أجرى الأستاذ سركيس نعوم من جريدة النهار اللبنانية حوارا، نشر على حلقات، مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله تحت عنوان "لبنان بعد الانتخابات"
حوادث كبيرة وتطورات سريعة وتغييرات لم يكن يتوقع أحد حصولها في مستقبل منظور على الأقل، وأحلام تحققت بعدما وضعها الواقع المزمن في لبنان في خانة الأوهام منذ آخر لقاء مع المرجع الديني الأبرز في التيارات الإسلامية الشيعية اللبنانية، صاحب العقل الاستراتيجي، والمواقف المبدئية التي تسهِّل حياة الناس بدلاً من أن تعقّدها، والواقعية المحسوبة، والحكمة البالغة، والمعرفة المتنوعة، والمقدرة على التحليل والاستنتاج ومعهما الابتكار. فالرئيس رفيق الحريري قتل في 14 شباط الماضي. وفي14 آذار الذي أعقبه، حصلت انتفاضة الاستقلال.
وفي 26 نيسان الذي تلاه، أكملت سوريا انسحابها التاريخي من لبنان بضغط من المجتمع الدولي، وتنفيذا لقراره الرقم 1559. وفي 29 أيار، بدأت الانتخابات النيابية ذات المراحل الأربع، وأسفرت عن مجلس نواب جديد غالبيته من المعارضة (السابقة)، رغم الاختلافات المهمة في ما بينها. وفي 2 حزيران اغتيل الزميل سمير قصير. وبعد 19 يوماً لحق به وبالآخرين إلى عالم الشهادة الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي. وفي 28 حزيران الجاري، أعيد انتخاب النائب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب.
واعتباراً من اليوم، يبدأ العمل الجدي لتأليف حكومة جديدة قد تعطي تركيبتها انطباعاً عن التطورات المقبلة في البلاد، ولا بد أن تعطي بسلوكها وسياستها إشارات إلى إمكانات تحقيق التغيير الذي تحلم به غالبية اللبنانيين، وإلى إمكانات فرض الأمن والاستقرار السياسي، واستحقاق السيادة والاستقلال والحرية، ووقف مسلسل الاغتيالات المجرمة، والحؤول دون تحول طوائف لبنان ومذاهبه دولاً قوية داخل دولة ضعيفة، أو بالأحرى مشاريع دول، وتالياً دون إعطاء الخارج المتربِّص بلبنان على تنوِّعه الفرصة التي ينتظر لإعادة البلاد إلى أجواء الفوضى والفتنة وربما الاقتتال. لكل ذلك، كان لا بدَّ من الذّهاب إلى المرجع المشار إليه أعلاه، في محاولة لاستشراف المستقبل الذي يقلق اللبنانيين انطلاقاً من الحاضر وربما من الماضي. فكان هذا الحوار.
س: هل إن ما يجري في لبنان يرمي في حقيقته إلى ضرب اتفاق الطائف، وتفكيك الدولة اللبنانية، أم إعادة بناء هذه الأخيرة وفق أسس جديدة، أو أنه سيؤدي إلى ذلك في المحصلة بوعي من المشتركين فيه أو من دون وعي منهم؟
ج: "عندما ندرس التنوعات التي حكمت الكتل التي قدّمت نفسها على أساس أنها تمثّل لبنان الجديد، فإننا لا نرى وحدةً في هذه التنوعات، كما أننا نلتقي بعناوين فضفاضة لا تملك خطوطاً تفصيلية يشعر فيها المواطن بأن هناك حلاً للمشكلات الصعبة التي عاشها اللبناني في ما مضى، فنحن نتحدث عن الإصلاح، ولكن إصلاح ماذا، وإصلاح مَن؟ وهل يملك هؤلاء الذين عاش بعضهم في خطوط الفساد عندما تسلّم المسؤولية في ما مضى، سواء في شكل محدود أو غير محدود وهكذا بالنسبة إلى المسائل الاقتصادية، هل يملك هؤلاء أن يصلحوا؟
فنحن عندما ندرس مسألة المديونية، نلاحظ أنها قد غرقت في أجواء من الضبابية، بحيث لم يجرؤ أحد على أن يناقش الجهة التي راكمت المديونية على البلد، لأن طبيعة الظروف الاحتفالية والمأساوية التي عاشها لبنان بفعل بعض الأوضاع الصعبة، تمنع من التحدث بصراحة في هذا المجال والموضوع، وستبقى تمنع التحدث بصراحة. ولذلك فإننا لا نجد هناك أي نافذة تطل على هذه المسألة. وإذا أردنا دراسة الأحاديث المنطلقة من هنا وهناك من خلال علاقة بعض السياسيين اللبنانيين بالواقع الدولي، ولا سيما فرنسا وأميركا، فإننا لا نجد هناك وعداً جازماً بالمساعدات، وحتى عندما ندرسُ عالم المساعدات التي تمثل قاعدة المؤتمرات المرتكزة عليها، كما في بروكسل بالنسبة إلى العراق وغيره، فإننا لا نجد هناك جدية في هذا الموضوع، كما أننا لا نجد هناك أي نوع من السخاء الذي يمكن أن يحل المشكلة. لذلك عندما ندرس هذه المفردات، فإننا لا نجد هناك من يملك الخطّة التفصيلية في هذا المجال. ولهذا، فإذا كانت البداية قد تحرّكت على أساس تحالفات معينة يتهم بعض أصحابها بالفساد أو الهدر أو ما أشبه ذلك، فكيف يمكن الانفتاح على واقع يمكن أن يخرج بعض الناس من جلده او من تاريخه"؟
تابع المرجع الإسلامي قائلاً: "إني لا أريد الحديث عن التفاؤل والتشاؤم، ولكني لا أجد هناك أية نافذة تطل على هذه العناوين الكبيرة التي يتحدث فيها الكثيرون.
فمثلاً، عندما تحدث المتحدثون عن الانتخاب، بصرف النظر عمّا إذا كان الانتخاب على أساس قانون الألفين أو قانون1960، فإن الحديث الذي اتجه إليه النادي السياسي كان ينطلق في بعضه من جانب طائفي مغرق في الطائفية، بحيث إنه لا يعتبر اللبناني المسيحي لبنانياً بالنسبة إلى اللبناني المسلم، أو اللبناني المسلم لبنانياً بالنسبة إلى اللبناني المسيحي، ما يوحي، وإن لم يُعْلَنْ عن ذلك بصوت عال، بأنه لا بد للمسيحي من انتخاب المسيحي، ولا بد للمسلم من انتخاب المسلم. كما أنّ المعارضة لقانون الألفين كانت لمصلحة المرشح أكثر مما هي لمصلحة الوطن، فهناك من كان يتحدث عن قانون الألفين بصرف النظر عما إذا كان على أساس النسبية أو غيره، باعتبار أنّه يدمج اللبنانيين بعضهم مع بعض وأن قانون القضاء يمثل الطائفية المختنقة، ولكننا نلاحظ أن المسألة لم تكن بهذا البعد، بل كانت أن بعض الناس لا ينجحون إلا على أساس هذا القانون، كما حصل في الشمال أو في بيروت مثلاً".
وأضاف: "لذلك، فإني أبحث عن ذهنية لبنانية، وخصوصاً إذا كانت المسألة الطائفية تتحرك سراً على موقع طائفي، سواء كان في الجانب المسيحي أو الإسلامي، حتى إننا عندما بدأنا ندخل في عالم رئاسة مجلس النواب، شعرنا وتلمّسنا إثارة المسألة الطائفية بطريقة وأخرى، بأن هذا المركز هو للشيعة، ولا بد لنا أن نلاحظ ما يُجمِعَ عليه الشيعة، وحتى بالنسبة إلى قضية رئاسة الجمهورية في الحديث عن إقالة رئاسة الجمهورية، وأن هذا موقع مسيحي، فلا بد أن يكون الرأي فيه للمسيحيين، وللقيادة المسيحية الدينية وغير ذلك.
إني أشعر أن لبنان لم يتغير، وخصوصاً عندما لاحظنا مثلاً في انتخابات الشمال كيف انطلقت المساجد لتتحدث عن حقوق السنة وعن ظلاماتهم وغير ذلك...
إني لا أدري كيف يمكن أن يكون هناك لبنان جديد، وكيف هي الجدّة في لبنان!".
جريدة النهار:22 جماد الأول 1426 الموافق في 29/06/2005
س: هل نحن ذاهبون إلى فيديرالية طوائف أو دولة فيديرالية للطوائف؟
أجاب المرجع الديني: "لسنا ذاهبين إلى فيديرالية قانونية، أي تقسيمية، إذا كانت الفيديرالية تقسيماً، ولكننا ذاهبون إلى فيديرالية طائفية واقعية. ولعلَّ المسألة التي فتحت هذه النافذة على الطائفية هي اتفاق الطائف، لأننا نعرف أن قانون الميثاق في 1943 اعتبر التقسيم الطائفي في المواقع عُرفاً ولم يعتبره قانوناً، ولكن اتفاق الطائف اعتبره قانوناً، ما يعني أن الطائفية أصبحت جزءاً من القانون اللبناني".
س: إذا كان هناك من يتحدث عن إلغاء الطائفية السياسية، فإننا نعرف أنه لم يأتِ الوقت الذي يتحدث فيه اللبنانيون عن إلغاء الطائفية السياسية. لماذا؟
أجاب المرجع الديني: "لأنّ هناك مشكلة، وخصوصاً في الجانب المسيحي الذي يخشى أن يؤدي إلغاء الطائفية السياسية إلى سيطرة للمسلمين، باعتبار الجانب العددي في هذا المجال، وخصوصاً أن عدد المسيحيين بدأ يتناقص بسبب الهجرة أو لأسباب أخرى.
لذلك، فإن مسألة إلغاء الطائفية السياسية تخلق حساسيات مدمرة في هذا المجال، وإذا كان قانون الانتخاب قد أوجد مثل هذه التعقيدات الصعبة، والتي كادت أن تُسقط الانتخابات، فكيف لو أننا طرحنا مسألة إلغاء الطائفية السياسية.
لذلك نحنُ ذاهبون إلى ما أثاره الحديث السياسي، الذي بدأ من خلال من يسمون التغييريين، أو الذين يعلنون عن أنفسهم أنهم تغييريون، من أن كل طائفة تبحث عن زعامتها، وأن الانتخابات ركّزت الزعامة المسيحية لشخص، والزعامة الدرزية والسنية والشيعية، ما يعني أن هناك فيديرالية واقعية وعملية تعمّقت داخل النسيج السياسي من أعلى الهرم إلى أسفله في هذا المجال. ونحن نعرف أن البعض يتحدث عن الوطنية والديموقراطية، ولكنهم ليسوا جادين في هذا المجال، باعتبار أن هذا البعض يمثل زعامة طائفية مغرِقة، ولعل كل اتجاهه حين يجمع حوله بعض الأفرقاء من غير طوائف، هو تقوية موقعه، وليس فتح الأفق اللبناني على تجمع متنوع الطوائف".
س: هل هذا يعني أننا أمام مستقبلين؛ إما دفع الفيديرالية الواقعية التي تحدثتم عنها نحو المأسسة (تحويلها مؤسسات وقوننتها)، وإما الوقوع في الحرب من جديد؟
أجاب المرجع الإسلامي: "أما مسألة المأسسة القانونية، فهي مما لا يملكه اللبنانيون، لأنّ قضية المأسسة التي تؤدي إلى التقسيم، هي مسألة دولية لا محلية ولا إقليمية، إذا كان البعض يتحدث عن إسرائيل أو سوريا في هذا المجال، كما أن الحرب الطائفية والحرب الأهلية، إنما تنطلق أيضاً من خلال خطط خارجية. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإننا كنا نتحدث عن النادي السياسي. إن هذه الفيديرالية الطائفية تتحرك في أوساط النادي السياسي الذي ينطلق أعضاؤه من خلال مصالحهم أو أوضاعهم على أساس التأطر في الإطار الطائفي لمصالحهم الخاصة وما إلى ذلك، ولكن الشعب اللبناني ليس بهذه الخطورة، فهو شعب ليس طائفياً بهذا العمق".
س: لكن ما نلاحظه هو أنّ هذا الشعب يصطفّ دائماً وراء القيادات والزعامات صاحبة الخطاب الطائفي والمذهبي الذي هو في رأيها أرفع من الخطاب الوطني وأكثر أهمية منه؟
أجاب المرجع الإسلامي: "أنا لا أتحدث عن الخطوط السياسية التي يلهث وراءها الشعب اللبناني عندما يُحاصر بالقانون الذي يُوزع المجالس النيابية والوزارية على الطوائف، أنا أتحدث عن الشعب اللبناني الذي يعيش في الجامعات والمعامل والنوادي الرياضية والثقافية والمزارع والحقول والأسواق التجارية، حيث هناك شعب لبناني واحد. لذلك فالمسألة الصحيحة هي أن الشعب اللبناني يُساق إلى الكهوف الطائفية عندما يُراد له أن يبحث عن نوابه أو وزرائه. ثم هناك نقطة، هي التي تجعل اللبنانيين يعيشون في مثل هذه الدائرة الضيّقة، وهي ربط حاجات الناس وقضاياهم بالسياسيين الذين يرجع الناس إليهم في قضاياهم. وإلا مثلاً عندما نلاحظ أن المرشحين للانتخابات يتحدثون للناس أننا سنقوم بهذا المشروع الخيري هنا وهناك، فما علاقة هؤلاء بالمشاريع الخيرية للناس؟! إنّ مجلس النواب هو مجلس تشريعي، ومن مهامهم تأمين مصالح الناس من خلال المشاريع التي تعدّها الدولة، لكن هؤلاء السياسيين يستغلّون هؤلاء الناس عندما يعدوهم بمشاريع وأعمال خيرية، ليربطوهم بهم، ما يعطل دور الدولة لمصلحة السياسي، وفي ذلك انتعاش للزعامات السياسية وقضاء على مفهوم الدولة ودورها".
س: الانتخابات النيابية في لبنان تقودها المصالح السياسية وتقود الناس. لكن الملاحظ في لبنان أن الطوائف تريد استرجاع أوضاعها أو تركيزها، وهذا ما يؤكده الاصطفاف الطائفي والمذهبي الذي شهدناه أخيراً في الانتخابات النيابية. كيف نعالج ذلك؟
أجاب المرجع الإسلامي الأبرز:
"إن هذا الاصطفاف موجود، وكنت أركّز عليه، وخصوصاً أن الأوساط الدينية تزيد وجوده خطورةً، وهكذا بالنسبة إلى السياسيين، ولكن كل هذا لن يفصل اللبنانيين بعضهم عن بعض... فعندما نلاحظ لبنان، نرى أنّ اللبناني لا يزال لبنانياً في حياته التجارية والرياضية والثقافية، وهناك حتى في الجانب الثقافي اندماج. من الممكن القول إن الطائفية دخلت الرياضة أحياناً، باعتبار أن هذا الفريق محسوب على هذه الطائفة وذاك على تلك، ولكن لو لاحظنا المسألة بالنسبة إلى قضايا السوق التجارية مثلاً والسوق الزراعية والصناعية، نجد أن اللبنانيين يعيشون بعضهم مع بعض، وهذا العيش هو الضمان للبنان، الضمان الذي يخفف من خطر الطائفية السياسية، لأن الطائفية السياسية لها موسم معين، فعندما عشنا هذين الشهرين أجواء المرحلة الانتخابية، سمعنا كلاماً كثيراً وجدالاً كثيراً، وعندما انتهت المرحلة الانتخابية، رجع الناس إلى مواقعهم سالمين وغير سالمين، فأنا أعتقد أن اللبنانيين في العمق يعيشون لبنانيتهم".
جريدة النهار:23 جماد الأول 1426 الموافق في 30/06/2005
س: هناك جانب طائفي مظلم في قلوب اللبنانيين، حاضر في استمرار للظهور والتأثير على المواقف، كيف يمكن للّبنانيين الخروج من هذا النفق الطائفي؟
ج: "إنّ هذا الجانب الذي يقول عنه السؤال إنه مظلم، ليس جانباً منفتحاً واعياً عميقاً. فمثلا نحن نلاحظ أن كل طائفة اختارت زعيمها، كما جرى الحديث عنه في هذه الانتخابات، لكن عندما ننفذ إلى وجدان الناس، فإننا لا نجد أنها اختارت زعيمها بالمستوى الذي يمثل كل قيم الطائفة، فلو أردنا دراسة كل الزعامات، لنجري استفتاءً بين الناس في ما يمثله هذا الزعيم أو ذاك الزعيم بالمعنى الذي يستطيع أن يحضن الطائفة ويقويها ويفتح لها آفاقاً، سواء أكانت في مواجهة الطائفة الثانية أم في التعايش معها، لوجدنا أنّ الناس يريدون فقط زعيماً من دون النظر إلى مواصفاته أو برنامجه وأن بعض الذين يمثلون زعامة هذه الطائفة أو تلك يُنتقدون من أناس طائفتهم ولكن الناس ينتخبونهم لأنهم جائعون لأن يكون هناك شخص في القمة يدير أمورهم. وهو ما لاحظناه أخيراً عندما يسقط أحد زعماء طائفة معينة، فإنّ الناس لا تبحث عن الشخص الذي يملك المواصفات التي يملكها الزعيم الذي سقط، بل إنها تبحث عن بعض القضايا التي تتعلق بالنسب أو بعض العناصر الخاصة، مما يعني أن زعامة الطوائف ليست عقلانية. فالناس لم ينطلقوا من حالة عقلانية، ولكن فقط على طريقة "مات الزعيم عاش الزعيم". أو كما نسمع: بيت فلان لا يمكن إغلاقه. لهذا هناك بعض العقليات في الشرق تجعل الناس تتحرك على أساس التاريخ والالتزام به، بصرف النظر عمّا يحمله هذا التاريخ أو ذاك.
إن الناس الذين ينتخبون هذه الزعامة أو تلك لا ينطلقون من حالة متجذرة في العمق في تقويم هذه الزعامة أو تلك أو في الارتباط بها بالشكل الذي يفصل الناس عن بعضهم البعض".
س: هل المشكلة هي غياب المرجعيات الحقيقية في لبنان؟
ج: "هناك مرجعيات في لبنان من خلال الجانب الرسمي وليس بالمعنى الوجداني، لهذا كنت أتحدث دائماً أنه علينا تربية الناخب لا المرشح. وعلينا في الحالة الشرقية الابتعاد عن ذهنية العصبية التي لم تأتِ من الدين، بل من بعض ممارسات الشرقيين. ونحن نلاحظ أن الغرب مثلاً خرج من الانفعال ودخل عصر المؤسسات".
س: هل الناس هم الذين اختاروا الزعامات التي تستطيع أن تواجه الزعامات الاخرى؟
ج: "صحيح، والمسألة أنه كانت هناك سوريا والزعامات السورية، والمطلوب أن يقول أحد "لا" ولكن ما هو حجم "اللا" فتارة أقف في مواجهتك لالغائك، وتارةً لأجد البديل الذي يخفّف ما صدر منك من أضرار وغيرها".
س: هناك بنود في اتفاق الطائف لالغاء الطائفية السياسية، فلماذا لا يبادر اللبنانيون إلى تنفيذ هذه البنود، وإن بعمل جراحي، من دون انتظار تهيئة النفوس قبل تطبيق النصوص، علماً أن أحداً في الداخل والخارج الإقليمي المعني بلبنان لم يكن ينوي تنفيذها وتالياً إنهاء الطائفية السياسية؟
ج: "الكلام هو اين الجرّاحون؟ وهل يجرؤ أحد على ان يقوم بعملية جراحية في الوقت الذي نجد الكثيرين في البلد ممن ليسوا مستعدين لأن تتحرك العملية في اتجاههم؟ فنحن نسمع الكثيرين يتحدّثون عن الفساد والهدر والسرقات والمديونية، فلو أردنا أن نتابع هؤلاء الفاسدين، فكم يبقى عندنا في النادي السياسي من هو خارج هذه العناوين".
تابع: "إذاً، معنى ذلك أن المقامات الرفيعة التي أدمنّاها أو التي وظّفناها وسوّقنا لها وتحركنا معها بشكل انفعالي وعاطفي، لا يمكن لأحد أن ينتقدها أو يحاسبها، سواء أكانت حية أم ميتة، وقد لاحظنا جميعاً كيف كان السياسيون قبل التطورات الأخيرة يتكلّم بعضهم على بعض، ويخوّن بعضهم بعضاً، وبعدما حصلت التطورات المأساوية أصبح بعضهم يتحدث أنّك تكلمت على فلان وفلان، وأنّك حين تحدّثت عن شخصية سياسية هي في مستوى النقد حين كانت تقوم بالمسؤولية، فكأنّك أصبحت في موقع الكفر الذي يسجَّل عليك، لأنك في وقت ما انتقدت أو خونت من باب المسؤولية. إن معنى ذلك، أنه حتى في الوسط السياسي، يحاول كل فريق أن يرجم الفريق الآخر بما تحدّث به، بصرف النظر عن الصواب والخطأ، وهو ما يوحي أنه ليس عندنا حركية سياسية في مسألة الصراع السياسي في ما يمكن أن يسجله أحد على هذا أو ذاك. وعلى هذا الأساس قل لي: كيف يمكن أن يأتي مجلس النواب هذا ليصحِّح الأخطاء الكبيرة التي قام الكثيرون بها على مستوى ما أصبح تاريخاًُ أو ما سيتحرك أو تحرك به البعض ممن عاش التجربة هنا وهناك؟".
س: ما هو رأيكم الدور الذي قام به اطراف كثيرون سابقاً وحالياً، والذي سيقومون به لاحقاً في الوضع اللبناني التعس، بدءاً من اللبنانيين، ومروراً بأميركا وأوروبا وسوريا، وانتهاءً بإسرائيل؟
"اما بالنسبة الى اللبنانيين المتراشقين الآن معارضةً وموالاة، إن صحَّ التعبير، وفرزهم أنّ هؤلاء من النظام الأمني، أولئك ممن عاشوا تحت ضغط هذا النظام، فنتساءل لماذا خضع هؤلاء لهذا النظام الأمني؟ لأن بعضهم أراد أن يكون وزيراً أو نائباً أو مديراً عاماً، وكان من الممكن لبعضهم لو أراد التخفيف من هذا الضغط أن ينعزل. ونحن رأينا أن بعض الناس الذين أبعدوا نتيجة اللعبة السياسية أو الأمنية والانتخابية، كالرئيس الحص الذي عزل نفسه وعُزل ولم يتعرّض له أحد بسوء، لأنه أعلن أنه لا يريد رئاسةً ولا وزارةً ولا نيابةً. اذاً الذي ساعد النظام الأمني على أن يضغط على الوسط السياسي من هنا وهناك، إنما هم السياسيون أنفسهم الذين استغل النظام الامني اطماعهم ومصالحهم التي يحققها لهم هنا وهناك.
أما حكاية أنهم قد يتعرضون للخطر، فلا أظن أن هذه القضية بهذه الشمولية، بمعنى أن كل شخص يمتنع عن الخضوع للنظام الأمني سوف يقتل.
حصلت هناك أمور معينة لا تزال تحت طائلة التحقيق، ربما يفكر بعض الناس أن للنظام الأمني دوراً فيها وربما لإسرائيل، ولكن ليست القضية بهذا الشكل، لأنني أعتبر أن الذين خضعوا للنظام الأمني يشاركون بنسبة 70 أو 80% في السلبيات التي حصلت من خلال النظام الأمني في الواقع السياسي والاقتصادي اللبناني".
جريدة النهار:24 جماد الأول 1426 الموافق في 01/07/2005
س: ماذا عن الدور السوري الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي في الوضع اللبناني التعس؟
وأضاف: "أما إسرائيل، فنحن نعرف أنها دمّرت لبنان في حروبها عليه، وأنّها لا تريد الاستقرار له، لأن لبنان المستقر هو البديل من إسرائيل في المنطقة، لأنه البلد الذي يمكن أن يكون مصرف المنطقة وثقافتها وسياحتها. ولهذا فإني أستغرب من الناس، عندما تحصل بعض الأوضاع الأمنية كالاغتيالات الأخيرة، أنهم لا يذكرون إسرائيل على نحو الاحتمالات، وإنما يوجهون الاتهامات إلى سوريا دون أدلة وإثباتات.
لذلك نحن نرى أنّ إسرائيل ستبقى خطراً على لبنان، بصرف النظر عن مظاهر هذا الخطر".
وتابع: "أما في ما يتعلّق بفرنسا وأميركا، فإنّنا نرى أنّ فرنسا تمثل تاريخ لبنان كما نعرف، وربما منذ ما قبل مرحلة الاستعمار. ونحن نعرف أنّ ما يهم فرنسا، هو أن يبقى نفوذها في لبنان، لأن فرنسا لا تملك نفوذاً في العالم العربي بالطريقة التي تملكها في لبنان، باعتبار هذا التداخل بين الثقافة الفرنسية والثقافة اللبنانية، ولذلك فإن فرنسا تريد تركيز نفوذها في لبنان، ولعلها تريد الاستفادة من اتفاق المصالح بينها وبين أميركا بغية تركيز هذا النفوذ.
بينما تريد أمريكا للبنان أن يكون موقعاً من مواقع تحريك استراتيجيتها في المنطقة، وهو ما لاحظناه من جهة المسألة المتعلّقة بالقرار1559 الذي ركّز على مسألة الانسحاب السوري، حيث تريد أمريكا الضغط على سوريا وليس لمصلحة لبنان، وإنما لمصلحتها في الموضوع العراقي والحرب على الإرهاب الذي يتمثل في نظر أميركا في دعم سوريا للقيادات الفلسطينية.
وكذلك في ما يتعلق بنـزع سلاح "حزب الله"، تحت عنوان أن أميركا تريد أن تزيل كل مواقع الخطر عن إسرائيل في هذا المقام، وهكذا بالنسبة إلى نزع سلاح المخيمات الذي لا يصل إلى المستوى نفسه، ولكن من الممكن أن يحقق بعض الشروط، كالتوطين وغيره، وربما يمتد إلى أن يكون خطراً في بعض الحالات، ولو من خلال التعاون مع (حزب الله)، وبالنسبة إلى المواجهة مع إسرائيل.
وهو ما لاحظناه أيضاً في خطاب الرئيس الأميركي الذي كان يتحدث صباح مساء عن الديموقراطية اللبنانية، وكيف أنتج الديموقراطية اللبنانية، وخصوصاً في التظاهرات التي حصلت، ونحن نعرف أن لبنان كان ديموقراطياً منذ الأربعينات، بصرف النظر عن اشتمال الديموقراطية على سلبيات. إنه أراد أن يقول للرأي العام الأميركي إننا نجحنا في "دمقرطة" لبنان مثلاً، في وقت يشكك آخرون بنجاح هذه التجربة في العراق وأفغانستان.
إن الفرق بين أميركا وفرنسا، أن فرنسا تريد من تحركها في لبنان إبقاء نفوذها فيه، بينما تريد أميركا أن تجعل من لبنان موقعاً يمتد إلى المواقع الأخرى في استراتيجيتها في المنطقة كلها".
س: من الواضح الآن أن هناك صراعاً أميركياً سورياً حادّاً، ومن الواضح أيضاً أن لبنان صار الساحة الأساسية لهذا الصراع أو أداة له، والأجواء السائدة توحي، وخصوصاً بعدما ضعف الأمل في إجراء تغيير في رئاسة الدولة قبل انتهاء الولاية الممددة للرئيس إميل لحود، بنحو سنتين ونصف السنة من عدم الاستقرار. هل سيبقى الوضع الراهن غير المستقر في لبنان على حاله، أم سيتفاقم؟ وهل سنشهد عراقاً مصغّراً في لبنان؟
ج: "كيف تكون صورة الوضع في لبنان مع استمرار الرئيس في رئاسته؟ إنّ هذا يتوقف على الفرص التي يملكها المعارضون في مسألة إيجاد الاهتزاز في موقع الرئاسة، الذي بدأ يعيش تعقيداً، إن من خلال الموقع الماروني لرئاسة الجمهورية، أو من خلال عدم وجود خطّ قانوني يسمح بذلك.
وفي تصوري، أن اللبنانيين يتأقلمون حتى مع المرض. لذلك فإنّ لبنان لا يمكن أن يكون بلا حكومة، ولا بد أن تنطلق الحكومة من شرعية رئيس الجمهورية.
إذا ساعدت الظروف على بقاء الرئيس في رئاسته، فلن يكون هناك فراغ دستوري، إلا إذا حصلت هناك ظروف فوق العادة في هذا المجال. ولكنّ المسألة لن تصل إلى المستوى الذي تتجمد فيه الأمور".
وتابع: "أما على مستوى أن يكون لبنان عراقاً آخر، فإن هذا بعيد جداً، لأن اللبنانيين كما نراهم، ليسوا مستعدّين للدخول في أية حرب. وأما قضية الاغتيالات، فهي حتى الآن مما لم يُكشف عنه حتى بالنسبة إلى الاغتيال الكبير للرئيس الحريري (رحمه الله)، الذي كان الفريق الكبير ممن يحيط بعائلته يرى أنّ التفجير حصل داخل الارض، وجاء المحقّق الألماني ليقول إن الانفجار حصل فوقها، ما يتجه بالمسألة اتجاهاً آخر. إن مسألة الاغتيالات هي من المسائل غير الواضحة، ولن يُكشف عنها. لذلك لا يمكننا أن نركّز على أن سوريا وراء المسألة مثلاً، لأنّه عندما تتنوع الجهات التي لها مصلحة في اهتزاز الواقع اللبناني، تجعلنا نتساءل عن التركيز على جانب واحد".
جريدة النهار:25 جماد الأول 1426 الموافق في 02/07/2005
س: هل يمكن أن تستمر موجة الاغتيالات في لبنان وتتطور في ظل شلل الأجهزة الأمنية والدولة في صورة عامة؟
ج : "إني أتساءل من ناحية الجانب الأمني اللبناني، أن الحديث كان عن إقالة الأجهزة بقادتهم، والمفروض أنهم أقيلوا، فإذا أُبدِلوا بشخصيات هي محل رضى فماذا فعلوا؟ وإذا لم يبدلوا فلماذا؟ إذا كانت المشكلة مشكلة أمنية، والمفروض أن الأمن أصبح في يدنا، لأن هناك حكومة ترضى عنها المعارضة مثلاً، فلماذا لم يبدل هؤلاء؟ وإذا كان البعض يقول إن هذه الحكومة هي حكومة انتخابات، فهي حكومة انتخابات وأمن، حتى إنّ الانتخابات مرتبطة بالأمن".
س: إنها ليست حكومة انتخابات فقط. الجميع يعرفون أن لرئيس الجمهورية أكثرية فيها، ويتهمونه بتعطيل إعادة ترتيب الأجهزة الأمنية بعد إقالة قادتها، علماً أنه يستطيع في ما تبقى من ولايته تعطيل الكثير من الأمور؟
ج: "إذا كان رئيس الجمهورية خطراً على الأمن لأنه رئيس الجهاز الأمني كما يقولون، فلماذا أُعطيت الحكومة كل أصوات الموالاة والمعارضة؟".
س: نالت الحكومة الأصوات التي تحدَّثت عنها، لأنّ "تدخلاً" حصل لتلافي الفراغ، ولإجراء انتخابات نيابية في الموعد المحدد دستورياً. أما بالمقياس الداخلي، فإن الحكومة ليس فيها تمثيل، وهناك نقطة أخرى، وهي أن "العمل" في الأجهزة الأمنية سنوات طويلة لا ينتهي بإقالة قادتها؟
ج: "هناك نقطة، وهي أن الانتخابات مربوطة بالأمن الذي يقوم به الجيش وقوى الأمن الداخلي، ولهذا فمن يحمي المرشحين والناخب! هذا يعني أن هناك أمناً استطاع أن يحمي الانتخابات؛ فلماذا لم يحمِ سمير قصير، وجورج حاوي؟ إنّ كل الكلام الذي قيل عن أنها حكومة انتخابات، غير دقيق، لأن لدينا جيشاً وقوى أمنية، والجميع يقول: لقد جرت الانتخابات في جو أمني هادئ، وهو ما يؤكده الأمن ومخابرات الجيش وغيرهما. ومشكلة الكثير من الناس أنهم يعتقدون أن اللبناني ساذج، ومن الممكن الضحك على ذقون اللبنانيين بطريقة وبأخرى".
س: في لبنان، وقياساً إلى تجارب الماضي، لا يمكن أن تحصل حرب أهلية إلاّ إذا كانت العوامل الخارجية جاهزة ؟
ج: "غداً يصبح عندنا حكومة، والعامل الخارجي لا يزال موجوداً، لأننا انتقلنا من وصاية عربية إقليمية إلى وصاية دولية. فما الذي يُؤمننا غداً من الخلل الأمني، باعتبار أن مصالح الدول ربما تفسح في المجال لمثل هذا الخلل، كما في السابق".
س: كيف سينتهي، في رأيكم، الصراع الأميركي السوري في لبنان وعلى سوريا؟
ج: "إن هناك مشكلات بين سوريا وأميركا تتحدد في القضية العراقية أولاً، لأنها تدخل في اللحم الحي الأميركي، وهناك بدرجة أقل مسألة دعم القيادات الفلسطينية، ولبنان هو البلد الذي يُراد أن يضغط من خلاله على سوريا. وبعد خروج المخابرات السورية، لم يبق هناك ما تضغط به أميركا على سوريا في لبنان، وهم قد يتحدثون عن بقايا مخابرات، ولم تجد اللجنة شيئاً ملموساً في هذا المجال. وأما قضية نزع سلاح (حزب الله)، فقد كان من الممكن الضغط به على سوريا عندما كانت في لبنان، أما الآن، فسوريا تقول لقد طبّقنا القرار 1559 ولم يعد لدينا مشكلة في هذا المجال. ليس هناك شيء كبير يمكن أن تضغط به أميركا على سوريا في لبنان، والمسألة أصبحت في هذا التشويه الإعلامي بأن سوريا لا تريد للبنان أن يستقر، وفي الطّلب الأمريكي من الاتحاد الأوروبي الوقوف ضد سوريا وغيرها، مما قد لا يترك تأثيراً كبيراً على المستوى السياسي والاقتصادي، وخصوصاً أن لأوروبا مصالح في سوريا. ولهذا، فقضية التوقيع على الاتفاق الأوروبي السوري لا تزال واردةً، ولكنها تنتظر وقتاً معيناً في هذا المجال. وفي تصوري، ليس هناك شيء أميركي في لبنان ضد سوريا. وأما في مسألة العراق، فإني أرى أن السوريين بدأوا يتحركون بطريقة وبأخرى، بطريقة لا تمنع إزعاجهم لأميركا، ذلك أن سوريا تؤكّد أنها لا تستطيع السيطرة على الحدود مع العراق لمنع المتسلّلين إليه، محمِّلةً واشنطن المسؤولية، كونها لم تتعاون معها في مدّها بالأجهزة المتطوّرة التي تساعد في الإمساك بالحدود ومنع المتسلّلين.
أنا لا أعتقد أن العلاقات الأميركية ـ السورية سوف تنتهي إلى علاقات كارثية، وخصوصاً أن أميركا تتحدث دائماً أنها لا تريد إسقاط النظام السوري، بل الإصلاح الذي بدأت به سوريا مثلاً. إن أميركا في حاجة إلى سوريا في العراق، وخصوصاً أن لا أمد محدّد لبقاء الاحتلال الأميركي في العراق، كما أنها بحاجة إلى سوريا في مسألة الحرب ضدّ الإرهاب، أما المسألة الفلسطينية، فنحن نعرف أنها ليست على نار حامية بالنسبة إلى أميركا. وطبعاً فإن سوريا في حاجة إلى أميركا فوق العادة لفك الحصار حولها. وإذا كان البعض يقول إن أميركا يمكن أن تحرّك السلفيين، فإننا نعتقد أن هذا ليس واقعياً، وخصوصاً إذا درسنا زيارة رئيس وزراء تركيا لأميركا، وحديثه عن الحاجة إلى سوريا في القضية التي تتصل بأمن تركيا، وحتى في ما يتعلّق بأمن العراق".
س: إذا نجحت سوريا وأميركا في تسوية علاقاتهما، فهل سيعود دور سوريا في لبنان إلى ما كان عليه، أو بصيغة منقحة وبموافقة أميركية؟
ج: "أنا لا أتصوّر ذلك، لأن الظروف التي أعطيت سوريا فيها الفرصة للحركة بحرية في لبنان لم تعد موجودة. فالمسألة كانت تتعلق بالحرب الأهلية، وبظروف أميركية وسورية، وعندما تعود العلاقات طبيعية بين أميركا وسوريا، فإن سوريا لن تُعْزَل عن لبنان".
جريدة النهار:27 جماد الأول 1426 الموافق في 04/07/2005
س: هل تذهب البلاد إلى ثنائية طائفية ومذهبية تمسك بها، كثنائية سنية ـ درزية، أو شيعية ـ مسيحية، أو سنية ـ شيعية؟
أجاب المرجع الديني: "عندما ندرس هذه العلاقات في لبنان، فإنّنا لا نجد أنها تملك الكثير من العمق، لأننا عندما ننفذ إلى داخلها، نجد أن هناك اعتبارات معيّنة تكمن وراءها، قد تكون انتخابية أو مالية، وربما تكون ناتجة من بعض العوامل الخارجية كالعوامل السورية التي كانت سابقاً. لهذا فإن مسألة الثنائية التي كانت موجودة في بداية الاستقلال مثلاً (سنية ـ مسيحية)، لم تعد هناك ظروف لتأكيدها، لأن العلاقات تبقى خاضعة لبعض الاعتبارات التي تتغير بين مرحلة وأخرى في هذا المجال، وهذا ما لاحظناه في مسألة الانتخابات التي أفرزت نوعاً جديداً من التحالفات. إن مسألة الثنائية كانت تخضع لظروف معيّنة أعتقد أنها انتهت وليست موجودة الآن.
أما على مستوى الحساسيات المذهبية، وخصوصاً الشيعية ـ السنية، فأستطيع القول إن الشيعة لا يفكرون ـ على الأقل من جانبهم ـ في أية حالة من الحالات التي يعيشون فيها، بأي عقدة من السنّة في هذا المجال. ومن الطبيعي أن تخلق الإثنية أو التعددية تحديات أحياناً، وخصوصاً عندما تثار مسائل المقدسات، ولكنها لن تصل إلى مرحلة تشكل خطراً، لأن مصالح الناس صارت متشابكة، وخصوصاً في بيروت وغيرها".
س: طبّق حتى الآن من القرار الدولي 1559 البند المتعلق بانسحاب سوريا من لبنان. كيف سيتم التعامل مع سلاح المقاومة والفلسطينيين المقيمين في لبنان، الذين اعتبرهم القرار المذكور ميليشيات لبنانية وغير لبنانية، وطالب بنـزع سلاحهم؟ هل سيستكمل تنفيذ هذا القرار في رأيكم؟
ج: "من الصعب جداً أن يطبّق هذا القرار عسكرياً، بل ربما سيصل إلى حد المستحيل. لأن تطبيقه عسكرياً سوف يُنهي لبنان، ولكنّ التحرّك السياسي على أساس الحوار، واعتبار سلاح المقاومة شأناً لبنانياً، يتوقف على طبيعة إدارة هذا الحوار، ونحن نعرف أن المعركة السياسية تحتاج إلى آليات وطروحات معينة قد لا يملك "حزب الله" الكثير منها على مستوى المقبولية الدولية أو المحلية، ولكني أعتقد أنه من الصعب أن يطبّق حتى لو كانت هناك ظروف للتطبيق".
س: كيف يمكن معالجة موضوع سلاح المقاومة (حزب الله) بطريقة تجعل قوتها قوة للدولة اللبنانية، ولا تسمح بنشوء دولة داخل الدولة لها ارتباطات مع جهات إقليمية معروفة؟
ج: " من الصعب جداً أن يُنـزع سلاح (حزب الله)، أو أن يقتنع الحزب بنـزع سلاحه ما دامت العلاقات العربية ـ الإسرائيلية على حالها، أما مسألة ارتباط "حزب الله" بالآخرين، بناءً على الحديث القائل إن سلامه مرتبط بالجولان أو بالملف النووي الإيراني، فإنني لا أجد أن هذا الطرح يمثل حالة واقعية، على الأقل في التوازنات الدولية في هذا المجال. من الصعب جداً على (حزب الله) أن يدخل سوريا مثلاً ليدافع عن الجولان، لأنه لم يدخل فلسطين مثلاً قبل ذلك، ولو كان مستعداً للمغامرة، لكان الأولى به دخول فلسطين، وخوض حرب في فلسطين بما يملك من صواريخ، لذا فهذه المسألة غير واقعية. أما بالنسبة إلى إيران، فإنني لا أتصور أن إسرائيل ستغامر بقصف المفاعل النووي الإيراني، لأن إيران تملك قدرة الرد والردع، وكذلك (حزب الله) الذي لم يصل إلى حد تلقي الأوامر من إيران أو سوريا، ولكنه جرّب طيلة المدة الماضية التنسيق مع الجيش اللبناني، وهذا التنسيق يمكن أن يبقى إذا لم يوجد حل لسلاح المقاومة، وخصوصاً أن تجربة (حزب الله) بالنسبة إلى الحدود كانت رائدة، فهو لم يضغط على المسيحيين، حتى على عملاء إسرائيل وقت التحرير وبعده، لهذا لم نجد أية مشكلة مثلاً في المنطقة الحدودية.
أعتقد أن (حزب الله) بلغ مستوى من الرشد يمنعه من المغامرة، رغم ما أثير في المرحلة الأخيرة من كلمات".
س: كان يقال إن لكل من سوريا وإيران نفوذاً واسعاً داخل (حزب الله)، وكان يقال أيضاً إن أحد أسباب نفوذ سوريا داخله، كان قدرتها على إيذائه لو اتبع سياسة مخالفة لها، لأنها (كانت) في لبنان وعلى حدوده. هل تبدّلت معادلة النفوذ الإقليمي هذه؟
ج: "أستطيع تأكيد قضية، وهي أن سوريا طيلة فترة وجودها في لبنان، لم يكن لها أية مصلحة في توجيه التعليمات إلى "حزب الله"، حيث كانت العمليات تنطلق من الوضع الداخلي للمقاومة، وفي كثير من الحالات لم تعرف سوريا بذلك، كما أنه لم تكن لها أية مصلحة في الضغط على (حزب الله) عندما كانت موجودة في لبنان، فكيف وهي غير موجودة اليوم! لهذا ما يتصوّره البعض من أن سوريا أو إيران تقولان له افعل واعمل كذا، هو تصور لا معقولية له ولا أهمية في هذا المجال، ولا سيما عندما ندرس منطلقات عمليات (حزب الله).
س: سلاح المقاومة هو سلاح وطني، لكن هل هو سلاح شيعي أيضاً؟ بمعنى هل يصبح هذا السلاح شيعياً ويستعمل إذا تطورت الأوضاع في لبنان أكثر، لا سمح الله، نحو الطائفية المذهبية، أو نحو صراع على أساس أي منهما؟
ج: "لا، نحن نعرف أن المقاومة لا تفكر في هذه الطريقة، ولكن عندما تتصل المسألة بالحرب على المقاومة، فهذه ليست مسألة شيعية، عندها للمقاومة الحق في الدفاع عن نفسها، لا من منطلق كونها شيعية، بل لأنها مقاومة يُراد إسقاطها. وأستطيع تأكيد مسألة في الواقع الشيعي، وهي أن الشيعة هم الطائفة الوحيدة التي ليست طائفية، فهم لا يحملون ذهنية طائفية ينظرون من خلالها إلى الطوائف الأخرى نظرة سلبية أو عدوانية أو غير ذلك. وهم الذين كانوا يوزعون كل قياداتهم وعناصرهم على كل المنظمات والأحزاب".
س: الجميع يعرفون أين أصابت سوريا في لبنان (وقف الحرب، بناء المؤسسات العسكرية والأمنية، المساعدة في عملية التحرير من الاحتلال الإسرائيلي)، لكنها أخطأت أيضاً، بدليل الجو الشعبي العارم في سلبيته حيالها، فأين أخطأت سوريا في رأيكم؟
ج: "من الطبيعي أنه حصلت أخطاء، وهو ما اعترف به الرئيس الأسد، حتى إنني سمعت من بعض الشخصيات أنه كان هناك اقتراح أن يحصل انسحاب من لبنان عام 2000. والأخطاء التي وقعت لا يتحملها السوريون فحسب، بل الذين استغلوا الوجود السوري لحساب مصالحهم من اللبنانيين على جميع المستويات".
س: كيف تفسرون فشل حجة الإسلام هاشمي رفسنجاني في الانتخابات الرئاسية الإيرانية أخيراً، وفوز منافسه رئيس بلدية طهران محمود أحمدي نجاد؟
ج: "أنا أرى أنّ نجاد استخدم خطاباً توجه به إلى الناس، ولحظ من خلاله حاجات الناس إلى العمل ولقمة الخبز، والانفتاح الشعبي على الناس والاندماج معهم، خاصة وأنّ هناك مشاكل كثيرة اقتصادية تحتاج إلى حلول، هذا إضافةً إلى بعض مراكز القوى الداخلية التي ساهمت في نجاحه. وأما رفسنجاني، فقد عاش تجربة طويلة، وأعطى المسألة الخارجية اهتماماً أكبر. وأما في المسائل الاقتصادية، فقد عاش تجارب الرئاسة ولم يتمكن من حلّ هذه المشاكل، هذا فضلاً عن التأثيرات الموجودة في مراكز القوى الداخلية كما قلنا".
س: أليس النجاح في حل المشكلات الاقتصادية يحتاج إلى علاقات مع الخارج؟ وهل أنّ كلام رفسنجاني أثناء المعركة الانتخابية عن ضرورة حل مشكلة العلاقات مع أميركا، دفع مراكز القوى التي أشرتم إليها إلى التكتل ضده؟
ج: "من الممكن جداً أن تكون المسألة الخارجية في العلاقات، ولا سيما مع أميركا، إضافة إلى قوة رفسنجاني، وهو شخصية قوية، وممن صنعوا الثورة، وراء مسألة التكتل الذي صار ضده".
س: هل إن فوز رفسنجاني في ما لو حصل، كان سيشكِّل حداً لسلطة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي؟
ج: "من خلال درس قوة رفسنجاني، نلاحظ عدم استبعاد ذلك".
س: هل في انتخابات إيران الرئاسية الأخيرة رسالة من المحافظين إلى الخارج تؤكد له أن الحوار لا يمكن أن يحصل إلا معهم ومع نظامهم؟
ج: "قد لا يكون ذلك بعيداً".
س: هل يؤثر فوز نجاد على الموضوع النووي والمفاوضات الجارية في شأنه بين إيران والثلاثي الأوروبي؟
ج: "لا أظن ذلك، لأنّ المسألة ليست في يد رئيس الجمهورية وحده، بل هناك مجلس الأمن القومي، وعلينا معرفة أن المفاوضات في المشروع النووي كانت بإشراف مجلس الشورى المسيطر عليه من المحافظين".
س: هل الشباب الإيراني الذي يشكِّل نسبة مرتفعة جداً من مجموع شعب إيران، في حالة ابتعاد عن النظام القائم فيها نتيجة إمساك المحافظين بمفاصله؟ وهل سيؤدي ذلك إلى انتفاضة شعبية ما؟
ج: "قضية الانتفاضة بالمعنى الحركي لقلب النظام صعبة جداً، لأن في إيران ضوابط كثيرة. ولكن انتفاضة جيل شباب قد لا ينفتح على الثورة مطلقاً بل على محاور أخرى ممكن".
جريدة النهار:28 جماد الأول 1426 الموافق في 05/07/2005
أجرى الأستاذ سركيس نعوم من جريدة النهار اللبنانية حوارا، نشر على حلقات، مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله تحت عنوان "لبنان بعد الانتخابات"
حوادث كبيرة وتطورات سريعة وتغييرات لم يكن يتوقع أحد حصولها في مستقبل منظور على الأقل، وأحلام تحققت بعدما وضعها الواقع المزمن في لبنان في خانة الأوهام منذ آخر لقاء مع المرجع الديني الأبرز في التيارات الإسلامية الشيعية اللبنانية، صاحب العقل الاستراتيجي، والمواقف المبدئية التي تسهِّل حياة الناس بدلاً من أن تعقّدها، والواقعية المحسوبة، والحكمة البالغة، والمعرفة المتنوعة، والمقدرة على التحليل والاستنتاج ومعهما الابتكار. فالرئيس رفيق الحريري قتل في 14 شباط الماضي. وفي14 آذار الذي أعقبه، حصلت انتفاضة الاستقلال.
وفي 26 نيسان الذي تلاه، أكملت سوريا انسحابها التاريخي من لبنان بضغط من المجتمع الدولي، وتنفيذا لقراره الرقم 1559. وفي 29 أيار، بدأت الانتخابات النيابية ذات المراحل الأربع، وأسفرت عن مجلس نواب جديد غالبيته من المعارضة (السابقة)، رغم الاختلافات المهمة في ما بينها. وفي 2 حزيران اغتيل الزميل سمير قصير. وبعد 19 يوماً لحق به وبالآخرين إلى عالم الشهادة الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي. وفي 28 حزيران الجاري، أعيد انتخاب النائب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب.
واعتباراً من اليوم، يبدأ العمل الجدي لتأليف حكومة جديدة قد تعطي تركيبتها انطباعاً عن التطورات المقبلة في البلاد، ولا بد أن تعطي بسلوكها وسياستها إشارات إلى إمكانات تحقيق التغيير الذي تحلم به غالبية اللبنانيين، وإلى إمكانات فرض الأمن والاستقرار السياسي، واستحقاق السيادة والاستقلال والحرية، ووقف مسلسل الاغتيالات المجرمة، والحؤول دون تحول طوائف لبنان ومذاهبه دولاً قوية داخل دولة ضعيفة، أو بالأحرى مشاريع دول، وتالياً دون إعطاء الخارج المتربِّص بلبنان على تنوِّعه الفرصة التي ينتظر لإعادة البلاد إلى أجواء الفوضى والفتنة وربما الاقتتال. لكل ذلك، كان لا بدَّ من الذّهاب إلى المرجع المشار إليه أعلاه، في محاولة لاستشراف المستقبل الذي يقلق اللبنانيين انطلاقاً من الحاضر وربما من الماضي. فكان هذا الحوار.
س: هل إن ما يجري في لبنان يرمي في حقيقته إلى ضرب اتفاق الطائف، وتفكيك الدولة اللبنانية، أم إعادة بناء هذه الأخيرة وفق أسس جديدة، أو أنه سيؤدي إلى ذلك في المحصلة بوعي من المشتركين فيه أو من دون وعي منهم؟
ج: "عندما ندرس التنوعات التي حكمت الكتل التي قدّمت نفسها على أساس أنها تمثّل لبنان الجديد، فإننا لا نرى وحدةً في هذه التنوعات، كما أننا نلتقي بعناوين فضفاضة لا تملك خطوطاً تفصيلية يشعر فيها المواطن بأن هناك حلاً للمشكلات الصعبة التي عاشها اللبناني في ما مضى، فنحن نتحدث عن الإصلاح، ولكن إصلاح ماذا، وإصلاح مَن؟ وهل يملك هؤلاء الذين عاش بعضهم في خطوط الفساد عندما تسلّم المسؤولية في ما مضى، سواء في شكل محدود أو غير محدود وهكذا بالنسبة إلى المسائل الاقتصادية، هل يملك هؤلاء أن يصلحوا؟
فنحن عندما ندرس مسألة المديونية، نلاحظ أنها قد غرقت في أجواء من الضبابية، بحيث لم يجرؤ أحد على أن يناقش الجهة التي راكمت المديونية على البلد، لأن طبيعة الظروف الاحتفالية والمأساوية التي عاشها لبنان بفعل بعض الأوضاع الصعبة، تمنع من التحدث بصراحة في هذا المجال والموضوع، وستبقى تمنع التحدث بصراحة. ولذلك فإننا لا نجد هناك أي نافذة تطل على هذه المسألة. وإذا أردنا دراسة الأحاديث المنطلقة من هنا وهناك من خلال علاقة بعض السياسيين اللبنانيين بالواقع الدولي، ولا سيما فرنسا وأميركا، فإننا لا نجد هناك وعداً جازماً بالمساعدات، وحتى عندما ندرسُ عالم المساعدات التي تمثل قاعدة المؤتمرات المرتكزة عليها، كما في بروكسل بالنسبة إلى العراق وغيره، فإننا لا نجد هناك جدية في هذا الموضوع، كما أننا لا نجد هناك أي نوع من السخاء الذي يمكن أن يحل المشكلة. لذلك عندما ندرس هذه المفردات، فإننا لا نجد هناك من يملك الخطّة التفصيلية في هذا المجال. ولهذا، فإذا كانت البداية قد تحرّكت على أساس تحالفات معينة يتهم بعض أصحابها بالفساد أو الهدر أو ما أشبه ذلك، فكيف يمكن الانفتاح على واقع يمكن أن يخرج بعض الناس من جلده او من تاريخه"؟
تابع المرجع الإسلامي قائلاً: "إني لا أريد الحديث عن التفاؤل والتشاؤم، ولكني لا أجد هناك أية نافذة تطل على هذه العناوين الكبيرة التي يتحدث فيها الكثيرون.
فمثلاً، عندما تحدث المتحدثون عن الانتخاب، بصرف النظر عمّا إذا كان الانتخاب على أساس قانون الألفين أو قانون1960، فإن الحديث الذي اتجه إليه النادي السياسي كان ينطلق في بعضه من جانب طائفي مغرق في الطائفية، بحيث إنه لا يعتبر اللبناني المسيحي لبنانياً بالنسبة إلى اللبناني المسلم، أو اللبناني المسلم لبنانياً بالنسبة إلى اللبناني المسيحي، ما يوحي، وإن لم يُعْلَنْ عن ذلك بصوت عال، بأنه لا بد للمسيحي من انتخاب المسيحي، ولا بد للمسلم من انتخاب المسلم. كما أنّ المعارضة لقانون الألفين كانت لمصلحة المرشح أكثر مما هي لمصلحة الوطن، فهناك من كان يتحدث عن قانون الألفين بصرف النظر عما إذا كان على أساس النسبية أو غيره، باعتبار أنّه يدمج اللبنانيين بعضهم مع بعض وأن قانون القضاء يمثل الطائفية المختنقة، ولكننا نلاحظ أن المسألة لم تكن بهذا البعد، بل كانت أن بعض الناس لا ينجحون إلا على أساس هذا القانون، كما حصل في الشمال أو في بيروت مثلاً".
وأضاف: "لذلك، فإني أبحث عن ذهنية لبنانية، وخصوصاً إذا كانت المسألة الطائفية تتحرك سراً على موقع طائفي، سواء كان في الجانب المسيحي أو الإسلامي، حتى إننا عندما بدأنا ندخل في عالم رئاسة مجلس النواب، شعرنا وتلمّسنا إثارة المسألة الطائفية بطريقة وأخرى، بأن هذا المركز هو للشيعة، ولا بد لنا أن نلاحظ ما يُجمِعَ عليه الشيعة، وحتى بالنسبة إلى قضية رئاسة الجمهورية في الحديث عن إقالة رئاسة الجمهورية، وأن هذا موقع مسيحي، فلا بد أن يكون الرأي فيه للمسيحيين، وللقيادة المسيحية الدينية وغير ذلك.
إني أشعر أن لبنان لم يتغير، وخصوصاً عندما لاحظنا مثلاً في انتخابات الشمال كيف انطلقت المساجد لتتحدث عن حقوق السنة وعن ظلاماتهم وغير ذلك...
إني لا أدري كيف يمكن أن يكون هناك لبنان جديد، وكيف هي الجدّة في لبنان!".
جريدة النهار:22 جماد الأول 1426 الموافق في 29/06/2005
س: هل نحن ذاهبون إلى فيديرالية طوائف أو دولة فيديرالية للطوائف؟
أجاب المرجع الديني: "لسنا ذاهبين إلى فيديرالية قانونية، أي تقسيمية، إذا كانت الفيديرالية تقسيماً، ولكننا ذاهبون إلى فيديرالية طائفية واقعية. ولعلَّ المسألة التي فتحت هذه النافذة على الطائفية هي اتفاق الطائف، لأننا نعرف أن قانون الميثاق في 1943 اعتبر التقسيم الطائفي في المواقع عُرفاً ولم يعتبره قانوناً، ولكن اتفاق الطائف اعتبره قانوناً، ما يعني أن الطائفية أصبحت جزءاً من القانون اللبناني".
س: إذا كان هناك من يتحدث عن إلغاء الطائفية السياسية، فإننا نعرف أنه لم يأتِ الوقت الذي يتحدث فيه اللبنانيون عن إلغاء الطائفية السياسية. لماذا؟
أجاب المرجع الديني: "لأنّ هناك مشكلة، وخصوصاً في الجانب المسيحي الذي يخشى أن يؤدي إلغاء الطائفية السياسية إلى سيطرة للمسلمين، باعتبار الجانب العددي في هذا المجال، وخصوصاً أن عدد المسيحيين بدأ يتناقص بسبب الهجرة أو لأسباب أخرى.
لذلك، فإن مسألة إلغاء الطائفية السياسية تخلق حساسيات مدمرة في هذا المجال، وإذا كان قانون الانتخاب قد أوجد مثل هذه التعقيدات الصعبة، والتي كادت أن تُسقط الانتخابات، فكيف لو أننا طرحنا مسألة إلغاء الطائفية السياسية.
لذلك نحنُ ذاهبون إلى ما أثاره الحديث السياسي، الذي بدأ من خلال من يسمون التغييريين، أو الذين يعلنون عن أنفسهم أنهم تغييريون، من أن كل طائفة تبحث عن زعامتها، وأن الانتخابات ركّزت الزعامة المسيحية لشخص، والزعامة الدرزية والسنية والشيعية، ما يعني أن هناك فيديرالية واقعية وعملية تعمّقت داخل النسيج السياسي من أعلى الهرم إلى أسفله في هذا المجال. ونحن نعرف أن البعض يتحدث عن الوطنية والديموقراطية، ولكنهم ليسوا جادين في هذا المجال، باعتبار أن هذا البعض يمثل زعامة طائفية مغرِقة، ولعل كل اتجاهه حين يجمع حوله بعض الأفرقاء من غير طوائف، هو تقوية موقعه، وليس فتح الأفق اللبناني على تجمع متنوع الطوائف".
س: هل هذا يعني أننا أمام مستقبلين؛ إما دفع الفيديرالية الواقعية التي تحدثتم عنها نحو المأسسة (تحويلها مؤسسات وقوننتها)، وإما الوقوع في الحرب من جديد؟
أجاب المرجع الإسلامي: "أما مسألة المأسسة القانونية، فهي مما لا يملكه اللبنانيون، لأنّ قضية المأسسة التي تؤدي إلى التقسيم، هي مسألة دولية لا محلية ولا إقليمية، إذا كان البعض يتحدث عن إسرائيل أو سوريا في هذا المجال، كما أن الحرب الطائفية والحرب الأهلية، إنما تنطلق أيضاً من خلال خطط خارجية. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإننا كنا نتحدث عن النادي السياسي. إن هذه الفيديرالية الطائفية تتحرك في أوساط النادي السياسي الذي ينطلق أعضاؤه من خلال مصالحهم أو أوضاعهم على أساس التأطر في الإطار الطائفي لمصالحهم الخاصة وما إلى ذلك، ولكن الشعب اللبناني ليس بهذه الخطورة، فهو شعب ليس طائفياً بهذا العمق".
س: لكن ما نلاحظه هو أنّ هذا الشعب يصطفّ دائماً وراء القيادات والزعامات صاحبة الخطاب الطائفي والمذهبي الذي هو في رأيها أرفع من الخطاب الوطني وأكثر أهمية منه؟
أجاب المرجع الإسلامي: "أنا لا أتحدث عن الخطوط السياسية التي يلهث وراءها الشعب اللبناني عندما يُحاصر بالقانون الذي يُوزع المجالس النيابية والوزارية على الطوائف، أنا أتحدث عن الشعب اللبناني الذي يعيش في الجامعات والمعامل والنوادي الرياضية والثقافية والمزارع والحقول والأسواق التجارية، حيث هناك شعب لبناني واحد. لذلك فالمسألة الصحيحة هي أن الشعب اللبناني يُساق إلى الكهوف الطائفية عندما يُراد له أن يبحث عن نوابه أو وزرائه. ثم هناك نقطة، هي التي تجعل اللبنانيين يعيشون في مثل هذه الدائرة الضيّقة، وهي ربط حاجات الناس وقضاياهم بالسياسيين الذين يرجع الناس إليهم في قضاياهم. وإلا مثلاً عندما نلاحظ أن المرشحين للانتخابات يتحدثون للناس أننا سنقوم بهذا المشروع الخيري هنا وهناك، فما علاقة هؤلاء بالمشاريع الخيرية للناس؟! إنّ مجلس النواب هو مجلس تشريعي، ومن مهامهم تأمين مصالح الناس من خلال المشاريع التي تعدّها الدولة، لكن هؤلاء السياسيين يستغلّون هؤلاء الناس عندما يعدوهم بمشاريع وأعمال خيرية، ليربطوهم بهم، ما يعطل دور الدولة لمصلحة السياسي، وفي ذلك انتعاش للزعامات السياسية وقضاء على مفهوم الدولة ودورها".
س: الانتخابات النيابية في لبنان تقودها المصالح السياسية وتقود الناس. لكن الملاحظ في لبنان أن الطوائف تريد استرجاع أوضاعها أو تركيزها، وهذا ما يؤكده الاصطفاف الطائفي والمذهبي الذي شهدناه أخيراً في الانتخابات النيابية. كيف نعالج ذلك؟
أجاب المرجع الإسلامي الأبرز:
"إن هذا الاصطفاف موجود، وكنت أركّز عليه، وخصوصاً أن الأوساط الدينية تزيد وجوده خطورةً، وهكذا بالنسبة إلى السياسيين، ولكن كل هذا لن يفصل اللبنانيين بعضهم عن بعض... فعندما نلاحظ لبنان، نرى أنّ اللبناني لا يزال لبنانياً في حياته التجارية والرياضية والثقافية، وهناك حتى في الجانب الثقافي اندماج. من الممكن القول إن الطائفية دخلت الرياضة أحياناً، باعتبار أن هذا الفريق محسوب على هذه الطائفة وذاك على تلك، ولكن لو لاحظنا المسألة بالنسبة إلى قضايا السوق التجارية مثلاً والسوق الزراعية والصناعية، نجد أن اللبنانيين يعيشون بعضهم مع بعض، وهذا العيش هو الضمان للبنان، الضمان الذي يخفف من خطر الطائفية السياسية، لأن الطائفية السياسية لها موسم معين، فعندما عشنا هذين الشهرين أجواء المرحلة الانتخابية، سمعنا كلاماً كثيراً وجدالاً كثيراً، وعندما انتهت المرحلة الانتخابية، رجع الناس إلى مواقعهم سالمين وغير سالمين، فأنا أعتقد أن اللبنانيين في العمق يعيشون لبنانيتهم".
جريدة النهار:23 جماد الأول 1426 الموافق في 30/06/2005
س: هناك جانب طائفي مظلم في قلوب اللبنانيين، حاضر في استمرار للظهور والتأثير على المواقف، كيف يمكن للّبنانيين الخروج من هذا النفق الطائفي؟
ج: "إنّ هذا الجانب الذي يقول عنه السؤال إنه مظلم، ليس جانباً منفتحاً واعياً عميقاً. فمثلا نحن نلاحظ أن كل طائفة اختارت زعيمها، كما جرى الحديث عنه في هذه الانتخابات، لكن عندما ننفذ إلى وجدان الناس، فإننا لا نجد أنها اختارت زعيمها بالمستوى الذي يمثل كل قيم الطائفة، فلو أردنا دراسة كل الزعامات، لنجري استفتاءً بين الناس في ما يمثله هذا الزعيم أو ذاك الزعيم بالمعنى الذي يستطيع أن يحضن الطائفة ويقويها ويفتح لها آفاقاً، سواء أكانت في مواجهة الطائفة الثانية أم في التعايش معها، لوجدنا أنّ الناس يريدون فقط زعيماً من دون النظر إلى مواصفاته أو برنامجه وأن بعض الذين يمثلون زعامة هذه الطائفة أو تلك يُنتقدون من أناس طائفتهم ولكن الناس ينتخبونهم لأنهم جائعون لأن يكون هناك شخص في القمة يدير أمورهم. وهو ما لاحظناه أخيراً عندما يسقط أحد زعماء طائفة معينة، فإنّ الناس لا تبحث عن الشخص الذي يملك المواصفات التي يملكها الزعيم الذي سقط، بل إنها تبحث عن بعض القضايا التي تتعلق بالنسب أو بعض العناصر الخاصة، مما يعني أن زعامة الطوائف ليست عقلانية. فالناس لم ينطلقوا من حالة عقلانية، ولكن فقط على طريقة "مات الزعيم عاش الزعيم". أو كما نسمع: بيت فلان لا يمكن إغلاقه. لهذا هناك بعض العقليات في الشرق تجعل الناس تتحرك على أساس التاريخ والالتزام به، بصرف النظر عمّا يحمله هذا التاريخ أو ذاك.
إن الناس الذين ينتخبون هذه الزعامة أو تلك لا ينطلقون من حالة متجذرة في العمق في تقويم هذه الزعامة أو تلك أو في الارتباط بها بالشكل الذي يفصل الناس عن بعضهم البعض".
س: هل المشكلة هي غياب المرجعيات الحقيقية في لبنان؟
ج: "هناك مرجعيات في لبنان من خلال الجانب الرسمي وليس بالمعنى الوجداني، لهذا كنت أتحدث دائماً أنه علينا تربية الناخب لا المرشح. وعلينا في الحالة الشرقية الابتعاد عن ذهنية العصبية التي لم تأتِ من الدين، بل من بعض ممارسات الشرقيين. ونحن نلاحظ أن الغرب مثلاً خرج من الانفعال ودخل عصر المؤسسات".
س: هل الناس هم الذين اختاروا الزعامات التي تستطيع أن تواجه الزعامات الاخرى؟
ج: "صحيح، والمسألة أنه كانت هناك سوريا والزعامات السورية، والمطلوب أن يقول أحد "لا" ولكن ما هو حجم "اللا" فتارة أقف في مواجهتك لالغائك، وتارةً لأجد البديل الذي يخفّف ما صدر منك من أضرار وغيرها".
س: هناك بنود في اتفاق الطائف لالغاء الطائفية السياسية، فلماذا لا يبادر اللبنانيون إلى تنفيذ هذه البنود، وإن بعمل جراحي، من دون انتظار تهيئة النفوس قبل تطبيق النصوص، علماً أن أحداً في الداخل والخارج الإقليمي المعني بلبنان لم يكن ينوي تنفيذها وتالياً إنهاء الطائفية السياسية؟
ج: "الكلام هو اين الجرّاحون؟ وهل يجرؤ أحد على ان يقوم بعملية جراحية في الوقت الذي نجد الكثيرين في البلد ممن ليسوا مستعدين لأن تتحرك العملية في اتجاههم؟ فنحن نسمع الكثيرين يتحدّثون عن الفساد والهدر والسرقات والمديونية، فلو أردنا أن نتابع هؤلاء الفاسدين، فكم يبقى عندنا في النادي السياسي من هو خارج هذه العناوين".
تابع: "إذاً، معنى ذلك أن المقامات الرفيعة التي أدمنّاها أو التي وظّفناها وسوّقنا لها وتحركنا معها بشكل انفعالي وعاطفي، لا يمكن لأحد أن ينتقدها أو يحاسبها، سواء أكانت حية أم ميتة، وقد لاحظنا جميعاً كيف كان السياسيون قبل التطورات الأخيرة يتكلّم بعضهم على بعض، ويخوّن بعضهم بعضاً، وبعدما حصلت التطورات المأساوية أصبح بعضهم يتحدث أنّك تكلمت على فلان وفلان، وأنّك حين تحدّثت عن شخصية سياسية هي في مستوى النقد حين كانت تقوم بالمسؤولية، فكأنّك أصبحت في موقع الكفر الذي يسجَّل عليك، لأنك في وقت ما انتقدت أو خونت من باب المسؤولية. إن معنى ذلك، أنه حتى في الوسط السياسي، يحاول كل فريق أن يرجم الفريق الآخر بما تحدّث به، بصرف النظر عن الصواب والخطأ، وهو ما يوحي أنه ليس عندنا حركية سياسية في مسألة الصراع السياسي في ما يمكن أن يسجله أحد على هذا أو ذاك. وعلى هذا الأساس قل لي: كيف يمكن أن يأتي مجلس النواب هذا ليصحِّح الأخطاء الكبيرة التي قام الكثيرون بها على مستوى ما أصبح تاريخاًُ أو ما سيتحرك أو تحرك به البعض ممن عاش التجربة هنا وهناك؟".
س: ما هو رأيكم الدور الذي قام به اطراف كثيرون سابقاً وحالياً، والذي سيقومون به لاحقاً في الوضع اللبناني التعس، بدءاً من اللبنانيين، ومروراً بأميركا وأوروبا وسوريا، وانتهاءً بإسرائيل؟
"اما بالنسبة الى اللبنانيين المتراشقين الآن معارضةً وموالاة، إن صحَّ التعبير، وفرزهم أنّ هؤلاء من النظام الأمني، أولئك ممن عاشوا تحت ضغط هذا النظام، فنتساءل لماذا خضع هؤلاء لهذا النظام الأمني؟ لأن بعضهم أراد أن يكون وزيراً أو نائباً أو مديراً عاماً، وكان من الممكن لبعضهم لو أراد التخفيف من هذا الضغط أن ينعزل. ونحن رأينا أن بعض الناس الذين أبعدوا نتيجة اللعبة السياسية أو الأمنية والانتخابية، كالرئيس الحص الذي عزل نفسه وعُزل ولم يتعرّض له أحد بسوء، لأنه أعلن أنه لا يريد رئاسةً ولا وزارةً ولا نيابةً. اذاً الذي ساعد النظام الأمني على أن يضغط على الوسط السياسي من هنا وهناك، إنما هم السياسيون أنفسهم الذين استغل النظام الامني اطماعهم ومصالحهم التي يحققها لهم هنا وهناك.
أما حكاية أنهم قد يتعرضون للخطر، فلا أظن أن هذه القضية بهذه الشمولية، بمعنى أن كل شخص يمتنع عن الخضوع للنظام الأمني سوف يقتل.
حصلت هناك أمور معينة لا تزال تحت طائلة التحقيق، ربما يفكر بعض الناس أن للنظام الأمني دوراً فيها وربما لإسرائيل، ولكن ليست القضية بهذا الشكل، لأنني أعتبر أن الذين خضعوا للنظام الأمني يشاركون بنسبة 70 أو 80% في السلبيات التي حصلت من خلال النظام الأمني في الواقع السياسي والاقتصادي اللبناني".
جريدة النهار:24 جماد الأول 1426 الموافق في 01/07/2005
س: ماذا عن الدور السوري الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي في الوضع اللبناني التعس؟
وأضاف: "أما إسرائيل، فنحن نعرف أنها دمّرت لبنان في حروبها عليه، وأنّها لا تريد الاستقرار له، لأن لبنان المستقر هو البديل من إسرائيل في المنطقة، لأنه البلد الذي يمكن أن يكون مصرف المنطقة وثقافتها وسياحتها. ولهذا فإني أستغرب من الناس، عندما تحصل بعض الأوضاع الأمنية كالاغتيالات الأخيرة، أنهم لا يذكرون إسرائيل على نحو الاحتمالات، وإنما يوجهون الاتهامات إلى سوريا دون أدلة وإثباتات.
لذلك نحن نرى أنّ إسرائيل ستبقى خطراً على لبنان، بصرف النظر عن مظاهر هذا الخطر".
وتابع: "أما في ما يتعلّق بفرنسا وأميركا، فإنّنا نرى أنّ فرنسا تمثل تاريخ لبنان كما نعرف، وربما منذ ما قبل مرحلة الاستعمار. ونحن نعرف أنّ ما يهم فرنسا، هو أن يبقى نفوذها في لبنان، لأن فرنسا لا تملك نفوذاً في العالم العربي بالطريقة التي تملكها في لبنان، باعتبار هذا التداخل بين الثقافة الفرنسية والثقافة اللبنانية، ولذلك فإن فرنسا تريد تركيز نفوذها في لبنان، ولعلها تريد الاستفادة من اتفاق المصالح بينها وبين أميركا بغية تركيز هذا النفوذ.
بينما تريد أمريكا للبنان أن يكون موقعاً من مواقع تحريك استراتيجيتها في المنطقة، وهو ما لاحظناه من جهة المسألة المتعلّقة بالقرار1559 الذي ركّز على مسألة الانسحاب السوري، حيث تريد أمريكا الضغط على سوريا وليس لمصلحة لبنان، وإنما لمصلحتها في الموضوع العراقي والحرب على الإرهاب الذي يتمثل في نظر أميركا في دعم سوريا للقيادات الفلسطينية.
وكذلك في ما يتعلق بنـزع سلاح "حزب الله"، تحت عنوان أن أميركا تريد أن تزيل كل مواقع الخطر عن إسرائيل في هذا المقام، وهكذا بالنسبة إلى نزع سلاح المخيمات الذي لا يصل إلى المستوى نفسه، ولكن من الممكن أن يحقق بعض الشروط، كالتوطين وغيره، وربما يمتد إلى أن يكون خطراً في بعض الحالات، ولو من خلال التعاون مع (حزب الله)، وبالنسبة إلى المواجهة مع إسرائيل.
وهو ما لاحظناه أيضاً في خطاب الرئيس الأميركي الذي كان يتحدث صباح مساء عن الديموقراطية اللبنانية، وكيف أنتج الديموقراطية اللبنانية، وخصوصاً في التظاهرات التي حصلت، ونحن نعرف أن لبنان كان ديموقراطياً منذ الأربعينات، بصرف النظر عن اشتمال الديموقراطية على سلبيات. إنه أراد أن يقول للرأي العام الأميركي إننا نجحنا في "دمقرطة" لبنان مثلاً، في وقت يشكك آخرون بنجاح هذه التجربة في العراق وأفغانستان.
إن الفرق بين أميركا وفرنسا، أن فرنسا تريد من تحركها في لبنان إبقاء نفوذها فيه، بينما تريد أميركا أن تجعل من لبنان موقعاً يمتد إلى المواقع الأخرى في استراتيجيتها في المنطقة كلها".
س: من الواضح الآن أن هناك صراعاً أميركياً سورياً حادّاً، ومن الواضح أيضاً أن لبنان صار الساحة الأساسية لهذا الصراع أو أداة له، والأجواء السائدة توحي، وخصوصاً بعدما ضعف الأمل في إجراء تغيير في رئاسة الدولة قبل انتهاء الولاية الممددة للرئيس إميل لحود، بنحو سنتين ونصف السنة من عدم الاستقرار. هل سيبقى الوضع الراهن غير المستقر في لبنان على حاله، أم سيتفاقم؟ وهل سنشهد عراقاً مصغّراً في لبنان؟
ج: "كيف تكون صورة الوضع في لبنان مع استمرار الرئيس في رئاسته؟ إنّ هذا يتوقف على الفرص التي يملكها المعارضون في مسألة إيجاد الاهتزاز في موقع الرئاسة، الذي بدأ يعيش تعقيداً، إن من خلال الموقع الماروني لرئاسة الجمهورية، أو من خلال عدم وجود خطّ قانوني يسمح بذلك.
وفي تصوري، أن اللبنانيين يتأقلمون حتى مع المرض. لذلك فإنّ لبنان لا يمكن أن يكون بلا حكومة، ولا بد أن تنطلق الحكومة من شرعية رئيس الجمهورية.
إذا ساعدت الظروف على بقاء الرئيس في رئاسته، فلن يكون هناك فراغ دستوري، إلا إذا حصلت هناك ظروف فوق العادة في هذا المجال. ولكنّ المسألة لن تصل إلى المستوى الذي تتجمد فيه الأمور".
وتابع: "أما على مستوى أن يكون لبنان عراقاً آخر، فإن هذا بعيد جداً، لأن اللبنانيين كما نراهم، ليسوا مستعدّين للدخول في أية حرب. وأما قضية الاغتيالات، فهي حتى الآن مما لم يُكشف عنه حتى بالنسبة إلى الاغتيال الكبير للرئيس الحريري (رحمه الله)، الذي كان الفريق الكبير ممن يحيط بعائلته يرى أنّ التفجير حصل داخل الارض، وجاء المحقّق الألماني ليقول إن الانفجار حصل فوقها، ما يتجه بالمسألة اتجاهاً آخر. إن مسألة الاغتيالات هي من المسائل غير الواضحة، ولن يُكشف عنها. لذلك لا يمكننا أن نركّز على أن سوريا وراء المسألة مثلاً، لأنّه عندما تتنوع الجهات التي لها مصلحة في اهتزاز الواقع اللبناني، تجعلنا نتساءل عن التركيز على جانب واحد".
جريدة النهار:25 جماد الأول 1426 الموافق في 02/07/2005
س: هل يمكن أن تستمر موجة الاغتيالات في لبنان وتتطور في ظل شلل الأجهزة الأمنية والدولة في صورة عامة؟
ج : "إني أتساءل من ناحية الجانب الأمني اللبناني، أن الحديث كان عن إقالة الأجهزة بقادتهم، والمفروض أنهم أقيلوا، فإذا أُبدِلوا بشخصيات هي محل رضى فماذا فعلوا؟ وإذا لم يبدلوا فلماذا؟ إذا كانت المشكلة مشكلة أمنية، والمفروض أن الأمن أصبح في يدنا، لأن هناك حكومة ترضى عنها المعارضة مثلاً، فلماذا لم يبدل هؤلاء؟ وإذا كان البعض يقول إن هذه الحكومة هي حكومة انتخابات، فهي حكومة انتخابات وأمن، حتى إنّ الانتخابات مرتبطة بالأمن".
س: إنها ليست حكومة انتخابات فقط. الجميع يعرفون أن لرئيس الجمهورية أكثرية فيها، ويتهمونه بتعطيل إعادة ترتيب الأجهزة الأمنية بعد إقالة قادتها، علماً أنه يستطيع في ما تبقى من ولايته تعطيل الكثير من الأمور؟
ج: "إذا كان رئيس الجمهورية خطراً على الأمن لأنه رئيس الجهاز الأمني كما يقولون، فلماذا أُعطيت الحكومة كل أصوات الموالاة والمعارضة؟".
س: نالت الحكومة الأصوات التي تحدَّثت عنها، لأنّ "تدخلاً" حصل لتلافي الفراغ، ولإجراء انتخابات نيابية في الموعد المحدد دستورياً. أما بالمقياس الداخلي، فإن الحكومة ليس فيها تمثيل، وهناك نقطة أخرى، وهي أن "العمل" في الأجهزة الأمنية سنوات طويلة لا ينتهي بإقالة قادتها؟
ج: "هناك نقطة، وهي أن الانتخابات مربوطة بالأمن الذي يقوم به الجيش وقوى الأمن الداخلي، ولهذا فمن يحمي المرشحين والناخب! هذا يعني أن هناك أمناً استطاع أن يحمي الانتخابات؛ فلماذا لم يحمِ سمير قصير، وجورج حاوي؟ إنّ كل الكلام الذي قيل عن أنها حكومة انتخابات، غير دقيق، لأن لدينا جيشاً وقوى أمنية، والجميع يقول: لقد جرت الانتخابات في جو أمني هادئ، وهو ما يؤكده الأمن ومخابرات الجيش وغيرهما. ومشكلة الكثير من الناس أنهم يعتقدون أن اللبناني ساذج، ومن الممكن الضحك على ذقون اللبنانيين بطريقة وبأخرى".
س: في لبنان، وقياساً إلى تجارب الماضي، لا يمكن أن تحصل حرب أهلية إلاّ إذا كانت العوامل الخارجية جاهزة ؟
ج: "غداً يصبح عندنا حكومة، والعامل الخارجي لا يزال موجوداً، لأننا انتقلنا من وصاية عربية إقليمية إلى وصاية دولية. فما الذي يُؤمننا غداً من الخلل الأمني، باعتبار أن مصالح الدول ربما تفسح في المجال لمثل هذا الخلل، كما في السابق".
س: كيف سينتهي، في رأيكم، الصراع الأميركي السوري في لبنان وعلى سوريا؟
ج: "إن هناك مشكلات بين سوريا وأميركا تتحدد في القضية العراقية أولاً، لأنها تدخل في اللحم الحي الأميركي، وهناك بدرجة أقل مسألة دعم القيادات الفلسطينية، ولبنان هو البلد الذي يُراد أن يضغط من خلاله على سوريا. وبعد خروج المخابرات السورية، لم يبق هناك ما تضغط به أميركا على سوريا في لبنان، وهم قد يتحدثون عن بقايا مخابرات، ولم تجد اللجنة شيئاً ملموساً في هذا المجال. وأما قضية نزع سلاح (حزب الله)، فقد كان من الممكن الضغط به على سوريا عندما كانت في لبنان، أما الآن، فسوريا تقول لقد طبّقنا القرار 1559 ولم يعد لدينا مشكلة في هذا المجال. ليس هناك شيء كبير يمكن أن تضغط به أميركا على سوريا في لبنان، والمسألة أصبحت في هذا التشويه الإعلامي بأن سوريا لا تريد للبنان أن يستقر، وفي الطّلب الأمريكي من الاتحاد الأوروبي الوقوف ضد سوريا وغيرها، مما قد لا يترك تأثيراً كبيراً على المستوى السياسي والاقتصادي، وخصوصاً أن لأوروبا مصالح في سوريا. ولهذا، فقضية التوقيع على الاتفاق الأوروبي السوري لا تزال واردةً، ولكنها تنتظر وقتاً معيناً في هذا المجال. وفي تصوري، ليس هناك شيء أميركي في لبنان ضد سوريا. وأما في مسألة العراق، فإني أرى أن السوريين بدأوا يتحركون بطريقة وبأخرى، بطريقة لا تمنع إزعاجهم لأميركا، ذلك أن سوريا تؤكّد أنها لا تستطيع السيطرة على الحدود مع العراق لمنع المتسلّلين إليه، محمِّلةً واشنطن المسؤولية، كونها لم تتعاون معها في مدّها بالأجهزة المتطوّرة التي تساعد في الإمساك بالحدود ومنع المتسلّلين.
أنا لا أعتقد أن العلاقات الأميركية ـ السورية سوف تنتهي إلى علاقات كارثية، وخصوصاً أن أميركا تتحدث دائماً أنها لا تريد إسقاط النظام السوري، بل الإصلاح الذي بدأت به سوريا مثلاً. إن أميركا في حاجة إلى سوريا في العراق، وخصوصاً أن لا أمد محدّد لبقاء الاحتلال الأميركي في العراق، كما أنها بحاجة إلى سوريا في مسألة الحرب ضدّ الإرهاب، أما المسألة الفلسطينية، فنحن نعرف أنها ليست على نار حامية بالنسبة إلى أميركا. وطبعاً فإن سوريا في حاجة إلى أميركا فوق العادة لفك الحصار حولها. وإذا كان البعض يقول إن أميركا يمكن أن تحرّك السلفيين، فإننا نعتقد أن هذا ليس واقعياً، وخصوصاً إذا درسنا زيارة رئيس وزراء تركيا لأميركا، وحديثه عن الحاجة إلى سوريا في القضية التي تتصل بأمن تركيا، وحتى في ما يتعلّق بأمن العراق".
س: إذا نجحت سوريا وأميركا في تسوية علاقاتهما، فهل سيعود دور سوريا في لبنان إلى ما كان عليه، أو بصيغة منقحة وبموافقة أميركية؟
ج: "أنا لا أتصوّر ذلك، لأن الظروف التي أعطيت سوريا فيها الفرصة للحركة بحرية في لبنان لم تعد موجودة. فالمسألة كانت تتعلق بالحرب الأهلية، وبظروف أميركية وسورية، وعندما تعود العلاقات طبيعية بين أميركا وسوريا، فإن سوريا لن تُعْزَل عن لبنان".
جريدة النهار:27 جماد الأول 1426 الموافق في 04/07/2005
س: هل تذهب البلاد إلى ثنائية طائفية ومذهبية تمسك بها، كثنائية سنية ـ درزية، أو شيعية ـ مسيحية، أو سنية ـ شيعية؟
أجاب المرجع الديني: "عندما ندرس هذه العلاقات في لبنان، فإنّنا لا نجد أنها تملك الكثير من العمق، لأننا عندما ننفذ إلى داخلها، نجد أن هناك اعتبارات معيّنة تكمن وراءها، قد تكون انتخابية أو مالية، وربما تكون ناتجة من بعض العوامل الخارجية كالعوامل السورية التي كانت سابقاً. لهذا فإن مسألة الثنائية التي كانت موجودة في بداية الاستقلال مثلاً (سنية ـ مسيحية)، لم تعد هناك ظروف لتأكيدها، لأن العلاقات تبقى خاضعة لبعض الاعتبارات التي تتغير بين مرحلة وأخرى في هذا المجال، وهذا ما لاحظناه في مسألة الانتخابات التي أفرزت نوعاً جديداً من التحالفات. إن مسألة الثنائية كانت تخضع لظروف معيّنة أعتقد أنها انتهت وليست موجودة الآن.
أما على مستوى الحساسيات المذهبية، وخصوصاً الشيعية ـ السنية، فأستطيع القول إن الشيعة لا يفكرون ـ على الأقل من جانبهم ـ في أية حالة من الحالات التي يعيشون فيها، بأي عقدة من السنّة في هذا المجال. ومن الطبيعي أن تخلق الإثنية أو التعددية تحديات أحياناً، وخصوصاً عندما تثار مسائل المقدسات، ولكنها لن تصل إلى مرحلة تشكل خطراً، لأن مصالح الناس صارت متشابكة، وخصوصاً في بيروت وغيرها".
س: طبّق حتى الآن من القرار الدولي 1559 البند المتعلق بانسحاب سوريا من لبنان. كيف سيتم التعامل مع سلاح المقاومة والفلسطينيين المقيمين في لبنان، الذين اعتبرهم القرار المذكور ميليشيات لبنانية وغير لبنانية، وطالب بنـزع سلاحهم؟ هل سيستكمل تنفيذ هذا القرار في رأيكم؟
ج: "من الصعب جداً أن يطبّق هذا القرار عسكرياً، بل ربما سيصل إلى حد المستحيل. لأن تطبيقه عسكرياً سوف يُنهي لبنان، ولكنّ التحرّك السياسي على أساس الحوار، واعتبار سلاح المقاومة شأناً لبنانياً، يتوقف على طبيعة إدارة هذا الحوار، ونحن نعرف أن المعركة السياسية تحتاج إلى آليات وطروحات معينة قد لا يملك "حزب الله" الكثير منها على مستوى المقبولية الدولية أو المحلية، ولكني أعتقد أنه من الصعب أن يطبّق حتى لو كانت هناك ظروف للتطبيق".
س: كيف يمكن معالجة موضوع سلاح المقاومة (حزب الله) بطريقة تجعل قوتها قوة للدولة اللبنانية، ولا تسمح بنشوء دولة داخل الدولة لها ارتباطات مع جهات إقليمية معروفة؟
ج: " من الصعب جداً أن يُنـزع سلاح (حزب الله)، أو أن يقتنع الحزب بنـزع سلاحه ما دامت العلاقات العربية ـ الإسرائيلية على حالها، أما مسألة ارتباط "حزب الله" بالآخرين، بناءً على الحديث القائل إن سلامه مرتبط بالجولان أو بالملف النووي الإيراني، فإنني لا أجد أن هذا الطرح يمثل حالة واقعية، على الأقل في التوازنات الدولية في هذا المجال. من الصعب جداً على (حزب الله) أن يدخل سوريا مثلاً ليدافع عن الجولان، لأنه لم يدخل فلسطين مثلاً قبل ذلك، ولو كان مستعداً للمغامرة، لكان الأولى به دخول فلسطين، وخوض حرب في فلسطين بما يملك من صواريخ، لذا فهذه المسألة غير واقعية. أما بالنسبة إلى إيران، فإنني لا أتصور أن إسرائيل ستغامر بقصف المفاعل النووي الإيراني، لأن إيران تملك قدرة الرد والردع، وكذلك (حزب الله) الذي لم يصل إلى حد تلقي الأوامر من إيران أو سوريا، ولكنه جرّب طيلة المدة الماضية التنسيق مع الجيش اللبناني، وهذا التنسيق يمكن أن يبقى إذا لم يوجد حل لسلاح المقاومة، وخصوصاً أن تجربة (حزب الله) بالنسبة إلى الحدود كانت رائدة، فهو لم يضغط على المسيحيين، حتى على عملاء إسرائيل وقت التحرير وبعده، لهذا لم نجد أية مشكلة مثلاً في المنطقة الحدودية.
أعتقد أن (حزب الله) بلغ مستوى من الرشد يمنعه من المغامرة، رغم ما أثير في المرحلة الأخيرة من كلمات".
س: كان يقال إن لكل من سوريا وإيران نفوذاً واسعاً داخل (حزب الله)، وكان يقال أيضاً إن أحد أسباب نفوذ سوريا داخله، كان قدرتها على إيذائه لو اتبع سياسة مخالفة لها، لأنها (كانت) في لبنان وعلى حدوده. هل تبدّلت معادلة النفوذ الإقليمي هذه؟
ج: "أستطيع تأكيد قضية، وهي أن سوريا طيلة فترة وجودها في لبنان، لم يكن لها أية مصلحة في توجيه التعليمات إلى "حزب الله"، حيث كانت العمليات تنطلق من الوضع الداخلي للمقاومة، وفي كثير من الحالات لم تعرف سوريا بذلك، كما أنه لم تكن لها أية مصلحة في الضغط على (حزب الله) عندما كانت موجودة في لبنان، فكيف وهي غير موجودة اليوم! لهذا ما يتصوّره البعض من أن سوريا أو إيران تقولان له افعل واعمل كذا، هو تصور لا معقولية له ولا أهمية في هذا المجال، ولا سيما عندما ندرس منطلقات عمليات (حزب الله).
س: سلاح المقاومة هو سلاح وطني، لكن هل هو سلاح شيعي أيضاً؟ بمعنى هل يصبح هذا السلاح شيعياً ويستعمل إذا تطورت الأوضاع في لبنان أكثر، لا سمح الله، نحو الطائفية المذهبية، أو نحو صراع على أساس أي منهما؟
ج: "لا، نحن نعرف أن المقاومة لا تفكر في هذه الطريقة، ولكن عندما تتصل المسألة بالحرب على المقاومة، فهذه ليست مسألة شيعية، عندها للمقاومة الحق في الدفاع عن نفسها، لا من منطلق كونها شيعية، بل لأنها مقاومة يُراد إسقاطها. وأستطيع تأكيد مسألة في الواقع الشيعي، وهي أن الشيعة هم الطائفة الوحيدة التي ليست طائفية، فهم لا يحملون ذهنية طائفية ينظرون من خلالها إلى الطوائف الأخرى نظرة سلبية أو عدوانية أو غير ذلك. وهم الذين كانوا يوزعون كل قياداتهم وعناصرهم على كل المنظمات والأحزاب".
س: الجميع يعرفون أين أصابت سوريا في لبنان (وقف الحرب، بناء المؤسسات العسكرية والأمنية، المساعدة في عملية التحرير من الاحتلال الإسرائيلي)، لكنها أخطأت أيضاً، بدليل الجو الشعبي العارم في سلبيته حيالها، فأين أخطأت سوريا في رأيكم؟
ج: "من الطبيعي أنه حصلت أخطاء، وهو ما اعترف به الرئيس الأسد، حتى إنني سمعت من بعض الشخصيات أنه كان هناك اقتراح أن يحصل انسحاب من لبنان عام 2000. والأخطاء التي وقعت لا يتحملها السوريون فحسب، بل الذين استغلوا الوجود السوري لحساب مصالحهم من اللبنانيين على جميع المستويات".
س: كيف تفسرون فشل حجة الإسلام هاشمي رفسنجاني في الانتخابات الرئاسية الإيرانية أخيراً، وفوز منافسه رئيس بلدية طهران محمود أحمدي نجاد؟
ج: "أنا أرى أنّ نجاد استخدم خطاباً توجه به إلى الناس، ولحظ من خلاله حاجات الناس إلى العمل ولقمة الخبز، والانفتاح الشعبي على الناس والاندماج معهم، خاصة وأنّ هناك مشاكل كثيرة اقتصادية تحتاج إلى حلول، هذا إضافةً إلى بعض مراكز القوى الداخلية التي ساهمت في نجاحه. وأما رفسنجاني، فقد عاش تجربة طويلة، وأعطى المسألة الخارجية اهتماماً أكبر. وأما في المسائل الاقتصادية، فقد عاش تجارب الرئاسة ولم يتمكن من حلّ هذه المشاكل، هذا فضلاً عن التأثيرات الموجودة في مراكز القوى الداخلية كما قلنا".
س: أليس النجاح في حل المشكلات الاقتصادية يحتاج إلى علاقات مع الخارج؟ وهل أنّ كلام رفسنجاني أثناء المعركة الانتخابية عن ضرورة حل مشكلة العلاقات مع أميركا، دفع مراكز القوى التي أشرتم إليها إلى التكتل ضده؟
ج: "من الممكن جداً أن تكون المسألة الخارجية في العلاقات، ولا سيما مع أميركا، إضافة إلى قوة رفسنجاني، وهو شخصية قوية، وممن صنعوا الثورة، وراء مسألة التكتل الذي صار ضده".
س: هل إن فوز رفسنجاني في ما لو حصل، كان سيشكِّل حداً لسلطة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي؟
ج: "من خلال درس قوة رفسنجاني، نلاحظ عدم استبعاد ذلك".
س: هل في انتخابات إيران الرئاسية الأخيرة رسالة من المحافظين إلى الخارج تؤكد له أن الحوار لا يمكن أن يحصل إلا معهم ومع نظامهم؟
ج: "قد لا يكون ذلك بعيداً".
س: هل يؤثر فوز نجاد على الموضوع النووي والمفاوضات الجارية في شأنه بين إيران والثلاثي الأوروبي؟
ج: "لا أظن ذلك، لأنّ المسألة ليست في يد رئيس الجمهورية وحده، بل هناك مجلس الأمن القومي، وعلينا معرفة أن المفاوضات في المشروع النووي كانت بإشراف مجلس الشورى المسيطر عليه من المحافظين".
س: هل الشباب الإيراني الذي يشكِّل نسبة مرتفعة جداً من مجموع شعب إيران، في حالة ابتعاد عن النظام القائم فيها نتيجة إمساك المحافظين بمفاصله؟ وهل سيؤدي ذلك إلى انتفاضة شعبية ما؟
ج: "قضية الانتفاضة بالمعنى الحركي لقلب النظام صعبة جداً، لأن في إيران ضوابط كثيرة. ولكن انتفاضة جيل شباب قد لا ينفتح على الثورة مطلقاً بل على محاور أخرى ممكن".
جريدة النهار:28 جماد الأول 1426 الموافق في 05/07/2005