رد العين المغصوبة

رد العين المغصوبة

ويراد به بيان ما يجب فعله على الغاصب إذا تاب وأراد إبراء ذمته من عهدة العين إذا كانت ما تزال موجودة عنده؛ وتفصيله يقع في مسائل:

ـ يجب على الغاصب رد العين المغصوبة إلى مالكها، وكذا يجب على غير الغاصب ردها إذا كانت تحت يده جهلاً بالغصب فعلم به، أو إكراهاً فارتفـع الإكـراه عنـه؛ ولا يختلف الحكـم بوجـوب الـرد ـ مع وجـود العيـن ـ باختلاف الحالة التي تكون عليها، فيجب ردها سالمة كانت أو معيبة، ومستقلة كانت في الوجود أو أنها صارت ضمن موجود آخر وجزءاً منه، كالخشبة في سقف البناء، أو الخيط في درز الثوب، أو الجلد بعد أن غُلِّف به الكتاب، ونحو ذلك؛ وحينئذ فإنْ طالبه المالك به، وكان ما يزال له مالية وقيمة، وجب على الغاصب ـ أو من هو في حكمه ممن يكون المغصوب تحت يده ولـو جهـلاً ـ نزع المغصوب من محله ولو مع تضرره به بمثل تهدم السقف أو انفراط أجزاء الثوب أو تمزق الكتاب أو نحوه؛ بل إن له ذلك حتى لو فقدت العينُ قيمتها بالنزع، كما أن له أن يرضى بالبدل على كل حال، وحيث يرضى بالبدل يصبح المغصوب مملوكاً للغاصب.

ـ إذا نزلت القيمة السوقية للعين المغصوبة خلال مدة وجودها عند الغاصب لم يضمن ذلك النقص ما دامت العين سالمة، بل يكفيه ردها ولا شيء عليه.

ـ إذا مزج الغاصب العين بغيرها، أو امتزجت بدون اختياره، فلذلك صور:

الأولى: أن يمتزج المغصوب بما يمكن تمييزه وفصله عنه ولكن مع المشقة، كامتزاج العدس بالقمح، فيجب على الغاصب فصله ورده إلى مالكه.

الثانية: أن يصير المزيج موجوداً واحداً لا يتميز بعضه من بعضه الآخر، وكان المزج بجنسه، وكانا متماثلين بالجودة أو الرداءة؛ كامتزاج الزيت بالزيت أو الطحين من القمح بمثله، فهنا يتشاركان فيه بنسبة ما لكل منهما، ويترتب على ذلك:

أ ـ لا يضمن الغاصب للمالك مثل المقدار المغصوب أو قيمته.

ب ـ لا يجوز لأحدهما التصرف بالمال المشترك إلا أن يأذن الآخر، أو يتقاسماه بينهما إذا طلب القسمة أحدهما.

الثالثة: كالصورة الثانية، لكن الخلط كان بالأجود أو الأردأ؛ فهنا يتخير المغصوب منه بين مطالبة الغاصب بالبدل أو المشاركة له بالنحو المذكور في الصورة الثانية؛ فإن اختار الاشتراك، وكان قد حدث نقص في قيمة المغصوب بسبب الخلط ضمن الغاصب ذلك النقص؛ ومثاله ما لو غصب ليتراً من الزيت الجيد قيمته عشرة دولارات، فخلطه بليتر من الزيت الرديء قيمته خمسة دولارات، وصارت قيمة الخليط إثني عشر، فإذا تقاسما فأخذ المالك حصته ـ وهي الثلثان، وقيمتها ثمانيـة دولارات بالخلـط ـ يكون قد نقص من قيمة حصته دولاران، فيضمنهما الغاصب له.

الرابعة: أن يمزج المغصوب بغير جنسه، بحيث يعدّ الخليط معه تالفاً، كمزج ماء الورد ـ أو الزيت ـ بالنفط؛ فيجب على الغاصب دفع البدل على قاعدة ضمان التلف التي سيأتي تفصيلها.

الخامسة: كالصورة الرابعة، لكنه يبقى للخليط قيمة ومالية، كخلط طحين القمح بطحين الشعير، أو الخل بالعسل، وحكمها كحكم الصورة الثالثة.


ـ إذا تصرف الغاصب في المغصوب بما يوجب زيادته عما كان عليه، فذلك على وجوه:

الأول: ما لو كانت الزيادة أثراً مُندكَّاً في العين لا جرم لها، كطحن القمح وخياطة الثوب وصياغة الفضة ونحوها؛ وحكمه ما يلي:

أ ـ يجب رد العين كما هي، دون أن يكون للغاصب شيء في قبال الزيادة ولا في قبال الأجرة على عملها.

ب ـ لا يحق للغاصب أن يطالب بإزالة الأثر عن العين مع إمكانها إلا أن يأذن المالك بها، كما أنه لا يحق له إبقاء الأثر إن طلب المالك إزالته، لكن تكون أجرة الإزالة على المالك.

ج ـ يضمن الغاصب النقص الذي يحدث في قيمة العين بسبب الزيادة أو بسبب إزالتها.

الثاني: ما لو كانت الزيادة أثراً مشوباً بالعينية، كالصبغ للثوب أو الدهان للباب؛ وحكمه أنه: إن كان الباقي من أثر الصبغ عرضاً لا جرم له عرفاً، كما هو الغالب في صبغ الأثواب ونحوها، رد الغاصب الثوب كما هو ولحقه حكم الوجه الأول بتمامه. وإن كان للباقي من أثر الصبغ جرم، فحكمه كما يلي:

أ ـ الأثر ملك للغاصب، فإن أمكنه إزالته ورغب فيها لم يكن للمالك منعه، وإن رغب المالك ببقائه لم يجب على الغاصب إجابته ولو بعوض، كما أنه لا يجب على المالك أن يملكه المغصوب بقيمته لو طلبه.

ب ـ إذا عرض نقص على قيمة العين بسبب إزالة الدهان ـ مثلاً ـ ضمنه الغاصب، حتى لو كانت الإزالة إستجابة لطلب المالك.

ج ـ إذا لـم يمكن إزالة الأثر، أو تراضيا على بقائه، فإن زادت قيمة المغصوب، فالظاهر اشتراكهما في مالية المغصوب بنسبة ما أحدثه الأثر من زيادة في قيمته، وإن بقيت القيمة كما هي لم يكن للغاصب شيء، وإن نقصت بسببها، ضمن الغاصب النقص.


الثالث: ما لو كانت الزيادة عينية، كما لو غصب أرضاً فغرسها أو زرعها أو بنى عليها، فإن كان الغرس أو الحَب أو أجزاء البناء مغصوبـة ـ أيضـاً ـ من مالك الأرض كان الكل للمغصوب منه، فيجب عليه إرجاع الأرض وما عليها من بناء وغرس وزرع للمالك، وليس له أن يطالب بأجرة ما عمل فيها ولا له أن يقلعه، وإذا رغب المالك بقلع ـ أو هدم ـ ما عليها وجبت إجابته، فإن امتنع ألزمه.

وأما إذا كان الغرس أو أجزاء البناء أو الزرع للغاصب نفسه، فكذلك يجب عليه رد الأرض إلى مالكها، كما يجب عليه إعادتها إلى ما كانت عليه، بقلع أو هدم ما عليها وطمر الحفر الناتجة عن إزالة التعدي إن لم يرض المالك ببقاء ما عليها مجاناً أو بعوض، كما يجب عليه ـ أيضاً ـ ضمان أجرة مثل الأرض خلال مدة انتفاعه بها في الزرع أو البناء، وضمان ما قد يحصل من نقص في قيمة الأرض؛ ومن جهة أخرى، لا يجب على الغاصب إبقاء الزرع أو البناء إذا بذل له المالك قيمته.

هذا إذا كان للزيادة العينية وجود منفصل يمكن معه نزعها من المغصوب وأخذها، أما إذا كانت خلاف ذلك، كالبئر يحفرها الغاصب في الأرض المغصوبة، فإن الغاصب لا يملك شيئاً فيها، فلو أراد ردمها لم يكن له ذلك إلا أن يطلبه المالك فيجب عليه حينئذ.

ـ إذا حدث في المغصوب صفة أوجبت زيادة قيمته السوقية ثم زالت، كأن كان مريضاً حين غَصْبه فبرىء وصار سليماً ثم عاد مريضاً؛ فإذا تاب الغاصب ورد العين إلى مالكها كما كانت حين الغصب، لم يضمن تلك الزيادة إن كانت قد حدثت بفعله، كأن عالج الحيوان واعتنى به حتى برأ، وإن كان ضمانها هو الأحوط استحباباً؛ وأما إن كانت الزيادة بغير فعله، فإن عليه ضمانها رغم زوالها.

وأمـا إذا وجدت الصفـة ثـم زالت ثم وجدت مرة ثانية، وذلك ـ كما في المثال السابق ـ بأن كان الحيوان مريضاً حين غصبه فبرىء ثم مرض ثم برىء، لم يضمن الغاصب حالة نقص قيمته بمرضه مرة ثانية بعد برئه إن كان حين ردِّه إلى صاحبه سليماً، إلا أن تصير قيمته حين برئه ثانية أقل من قيمته حين برئه الأول، فيضمن التفاوت بين القيمتين إن كان البرء بغير فعله. هذا إذا كانت نفس الصفة هي التي زالت ثم عادت، أما إذا كانت غيرها، بأن وجدت فيه صفة بغير فعل الغاصب فزالت، ثم وجدت فيه صفة أخرى أوجبت زيادة قيمته مرة ثانية، فإنه يضمن ما نقص من قيمته بزوال الصفة الأولى دون أن تجبره الزيادة الحاصلة من حدوث الصفة الثانية.

ـ إذا نما المغصوب عند الغاصب نماءً منفصلاً، كالولد واللبن والشعر والثمر ونحوها كان نماؤه لمالكه، فيجب على الغاصب رده إن كان باقياً أو دفع بدله إن كان تالفاً، وكذا يجب رد العين بنمائها المتصل كالسمن للشاة ونمو الغرس وصيرورته شجراً ونضوج الثمر ونحو ذلك، وليس للغاصب شيء في قبال ذلك ولو كان النمو بفعله؛ بل حتى لو أوجب النمو المتصل تغيراً في عنوان العين المغصوبة، كالحَبِّ يغصبه فيزرعه في أرضه فيصير زرعاً، أو البيض يستفرخه فيصير دجاجاً، إذ يتخيـر المغصـوب منـه ـ حينئـذ ـ بين أخذ الزرع والدجاج دون أن يعوض شيئاً على الغاصب وبين أخذ بدل الحب أو البيض الذي غصب منه.

ـ إذا حدث في المغصوب نقص أو عيب خلال مدة الغصب وجب على الغاصب ـ إضافة إلى رد العين ـ أرش النقصان، وهو الذي يعرف من التفاوت بين قيمة العين صحيحة وقيمتها معيبة؛ وذلك دون فرق بين ما لو كان العيب بفعل الغاصب أو بغير فعلـه، ودون فـرق ـ أيضاً ـ بين ما لو كان العيب محصوراً لا يسري إلى سائر أجزاء العين وبين ما لو كان سارياً وموجباً لفساد تمام العين، كالبلل في القمح الموجب لعفونته وتلفه؛ نعم إذا كان البلل ـ في المثال ـ قد حدث بتفريط أو تعد من الغاصب، ولم يكن المالك ـ بعد تسلمه للعين ـ قادراً على منع تفاقمه، ولا على بيعه للحصول على عوضه، فتلف عنده بسببه ضمن الغاصب تمام العين لا أرش النقصان بخاصة. وفي جميع حالات ضمان الغاصب للأرش ليس للمالك إلزامه بأخذ العين ودفع قيمتها صحيحة.

هذا إذا أوجب النقص أو العيب تلفاً في المادة والهيئة معاً، أما إذا حدث أن زالت هيئة العين المغصوبة وصنعتها وبقيت مادتها، كالكرسي يتفكك ويتكسر ويرجع خشباً أو حديداً، وجب على الغاصب رد مادة العين بالنحو الذي آلت إليه، وعليه ـ أيضاً ـ ضمان قيمة تلك الهيئة الزائلة إن كان لها قيمة، فتُقوَّم العين مصنوعة وتقوم بدون الصنعة ويُرى ما بينهما من تفاوت فيَدفعُه الغاصب؛ هذا وليس للمالك إجبار الغاصب على إعادة صنعة العين كما كانت، كما أنه ليس ملزماً بقبول ذلك لو عرضه الغاصب فراراً من دفع الأرش.

نعم إذا كانت العين على صنعة محرمة، كآلات اللهو، فتلفت هيئتها أو أتلفها الغاصب عمداً لم يضمنها، بل عليه إعادة مادتها إن كانت موجودة أو مثلُ مادتها أو قيمتُها إن تلفت.

ـ يجـب علـى مَـنْ بيـده العيـن المغصوبـة ـ ولو لـم يكن هو الغاصب ـ ردُّها إلى مالكها أو وكيله إن كان كاملاً، وإلى وليه إن كان قاصراً بصباً أو جنون، فلو ردها إلى غير مالكها الكامل أو إلى غير ولي القاصر لم يرتفع عنه الضمان، وبخاصة ما لو كانت العين تحت يد غير غاصبها جهلاً، فإنه لا يكفيه ـ بعد علمه بالحال ـ ردها إلى غاصبها، ولو فعل بقي ضامناً لها حتى تصل إلى صاحبها.

هذا إذا كانت العين المغصوبة مملوكة ملكاً طلقاً لشخص أو موقوفة وقفاً خاصاً على مثل الذرية المنحصرة في فرد أو أفراد بعينهم، أما إذا كان المغصوب منه هو النوع، وذلك كما في العين الموقوفة على عنوان عام كالفقراء، أو للانتفاع العام كالمسجد والمكتبة والفندق ونحوها، لم يكف في الموقوفة على العنوان العام ردها إلى بعض أفراده، بل لا بد من دفعها إلى ولي الوقف إن كان له ولي خاص، وإلا فإلى الحاكم الشرعي الذي هو الولي العام، فيما يكفي في رد الموقوف للانتفاع العام رفع اليد عنه وإبقاؤه على حاله.

ـ يجب على الغاصب ـ من حيث المبدأ ـ تسليم العين وردها إلى المكان الذي غصبها فيه، وبخاصة إذا كان المالك حاضراً فيه وكان الغاصب قد نقله عنه إلى مكان آخر، غير أن للمالك إلزامه بتسليمه له في بلد آخر غير مكان الغصب إذا كان المال موجوداً فيه وصادف وجود المالك فيه أيضاً، أما إذا كان المالك موجوداً في بلد آخر غير بلد الغصب وغير بلد وجود المال، فإن إلزام الغاصب بوجوب نقله إليه محل إشكال.

ـ إذا تعذر رد المغصوب إلى مالكه لسرقة أو ضياع أو نحوهما، فإذا يئس الغاصب من الحصول عليه لحِقَه حكم التالف، ووجب عليه دفع بدله مِثلاً أو قيمة؛ فيملك المغصوب منه ذلك البدل زيادة على بقاء ملكيته للعين المغصوبة المفقودة، فلو عاد المفقود كان حكمه كما يلي:

أ ـ يجب على كل منهما تسليم ما بيده للآخر، فيسلم المالك البدل للغاصب، ويتسلم منه المغصوب العائد.

ب ـ حيث يكون البدل مثلياً، فإن جميع منافعه ووجوه نمائه خلال مدة فقد المغصوب هي للمغصوب منه، نعم ما يكون فيه من النماء المتصل كسمن الشاة ونمو الشجرة تتبع البدل ويسترجعها الغاصب مع البدل دون أن يعطي لقاءها شيئاً للمغصوب منه ولو كانت بفعله.

وأما المبدل (أي: المغصوب العائد) فإنه لما كان ما يزال على ملك مالكه فإن نماءه المتصل أو المنفصل يكون جميعه لمالكه المغصوب منه، نعم ليس له مطالبة الغاصب بقيمة منافعه المفوّتة خلال مدة فقده بعد تسلمه بدله وانتفاعه به خلالها.


ويراد به بيان ما يجب فعله على الغاصب إذا تاب وأراد إبراء ذمته من عهدة العين إذا كانت ما تزال موجودة عنده؛ وتفصيله يقع في مسائل:

ـ يجب على الغاصب رد العين المغصوبة إلى مالكها، وكذا يجب على غير الغاصب ردها إذا كانت تحت يده جهلاً بالغصب فعلم به، أو إكراهاً فارتفـع الإكـراه عنـه؛ ولا يختلف الحكـم بوجـوب الـرد ـ مع وجـود العيـن ـ باختلاف الحالة التي تكون عليها، فيجب ردها سالمة كانت أو معيبة، ومستقلة كانت في الوجود أو أنها صارت ضمن موجود آخر وجزءاً منه، كالخشبة في سقف البناء، أو الخيط في درز الثوب، أو الجلد بعد أن غُلِّف به الكتاب، ونحو ذلك؛ وحينئذ فإنْ طالبه المالك به، وكان ما يزال له مالية وقيمة، وجب على الغاصب ـ أو من هو في حكمه ممن يكون المغصوب تحت يده ولـو جهـلاً ـ نزع المغصوب من محله ولو مع تضرره به بمثل تهدم السقف أو انفراط أجزاء الثوب أو تمزق الكتاب أو نحوه؛ بل إن له ذلك حتى لو فقدت العينُ قيمتها بالنزع، كما أن له أن يرضى بالبدل على كل حال، وحيث يرضى بالبدل يصبح المغصوب مملوكاً للغاصب.

ـ إذا نزلت القيمة السوقية للعين المغصوبة خلال مدة وجودها عند الغاصب لم يضمن ذلك النقص ما دامت العين سالمة، بل يكفيه ردها ولا شيء عليه.

ـ إذا مزج الغاصب العين بغيرها، أو امتزجت بدون اختياره، فلذلك صور:

الأولى: أن يمتزج المغصوب بما يمكن تمييزه وفصله عنه ولكن مع المشقة، كامتزاج العدس بالقمح، فيجب على الغاصب فصله ورده إلى مالكه.

الثانية: أن يصير المزيج موجوداً واحداً لا يتميز بعضه من بعضه الآخر، وكان المزج بجنسه، وكانا متماثلين بالجودة أو الرداءة؛ كامتزاج الزيت بالزيت أو الطحين من القمح بمثله، فهنا يتشاركان فيه بنسبة ما لكل منهما، ويترتب على ذلك:

أ ـ لا يضمن الغاصب للمالك مثل المقدار المغصوب أو قيمته.

ب ـ لا يجوز لأحدهما التصرف بالمال المشترك إلا أن يأذن الآخر، أو يتقاسماه بينهما إذا طلب القسمة أحدهما.

الثالثة: كالصورة الثانية، لكن الخلط كان بالأجود أو الأردأ؛ فهنا يتخير المغصوب منه بين مطالبة الغاصب بالبدل أو المشاركة له بالنحو المذكور في الصورة الثانية؛ فإن اختار الاشتراك، وكان قد حدث نقص في قيمة المغصوب بسبب الخلط ضمن الغاصب ذلك النقص؛ ومثاله ما لو غصب ليتراً من الزيت الجيد قيمته عشرة دولارات، فخلطه بليتر من الزيت الرديء قيمته خمسة دولارات، وصارت قيمة الخليط إثني عشر، فإذا تقاسما فأخذ المالك حصته ـ وهي الثلثان، وقيمتها ثمانيـة دولارات بالخلـط ـ يكون قد نقص من قيمة حصته دولاران، فيضمنهما الغاصب له.

الرابعة: أن يمزج المغصوب بغير جنسه، بحيث يعدّ الخليط معه تالفاً، كمزج ماء الورد ـ أو الزيت ـ بالنفط؛ فيجب على الغاصب دفع البدل على قاعدة ضمان التلف التي سيأتي تفصيلها.

الخامسة: كالصورة الرابعة، لكنه يبقى للخليط قيمة ومالية، كخلط طحين القمح بطحين الشعير، أو الخل بالعسل، وحكمها كحكم الصورة الثالثة.


ـ إذا تصرف الغاصب في المغصوب بما يوجب زيادته عما كان عليه، فذلك على وجوه:

الأول: ما لو كانت الزيادة أثراً مُندكَّاً في العين لا جرم لها، كطحن القمح وخياطة الثوب وصياغة الفضة ونحوها؛ وحكمه ما يلي:

أ ـ يجب رد العين كما هي، دون أن يكون للغاصب شيء في قبال الزيادة ولا في قبال الأجرة على عملها.

ب ـ لا يحق للغاصب أن يطالب بإزالة الأثر عن العين مع إمكانها إلا أن يأذن المالك بها، كما أنه لا يحق له إبقاء الأثر إن طلب المالك إزالته، لكن تكون أجرة الإزالة على المالك.

ج ـ يضمن الغاصب النقص الذي يحدث في قيمة العين بسبب الزيادة أو بسبب إزالتها.

الثاني: ما لو كانت الزيادة أثراً مشوباً بالعينية، كالصبغ للثوب أو الدهان للباب؛ وحكمه أنه: إن كان الباقي من أثر الصبغ عرضاً لا جرم له عرفاً، كما هو الغالب في صبغ الأثواب ونحوها، رد الغاصب الثوب كما هو ولحقه حكم الوجه الأول بتمامه. وإن كان للباقي من أثر الصبغ جرم، فحكمه كما يلي:

أ ـ الأثر ملك للغاصب، فإن أمكنه إزالته ورغب فيها لم يكن للمالك منعه، وإن رغب المالك ببقائه لم يجب على الغاصب إجابته ولو بعوض، كما أنه لا يجب على المالك أن يملكه المغصوب بقيمته لو طلبه.

ب ـ إذا عرض نقص على قيمة العين بسبب إزالة الدهان ـ مثلاً ـ ضمنه الغاصب، حتى لو كانت الإزالة إستجابة لطلب المالك.

ج ـ إذا لـم يمكن إزالة الأثر، أو تراضيا على بقائه، فإن زادت قيمة المغصوب، فالظاهر اشتراكهما في مالية المغصوب بنسبة ما أحدثه الأثر من زيادة في قيمته، وإن بقيت القيمة كما هي لم يكن للغاصب شيء، وإن نقصت بسببها، ضمن الغاصب النقص.


الثالث: ما لو كانت الزيادة عينية، كما لو غصب أرضاً فغرسها أو زرعها أو بنى عليها، فإن كان الغرس أو الحَب أو أجزاء البناء مغصوبـة ـ أيضـاً ـ من مالك الأرض كان الكل للمغصوب منه، فيجب عليه إرجاع الأرض وما عليها من بناء وغرس وزرع للمالك، وليس له أن يطالب بأجرة ما عمل فيها ولا له أن يقلعه، وإذا رغب المالك بقلع ـ أو هدم ـ ما عليها وجبت إجابته، فإن امتنع ألزمه.

وأما إذا كان الغرس أو أجزاء البناء أو الزرع للغاصب نفسه، فكذلك يجب عليه رد الأرض إلى مالكها، كما يجب عليه إعادتها إلى ما كانت عليه، بقلع أو هدم ما عليها وطمر الحفر الناتجة عن إزالة التعدي إن لم يرض المالك ببقاء ما عليها مجاناً أو بعوض، كما يجب عليه ـ أيضاً ـ ضمان أجرة مثل الأرض خلال مدة انتفاعه بها في الزرع أو البناء، وضمان ما قد يحصل من نقص في قيمة الأرض؛ ومن جهة أخرى، لا يجب على الغاصب إبقاء الزرع أو البناء إذا بذل له المالك قيمته.

هذا إذا كان للزيادة العينية وجود منفصل يمكن معه نزعها من المغصوب وأخذها، أما إذا كانت خلاف ذلك، كالبئر يحفرها الغاصب في الأرض المغصوبة، فإن الغاصب لا يملك شيئاً فيها، فلو أراد ردمها لم يكن له ذلك إلا أن يطلبه المالك فيجب عليه حينئذ.

ـ إذا حدث في المغصوب صفة أوجبت زيادة قيمته السوقية ثم زالت، كأن كان مريضاً حين غَصْبه فبرىء وصار سليماً ثم عاد مريضاً؛ فإذا تاب الغاصب ورد العين إلى مالكها كما كانت حين الغصب، لم يضمن تلك الزيادة إن كانت قد حدثت بفعله، كأن عالج الحيوان واعتنى به حتى برأ، وإن كان ضمانها هو الأحوط استحباباً؛ وأما إن كانت الزيادة بغير فعله، فإن عليه ضمانها رغم زوالها.

وأمـا إذا وجدت الصفـة ثـم زالت ثم وجدت مرة ثانية، وذلك ـ كما في المثال السابق ـ بأن كان الحيوان مريضاً حين غصبه فبرىء ثم مرض ثم برىء، لم يضمن الغاصب حالة نقص قيمته بمرضه مرة ثانية بعد برئه إن كان حين ردِّه إلى صاحبه سليماً، إلا أن تصير قيمته حين برئه ثانية أقل من قيمته حين برئه الأول، فيضمن التفاوت بين القيمتين إن كان البرء بغير فعله. هذا إذا كانت نفس الصفة هي التي زالت ثم عادت، أما إذا كانت غيرها، بأن وجدت فيه صفة بغير فعل الغاصب فزالت، ثم وجدت فيه صفة أخرى أوجبت زيادة قيمته مرة ثانية، فإنه يضمن ما نقص من قيمته بزوال الصفة الأولى دون أن تجبره الزيادة الحاصلة من حدوث الصفة الثانية.

ـ إذا نما المغصوب عند الغاصب نماءً منفصلاً، كالولد واللبن والشعر والثمر ونحوها كان نماؤه لمالكه، فيجب على الغاصب رده إن كان باقياً أو دفع بدله إن كان تالفاً، وكذا يجب رد العين بنمائها المتصل كالسمن للشاة ونمو الغرس وصيرورته شجراً ونضوج الثمر ونحو ذلك، وليس للغاصب شيء في قبال ذلك ولو كان النمو بفعله؛ بل حتى لو أوجب النمو المتصل تغيراً في عنوان العين المغصوبة، كالحَبِّ يغصبه فيزرعه في أرضه فيصير زرعاً، أو البيض يستفرخه فيصير دجاجاً، إذ يتخيـر المغصـوب منـه ـ حينئـذ ـ بين أخذ الزرع والدجاج دون أن يعوض شيئاً على الغاصب وبين أخذ بدل الحب أو البيض الذي غصب منه.

ـ إذا حدث في المغصوب نقص أو عيب خلال مدة الغصب وجب على الغاصب ـ إضافة إلى رد العين ـ أرش النقصان، وهو الذي يعرف من التفاوت بين قيمة العين صحيحة وقيمتها معيبة؛ وذلك دون فرق بين ما لو كان العيب بفعل الغاصب أو بغير فعلـه، ودون فـرق ـ أيضاً ـ بين ما لو كان العيب محصوراً لا يسري إلى سائر أجزاء العين وبين ما لو كان سارياً وموجباً لفساد تمام العين، كالبلل في القمح الموجب لعفونته وتلفه؛ نعم إذا كان البلل ـ في المثال ـ قد حدث بتفريط أو تعد من الغاصب، ولم يكن المالك ـ بعد تسلمه للعين ـ قادراً على منع تفاقمه، ولا على بيعه للحصول على عوضه، فتلف عنده بسببه ضمن الغاصب تمام العين لا أرش النقصان بخاصة. وفي جميع حالات ضمان الغاصب للأرش ليس للمالك إلزامه بأخذ العين ودفع قيمتها صحيحة.

هذا إذا أوجب النقص أو العيب تلفاً في المادة والهيئة معاً، أما إذا حدث أن زالت هيئة العين المغصوبة وصنعتها وبقيت مادتها، كالكرسي يتفكك ويتكسر ويرجع خشباً أو حديداً، وجب على الغاصب رد مادة العين بالنحو الذي آلت إليه، وعليه ـ أيضاً ـ ضمان قيمة تلك الهيئة الزائلة إن كان لها قيمة، فتُقوَّم العين مصنوعة وتقوم بدون الصنعة ويُرى ما بينهما من تفاوت فيَدفعُه الغاصب؛ هذا وليس للمالك إجبار الغاصب على إعادة صنعة العين كما كانت، كما أنه ليس ملزماً بقبول ذلك لو عرضه الغاصب فراراً من دفع الأرش.

نعم إذا كانت العين على صنعة محرمة، كآلات اللهو، فتلفت هيئتها أو أتلفها الغاصب عمداً لم يضمنها، بل عليه إعادة مادتها إن كانت موجودة أو مثلُ مادتها أو قيمتُها إن تلفت.

ـ يجـب علـى مَـنْ بيـده العيـن المغصوبـة ـ ولو لـم يكن هو الغاصب ـ ردُّها إلى مالكها أو وكيله إن كان كاملاً، وإلى وليه إن كان قاصراً بصباً أو جنون، فلو ردها إلى غير مالكها الكامل أو إلى غير ولي القاصر لم يرتفع عنه الضمان، وبخاصة ما لو كانت العين تحت يد غير غاصبها جهلاً، فإنه لا يكفيه ـ بعد علمه بالحال ـ ردها إلى غاصبها، ولو فعل بقي ضامناً لها حتى تصل إلى صاحبها.

هذا إذا كانت العين المغصوبة مملوكة ملكاً طلقاً لشخص أو موقوفة وقفاً خاصاً على مثل الذرية المنحصرة في فرد أو أفراد بعينهم، أما إذا كان المغصوب منه هو النوع، وذلك كما في العين الموقوفة على عنوان عام كالفقراء، أو للانتفاع العام كالمسجد والمكتبة والفندق ونحوها، لم يكف في الموقوفة على العنوان العام ردها إلى بعض أفراده، بل لا بد من دفعها إلى ولي الوقف إن كان له ولي خاص، وإلا فإلى الحاكم الشرعي الذي هو الولي العام، فيما يكفي في رد الموقوف للانتفاع العام رفع اليد عنه وإبقاؤه على حاله.

ـ يجب على الغاصب ـ من حيث المبدأ ـ تسليم العين وردها إلى المكان الذي غصبها فيه، وبخاصة إذا كان المالك حاضراً فيه وكان الغاصب قد نقله عنه إلى مكان آخر، غير أن للمالك إلزامه بتسليمه له في بلد آخر غير مكان الغصب إذا كان المال موجوداً فيه وصادف وجود المالك فيه أيضاً، أما إذا كان المالك موجوداً في بلد آخر غير بلد الغصب وغير بلد وجود المال، فإن إلزام الغاصب بوجوب نقله إليه محل إشكال.

ـ إذا تعذر رد المغصوب إلى مالكه لسرقة أو ضياع أو نحوهما، فإذا يئس الغاصب من الحصول عليه لحِقَه حكم التالف، ووجب عليه دفع بدله مِثلاً أو قيمة؛ فيملك المغصوب منه ذلك البدل زيادة على بقاء ملكيته للعين المغصوبة المفقودة، فلو عاد المفقود كان حكمه كما يلي:

أ ـ يجب على كل منهما تسليم ما بيده للآخر، فيسلم المالك البدل للغاصب، ويتسلم منه المغصوب العائد.

ب ـ حيث يكون البدل مثلياً، فإن جميع منافعه ووجوه نمائه خلال مدة فقد المغصوب هي للمغصوب منه، نعم ما يكون فيه من النماء المتصل كسمن الشاة ونمو الشجرة تتبع البدل ويسترجعها الغاصب مع البدل دون أن يعطي لقاءها شيئاً للمغصوب منه ولو كانت بفعله.

وأما المبدل (أي: المغصوب العائد) فإنه لما كان ما يزال على ملك مالكه فإن نماءه المتصل أو المنفصل يكون جميعه لمالكه المغصوب منه، نعم ليس له مطالبة الغاصب بقيمة منافعه المفوّتة خلال مدة فقده بعد تسلمه بدله وانتفاعه به خلالها.


اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية