إلى اللبنانيين في ظلّ التطورات الأخيرة

إلى اللبنانيين في ظلّ التطورات الأخيرة

الفراغ الرئاسي أصاب لبنان بأجمعه ولا يصيب طائفة بعينها
فضل الله في نداءٍ للبنانيّين: حذار من الانزلاق في متاهة سياسية قد تقود لمتاهة أمنيّة

وجّه سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، نداءً إلى اللبنانيين حذّر فيه من الانزلاق في أيّ متاهة سياسية يمكن أن تقود إلى متاهة أمنية، جاء فيه:

لقد ألقت تطوّرات الأحداث الأخيرة في لبنان، وخصوصاً لجهة الدخول في دائرة الفراغ على المستوى الرئاسي بثقلها على اللبنانيّين جميعاً الذين انتظروا بارقة أمل تطلّ عليهم من خلال هذه المحطّة، لتحمل إليهم بشائر الخلاص من الواقع المأزوم الذي لا يزال يعصف بهم منذ سنوات، والذي ازداد سوءاً في أعقاب الحرب الإسرائيلية العدوانيّة على لبنان العام الماضي.

إنّ هذا الفراغ الذي حصل لا يصيب طائفة بعينها، ولا تنعكس نتائجه على فريق سياسي معيّن، بل يصيب اللبنانيّين جميعاً، ويترك آثاره السلبيّة على الحياة السياسية اللبنانيّة برمّتها، والتي لم يعد خافياً على أحد أنّها دخلت في متاهة صعبة منذ أن طغى التشنّج السياسي وحبّ الاستئثار وروح المغالبة والمشاكسة على روح الحوار وأجواء المصارحة الداخليّة، ومنذ أن عملت محاور خارجيّة متعدّدة على تشجيع الانقسام الداخلي والضغط المستمرّ حتّى لا تكون المشاركة سبيلاً للعودة بالبلد إلى جادّة الصواب.

وتالياً، فإنّ هذا الواقع الذي وصلنا إليه تضافرت على تحقيقه جملة من الإرادات الخارجيّة والداخليّة وعملت على إنضاجه معطيات كثيرة وأخطاء جمّة لم يعد من النباهة بمكانٍ أن ندعو اللبنانيّين لنَكْأ جراحها وإثارة الأجواء من حولها، بل إنّ المطلوب هو أن يعود الجميع، وخصوصاً المسؤولون السياسيّون في هذا الموقع أو ذاك إلى ذواتهم؛ ليتساءلوا عن النتيجة، وليفكّروا بعقل باردٍ بعيداً عن كلّ المراهنات على وعودٍ قد تأتي من هذه الجهة الدولية أو تلك الجهة الإقليمية؛ فقد عرف اللبنانيّون بأنّ هذه الوعود لا دور لها إلا أن تثير الفتنة في داخلهم، لتشرب من دمائهم وتأكل من لحومهم وتسرق أمنهم السياسي والاقتصادي، ولتذرهم في قبضة الفوضى والدمار.

إنّنا، في هذه الأجواء الصعبة، نتوجّه إلى المسؤولين السياسيّين وإلى رؤساء التيّارات والأحزاب لنقول لهم: لا يكفي أن توزّعوا على اللبنانيّين كلماتٍ توحي بالهدوء والاستقرار والطمأنينة؛ لأنّ عليكم ألاّ تثيروا الأجواء في كلماتكم الحادّة والقاسية التي تنطلق بين وقت وآخر، كما عليكم أن تثقّفوا قواعدكم بكلمات المحبّة والوئام واحترام الآخر وأن تمنعوا محازبيكم من القيام بأيّ عمل من شأنه أن يجتذب ردّ فعل سلبيّ قد يدخل البلد في أتون الفتنة وجحيم الحرب، في الوقت الذي تعدون فيه الناس بالأمن والأمان.

كما نتوجّه إلى المسؤولين في المواقع الدينية الرسمية وغير الرسميّة، بأن يتّقوا الله في كلماتهم، وأن يواجهوا أيّ موقف سياسي انفعاليّ بروح التسامح وعقلية الانفتاح، وبتوجيه هادف يقطع الطريق على كلّ من تسوّل له نفسه العبث بأمن الناس الاجتماعي أو السياسي أو ما إلى ذلك، سواء أكان هذا الشخص ممّن ينتمي إلى طائفتهم أو فريقهم أم لم يكن كذلك؛ لأنّه لا بدّ لمن يتحرّك في السلك الديني أن يكون نموذجاً يُحتذى في الدعوة للمحبّة والرحمة، لا أن يزيد الأمور تشنّجاً وتعقيداً من خلال تعقيداته الذاتيّة أو ميوله الفئويّة.

إنّنا ندعو الشخصيّات الروحيّة إلى أن تتحمّل مسؤوليّاتها الكبرى في هذا الظرف العصيب، وألاّ تسمح للحساسيّات المذهبيّة أو عمليّات التثقيف الفئويّة بأن تجد لها موقعاً داخل هذا المذهب أو ذاك، أو في هذا التجمّع الديني أو ذاك؛ لأنّ نيران الحساسيّة والانفعال التي تنطلق من المواقع الدينية هي أشدّ فتكاً وإيلاماً من غيرها، وهي مدعاة للفتنة والدمار والخراب. ولذلك نأمل من هذه الشخصيّات أن تقوم بمسؤوليّاتها لتقطع الطريق على الساعين للفتنة أو على المروّجين لها ومثيري الحديث عنها عند كلّ شاردة وواردة.

كما ندعو اللبنانيّين بكلّ طوائفهم ومذاهبهم وتنوّعاتهم السياسية، ألاّ يستمعوا إلى كلّ من يريد إثارة الفتنة في واقعهم، أو من يدفعهم إلى التقاتل والتنازع؛ لأنّ الأمر يصل إليهم؛ ولأنّ الفتنة سوف تُسقط الهيكل على رؤوس الجميع.

إنّنا نستمع إلى أحاديث ومقولات تربط استمرار الأزمة اللبنانيّة بما سيصدر عن مؤتمر أنابوليس، وبتشعّبات الأزمة في المنطقة؛ ونحن نقول للبنانيّين، وللمسؤولين منهم على وجه الخصوص: إذا كان في العالم من يخطّط لسوق بلدكم كرهينة في خضمّ أزمة المنطقة، فلماذا لا تخطّطون لتحصين ساحتكم وتعملون على إنتاج وفاقكم الداخلي على حساب البائعين والمتاجرين بقضايا الشعوب، من تجّار المحاور الإقليمية والدوليّة؟ ولماذا لا يكون هذا الفريق اللبناني أو ذاك أقرب إليكم من هذا الموقع الدولي أو ذاك الموقع الإقليمي؟

إنّنا نقول للجميع: إنّ السلم الأهليّ هو أمانة الله عندكم، فحذارِ من الانزلاق في أيّ متاهة سياسية قد تقود لمتاهة أمنيّة، وحذارِ من أيّة قفزةٍ في الفراغ أو في المجهول.

انطلقوا إلى بعضكم البعض بروحيّة الحوار الجادّة التي لا تستهدف إلغاء أحد، وستجدون أنّ الطريق ستكون معبّدةً، وأنّ مساحات الحوار ستقود إلى تفاهمات تعيد للبنان حضوره ووجوده، قبل أن يدخل البلد وأهله ومستقبله في النفق المظلم والأسود الذي يختزن الضياع والخراب.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

 التاريخ: 15 ذو القعدة 1428هـ  الموافق: 25 / 11 / 2007م

الفراغ الرئاسي أصاب لبنان بأجمعه ولا يصيب طائفة بعينها
فضل الله في نداءٍ للبنانيّين: حذار من الانزلاق في متاهة سياسية قد تقود لمتاهة أمنيّة

وجّه سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، نداءً إلى اللبنانيين حذّر فيه من الانزلاق في أيّ متاهة سياسية يمكن أن تقود إلى متاهة أمنية، جاء فيه:

لقد ألقت تطوّرات الأحداث الأخيرة في لبنان، وخصوصاً لجهة الدخول في دائرة الفراغ على المستوى الرئاسي بثقلها على اللبنانيّين جميعاً الذين انتظروا بارقة أمل تطلّ عليهم من خلال هذه المحطّة، لتحمل إليهم بشائر الخلاص من الواقع المأزوم الذي لا يزال يعصف بهم منذ سنوات، والذي ازداد سوءاً في أعقاب الحرب الإسرائيلية العدوانيّة على لبنان العام الماضي.

إنّ هذا الفراغ الذي حصل لا يصيب طائفة بعينها، ولا تنعكس نتائجه على فريق سياسي معيّن، بل يصيب اللبنانيّين جميعاً، ويترك آثاره السلبيّة على الحياة السياسية اللبنانيّة برمّتها، والتي لم يعد خافياً على أحد أنّها دخلت في متاهة صعبة منذ أن طغى التشنّج السياسي وحبّ الاستئثار وروح المغالبة والمشاكسة على روح الحوار وأجواء المصارحة الداخليّة، ومنذ أن عملت محاور خارجيّة متعدّدة على تشجيع الانقسام الداخلي والضغط المستمرّ حتّى لا تكون المشاركة سبيلاً للعودة بالبلد إلى جادّة الصواب.

وتالياً، فإنّ هذا الواقع الذي وصلنا إليه تضافرت على تحقيقه جملة من الإرادات الخارجيّة والداخليّة وعملت على إنضاجه معطيات كثيرة وأخطاء جمّة لم يعد من النباهة بمكانٍ أن ندعو اللبنانيّين لنَكْأ جراحها وإثارة الأجواء من حولها، بل إنّ المطلوب هو أن يعود الجميع، وخصوصاً المسؤولون السياسيّون في هذا الموقع أو ذاك إلى ذواتهم؛ ليتساءلوا عن النتيجة، وليفكّروا بعقل باردٍ بعيداً عن كلّ المراهنات على وعودٍ قد تأتي من هذه الجهة الدولية أو تلك الجهة الإقليمية؛ فقد عرف اللبنانيّون بأنّ هذه الوعود لا دور لها إلا أن تثير الفتنة في داخلهم، لتشرب من دمائهم وتأكل من لحومهم وتسرق أمنهم السياسي والاقتصادي، ولتذرهم في قبضة الفوضى والدمار.

إنّنا، في هذه الأجواء الصعبة، نتوجّه إلى المسؤولين السياسيّين وإلى رؤساء التيّارات والأحزاب لنقول لهم: لا يكفي أن توزّعوا على اللبنانيّين كلماتٍ توحي بالهدوء والاستقرار والطمأنينة؛ لأنّ عليكم ألاّ تثيروا الأجواء في كلماتكم الحادّة والقاسية التي تنطلق بين وقت وآخر، كما عليكم أن تثقّفوا قواعدكم بكلمات المحبّة والوئام واحترام الآخر وأن تمنعوا محازبيكم من القيام بأيّ عمل من شأنه أن يجتذب ردّ فعل سلبيّ قد يدخل البلد في أتون الفتنة وجحيم الحرب، في الوقت الذي تعدون فيه الناس بالأمن والأمان.

كما نتوجّه إلى المسؤولين في المواقع الدينية الرسمية وغير الرسميّة، بأن يتّقوا الله في كلماتهم، وأن يواجهوا أيّ موقف سياسي انفعاليّ بروح التسامح وعقلية الانفتاح، وبتوجيه هادف يقطع الطريق على كلّ من تسوّل له نفسه العبث بأمن الناس الاجتماعي أو السياسي أو ما إلى ذلك، سواء أكان هذا الشخص ممّن ينتمي إلى طائفتهم أو فريقهم أم لم يكن كذلك؛ لأنّه لا بدّ لمن يتحرّك في السلك الديني أن يكون نموذجاً يُحتذى في الدعوة للمحبّة والرحمة، لا أن يزيد الأمور تشنّجاً وتعقيداً من خلال تعقيداته الذاتيّة أو ميوله الفئويّة.

إنّنا ندعو الشخصيّات الروحيّة إلى أن تتحمّل مسؤوليّاتها الكبرى في هذا الظرف العصيب، وألاّ تسمح للحساسيّات المذهبيّة أو عمليّات التثقيف الفئويّة بأن تجد لها موقعاً داخل هذا المذهب أو ذاك، أو في هذا التجمّع الديني أو ذاك؛ لأنّ نيران الحساسيّة والانفعال التي تنطلق من المواقع الدينية هي أشدّ فتكاً وإيلاماً من غيرها، وهي مدعاة للفتنة والدمار والخراب. ولذلك نأمل من هذه الشخصيّات أن تقوم بمسؤوليّاتها لتقطع الطريق على الساعين للفتنة أو على المروّجين لها ومثيري الحديث عنها عند كلّ شاردة وواردة.

كما ندعو اللبنانيّين بكلّ طوائفهم ومذاهبهم وتنوّعاتهم السياسية، ألاّ يستمعوا إلى كلّ من يريد إثارة الفتنة في واقعهم، أو من يدفعهم إلى التقاتل والتنازع؛ لأنّ الأمر يصل إليهم؛ ولأنّ الفتنة سوف تُسقط الهيكل على رؤوس الجميع.

إنّنا نستمع إلى أحاديث ومقولات تربط استمرار الأزمة اللبنانيّة بما سيصدر عن مؤتمر أنابوليس، وبتشعّبات الأزمة في المنطقة؛ ونحن نقول للبنانيّين، وللمسؤولين منهم على وجه الخصوص: إذا كان في العالم من يخطّط لسوق بلدكم كرهينة في خضمّ أزمة المنطقة، فلماذا لا تخطّطون لتحصين ساحتكم وتعملون على إنتاج وفاقكم الداخلي على حساب البائعين والمتاجرين بقضايا الشعوب، من تجّار المحاور الإقليمية والدوليّة؟ ولماذا لا يكون هذا الفريق اللبناني أو ذاك أقرب إليكم من هذا الموقع الدولي أو ذاك الموقع الإقليمي؟

إنّنا نقول للجميع: إنّ السلم الأهليّ هو أمانة الله عندكم، فحذارِ من الانزلاق في أيّ متاهة سياسية قد تقود لمتاهة أمنيّة، وحذارِ من أيّة قفزةٍ في الفراغ أو في المجهول.

انطلقوا إلى بعضكم البعض بروحيّة الحوار الجادّة التي لا تستهدف إلغاء أحد، وستجدون أنّ الطريق ستكون معبّدةً، وأنّ مساحات الحوار ستقود إلى تفاهمات تعيد للبنان حضوره ووجوده، قبل أن يدخل البلد وأهله ومستقبله في النفق المظلم والأسود الذي يختزن الضياع والخراب.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

 التاريخ: 15 ذو القعدة 1428هـ  الموافق: 25 / 11 / 2007م

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية