لا أمانع من دخول المسلمين في الأحزاب الأمريكية |
يبقى لبنان ساحة للابتزاز السياسي في الصراعات الدولية والإقليمية |
أخشى أن تُسقِط أمريكا طاغية بعنوان ديكتاتوري لتأتي بطاغية بعنوان ديمقراطي |
القيادات الإسلامية مقصِّرة تقصيراً كبيراً في مخاطبة الرأي العام الأمريكي |
الإمام السيد محمد حسين فضل الله، شخصية دينية بارزة في لبنان، درس العلوم الإسلامية في الحوزة العلمية بالنجف الأشرف في العراق، حتى وصل إلى درجة الاجتهاد والإفتاء، وهو اليوم من أبرز المراجع الشيعية الذي لا يقتصر عمله على العبادات والمعاملات الشرعية، بل يتعدّاها إلى الاهتمام بأحوال المجتمع ودنيا الشباب، وكذلك المرأة، ومواكبة قضايا العصر.
سياسياً، يملك فضل الله لغة تنظيرية تجمع بين الفقه والسياسة، فقد واكب أزمات سياسية عديدة، سواء في لبنان أو العراق أو غيرهما من المواقع، وهو اليوم بحكم موقعه الروحي والديني، يعتبر من الأرقام المهمة التي يُنصت إلى حديثها عند كلِّ أزمة تعصف بلبنان.
التقيناه في دمشق التي يصلها كل سبت لمتابعة قضايا مكتبه الخاص هناك، وشؤون المدرسة الدينية التابعة له، وقدمنا له نسخة من "المنتدى والوسيط"، فلم يفته بعد أن تصفحها أن يشير علينا بالاهتمام بالقسم العربي بشكل أكبر، وشرعنا بالحوار معه، فبدأنا من لبنان والتحديات التي يعيشها، ثم توقفنا عند العراق الذي يحتل مساحة كبيرة من اهتماماته، وختمنا الحوار بالحديث عن أوضاع الجالية المسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وحينما يتكلّم السيّد فضل الله عن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، فهو يرى أن أمريكا تضع مصلحتها فوق كل اعتبار، أما الشعب الأمريكي، فيصفه بالشعب الطيب والبسيط، في حين يحذر من الإساءة إلى صورة الإسلام، ويحرم على المسلمين العبث بالنظام الاقتصادي والأمني في أمريكا.
الكثير من القضايا المثيرة للجدل تجدها في هذا الحوار الممتع:
س: نبدأ معكم من لبنان الذي شهد تحوّلات سياسية خلال فترة قصيرة، ما يزيد من سخونة المسرح الانتخابي اللبناني. إلى أين يتجه لبنان؟ وهل هناك مخاوف ترونها تلوح في الأفق على صعيد المستقبل؟
ج: لعلّ التطورات التي تحفل بها المنطقة من خلال الاحتلال الأمريكي للعراق، وقبلها أفغانستان، وبعد أحداث 11أيلول (سبتمبر) في أمريكا، قد طبعت المنطقة بطابعها الأمني والسياسي، ولاسيما أن الإدارة الأمريكية بشخص رئيسها جورج بوش طرحت عناوين كبيرة لتغيير المنطقة على صورة مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية، وهي مسألة مكافحة الإرهاب وتحريك الإصلاح في دول المنطقة، للعمل على أساس إيجاد الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان.
لعلّ هذا كله ساهم في الإرباك السياسي في لبنان، من خلال محاولة التركيز على الموقع السوري الذي يمثل مشكلة في العلاقات مع أمريكا، التي تتهم سوريا بضلوعها بمساعدة المقاومة في العراق، ومساعدة الفصائل الفلسطينية وحزب الله في لبنان، الأمر الذي جعل أمريكا تتدخل في لبنان لتلعب الورقة اللبنانية ضد سوريا من جهة، ولتؤكد شعارها في تركيز الديمقراطية في البلد من جهة أخرى، ولاسيما أن هناك فريقاً كبيراً من اللبنانيين ينظر إلى الوجود السوري نظرة سلبية، وهو ما يطلق عليه بالمعارضة، وهو ما استغلته أمريكا ومعها فرنسا في إصدار القرار 1559 الذي يفرض على سوريا الانسحاب من لبنان، وهذا ما حدث أخيراً.
إنّ الوضع في لبنان، هو وضع الصراع السياسي في التسابق نحو الوصول إلى أكبر قدر من النجاح في الانتخابات القادمة بين المعارضة والموالاة، وقد رأينا كيف تطوّرت الأمور واختلطت الأوراق، ما أدى إلى ظهور الحكومة الحالية التي ولدت نتيجة توافق دولي وإقليمي، لذلك فإنّ الجميع ينتظر موعد الانتخابات، لتكون المفصل الكبير الذي يحدد مستقبل لبنان من خلال ما تفرزه.
ونحن نعلم أن أمريكا تعمل لإنجاح المعارضة، وتقوم بترتيب خطوطها في السياسة اللبنانية على أساس الخطة التي وضعتها للبنان ليكون ساحة لتجربة الديمقراطية، لتوظف ذلك أمام الرأي العام الأمريكي، ولتقول له بشخص رئيسها إننا نجحنا في مشروع دمقرطة المنطقة في لبنان، وقبلها أفغانستان والعراق.
س: ولكن ما يدعو إلى التفاؤل هو شيوع حالة السلم الأهلي اليوم في عموم لبنان، ما يخلق أرضية مناسبة وجيدة لأجواء الانتخابات القادمة؟
ج: إذا كنا نريد التفاؤل ببقاء السلم الأهلي، فإن المسألة تدعو إلى التفاؤل، فالحرب الأهلية كانت قد حدثت في السابق من خلال تدخلات خارجية لها مصلحة في زعزعة الوضع الداخلي في لبنان، وبحسب المعطيات المتوفرة لدينا داخلياً وخارجياً، نجد أن لبنان تجاوز الحرب الأهلية، وليس هناك مصلحة دولية أو إقليمية لإثارتها، ولكن لبنان بحسب تركيبته في النظام الطائفي، وبحسب كونه ـ من خلال هذا النظام ـ الرئة التي تتنفس بها مشاكل المنطقة، يبقى ساحة للابتزاز السياسي في الصراعات الدولية أو الإقليمية.
وقد كنت أقول أيام الحرب، إنّ هناك ثلاث لاءات تحكم لبنان: لا تقسيم، لا انهيار، لا استقرار.
س: سماحتكم عراقي المولد، وعراق اليوم يمرّ بأكثر من مخاض وتحد على مستويات عدة، كيف تقرأ ما يمرّ به العراق اليوم؟
ج: أتصور أن العراق يمر بمرحلة صعبة لا توحي بالكثير من الضوء في آخر النفق، وعندما ندرس الوضع في داخل العراق، نجد أنّ في الشعب العراقي فريقين، فريق عاش تحت تأثير الطاغية، بحيث جمد الطاغية طاقته وأبعده عن كل حركة تطويرية وسياسية، وهناك فريق آخر، هو فريق المهاجرين الذين هاجروا وتحركوا سياسياً بطريقة أقرب إلى الثقافة منها إلى السياسة، وعاشوا الكثير من الخلافات فيما بينهم، ولم يستطيعوا أن يضعوا خطة لمستقبل العراق، فدخلوا العراق من دون خطة، تماماً كما هو الإنسان الذي يعيش في الكهف طويلاً ويخرج إلى النور.
هذا النمط من التنوع في الشعب العراقي، أوجد الكثير من الإرباك، بالطريقة التي لا يشعر فيها الإنسان بوجود خطة سياسية تنمويّة تطويرية بالشكل الذي يعرف فيه الجميع ما هو مستقبل العراق.
ولذلك نجد أن بعض التجارب التي دخل فيها العراقيون، كتجربة مجلس الحكم الانتقالي، أو الحكومة المؤقتة السابقة، أو تجربة الانتخابات، لا تخلو من إيجابيات، ولا تزال بمجملها توحي بالكثير من الإرباك، كما أنها تدلل على أن الأمريكيين لا يزالون يضغطون على الوضع بطريقة وبأخرى، ليوحوا بموقف هنا وموقف هناك، كما لاحظنا أخيراً عندما انطلقت الحكومة الجديدة التي يراد لها أن تمثل الشعب العراقي، باعتبار أنها حكومة منبثقة من أصوات هذا الشعب، حيث رأينا وزير الدفاع الأمريكي جاء ليفرض شروطه حول مسألة مشروع الحكومة الجديدة في تطهير الأجهزة الأمنية، ثم أعقبه مندوب آخر، فضلاً عن أنّ أمريكا تعمل لجعل سفارتها في بغداد من أكبر سفاراتها في العالم.
س: وهل ترى أن الحكومة الجديدة ستوفق في معالجة الكثير من الملفات، ولاسيما ما يتعلّق بمسألة الأمن؟
ج: لقد رأينا كيف كان الجدل في الواقع السياسي حول تأليف حكومة اتحاد وطني، حيث تقاسمت الطوائف والأعراق الحصص، لتكون للسنّة حصة، وللشيعة حصة، وللأكراد حصة، وللمسيحيين والتركمان حصة، ما يوحي للعراقيين أن ليس هناك عراق موحَّد، وأن المسألة ليست في الفيدرالية الغامضة التي يتحدث فيها عن صورة للوحدة، بل هناك تقاسم للحصص بين الطوائف والأعراق العراقية، ما يقسم الشعب العراقي حسب هذه الإيحاءات.
أما الأوضاع الأمنية التي تعيشها الساحة العراقية، والتي تحوّلت إلى مجازر يقوم بها التكفيريون من دون أن يردعهم أحد، على الرغم من قلّتهم، وإن كان البعض يقول إنّ قيادتهم ربما تكون من فلول الجيش العراقي السابق وفلول حزب البعث وما إلى ذلك، فإنّي ألاحظ أن الجيش الأمريكي، ومعه قوات التحالف والجيش العراقي، لم يستطيعوا أن يضعوا حداً لهذه المجازر المتنقلة التي بدأت تثير الجانب الطائفي في العراق، ولاسيما بين السنّة والشيعة. والعراقيون اليوم، وخصوصاً الشيعة، مشغولون بتركيز الأمن في بلادهم، وربما إذا تطورت الأمور، فإن القضية قد تتحول بفعل الخطط الخارجية والداخلية إلى حرب أهلية يمكن أن تأكل الأخضر واليابس، ولا أدري هل تستطيع الحكومة الجديدة أن تقوم بما لا تستطيع قوات الاحتلال أن تقوم به من الناحية الأمنية، وهل إن قوات الاحتلال مستعدة لأن تعطي الجيش العراقي والأمن والشرطة القوة الفاعلة، أو أنها لا تمنح إلا القليل من هذه الإمكانيات كما فعلت سابقاً عند تأسيس جهاز الشرطة؟! إننا نعتقد أن العراق دخل مرحلة الفوضى السلبية والهدّامة، وليس الفوضى البنّاءة التي يبشر بها الرئيس بوش.
س: تحدَّثت إلى بعض الساسة العراقيين في بغداد، وعبّر البعض منهم عن أنّ خطاب سماحتكم في ما يتصل بالشأن العراقي يسبب لهم إحراجاً في تعاملهم العام مع مجريات الأحداث، هم يقولون نحن نتعامل مع الأمريكيين بسياسة الأمر الواقع، وأنّ وجودهم في العراق هو ضريبة إسقاط صدام بواسطتهم؟
ج: المسألة في هذا الإطار تنطلق من خلال متابعتي للخطة الأمريكية، فأنا لا أستطيع أن أؤكد أية ثقة بالسياسة الأمريكية في حركتها في العالم، فأمريكا، عملت على مدى60 سنة ـ وباعتراف الرئيس بوش ـ على حماية الدكتاتوريات وتقويتها حتى على شعوبها. النقطة الأخرى هي أن نظام صدام هو نظام أمريكي، فصدام كان موظفاً في المخابرات الأمريكية، وهو عمل على تنفيذ كل الخطط الأمريكية في تحطيم كل القوى السياسية، سواء كانت إسلامية أو علمانية، وقام نظامه بوحي من أمريكا بالهجوم على إيران، وقد دمرت مقدرات إيران والعراق معاً في هذه الحرب على حدّ سواء.
ثم هناك مسألة دخوله إلى الكويت التي أعطته أمريكا فيها الضوء الأصفر، ولم تضع له خطاً أحمر كما فعلت بالنسبة للسعودية، ونحن نعلم تطورات الأمور في الكويت، حتى إذا حرّرت الكويت، رأينا كيف أن أمريكا ساهمت في إسقاط الانتفاضة التي قام بها الشعب العراقي ضد النظام آنذاك، وأقول إن كل المقابر الجماعية التي حدثت في الانتفاضة تتحمل مسؤوليتها أمريكا، حتى إذا انتهى دور صدام، قامت بعملية إسقاطه مستغلةً الواقع النفسي والسياسي والأمني للشعب العراقي، لتوحي له أنها جاءت لتحرره من صدام كصدقة تقدمها له، ولكنّي أرى أن أمريكا لم تحرره لأنها تؤمن بالحرية، ولا لأنها تحب الشعوب المستضعفة، فهي كانت السبب في مشكلته، فمن الذي أعطى صدام كل هذا السلاح؟ ومن الذي شجعه على استخدام الأسلحة الكيماوية؟ ولماذا سكتت عن جرائمه في حلبجة وغيرها؟ وكيف كانت العلاقات وقتها بين صدام ورامسفيلد وديك تشيني؟
س: ألا تعتقد أن سقوط صدام على أيديهم (الأمريكان)، يعتبر تكفيراً عن ذنوبهم السابقة؟
ج: أمريكا لا تؤمن بقضايا الكفّارات، إنما تؤمن بأن عملاءها يبقون طالما يؤدّون دورهم المطلوب منهم، حتى إذا انتهى هذا الدور أسقطتهم وجاءت بعملاء جدد. ولذلك كنت أقول في الإعلام إنني أخشى أن تسقط أمريكا طاغية بعنوان ديكتاتوري، لتأتي بطاغية بعنوان ديمقراطي، فلا ثقة عندي بالسياسة الأمريكية، والعراقيون مهما حاولوا أن يتحركوا بالأمر الواقع، لا يملكون أن يحكموا العراق بشكل مستقل بعيداً عن الضغوط الأمريكية، وقد صرحت أمريكا على لسان مسؤوليها عند دخولها العراق، أنها ستعمل لحماية خططها الاستراتيجية في المنطقة.
إنهم يريدون العراق جسراً للعبور إلى المنطقة، ويريدونه قاعدة يستطيعون من خلالها السيطرة الكاملة في ما يتعلق بمسألة النفط، التي قد لا تكون أمريكا بحاجة إليها من خلال واقعها الذاتي، ولكنها تريد السيطرة على نفط العالم من أجل الضغط على أوروبا واليابان والصين، ومن أجل تهديدهم بمصالحهم الاقتصادية. إننا ننظر إلى الأمور من خلال خلفيتها والقاعدة التي ترتكز عليها، ولا ننظر إلى الأمور من خلال السطح، ولعلي أكرّر دائماً كلمة في العراق معروفة: (هناك من يقرأ الممحي)، وأنا أقرأ الممحي، [الممحي باللهجة العراقية تعني المشطوب].
س: شبح الحرب الأهلية في العراق هو الآخر يراود الساحة العراقية، من خلال معايشتك للمجتمع العراقي، كيف تنظر إلى هذا الموضوع بالذات؟
ج: أنا أستبعد حدوث حرب طائفية في العراق، فقد عاش العراق في تاريخه هذا التنوع في المسألة الشيعية والسنية ضمن الإطار الإسلامي، ولم تحدث أية حالة طائفية على مستوى الحرب الطائفية، وإننا نؤكد أن الشيعة لم يكونوا في أي وقت طائفيين، بل إنهم في ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني، قاموا من أجل الدفاع عن النظام السني الذي تمثله الحكومة العثمانية آنذاك، ما يوحي بالانفتاح الإسلامي الشيعي على السنة. ولكن، على الرغم من كل هذا التاريخ الخالي من أية حساسيات طائفية، فإنّ الخشية هي من هؤلاء التكفيريين، الذين تشجعهم الكثير من المناطق المحيطة بالعراق. إنني أخشى أن تصل الأمور إلى حالة حادّة لا يطيقها الناس، فتأتي ردود الفعل بعيدة عن مصلحة الوحدة العراقية، وقد حذّرت إخواننا في العراق من حدوث الفخ الذي يحاول التكفيريون والذين يتصيدون في الماء العكِر من الطائفيين أن يوقعوا العراق فيه.
س: ننتقل إلى شؤون الجالية المسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية، والأحداث التي مرّت على هذه الجالية بعد أحداث 11سبتمبر، وحالات سوء الفهم حول الإسلام. ترى إلى أي مدى نجحت القيادات الإسلامية العليا في مخاطبة الرأي العام الأمريكي لإعطاء الصورة الناصعة عن الإسلام؟
ج: أعتقد أن القيادات الإسلامية مقصرة تقصيراً كبيراً في إعطاء الصورة المشرقة عن الإسلام للأمريكيين، لأن الإنسان الأمريكي العادي هو إنسان بسيط طيب، لا يملك في داخل شخصيته عقدة حضارية عدوانية ضد الآخرين، كما قد نراه في بعض الشعوب الأخرى، ولاسيما الأوروبية التي تختفي خلفها حضارات سلبية معينة، وقد استغلت الحملة ضد الإسلام في أمريكا سياسياً من قِبل المحافظين الجدد وجماعات صهيونية، ومن خلال بعض المعقدين الذين يشرفون على مراكز الدراسات والأبحاث، وإني أرى أنه على المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية أن يستفيدوا من هذه الحرية الواسعة في الجانب الفكري والإعلامي، ومواجهة هذه الحملة الإرهابية الفكرية ضد الإسلام والمسلمين، وعليهم أيضاً أن يحاولوا النفاذ إلى الشعب الأمريكي على مستوى الشارع والعلاقات الشخصية العادية بين المسلمين والأمريكيين، لإفهامهم حقيقة الإسلام، وأنه ليس ديناً قائماً على أساس العنف ضد الآخر، بل هو دين يعترف بالآخر، حيث قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم...}.إن الإسلام يدعو المسلمين إلى أن يستخدموا الأساليب التي تحوّل أعداءهم إلى أصدقاء، وقد قلت سابقاً في خطابي الموجه إلى المسلمين الأمريكيين، سواء ممن يملكون الجنسية الأمريكية، أو المقيمين بشكل مشروع في أمريكا، إن عليهم أن يندمجوا مع الشعب الأمريكي.
س: هل تؤيّد انتماء بعض المسلمين إلى أحزاب أمريكية مثلاً؟
ج: نقول إن المسلمين أن يندمجوا مع الشعب الأمريكي ليطالبوا بما يطالب به الشعب الأمريكي من التنمية وتخفيف الضرائب وغيرها من الأمور الحيوية، وإذا وجدوا أن هناك مصلحة للمسلمين في الدخول في الأحزاب الأمريكية، فلا مانع من الناحية الشرعية، مع الأخذ بنظر الاعتبار دراستهم الدقيقة لهذا الدخول، الأمر الذي لا يجعل شخصياتهم وهويّاتهم الإسلامية تذوب.
على المسلمين أن يفكروا كيف يربحوا الموقف الأمريكي، وأن يعملوا على أساس حفظ الأمن هناك، سواء الأمن الشخصي أو الاقتصادي. وقد حذّرت الكثير ممن يستحلّون سرقة أموال الأمريكيين والعبث بنظامهم، وبعقود التأمين والشركات، وقد أفتيت بحرمة ذلك كلّه. لذلك نحن ندعو إلى أن نعطي الصورة المشرقة عن الإسلام، وقد يكون هذا أمراً صعباً أمام القوى الأخرى التي تملك مفاصل الإعلام والسياسة وما إلى ذلك، ولكن علينا أن نبدأ الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل في هذا المجال.
إنني أتصور أنهم إذا حدّثونا عن 11أيلول (سبتمبر) وأسامة بن لادن، علينا أن نحدثهم عن علماء المسلمين الكبار من سائر البلاد الإسلامية الذين استنكروا هذه الجرائم الإرهابية، وإذا كانوا هم يعانون من الإرهاب، فإنّ المسلمين في البلاد الإسلامية يعانون من هؤلاء الإرهابيين. وقد كنت أول شخصية استنكرت أحداث 11أيلول (سبتمبر) بعد أربع ساعات من وقوعها، وأفتيت بحرمة هذه الأعمال، وأنه لا يقبلها عقل ولا شرع ولا دين، كما استنكرت ما جرى في أحداث مدريد أيضاً.
إن علماء المسلمين يستنكرون هذه الجرائم الإرهابية، وفي الوقت نفسه يستنكرون الجرائم التي تحصل في الجانب الآخر، فهل ـ يا ترى ـ نحمّل الشعب الأمريكي ما يحدث من أعمال إرهابية قامت بها الإدارة الأمريكية، وخصوصاً في تأييدها لإسرائيل وللمجازر الإسرائيلية التي تقوم بها بحقّ الفلسطينيين والضغط عليهم وما إلى ذلك؟!
أجرى الحوار في دمشق: جعفر الموسوي
مجلة المنتدى والوسيط، التي تصدر في أمريكا، 16/6/2005م