يان حول آفاق المرحلة المقبلة في مسألتي التفاوض والحوار في ضوء المبادرات الأميركية

يان حول آفاق المرحلة المقبلة في مسألتي التفاوض والحوار في ضوء المبادرات الأميركية

فضل الله: أميركا والحلف الأطلسي لم يستبدلوا استراتيجية الدمار بالحديث والحوار

أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تناول فيه آفاق المرحلة المُقبلة في مسألتي التفاوض والحوار في ضوء المبادرات الأميركية، وقد جاء فيه:

مع بدء الإدارة الأميركية الجديدة مسيرتها السياسية، وسعيها الجدي للخروج من كابوس الأزمة المالية التي أصابت الولايات المتحدة الأميركية والنظام الرأسمالي، والتي انعكست على الاقتصاد العالمي بطريقة وأخرى، تدخل المنطقة العربية والإسلامية في مرحلة جديدة تتلقى فيها بعض العروض التي يصاحبها تهديدات وضغوط تنذر بأن الميل إلى رفض عروض التسوية بشروطها الجديدة، سيقود إلى مرحلة أشدّ صعوبةً على الواقع العربي والإسلامي بعامة، وعلى الواقع الفلسطيني بخاصة.

ومع أن الجميع يعرف أن الخروج من عنق الزجاجة الاقتصادي والسياسي الذي تسببت به الأزمة المالية العالمية ليس في متناول اليد بالنسبة إلى الأميركيين، وبالتالي فإن نزوع الإدارة الجديدة نحو الحروب أو المغامرات السياسية السلبية سوف تكون له انعكاساته القاتلة على الولايات المتحدة الأميركية قبل غيرها، وهو الأمر الذي قد يدفع باتجاه الجمود في التوصل إلى حلول لمعظم المشاكل في المنطقة... إلا أنّ الزيارات الأخيرة للمسؤولين الأميركيين، وما رافقها من تصريحات تحمل عناوين الإغراء والتهديد لدول الممانعة وحركات المقاومة، كما تحمل إشارات توحي باستئناف العملية التفاوضية على أكثر من محور من محاور المنطقة، أتاحت المجال أكثر لفهم عمق الموقف الأميركي الذي يعوّل على الحركة الظاهرية للأمور، وإطلاق عجلة التفاوض شكلياً من دون تغيير في نمطية الأهداف الأميركية المنسجمة مع التوجه الإسرائيلي الذي ستكرّسه الحكومة الصهيونية القادمة في إغراء العرب بالمزيد من الكلمات، والإفساح في المجال للتفاوض على عناوين واهية، في الوقت الذي يأكل الاستيطان ما تبقى من الأرض الفلسطينية، إلى أن يتغير الأمر الواقع كليّاً على الأرض.

إننا نعتقد أن السنتين القادمتين ستكونان في غاية الخطورة إن لم تتحرّك فيهما مبادرات عربية وإسلامية جدية لترتيب البيت العربي والإسلامي من الداخل، وفق أسسٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ ثابتة وواقعية، لأنه يُراد للواقع العربي والإسلامي أن ينام فيهما على حرير أحلام غير واقعية، وأن يعيش حالاً تخديرية ريثما تستطيع أميركا وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي الخروج من الكبوة الاقتصادية، ومن التأثيرات المدمّرة لحروب بوش في المنطقة، لتستأنف أميركا الإسرائيلية وإسرائيل الأميركية هجمتهما المبرمجة على المواقع الحيوية في الساحتين العربية والإسلامية.

ولعل ما يبعث على الأسى والأسف أكثر، أنّ قوى الهيمنة العالمية التي تعاني مشاكل اقتصادية، وآثار الهزيمة التي أصيبت بها في أكثر من موقع في المنطقة، تحاول الإيحاء إلى العرب  والمسلمين أن لا سبيل لهم للخروج من دائرة الضغط السياسي وربما الأمني، حتى في الوقت الذي يعيش الغرب أزماته الكبرى، وقد برز ذلك بشكل واضح من خلال قرار المحكمة الجنائية الدولية حيال السودان ورئيسه، بمفاعيله السياسية والأمنية المؤهّلة للتصاعد في المراحل المقبلة.

إن على الواقع العربي والإسلامي أن لا ينخدع أكثر بالوهم القائل إن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها في الحلف الأطلسي استبدلوا استراتيجية الحرب والدمار باستراتيجية الحديث والحوار، لأنه يُراد للحوار الذي تقوده بعض الدوائر الغربية في المنطقة، أن يكون جزءاً من الضغوط التي استنزفتها الحروب الماضية، أو أن يملأ الفراغ السياسي الحاصل ـ بفعل عوامل عالمية ومحلية ـ بسلسلة من التحركات الظاهرية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

ونحن في الوقت عينه، نحذّر من أن الخطّة النهائية التي تعمل عليها الأوساط الغربية المعادية، بالتعاون مع كيان العدّو، تستهدف الجمهورية الإسلامية في إيران، وضرب أسس العلاقة بينها وبين العرب، كما تستهدف قوى المقاومة التي قد تتحرك بعض الدوائر الغربية لإدارة أشكال معيّنة من الحوار معها لأهداف ترويضية أو تجميلية، ولكنها في نهاية المطاف تسعى لإقناعها بسلوك المسار المغاير الذي يمثل انقلاباً على قضايا الأمة وحقوقها وثوابتها.

كما نحذر من أنَّ الخطة ترمي إلى محاكاة ما سعت إليه إدارة بوش، وما تحدّث عنه جون كيري بعد زيارته الأخيرة إلى المنطقة، من أن "الدول العربية المعتدلة تتعاون مع إسرائيل بأشكال لم يكن ممكناً تخيّلها قبل سنوات معدودة"، ليصار إلى تفعيل خطوط التطبيع على هذا الخط بحجة أن التطبيع لا بدّ من أن يسبق السلام، وليكون من ثمرات هذا التطبيع أن يتوحّد العرب تحت لواء التفاوض، لا ليكون الهدف استعادة فلسطين، بل الانخراط في معركة جديدة مع عدوّ جديد يُراد إيهام الأمة به تحت عنوان التحذير من الخطر الفارسي القادم على المنطقة لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، وهو ما بدأت تمهّد له وسائل إعلامية عربية بطريقة عجيبة غريبة، كما مهّدت له خطوات سياسية رسمية في الآونة الأخيرة، أوحت بأن العرب ـ في بعض نماذجهم ـ حاضرون للمغامرة والمقامرة بالعلاقة مع أهمّ أصدقائهم وحلفائهم، وأبرز الداعمين لقضاياهم، ولكنهم لن يرضوا بسحب مبادراتهم التي تبقي على خطوط العلاقة المباشرة وغير المباشرة مع كيان العدو.

إننا ندعو المعنيين في الواقع العربي والإسلامي، وخصوصاً أولئك الذين ينشطون على خطّي العلاقة العربية ـ العربية، والعربية ـ الإسلامية، إلى سعي جدي لوضع خريطة طريق عربية إسلامية لحساب الأمة وقضاياها، وخصوصاً القضية الفلسطينية، في مواجهة ما يسعى له الآخرون من وضع لخريطة طريق إقليمية تقود إلى النزول عند الشروط الإسرائيلية الأميركية الساعية لنسف القضية الفلسطينية واستبدالها بعلاقات تطبيعية بين العرب وإسرائيل تتيح لها استباحة ما تبقى من مواقع أمنية وسياسية واقتصادية محصّنة في العالم العربي والإسلامي.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
 التاريخ: 25-3-1430 هـ الموافق: 22/03/2009 م

فضل الله: أميركا والحلف الأطلسي لم يستبدلوا استراتيجية الدمار بالحديث والحوار

أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تناول فيه آفاق المرحلة المُقبلة في مسألتي التفاوض والحوار في ضوء المبادرات الأميركية، وقد جاء فيه:

مع بدء الإدارة الأميركية الجديدة مسيرتها السياسية، وسعيها الجدي للخروج من كابوس الأزمة المالية التي أصابت الولايات المتحدة الأميركية والنظام الرأسمالي، والتي انعكست على الاقتصاد العالمي بطريقة وأخرى، تدخل المنطقة العربية والإسلامية في مرحلة جديدة تتلقى فيها بعض العروض التي يصاحبها تهديدات وضغوط تنذر بأن الميل إلى رفض عروض التسوية بشروطها الجديدة، سيقود إلى مرحلة أشدّ صعوبةً على الواقع العربي والإسلامي بعامة، وعلى الواقع الفلسطيني بخاصة.

ومع أن الجميع يعرف أن الخروج من عنق الزجاجة الاقتصادي والسياسي الذي تسببت به الأزمة المالية العالمية ليس في متناول اليد بالنسبة إلى الأميركيين، وبالتالي فإن نزوع الإدارة الجديدة نحو الحروب أو المغامرات السياسية السلبية سوف تكون له انعكاساته القاتلة على الولايات المتحدة الأميركية قبل غيرها، وهو الأمر الذي قد يدفع باتجاه الجمود في التوصل إلى حلول لمعظم المشاكل في المنطقة... إلا أنّ الزيارات الأخيرة للمسؤولين الأميركيين، وما رافقها من تصريحات تحمل عناوين الإغراء والتهديد لدول الممانعة وحركات المقاومة، كما تحمل إشارات توحي باستئناف العملية التفاوضية على أكثر من محور من محاور المنطقة، أتاحت المجال أكثر لفهم عمق الموقف الأميركي الذي يعوّل على الحركة الظاهرية للأمور، وإطلاق عجلة التفاوض شكلياً من دون تغيير في نمطية الأهداف الأميركية المنسجمة مع التوجه الإسرائيلي الذي ستكرّسه الحكومة الصهيونية القادمة في إغراء العرب بالمزيد من الكلمات، والإفساح في المجال للتفاوض على عناوين واهية، في الوقت الذي يأكل الاستيطان ما تبقى من الأرض الفلسطينية، إلى أن يتغير الأمر الواقع كليّاً على الأرض.

إننا نعتقد أن السنتين القادمتين ستكونان في غاية الخطورة إن لم تتحرّك فيهما مبادرات عربية وإسلامية جدية لترتيب البيت العربي والإسلامي من الداخل، وفق أسسٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ ثابتة وواقعية، لأنه يُراد للواقع العربي والإسلامي أن ينام فيهما على حرير أحلام غير واقعية، وأن يعيش حالاً تخديرية ريثما تستطيع أميركا وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي الخروج من الكبوة الاقتصادية، ومن التأثيرات المدمّرة لحروب بوش في المنطقة، لتستأنف أميركا الإسرائيلية وإسرائيل الأميركية هجمتهما المبرمجة على المواقع الحيوية في الساحتين العربية والإسلامية.

ولعل ما يبعث على الأسى والأسف أكثر، أنّ قوى الهيمنة العالمية التي تعاني مشاكل اقتصادية، وآثار الهزيمة التي أصيبت بها في أكثر من موقع في المنطقة، تحاول الإيحاء إلى العرب  والمسلمين أن لا سبيل لهم للخروج من دائرة الضغط السياسي وربما الأمني، حتى في الوقت الذي يعيش الغرب أزماته الكبرى، وقد برز ذلك بشكل واضح من خلال قرار المحكمة الجنائية الدولية حيال السودان ورئيسه، بمفاعيله السياسية والأمنية المؤهّلة للتصاعد في المراحل المقبلة.

إن على الواقع العربي والإسلامي أن لا ينخدع أكثر بالوهم القائل إن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها في الحلف الأطلسي استبدلوا استراتيجية الحرب والدمار باستراتيجية الحديث والحوار، لأنه يُراد للحوار الذي تقوده بعض الدوائر الغربية في المنطقة، أن يكون جزءاً من الضغوط التي استنزفتها الحروب الماضية، أو أن يملأ الفراغ السياسي الحاصل ـ بفعل عوامل عالمية ومحلية ـ بسلسلة من التحركات الظاهرية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

ونحن في الوقت عينه، نحذّر من أن الخطّة النهائية التي تعمل عليها الأوساط الغربية المعادية، بالتعاون مع كيان العدّو، تستهدف الجمهورية الإسلامية في إيران، وضرب أسس العلاقة بينها وبين العرب، كما تستهدف قوى المقاومة التي قد تتحرك بعض الدوائر الغربية لإدارة أشكال معيّنة من الحوار معها لأهداف ترويضية أو تجميلية، ولكنها في نهاية المطاف تسعى لإقناعها بسلوك المسار المغاير الذي يمثل انقلاباً على قضايا الأمة وحقوقها وثوابتها.

كما نحذر من أنَّ الخطة ترمي إلى محاكاة ما سعت إليه إدارة بوش، وما تحدّث عنه جون كيري بعد زيارته الأخيرة إلى المنطقة، من أن "الدول العربية المعتدلة تتعاون مع إسرائيل بأشكال لم يكن ممكناً تخيّلها قبل سنوات معدودة"، ليصار إلى تفعيل خطوط التطبيع على هذا الخط بحجة أن التطبيع لا بدّ من أن يسبق السلام، وليكون من ثمرات هذا التطبيع أن يتوحّد العرب تحت لواء التفاوض، لا ليكون الهدف استعادة فلسطين، بل الانخراط في معركة جديدة مع عدوّ جديد يُراد إيهام الأمة به تحت عنوان التحذير من الخطر الفارسي القادم على المنطقة لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، وهو ما بدأت تمهّد له وسائل إعلامية عربية بطريقة عجيبة غريبة، كما مهّدت له خطوات سياسية رسمية في الآونة الأخيرة، أوحت بأن العرب ـ في بعض نماذجهم ـ حاضرون للمغامرة والمقامرة بالعلاقة مع أهمّ أصدقائهم وحلفائهم، وأبرز الداعمين لقضاياهم، ولكنهم لن يرضوا بسحب مبادراتهم التي تبقي على خطوط العلاقة المباشرة وغير المباشرة مع كيان العدو.

إننا ندعو المعنيين في الواقع العربي والإسلامي، وخصوصاً أولئك الذين ينشطون على خطّي العلاقة العربية ـ العربية، والعربية ـ الإسلامية، إلى سعي جدي لوضع خريطة طريق عربية إسلامية لحساب الأمة وقضاياها، وخصوصاً القضية الفلسطينية، في مواجهة ما يسعى له الآخرون من وضع لخريطة طريق إقليمية تقود إلى النزول عند الشروط الإسرائيلية الأميركية الساعية لنسف القضية الفلسطينية واستبدالها بعلاقات تطبيعية بين العرب وإسرائيل تتيح لها استباحة ما تبقى من مواقع أمنية وسياسية واقتصادية محصّنة في العالم العربي والإسلامي.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
 التاريخ: 25-3-1430 هـ الموافق: 22/03/2009 م

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية