وهم يعيشون تحت ضغط الأنظمة ـ روحيَّتهم ومقاومتهم، ومنهما يستمدّ المسلمون في كلّ أنحاء العالم قوَّتهم وحيويّتهم.
لذلك، حذارِ من إضعاف المقاومة، حذار من تشويه صورة المقاومة، حذار من الوقوف في وجه المقاومة، لأنَّها تمثِّل القاعدة الوحيدة لحركة القوَّة في مستقبل الأمَّة، لأنَّ القضيَّة ليست قضيّة اللّحظة الحاضرة، ولكنّها قضيّة المستقبل الّذي نحتاج أن نحمل له من الحاضر بعض عناصر القوّة، حتى يستطيع أن يستقرّ وينطلق في خطّ المواجهة لكلِّ الّذين يريدون أن يفرضوا عليه الاستعباد. لذلك، إنّنا نشعر بأنَّ على الأمَّة من جديد أن تدعم المقاومة في الموقف، حتى إذا جاء من يريد أن يضرب المقاومة، وقفت الأمّة في وجهه، وأن ندعمها بالمال، لأنَّ ذلك هو معنى الجهاد بالمال؛ أن تجاهد بمالك، وأن تقدّم للمجاهدين ما يستطيعون به أن يثبّتوا مواقعهم في الجهاد والاستمرار في كلِّ قضايا الجهاد.
إنّنا نستطيع أن نقول إنَّ هذه العمليّات، بالرّغم من الآلام الّتي حدثت بعدها، دلَّلت على أنَّ المجاهدين الإسلاميّين يملكون الخبرة العسكريَّة والأمنيَّة والشّجاعة الّتي يستمدّونها من الله سبحانه وتعالى، وذلك زادٌ للأمَّة لا بدَّ لها من أن تحافظ عليه وتستزيد منه في كلّ المجالات العامّة والخاصّة. وإذا كان البعض يتحدّث بطريقة أنَّ هناك اعتداءً، فإنّنا نقول إنّ الشّومريّة أرضنا، وعلمان أرضنا، ومرجعيون أرضنا.
عندما ينطلق المقاومون إلى هناك، فإنّهم ينطلقون إلى أرضهم وفي أرضهم، لكنَّنا نقول لليهود: ما هي علاقتكم بهذه الأرض، إذا كنتم تتحدَّثون عن إسرائيل وعن فلسطين، بحسب هذا المنطق الّذي لا نرتضيه، لأنَّنا نعتقد أنَّ فلسطين هي أرض للفلسطينيّين، لكن كيف تسمون ذلك عدواناً؟ وكيف تسمّيه أميركاً عنفاً؟
إنّ بقاء الاحتلال هو العنف، ونريد أن نقول لكلِّ هؤلاء الّذين جعلوا من أجسادهم أكياساً رمليّة بشريّة يدافعون عن اليهود الّذين احتلّوا أرضنا، إنّنا نقول لهم، سواء كانوا مسيحيّين أو مسلمين: إذا كنتم تحترمون انتماءكم إلى السيّد المسيح(ع)، فإنّ السيّد المسيح يرى أنّ كلّ عملكم حرام في نصرة الظّالم على المظلوم، وإذا كنتم تؤمنون بمحمّد(ص)، فإنّ محمَّداً لا يرضى لكم بأن تنصروا الظّالم ضدّ المظلوم، وأن تمكّنوا اليهود من أرض المسلمين والمستضعفين.
إنَّنا نقول لكلّ الذين يعيشون في المنطقة الحدوديّة من أجل أن يدافعوا عن إسرائيل، ومن موقع المسؤوليّة الشرعيَّة: عليكم أن تتمرَّدوا على كلِّ ما يخطَّط لكم من مخطَّطات التّجنيد وما إلى ذلك، لأنّكم لن تربحوا أنفسكم ولا أرضكم بذلك. وبالتّالي، إنَّ مصيركم إلى النّار وبئس القرار، لذلك الفرصة للتَّوبة مطروحة الآن، وعليكم أن تتوبوا إلى الله من واقعكم الَّذي تعيشون فيه، لأنّه واقع لا يرضاه الله، ولا يرضاه رسله، ولا ترضاه كلّ شرائعه.
أقولها للمسلمين من المنطقة الحدوديَّة، كما أقولها للمسيحيّين من المنطقة الحدوديَّة، لأنَّ خطَّ المسيح وخطّ محمّد (عليهما السّلام)، خطّ واحد في مسألة الانتصار للحريَّة وللعزّة وللكرامة، هذا هو الطَّريق.
[1] [الصفّ: 10 ـ 14].
[2] [الإنسان: 9].
[3] [البقرة: 245].
[4] [البقرة: 261].
[5] [الزّمر: 10].
[6] [التّوبة: 111].
[7] [الانشقاق: 6].
[8] [التّوبة: 105].
[9] [الصّفّ: 10].
[10] [الأعراف: 49].
[11] [الصّفّ: 11].
[12] [الذّاريات: 19].
[13] [الحجر: 46].
[14] [الكهف: 46].
[15] [القصص: 85].
[16] [الفتح: 1].
[17] [الصّفّ: 13].
[18] [الصّفّ: 14].
[19] [الصّفّ: 14].
[20] [التوبة: 72].
[21] [الفجر: 30].
[22] [البقرة: 190].
[23] [النّساء: 74، 75].
[24] [الحشر : 14].