السيد فضل الله: الحوار هو الوسيلة الإنسانية الحضارية للتفاهم بين الشعوب
حزب الله منظومة سياسية لبنانية
الصحوة الدينية في العالم الغربي، الإرهاب، التطرف، العنف، العمليات الاستشهادية... مفردات كثر الجدل حولها في المجتمع الغربي، والتبس فهمها على الكثير منهم. أسئلة حملها إلى العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، مدير قسم إذاعة صوت ألمانيا العربية، وهذا نص الحوار:
* سماحة السيد، نحن نشكركم باسم الإذاعة الألمانية لاستقبالكم لنا؟
- ونحن نرحِّب بكم، فنحن نعتبر أنَّ الصحافة تمثِّل رسالةً من أجل بيان الحقيقة للناس؛ الحقيقة الَّتي متى عرفها الناس استطاعوا أن يتواصلوا فيما بينهم، وهو ما يمكن أن يخفف من حالات التنافر ويمهِّد لمناخ حواري سلمي.
* من دواعي سرورنا أنّنا وجدنا جزءاً كبيراً من فتاوى سماحتكم باللغة الألمانية (مترجمة)، حتى يعرف القارئ الألماني جزءاً من أفكاركم، وهذا الحوار سيثري قرَّاءنا في ألمانيا.
سماحة السيد، أنتم تمثلون فهماً معتدلاً ومتوازناً للإسلام يواكب تحديات العصر، ولكن هناك مخاوف من صحوة دينية في داخل لبنان وحتى في أوروبا وبعض أماكن العالم. ما سبب هذا الخوف من وجهة نظركم؟
- إنّنا عندما ندرس الإسلام دراسةً علمية موضوعية، نجد أنه يمثّل دعوة إلى السلام، فالمسلمون عندما يلتقون مع كلِّ الناس، فإنّهم يبادرونهم بكلمة السلام، حتى في تراثنا الديني نقرأ في القرآن الكريم، أنّ تحية أهل الجنة هي السلام، ولذلك فالسلام يمثل القاعدة الإنسانية التي لا بدَّ للمسلمين من أن يلتزموها.
ثم عندما ندرس النصوص الدينية في القرآن أو فيما ورد عن النبي(ص)، فإنّنا نجد أن الخطَّ البياني للإسلام هو ما يعبَّر عنه بالرفق، وهو ممارسة الأسلوب السلمي في معالجة كلِّ القضايا، حتى إنّ القرآن الكريم يؤكِّد مسألة معالجة الخلافات بين الناس، بالأسلوب الذي يتمكن به الإنسان من أن يحوّل عدوَّه إلى صديق {
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصِّلت/34)، ما يعني أن الإسلام يدعو إلى أن نكون أصدقاء العالم، مع التزامنا بمبادئنا والتزام الآخر بمبادئه.
السلام يمثل القاعدة الإنسانية التي لا بد للمسلمين من أن يلتزموها
وقد أكّد القرآن الكريم مبدأ الحوار مع أهل الكتاب والانطلاق في التّحاور معهم من الكلمة السواء، ليكون الالتقاء على ما يجمعهم والمسلمين من أفكار مشتركة، والحوار في ما يختلفون فيه معهم بالوسائل الحضارية. ولكن هناك فئات متطرّفة في الواقع الإسلامي تسيء فهم النصوص الدينية، فتتحرَّك على أساس العنف تجاه من تختلف معه، حتى إنّها تتحرك في العنف ضدَّ المسلمين، وهذا ما نجده عند بعض التنظيمات المتطرفة الإرهابية، ولكن المسلمين جميعاً، الذين يبلغ تعدادهم مليار ونصف المليار، لا يوافقونهم على ذلك، كما أنّ هؤلاء يمثلون أقلّية في الواقع الإسلامي الذي يرفض بأكثريته مسألة العنف.
ومن الطبيعي أنّ هناك قضايا سياسية في العالم الإسلامي تتصل بمسألة الموقف من السياسية الأمريكية والسياسة الإسرائيلية، ومواقف تؤدي إلى تعقيدات كبيرة، أمّا بالنسبة إلى أوروبا، فإنّنا نتحدث دائماً بأنّنا نريد أن نكون أصدقاء لأوروبا بجميع فصائلها، وأيضاً نحن نوصي المسلمين الذين يعيشون في أوروبا، سواء في ألمانيا أو في فرنسا أو في بريطانيا، أن لا يسيئوا إلى البلد الذي يعيشون فيه، بل أن يحافظوا على أمنه ونظامه، لذلك استنكرنا أشدّ الاستنكار ما حدث في بريطانيا وفي إسبانيا وفي ألمانيا من قبل الإرهابيين، حتى إنّنا استنكرنا ما حدث في أمريكا في 11أيلول، ونحن نعرف أنّ ألمانيا أيضاً تتميَّز بأنّ فيها جالية إسلامية كبيرة جداً، سواء من العرب أو من غير العرب، من أتراك وأكراد وغيرهم، ونحن نشكر الحكومة الألمانية على استضافتها لهؤلاء الذين أعتقد أنهم أصبحوا مواطنين صالحين.
أما في لبنان، فليست المشكلة في الخلافات الدّينيّة أو الخلافات الطائفية، بل هي مشكلة سياسية، لأنّ المعارضة ليست إسلامية، بل فيها مسلمون ومسيحيون وسنّة وشيعة، والموالاة أيضاً كذلك ليست إسلامية وليست مسيحية، ولذلك فالمشكلة في لبنان ليست دينية، إنما هي سياسية بامتياز. ونحن نعتقد أنّ السياسية الأمريكية تحاول أن تجعل من لبنان ساحةً من ساحات تحريك مشاريعها في المنطقة، وقد سمعنا تصريح الرئيس بوش بأنَّ لبنان يدخل في الأمن القومي الأمريكي، إضافةً إلى التزام الإدارة الأمريكية المطلق بالأمن الإسرائيلي، حتى على حساب البلاد العربية المتحالفة معها، لذلك ليست في لبنان مشكلة إرهاب، سوى ما يحدث الآن في منطقة الشمال في مخيَّم نهر البارد، التي هي قضية معقَّدة، سواء من خلال السياسة المحلية أو الإقليمية أو الدولية.
* أشرتم الآن إلى وجود بعض الحركات المتطرفة التي تُسيء إلى الإسلام، لكن المنظور الأوروبي، يرى أن هذه الحركات تطلق على نفسها حركات إسلامية أيضاً. كيف نشرح للقارئ الأوروبي أو المستمع الأوروبي الفرق؟
العنف هو حالة إنسانية معقدة تنطلق من أوضاع نفسية معينة
- إذا أردنا أن ندرس القضية بموضوعية، علينا أن نسأل كيف نفسّر طبيعة الحركات المتطرّفة في أوروبا، وطبيعة حركة اليمين في فرنسا وفي بعض المناطق الأوروبية التي تتخذ موقفاً سلبياً ضد الجاليات القادمة من بلدان أخرى، بحيث نجد إنّها قد تصل إلى حالة العنف، وإن كان محدوداً وجزئياً؟ وأيضاً، كيف نفسِّر حركة المافيات في أوروبا وفي أمريكا؟ وكيف نفسِّر العنف الذي يتحرك في المدارس، بحيث يقتل الطالب أساتذته ورفاقه مثلاً، وما إلى ذلك؟ فنحن نعتقد أنّ العنف هو حالة إنسانية معقَّدة تنطلق من أوضاع نفسية وأوضاع اقتصادية وسياسية معينة وهي موجودة في العالم، أمّا بالنسبة إلى ما يسمى بالحركات الإسلامية التي ربما يقيم بعضها في البلاد الأوروبية، فإنّها لا تمثّل فريقاً كبيراً، وإنّما تمثّل أشخاصاً محدودين، وقد عبَّر علماء المسلمين في العالم، وحتى الجمعيات الإسلامية في أوروبا، سواء كانت في بريطانيا أو في أمريكا أو في إسبانيا وفي الغرب بشكل عام، عن رفض هذا الأسلوب. لذلك، أنا أعتقد أن مسألة العنف الذي يمكن أن تقوم به بعض الحركات الإسلامية التي لا تملك تلك الثقافة الواسعة الإنسانية التي يمثِّلها الإسلام في انفتاحه على الشعوب الأخرى، لا بد من معالجتها كمعالجة الكثير من الحالات الموجودة في هذا البلد أو ذاك البلد.
نحن نؤكد على مستوى الفتوى بأنه لا يجوز الإساءة إلى البلد التي يقيم فيها الإنسان
لذلك عندما ندرس ما حدث في بريطانيا أو ما حدث في إسبانيا أو ما حدث في بعض المناطق الأخرى، فإنّنا نجد أنّه لا يُمثّل حالة كبيرة واسعة، وإنّما يمثّل حالة محدودة يمكن للقوانين الموجودة في تلك البلاد أن تحاصرها. ونحن أعلنا مراراً للأوروبيين، بأنّ عليكم أن لا تفكروا في أنّ الإسلام يمكن أن يتحوَّل إلى مشكلة لكم من خلال المسلمين الذين يعيشون معكم، بل إنّ المسلمين في أغلب مواقعهم في أوروبا هم مواطنون صالحون يمارسون أعمالهم وعلاقاتهم بشكل طبيعي جداً.
إنَّ العالم الإسلامي يرفض مثل هذا العنف، ونحن في كلِّ رسائلنا التي نرسلها إلى المسلمين في الغرب، نؤكِّد، وعلى مستوى الفتوى، أنّه لا يجوز الإساءة إلى أمن البلد الذي يقيمون فيه وإلى نظامه العام، وأنّ عليهم أن ينفتحوا على المجتمع الذي يعيشون فيه، مع الحفاظ على التزاماتهم الإسلامية التي لا تسيء إلى النظام العام.
* كيف تقيّمون تطوّر دور حزب الله داخل منظومة المجتمع اللبناني في السنوات الأخيرة؟
- عندما ندرس منظومة حزب الله، نجد أنّها منظومة سياسية لبنانية لم تدخل في الحروب الداخلية اللبنانية، إلاّ بعض المشاكل التي حدثت في داخل الوسط الشيعي بين أمل وحزب الله، وقد انتهت إلى غير رجعة، ولكن هذه المنظومة لم تدخل في الحروب الداخلية في لبنان، كما حدث مثلاً بين المسيحيين أنفسهم، وكما حدث في الواقع الإسلامي بين الفلسطينيين وبين بعض الفرقاء وما إلى ذلك.
أمّا قضية السلاح، فإنّ حزب الله يُصرّح بأنّ سلاحه ليس موجَّهاً للطوائف اللبنانية وللواقع الداخلي اللبناني، بل هو موجَّه لردِّ العدوان الإسرائيلي، باعتبار أننا عندما ندرس تاريخ الحروب الإسرائيلية على لبنان حتى قبل عام 1982، فإنّنا نجد أنّ إسرائيل كانت تعتدي على لبنان حتى بدون مناسبة، كما حصل في عام (1982)، عندما اجتاحت إسرائيل لبنان ووصلت إلى بيروت لمجرّد أنّ هناك محاولة اغتيال للسفير الإسرائيلي في لندن، وقد تبين أنّها محاولة فاشلة. لذلك، فإنّ منظومة حزب الله تنطلق من مسألة أنّ الجيش اللبناني هو جيش نظامي، ولا يملك الأسلحة المتطوّرة التي يستطيع من خلالها أن يواجه العدوان الإسرائيلي، وهذا ما لاحظناه عندما كانت قوات العدوّ الإسرائيلي تقصف الضباط اللبنانيين وهم داخل ثكناتهم في العدوان الأخير. لذلك، فإنّ حزب الله يعمل من أجل مواجهة أيّ عدوان إسرائيلي على لبنان، وهو لا يفكِّر في أن يُثير مسألة الحرب على إسرائيل، كما صرّح بذلك مسؤولو العدوّ، أمّا حرب تموز سنة 2006، فقد قام حزب الله بعملية أسر الجنديين ليبادل بهما الأسرى اللبنانيين، كما فعل سابقاً، وكانت إسرائيل تستجيب لذلك، كما كانت ألمانيا تقوم بدور الوساطة في هذا المجال، ولكن إسرائيل ـ ومعها أمريكا ـ كانت تخطّط لاستغلال هذه المسألة في حربها ضد لبنان كلّه.
* العمليَّات الاستشهادية توصف في مفردات الإعلام الغربي غالباً بالعمليات الانتحارية، كما أنّه يسود شعور بالصدمة عند القارئ أو المستمع الأوروبي العادي عند الإعلان عن مثل هذه العمليات. كيف تفسِّرون هذه العمليات للمواطن الأوروبي؟
الإسلام ضد الحرب العدوانية
- أوَّلاً، نحن نقول إنَّ الانتحار هو أن يقتل الإنسان نفسه نتيجة حالة نفسية أو نتيجة لفشل الإنسان في أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، فالإسلام يحرِّم على الإنسان قتل نفسه في هذه الحالات {
وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}(البقرة/195)، أمَّا العمليات الاستشهادية، فإنّها تمثّل جزءاً من عملية الحرب، وذلك عندما تكون هناك حرب مشروعة لا حرب عدوانية، لأنّ الإسلام ضد الحرب العدوانية، وإنّما ينطلق المسلم في الحرب ضد الذي يفرض عليه الحرب عندما يعتدي عليه أو يحتلّ أرضه؛ في هذه الحال، قد تفرض ظروف الحرب في بعض مراحلها، عندما تصل الأمور إلى حدّ الخطر، أن ينطلق إنسان ليفجِّر نفسه، لكن لا بالمدنيين، بل بالعسكريين. ونحن نقول: ما الفرق بين الجندي الذي يهجم على العدو، وهو يعتقد أنه سوف يموت، ليقتل بعض جنود العدوّ، وبين الجندي الذي يجد أن ظروف المعركة تفرض عليه أن يهجم على العدوّ ليحوّل نفسه إلى قنبلة؟ ولكن لا يجوز أن توجه هذه العمليات ضدّ الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين بشكل عام، إلاّ في حالات الضرورة القصوى، كما في الحروب التي تخوضها كل الدول الحضارية، لأنَّ من طبيعة كلِّ حرب أن يسقط فيها بعض المدنيين نتيجة ضرورات الحرب، وهذا ما لاحظناه في الحرب العالمية الثانية مثلاً، وفي الحرب ضد النازيين، وفي الحرب على اليابان، حيث قتل الأمريكيون ما يقارب 200 ألف مدني في هيروشيما ونكازاكي.... فهذه ضرورات الحرب. لذلك نحن نقول، إنّ العمليات الاستشهادية هي جزء من حركة الحرب ضد العدوّ، ولكن ذلك لا يبرر أن يستهدف الاستشهادي المدنيين تحت أيّ اعتبار، إلاّ في الحالات العسكرية المبررة في كل حروب العالم.
* سماحتكم دعوتم في الأيام الأخيرة إلى حوار إسلامي ـ إسلامي، ونحن نعرف أن هناك دعوات، وعلى مساحة العالم، إلى حوار بين الأديان، وأنتم تعرفون أطروحة صدام الحضارات التي يعتبرها البعض مجرَّد صدام للأصوليات. كيف يمكن تجنّب هذا السيناريو؟
نحن ندعو إلى الحوار الديني العلماني كما ندعو إلى الحوار الديني الديني
- نحن منذ أكثر من عشرين سنة، أصدرنا كتاباً بعنوان "تأملات في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي"، وقد تناولنا مسألة الحوار الإسلامي اليهودي، لأنَّ قضيتنا مع إسرائيل ليست قضية دينية، ولكنّها قضية سياسية، لأنّها احتلت أرض الفلسطينيين. نحن كنا ولا نزال ندعو إلى الحوار بين الأديان، وقد تحدّثت مع البابا الراحل، أنّ علينا أن نلتقي على قاعدتين نؤمن بهما جميعاً، الأولى: أن نعمل على أساس حماية الإيمان من الإلحاد، باعتبارنا فريقين دينيين نؤمن بالله الواحد؛ والثانية: أن نقف ضدّ الاستكبار العالمي الذي يضطهد الشعوب ويصادر اقتصادها وسياستها وأمنها، وإذا اختلفنا في بعض الأمور، فعلينا أن نتحاور فيما اختلفنا فيه.
أما ما دعوت إليه أخيراً، من تأسيس لحوار إسلاميّ ـ إسلاميّ، فإنّه ينطلق من خلال هذا الواقع الذي يحاولون إثارته فيما بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة، والذي ينتهي إلى أن يكفِّر السنّة الشّيعة من خلال الاتجاه الوهّابي، وهذا ما يحدث في العراق، وربما يحدث بعضه في أفغانستان، وإلاّ فنحن ندعو إلى حوار الحضارات وإلى الحوار الديني العلماني، كما ندعو إلى الحوار الديني الديني، لأنّنا نعتبر أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة الإنسانية الحضارية للتفاهم بين الشعوب والوصول إلى الإسلام.
نشكر سماحتكم على هذه المقابلة القيِّمة.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 02 شعبان 1428 هـ الموافق: 15/08/2007 م