فضل الله لأميركا: تسألون لماذا تكرهوننا؟ ونجيب كيف نحبكم؟

فضل الله لأميركا: تسألون لماذا تكرهوننا؟ ونجيب كيف نحبكم؟

"الولايات المتحدة تعيش الإرباك وتستبعد الأمم المتحدة.. والمقاومة في العراق قد لا تكون عراقية"

نصير الأسعد

في خضمِّ التطوّرات التي تشهدها المنطقة، سواء على الصعيد العراقي أو على مستوى المسألة الفلسطينية، يقدّم المرجع الإسلامي الشيعي العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله قراءة مدققة في الأوضاع الراهنة، مستشرفاً آفاق المرحلة، محدّداً طبيعتها واتجاهاتها الرئيسية.

أمريكا في الرمال العراقية

يعتبر السيد فضل الله أن الولايات المتحدة "تعيش الإرباك والقلق، لأنها لم تخطط بشكل دقيق لإدارة العراق، فغرقت في الرمال العراقية لا بل في العواصف العراقية". ويرى أن قلق أميركا "يزيد من خلال القتلى والجرحى الذين أصبحت أخبارهم يومية، ما جعل المسألة تدخل في دائرة التجاذبات الانتخابية فأضحت جزءاً من المعركة بين الديموقراطيين والجمهوريين، وحتى بين الجمهوريين أنفسهم".

وفي قراءته لأصل الموضوع، يلاحظ فضل الله أن "أميركا لم تنطلق في المنطقة من قاعدة سياسية مدروسة ودقيقة، بحيث تملك فيها أن ترتب المنطقة على قياسها"، ويلفت إلى أن "بعض المواقع الدولية لا يريد لأميركا أن تنجح، تماماً لأن أميركا كانت تريد طرد هذه المواقع من المنطقة". والسبب في ذلك واضح: العراق يملك إلى جانب ثرواته موقعاً استراتيجياً يطل على أكثر من دولة مهمة، الأمر الذي يسمح في رأي السيد للولايات المتحدة الطامحة إلى السيطرة، بأن تكمل حصارها على أوروبا وروسيا واليابان والصين.

لذلك، لا يتردّد فضل الله في القول إن "السياسة الأميركية في العراق سوف تنتقل من فشل الى فشل ومن مشكلة إلى مشكلة، باعتبارها لا تزال مصرّةً على عدم إعطاء الأمم المتحدة (والدول الكبرى ضمناً) أي دور، لأنها تريد أن تكون وحدها القيادة بما في ذلك للقوات المتعدّدة الجنسيات". ويتوقع أن تستمر المسألة العراقية طويلاً "ما دامت أميركا تصرّ على البقاء في العراق"، ولا يستبعد أن تخطط الولايات المتحدة لـ"بعض الفتن بمظهر عرقي أو مذهبي تبريراً لوجودها".

الأمـم المتحـدة

لكن، هل ينطوي تحليل المرجع فضل الله على اتهام ما للولايات المتحدة بالوقوف وراء تفجير مقرّ الأمم المتحدة في بغداد، طالما أنه يتهمها بإقصاء المنظمة الدولية عن أي دور فاعل في العراق؟

يجيب: "لا أدّعي ذلك، لأن أميركا لا تستطيع أن تتحمّل مسؤولية عدم حماية المؤسسات الدولية"، ويضيف: "لا أتصوّر أن أميركا مسؤولة بشكل مباشر، لكن المسألة هي أن الأمم المتحدة كلّما ضعفت أكثر، فإن أميركا قد تستفيد من ذلك لكنها لا يمكن أن تقوم بمثل هذا العمل".

إذاً، من قام بتفجير مقرّ الأمم المتحدة.. مقاومة عراقية؟

"إن مسألة المقاومة لا تزال في مرحلة ضبابية"، يقول السيد فضل الله الذي يشير إلى أن "ما يسمّى بالمقاومة" يمكن أن يكون متمثلاً بـ"بقايا النظام السابق وبجماعات إسلامية متنوعة، ذلك أنه بحسب المعلومات، ثمة نوع من التجمع لكل الذين يؤمنون بالعنف في كل مكان في العالم جاءوا إلى العراق على أساس أنه ساحة مؤهلة للحرب ضد أميركا". ويلفت إلى أن "المقاومة قد لا تكون عراقية بالمعنى الدقيق، لأن الشعب العراقي لا يزال متعباً نتيجة ممارسات النظام الطاغي السابق".

ويلاحظ أن "السلوك الأميركي في العراق والقتل العشوائي وفشل الولايات المتحدة في إعطاء ما وعدت به، كل ذلك سوف يساهم في تعاطف بعض الشعب العراقي".

إيـــران

ودائماً في الموضوع العراقي، يتناول المرجع الإسلامي معطيات العلاقة الإيرانية بهذا الموضوع، فيعرب عن اعتقاده أن للدافع إلى هذه العلاقة سببين رئيسيين؛ أوّلهما "دفاع الجمهورية الإسلامية عن نفسها أمام الاحتلال الأميركي للعراق، الذي يشكّل الضغط على إيران من موقع متقدّم أحد أهدافه"، ولذلك "من الممكن أن تسعى إيران إلى إيجاد مواقع للضغط على أميركا ليحصل نوع من التوازن بين الموقع الإيراني في العراق من جهة، وما تخطط له أميركا للضغط على إيران من خلال العراق من جهة ثانية". أما السبب الثاني، فهو أن إيران "ربما كانت تفكر من خلال استراتيجيتها الإسلامية في أنها معنية بالوجود الشيعي كما بالوجود الإسلامي الآخر، وتعتبر نفسها مسؤولة عن بعض ما يتعلق بهذا الوجود". ومن هنا، يرى السيد فضل الله أنه "من الطبيعي أن تكون المرحلة مرحلة شدّ وجذب بين السياستين الأميركية والإيرانية"، ويقدّر أن "ثمة حرباً سياسية خفية بين الطرفين أساسها انعدام الثقة".

فلسـطيـن

ولدى الانتقال إلى المسألة الفلسطينية، يعتبر فضل الله أن القضية الفلسطينية دخلت بعد أحداث أيلول في واشنطن ونيويورك عام 2001 في أفق جديد، "هو مسألة الحرب ضد الإرهاب، لأن كل الذين يواجهون إسرائيل إرهابيون في المنطق الأميركي، حتى على مستوى معاهد الدراسات في أميركا". ومع ذلك، فإن "أميركا لم تستنكر أي اعتداء إسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين والأرض الفلسطينية، لأنها حسمت في أن كل ما تفعله دفاع عن النفس".

ولا يتردّد السيّد في القول إن الرئيس الأميركي جورج بوش "أعطى الضوء الأخضر لاغتيال قيادات، بل للقيام بعملية إبادة جزئية أو كلية في مرحلة انتخابات الرئاسة".
ويعرب العلاّمة عن "الشك في أن تكون أميركا جادة على المستوى الاستراتيجي في خارطة الطريق، فهي أرادت من خلال الخارطة أن تقول للشعوب العربية والإسلامية إنها كما دخلت إلى العراق حرباً، ستدخل فلسطين سلماً من خلال الحديث عن دولة فلسطينية غامضة". ويرى أن "إسرائيل بالاتفاق مع بوش في الخفاء، أو من خلال طبيعة استراتيجيتها، بدأت تعطّل كل مبادرة، معتمدةً على أن بوش لا يملك أن يفرض على إسرائيل شيئاً". ويبدي اقتناعه بأن أميركا "تعمل بقوة مع إسرائيل لخلط الأوراق، فتلمّع شخصية "أبو مازن" على حساب عرفات، وتضع العصي في دواليبه، لأن الحديث عن تفكيك المنظمات يعني إسقاط السلطة الفلسطينية الممثَّلة بـ"أبو مازن" التي لا تملك أن تنفذ ما يراد لها أن تنفذه".

ويشدّد السيد فضل الله على أن "الأمور وصلت إلى الخطوط الحمر، وقد تؤدي إلى حرب داخل الواقع الفلسطيني إن لم تأخذ الحكومة الفلسطينية بأسباب العقل".
وفي ختام القراءة التي يجريها، يتوقع المرجع السيد فضل الله أن تزداد الضغوط على إيران وسوريا ولبنان في موازاة الفشل الأميركي في فلسطين والعراق، وأن تزداد ملاحقة الجمعيات الخيرية بحجة أنها تدعم الإرهاب.

ويختم السيّد ساخراً: "تسألون لماذا تكرهوننا ونجيب كيف نحبكم؟".

جريدة المستقبل اللبنانية - الأربعاء 28 جمادى الآخرة 1424هـ/27 آب-أغسطس 2003 - العدد 1384

"الولايات المتحدة تعيش الإرباك وتستبعد الأمم المتحدة.. والمقاومة في العراق قد لا تكون عراقية"

نصير الأسعد

في خضمِّ التطوّرات التي تشهدها المنطقة، سواء على الصعيد العراقي أو على مستوى المسألة الفلسطينية، يقدّم المرجع الإسلامي الشيعي العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله قراءة مدققة في الأوضاع الراهنة، مستشرفاً آفاق المرحلة، محدّداً طبيعتها واتجاهاتها الرئيسية.

أمريكا في الرمال العراقية

يعتبر السيد فضل الله أن الولايات المتحدة "تعيش الإرباك والقلق، لأنها لم تخطط بشكل دقيق لإدارة العراق، فغرقت في الرمال العراقية لا بل في العواصف العراقية". ويرى أن قلق أميركا "يزيد من خلال القتلى والجرحى الذين أصبحت أخبارهم يومية، ما جعل المسألة تدخل في دائرة التجاذبات الانتخابية فأضحت جزءاً من المعركة بين الديموقراطيين والجمهوريين، وحتى بين الجمهوريين أنفسهم".

وفي قراءته لأصل الموضوع، يلاحظ فضل الله أن "أميركا لم تنطلق في المنطقة من قاعدة سياسية مدروسة ودقيقة، بحيث تملك فيها أن ترتب المنطقة على قياسها"، ويلفت إلى أن "بعض المواقع الدولية لا يريد لأميركا أن تنجح، تماماً لأن أميركا كانت تريد طرد هذه المواقع من المنطقة". والسبب في ذلك واضح: العراق يملك إلى جانب ثرواته موقعاً استراتيجياً يطل على أكثر من دولة مهمة، الأمر الذي يسمح في رأي السيد للولايات المتحدة الطامحة إلى السيطرة، بأن تكمل حصارها على أوروبا وروسيا واليابان والصين.

لذلك، لا يتردّد فضل الله في القول إن "السياسة الأميركية في العراق سوف تنتقل من فشل الى فشل ومن مشكلة إلى مشكلة، باعتبارها لا تزال مصرّةً على عدم إعطاء الأمم المتحدة (والدول الكبرى ضمناً) أي دور، لأنها تريد أن تكون وحدها القيادة بما في ذلك للقوات المتعدّدة الجنسيات". ويتوقع أن تستمر المسألة العراقية طويلاً "ما دامت أميركا تصرّ على البقاء في العراق"، ولا يستبعد أن تخطط الولايات المتحدة لـ"بعض الفتن بمظهر عرقي أو مذهبي تبريراً لوجودها".

الأمـم المتحـدة

لكن، هل ينطوي تحليل المرجع فضل الله على اتهام ما للولايات المتحدة بالوقوف وراء تفجير مقرّ الأمم المتحدة في بغداد، طالما أنه يتهمها بإقصاء المنظمة الدولية عن أي دور فاعل في العراق؟

يجيب: "لا أدّعي ذلك، لأن أميركا لا تستطيع أن تتحمّل مسؤولية عدم حماية المؤسسات الدولية"، ويضيف: "لا أتصوّر أن أميركا مسؤولة بشكل مباشر، لكن المسألة هي أن الأمم المتحدة كلّما ضعفت أكثر، فإن أميركا قد تستفيد من ذلك لكنها لا يمكن أن تقوم بمثل هذا العمل".

إذاً، من قام بتفجير مقرّ الأمم المتحدة.. مقاومة عراقية؟

"إن مسألة المقاومة لا تزال في مرحلة ضبابية"، يقول السيد فضل الله الذي يشير إلى أن "ما يسمّى بالمقاومة" يمكن أن يكون متمثلاً بـ"بقايا النظام السابق وبجماعات إسلامية متنوعة، ذلك أنه بحسب المعلومات، ثمة نوع من التجمع لكل الذين يؤمنون بالعنف في كل مكان في العالم جاءوا إلى العراق على أساس أنه ساحة مؤهلة للحرب ضد أميركا". ويلفت إلى أن "المقاومة قد لا تكون عراقية بالمعنى الدقيق، لأن الشعب العراقي لا يزال متعباً نتيجة ممارسات النظام الطاغي السابق".

ويلاحظ أن "السلوك الأميركي في العراق والقتل العشوائي وفشل الولايات المتحدة في إعطاء ما وعدت به، كل ذلك سوف يساهم في تعاطف بعض الشعب العراقي".

إيـــران

ودائماً في الموضوع العراقي، يتناول المرجع الإسلامي معطيات العلاقة الإيرانية بهذا الموضوع، فيعرب عن اعتقاده أن للدافع إلى هذه العلاقة سببين رئيسيين؛ أوّلهما "دفاع الجمهورية الإسلامية عن نفسها أمام الاحتلال الأميركي للعراق، الذي يشكّل الضغط على إيران من موقع متقدّم أحد أهدافه"، ولذلك "من الممكن أن تسعى إيران إلى إيجاد مواقع للضغط على أميركا ليحصل نوع من التوازن بين الموقع الإيراني في العراق من جهة، وما تخطط له أميركا للضغط على إيران من خلال العراق من جهة ثانية". أما السبب الثاني، فهو أن إيران "ربما كانت تفكر من خلال استراتيجيتها الإسلامية في أنها معنية بالوجود الشيعي كما بالوجود الإسلامي الآخر، وتعتبر نفسها مسؤولة عن بعض ما يتعلق بهذا الوجود". ومن هنا، يرى السيد فضل الله أنه "من الطبيعي أن تكون المرحلة مرحلة شدّ وجذب بين السياستين الأميركية والإيرانية"، ويقدّر أن "ثمة حرباً سياسية خفية بين الطرفين أساسها انعدام الثقة".

فلسـطيـن

ولدى الانتقال إلى المسألة الفلسطينية، يعتبر فضل الله أن القضية الفلسطينية دخلت بعد أحداث أيلول في واشنطن ونيويورك عام 2001 في أفق جديد، "هو مسألة الحرب ضد الإرهاب، لأن كل الذين يواجهون إسرائيل إرهابيون في المنطق الأميركي، حتى على مستوى معاهد الدراسات في أميركا". ومع ذلك، فإن "أميركا لم تستنكر أي اعتداء إسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين والأرض الفلسطينية، لأنها حسمت في أن كل ما تفعله دفاع عن النفس".

ولا يتردّد السيّد في القول إن الرئيس الأميركي جورج بوش "أعطى الضوء الأخضر لاغتيال قيادات، بل للقيام بعملية إبادة جزئية أو كلية في مرحلة انتخابات الرئاسة".
ويعرب العلاّمة عن "الشك في أن تكون أميركا جادة على المستوى الاستراتيجي في خارطة الطريق، فهي أرادت من خلال الخارطة أن تقول للشعوب العربية والإسلامية إنها كما دخلت إلى العراق حرباً، ستدخل فلسطين سلماً من خلال الحديث عن دولة فلسطينية غامضة". ويرى أن "إسرائيل بالاتفاق مع بوش في الخفاء، أو من خلال طبيعة استراتيجيتها، بدأت تعطّل كل مبادرة، معتمدةً على أن بوش لا يملك أن يفرض على إسرائيل شيئاً". ويبدي اقتناعه بأن أميركا "تعمل بقوة مع إسرائيل لخلط الأوراق، فتلمّع شخصية "أبو مازن" على حساب عرفات، وتضع العصي في دواليبه، لأن الحديث عن تفكيك المنظمات يعني إسقاط السلطة الفلسطينية الممثَّلة بـ"أبو مازن" التي لا تملك أن تنفذ ما يراد لها أن تنفذه".

ويشدّد السيد فضل الله على أن "الأمور وصلت إلى الخطوط الحمر، وقد تؤدي إلى حرب داخل الواقع الفلسطيني إن لم تأخذ الحكومة الفلسطينية بأسباب العقل".
وفي ختام القراءة التي يجريها، يتوقع المرجع السيد فضل الله أن تزداد الضغوط على إيران وسوريا ولبنان في موازاة الفشل الأميركي في فلسطين والعراق، وأن تزداد ملاحقة الجمعيات الخيرية بحجة أنها تدعم الإرهاب.

ويختم السيّد ساخراً: "تسألون لماذا تكرهوننا ونجيب كيف نحبكم؟".

جريدة المستقبل اللبنانية - الأربعاء 28 جمادى الآخرة 1424هـ/27 آب-أغسطس 2003 - العدد 1384

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية