ألقى سماحة آية الله العظمى، السيّد محمّد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين. ومما جاء في خطبتيه:
الخطبة الأولى
الرّحمة الإلهيّة
فيض الرّحمة الإلهيّة
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأنعام:54]. وقال تعالى:{وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَالْمُحْسِنِينَ}[الأعراف:56].
يريد الله تعالى في هاتين الآيتين، أن يؤكّد أنّ العنوان الأساس الّذي ينبغي أن يتصوّر الإنسان به ربَّه هو عنوان الرّحمة، فهو الرّحمن الرّحيم الّذي كان الوجود كلّه مظهراً من مظاهر رحمته، ليشعر الإنسان ـ دائماً ـ بقربه من الله، من خلال حركة الرّحمة التي وسعت كلّ شيء، وبأنّ رحمة الله قريبةٌ من جراحه لتضمّدها، ومن آلامه لتخفّفها، ومن همومه لتكشفها، ومن جوعه لتُشبعه، ومن عطشه لترويه، ومن ذنوبه لتغفرها، ومن طموحاته لتحقّقها، ومن خطواته لتسدّدها، ومن مسيرته لتصوّبها، ومن كلّ مصيره لتفتحه على مواقع الرّضوان في الدّنيا والآخرة.
وهكذا تقترب رحمة الله من صلاة الإنسان لترفعها، ومن دعائه لتسمعه وتجيبه، ومن عمله لتتقبّله، بما يشعر معه الإنسان بأنّه لا يستقلّ بعملٍ من دون رحمة الله تعالى، كما قال رسول الله(ص): «أما إنّه لا ينجي إلا عملٌ مع رحمة». وعنه (ص): «ما خلق الله من شيء إلا وقد خلق له ما يغلبه، وخلق رحمته تغلبُ غضبه».
وهكذا كانت الرّحمة هي العنوان الّذي أراده الله تعالى لنبيّه(ص)، فقال عزّ وجلّ:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:128]، وهو الّذي امتدّت رحمته لتتوجّه إلى الإنسان كلّه، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:107].
رحمة الخلق
وهكذا أيّها الأحبّة، نستوحي من كلّ ذلك، أنّ على المسلم أن يعيش في أفق الرّحمة في حياته للناس من حوله، وهي التي تمثّل الوصيّة التي يتواصى بها المجتمع الإسلامي، وهذا ما نقرأه في قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}[البلد:17]. وهو ما أكّده رسول الله(ص)، لمّا قال له رجل: أحبّ أن يرحمني ربّي، فقال له النبيّ(ص): «ارحم نفسك وارحم خلق الله يرحمْك الله». وعن عليّ (ع):«من لم يرحم الناس منعه الله رحمته».وهكذا ينطلق الإنسان المسلم في حياته بالرحمة، ويتحرّك معها بالحكمة التي تضع الرحمة في مواضعها؛ لأنّ في الناس من يضرّهم اللّين، فتكون الرّحمة بهم أن نقسو عليهم ليستقيموا، وأن نشتدّ عليهم ليرجعوا، وهذا ما أشار إليه عليّ(ع) بقوله: «رحمة من لا يرحم تمنع الرّحمة، واستبقاء من لا يُبقي يُهلك الأمّة». والحمد لله ربّ العالمين.
الخطبة الثّانية
المكر الصهيوني المتواصل
في فلسطين المحتلّة، يهدّد وزير حرب العدوّ مجدّداً، ويتحدّث عن أنّ الأوضاع قد تتدهور إلى حربٍ شاملةٍ مع لبنان وسوريا، ويتوعّد بعدم الرّحمة مع الضّعفاء، مشيراً إلى أنّ التّسوية السياسيّة لن تتحقّق طالما أنّ الطّرف الثّاني يظنّ إسرائيل ضعيفةً، وأنّ بالوسع إضعافها.
وهكذا، يستمرّ المكر الصّهيوني بين تهديدات سياسيّة بشنّ حرب خاطفة، واغتيالات أمنيّة ينفّذها "الموساد" في الإمارات أو في سوريا، وحتى في إيران، ليتجاوز كلّ الحدود بين الدّول، في الوقت الّذي يُراد لكلّ دولة إسلاميّة أو عربيّة أن تقدّس حدودها، فلا تتحرّك لمساعدة المسلمين أو نصرتهم أمام آلة القتل والدّمار.
إنّ المطلوب هو فضح هذا العدوّ الذي يلعب على الرّأي العامّ العالميّ، فيبدي لهم صورة الذي يريد السّلام، في الوقت الذي يتحرّك في اتّجاه الحرب على مستوى الذهنيّة والتّخطيط والحركة، ولذلك فهو لا يحتمل سلاماً أو تسويةً بأيّ شكلٍ من الأشكال.
الاستعداد للدّفاع عن الأمّة
كما أنّ على الأمّة أن تستعدّ على جميع المستويات لهذا النّوع من التّهديدات وغيره، وللإشارات التي يطلقها الرّئيس الأمريكيّ ومساعدوه ضدّ إيران، التي نلتقي بالذّكرى الحادية والثّلاثين لثورتها الّتي مثّلت التحدّي المستمرّ للاستكبار العالميّ، ليعرف العالم المستكبر أنّ عصر توجيه الضّربات إلى شعوبنا وإيذائها دونما ردود فعل قاسية قد ولّى إلى غير رجعة.
العراق: شبحُ الفتنة يطلّ مجدّداً
أمّا العراق الذي استعاد فيه المجرمون المتوحّشون شبح الفتنة، من خلال استهدافهم زوّار الإمام الحسين(ع)، فقد دخل في قلب اللّعبة السياسيّة الدّوليّة والإقليميّة التي يراد لها أن تؤسّس لأجواءٍ جديدةٍ في حركة الفتنة، لخلق فوضى جديدة تخدم الاحتلال، وتوحي إلى العراقيين باليأس، وتتحكّم بالانتخابات وبالحركة السياسيّة كلّها. وإنّ أفضل ردّ على حركة الإجرام ومشاريع الفتنة، يتمثّل في تحصين السّاحة الداخليّة، والتزام خطّ الوحدة الإسلاميّة.
لبنان: الحفاظ على الاستقرار الدّاخليّ
أمّا لبنان الّذي مثّل القاعدة الصّلبة في مواجهة احتلال العدوّ وعدوانه، وخصوصاً في حرب تموز 2006، فلا يزال هدفاً لقوى الهيمنة والاحتلال، ولا يزال العدوّ يتطلّع لاختراق ساحته بكلّ الأساليب، ولذلك يتوجّب على الجميع الحفاظ على الاستقرار حتى لا يكون هشّاً، والعمل لإخراج الدّولة من لعبة المحاصصة التي تفتك بحركة الحكومة في تعيينات لا تأتي، وانتخابات بلديّة تدخل في الغيبوبة السياسيّة الدّاخليّة، وعناوين وتفاصيل أخرى يأكلها الجمود، ليدخل البلد في مرحلة الشّلل السياسي الذي يسمّونه استقراراً، والموت الاقتصادي والاجتماعيّ الذي يسمّونه هدوءاً، والمساكنة السياسيّة المسمّاة وحدةً.
ألقى سماحة آية الله العظمى، السيّد محمّد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين. ومما جاء في خطبتيه:
الخطبة الأولى
الرّحمة الإلهيّة
فيض الرّحمة الإلهيّة
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأنعام:54]. وقال تعالى:{وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَالْمُحْسِنِينَ}[الأعراف:56].
يريد الله تعالى في هاتين الآيتين، أن يؤكّد أنّ العنوان الأساس الّذي ينبغي أن يتصوّر الإنسان به ربَّه هو عنوان الرّحمة، فهو الرّحمن الرّحيم الّذي كان الوجود كلّه مظهراً من مظاهر رحمته، ليشعر الإنسان ـ دائماً ـ بقربه من الله، من خلال حركة الرّحمة التي وسعت كلّ شيء، وبأنّ رحمة الله قريبةٌ من جراحه لتضمّدها، ومن آلامه لتخفّفها، ومن همومه لتكشفها، ومن جوعه لتُشبعه، ومن عطشه لترويه، ومن ذنوبه لتغفرها، ومن طموحاته لتحقّقها، ومن خطواته لتسدّدها، ومن مسيرته لتصوّبها، ومن كلّ مصيره لتفتحه على مواقع الرّضوان في الدّنيا والآخرة.
وهكذا تقترب رحمة الله من صلاة الإنسان لترفعها، ومن دعائه لتسمعه وتجيبه، ومن عمله لتتقبّله، بما يشعر معه الإنسان بأنّه لا يستقلّ بعملٍ من دون رحمة الله تعالى، كما قال رسول الله(ص): «أما إنّه لا ينجي إلا عملٌ مع رحمة». وعنه (ص): «ما خلق الله من شيء إلا وقد خلق له ما يغلبه، وخلق رحمته تغلبُ غضبه».
وهكذا كانت الرّحمة هي العنوان الّذي أراده الله تعالى لنبيّه(ص)، فقال عزّ وجلّ:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:128]، وهو الّذي امتدّت رحمته لتتوجّه إلى الإنسان كلّه، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:107].
رحمة الخلق
وهكذا أيّها الأحبّة، نستوحي من كلّ ذلك، أنّ على المسلم أن يعيش في أفق الرّحمة في حياته للناس من حوله، وهي التي تمثّل الوصيّة التي يتواصى بها المجتمع الإسلامي، وهذا ما نقرأه في قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}[البلد:17]. وهو ما أكّده رسول الله(ص)، لمّا قال له رجل: أحبّ أن يرحمني ربّي، فقال له النبيّ(ص): «ارحم نفسك وارحم خلق الله يرحمْك الله». وعن عليّ (ع):«من لم يرحم الناس منعه الله رحمته».وهكذا ينطلق الإنسان المسلم في حياته بالرحمة، ويتحرّك معها بالحكمة التي تضع الرحمة في مواضعها؛ لأنّ في الناس من يضرّهم اللّين، فتكون الرّحمة بهم أن نقسو عليهم ليستقيموا، وأن نشتدّ عليهم ليرجعوا، وهذا ما أشار إليه عليّ(ع) بقوله: «رحمة من لا يرحم تمنع الرّحمة، واستبقاء من لا يُبقي يُهلك الأمّة». والحمد لله ربّ العالمين.
الخطبة الثّانية
المكر الصهيوني المتواصل
في فلسطين المحتلّة، يهدّد وزير حرب العدوّ مجدّداً، ويتحدّث عن أنّ الأوضاع قد تتدهور إلى حربٍ شاملةٍ مع لبنان وسوريا، ويتوعّد بعدم الرّحمة مع الضّعفاء، مشيراً إلى أنّ التّسوية السياسيّة لن تتحقّق طالما أنّ الطّرف الثّاني يظنّ إسرائيل ضعيفةً، وأنّ بالوسع إضعافها.
وهكذا، يستمرّ المكر الصّهيوني بين تهديدات سياسيّة بشنّ حرب خاطفة، واغتيالات أمنيّة ينفّذها "الموساد" في الإمارات أو في سوريا، وحتى في إيران، ليتجاوز كلّ الحدود بين الدّول، في الوقت الّذي يُراد لكلّ دولة إسلاميّة أو عربيّة أن تقدّس حدودها، فلا تتحرّك لمساعدة المسلمين أو نصرتهم أمام آلة القتل والدّمار.
إنّ المطلوب هو فضح هذا العدوّ الذي يلعب على الرّأي العامّ العالميّ، فيبدي لهم صورة الذي يريد السّلام، في الوقت الذي يتحرّك في اتّجاه الحرب على مستوى الذهنيّة والتّخطيط والحركة، ولذلك فهو لا يحتمل سلاماً أو تسويةً بأيّ شكلٍ من الأشكال.
الاستعداد للدّفاع عن الأمّة
كما أنّ على الأمّة أن تستعدّ على جميع المستويات لهذا النّوع من التّهديدات وغيره، وللإشارات التي يطلقها الرّئيس الأمريكيّ ومساعدوه ضدّ إيران، التي نلتقي بالذّكرى الحادية والثّلاثين لثورتها الّتي مثّلت التحدّي المستمرّ للاستكبار العالميّ، ليعرف العالم المستكبر أنّ عصر توجيه الضّربات إلى شعوبنا وإيذائها دونما ردود فعل قاسية قد ولّى إلى غير رجعة.
العراق: شبحُ الفتنة يطلّ مجدّداً
أمّا العراق الذي استعاد فيه المجرمون المتوحّشون شبح الفتنة، من خلال استهدافهم زوّار الإمام الحسين(ع)، فقد دخل في قلب اللّعبة السياسيّة الدّوليّة والإقليميّة التي يراد لها أن تؤسّس لأجواءٍ جديدةٍ في حركة الفتنة، لخلق فوضى جديدة تخدم الاحتلال، وتوحي إلى العراقيين باليأس، وتتحكّم بالانتخابات وبالحركة السياسيّة كلّها. وإنّ أفضل ردّ على حركة الإجرام ومشاريع الفتنة، يتمثّل في تحصين السّاحة الداخليّة، والتزام خطّ الوحدة الإسلاميّة.
لبنان: الحفاظ على الاستقرار الدّاخليّ
أمّا لبنان الّذي مثّل القاعدة الصّلبة في مواجهة احتلال العدوّ وعدوانه، وخصوصاً في حرب تموز 2006، فلا يزال هدفاً لقوى الهيمنة والاحتلال، ولا يزال العدوّ يتطلّع لاختراق ساحته بكلّ الأساليب، ولذلك يتوجّب على الجميع الحفاظ على الاستقرار حتى لا يكون هشّاً، والعمل لإخراج الدّولة من لعبة المحاصصة التي تفتك بحركة الحكومة في تعيينات لا تأتي، وانتخابات بلديّة تدخل في الغيبوبة السياسيّة الدّاخليّة، وعناوين وتفاصيل أخرى يأكلها الجمود، ليدخل البلد في مرحلة الشّلل السياسي الذي يسمّونه استقراراً، والموت الاقتصادي والاجتماعيّ الذي يسمّونه هدوءاً، والمساكنة السياسيّة المسمّاة وحدةً.