المرجع فضل الله يتحدث عن هموم المرجعية الإسلامية بين احتلال العراق ومقاومة الغزاة

المرجع فضل الله يتحدث عن هموم المرجعية الإسلامية بين احتلال العراق ومقاومة الغزاة

أجرت قناة "الجزيرة"، بتاريخ 25/6/2003م، مقابلة مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، ضمن برنامج "بلا حدود"، وقد قدّم معدّ البرنامج الأستاذ أحمد منصور سماحة السيد، قبل بدء الحوار، بالمقدمة الآتية:

شكَّل سقوط النظام البعثي الحاكم في العراق على يد التحالف الأميركي البريطاني في التاسع من إبريل الماضي صورة جديدة للمنطقة، حيث برز الشيعة على الساحة العراقية كقوة هامة في المعادلة، وقد مثَّل استعراضهم في أربعينية الحسين في كربلاء والنجف دعوة لإعادة تقدير قوتهم من جديد، برزت في اهتمام وتغطية وسائل الإعلام العربية والغربية بشكل خاص، غير أن هناك إشكالات عديدة ظهرت مصاحبة لهذا منها إشكالية المرجعية والصراع عليها وعلى زعامة الحوزة في النجف، حيث دفع عبد المجيد الخوئي حياته ثمناً لها بعد عودته بأيام من لندن حيث كان يقيم هناك، كما برزت إشكالية الصراع بين الحوزتين في النجف الأشرف المقر التاريخي للحوزة من القرن الخامس..، وقُمْ المقر المستحدث في أعقاب الثورة الإيرانية، ومع الواقع الجديد في العراق برزت مراجع مؤيدة للوجود الأميركي وأخرى معارضة لها، ومن ثمَّ فهناك من يؤيد المقاومة وهناك من يعارضها.

تساؤلات عديدة حول هذا الموضوع أطرحها في حلقة اليوم على المرجع الشيعي البارز، السيد آية الله محمد حسين فضل الله.

وُلد السيد محمد حسين فضل الله في مدينة النجف الأشرف العراقية لأبوين لبنانيين عام 1935، حيث درس في الحوزة العلمية العلوم الدينية في سن مبكرة، وحاز على مراتب متقدِّمة فيها.

عاد إلى لبنان عام 1966، فأسس حوزة المعهد الشرعي الإسلامي، حيث تتلمذ على يديه الكثير من الطلاب من دولٍ مختلفة، وبعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان آثر السيد فضل الله العيش في الضاحية الجنوبية، واهتم بالعمل الخدمي، فأسس مبرَّات وجمعيات للأيتام ومؤسسات اجتماعية وصحية ومساجد.

وفي العام 1982 ساهم مع بعض علماء الشيعة في تأسيس حزب الله، واتُّهم عام 83 بالضلوع مع آخرين في عملية تفجير مقر القوات الأميركية والفرنسية في لبنان، والذي أسفر عن مقتل ثلاثمائة جندي، وقد تعرَّض بناءً على ذلك لأكثر من محاولة اغتيال قُتل وجُرح في إحداها العشرات.

وفي العام 1994 أعلن مرجعيته حيث يُنظر إليه على أنه أحد أهم الرموز الشيعية ليس في لبنان وحدها، وإنما على مستوى العالم.

محاور الحوار كانت على الشكل التالي:

لا مكان محدود للمرجعية

س - قبل سقوط النظام في العراق، كان هناك ثلاث مرجعيات شيعية في أنحاء العالم، مرجعية السيِّد الخامنئي في إيران، حيث يتولى منصب الوليّ الفقيه والمرجع، وفي العراق السيّد السيستاني ومقرّه في النجف، وسماحتكم هنا في لبنان. ما وضع المرجعية الآن بعد سقوط النظام وتعدّد المرجعيات هناك؟

ج - لا أتصور أن مسألة تعدّد المرجعيات تمثِّلُ إفرازاً من إفرازات الصراع بالمعنى الحادّ الذي تُطرح فيه الكلمة، لأنّ تعدّد المرجعيّات في التاريخ الإسلامي الشيعي يُمثِّلُ تقليداً من تقاليد هذه المرجعية، باعتبارها مرجعيةً فقهيةً في الأصل ترتكز على أساس الكفاءة العالية في الاجتهاد والاستقامة العالية في الدين، ولذلك فإن الشيعة في أنحاء العالم ينفتحون على الشخصيات المرجعية من خلال دراسة ما يملكون من كفاءة. ولهذا فليس للمرجعية مكان محدد، بل ربما تكون في العراق، وهي الأم، باعتبار أن حوزة النجف الأشرف العلمية تمتد في نتاجها الفقهي والعلمي إلى أكثر من ألف سنة، بالإضافة إلى كونها مدفن الإمام علي (ع). لذلك فإن مسألة المرجعية في تعددها هي مسألة طبيعية في الوسط الشيعي، ومن الطبيعي أن تحدث حالات من التنافس قد تشتدّ وقد تلين في بعض الحالات، ولكنَّها لا تقترب مما يُثيره الإعلام في مسألة الصراع، ولا سيما عندما يتحدثون عن حوزتي النجف وقم. فإن النجف تملك امتداداً مرجعياً وحقيقياً حتى في إيران.

المقاومة والخطة

س - بالنسبة للعراق، باستثناء حادث جنوب العراق، فإن المقاومة تتركّز في مناطق السُّنة، هل هناك فتاوى للمراجع بمهادنة القوات المحتلة للعراق؟

ج - ليست هناك فتاوى بالمهادنة، ولكن يبدو أنّه ليس هناك فتاوى بالمقاومة المسلّحة، انطلاقاً من الدراسة الميدانية الواعية للمناخ الذي تتحرَّك فيه القضية العراقية في الوقت الحاضر.

س - السُّكَان يقولون إنهم ينتظرون فتوى لمقاومة البريطانيين؟

ج - في الواقع هم يعبرون عن الالتزام بالمرجعية في فتاواها في الحرب والسلم، ولكن المسألة هي أن المرجعيّة لا تطلق دعوات الجهاد والمقاومة عشوائياً، بل إنّها تعتبر أن المقاومة في أيِّ موقع تحتاج إلى قيادة وخطة ودراسة للظروف المحلية والدولية والإقليمية، لكن الذي يجمع كل الموقف المرجعي هو رفض الاحتلال في العراق والمطالبة بخروج المحتل، وفي الوقت نفسه قيام حكومة عراقية منتخبة من الشعب العراقي.

س - هل هناك محتل خرج بسماحة نفسه ورضاه _ عبر التاريخ _ دون مقاومة؟ وكيف تنظر سماحتك للاحتلال الأمريكي والبريطاني للعراق؟

ج - لقد كنت من أوائل الذين أصدروا الفتوى، في أيام اجتماعات واشنطن ببعض الوفود العراقية، بحرمة مساعدة أمريكا في حربها على الشعب العراقي والسيطرة على مقدراته الاقتصادية والسياسية والأمنية، لأني من خلال دراسة استراتيجية لتوجهات أمريكا، وأقصد الإدارة لا الشعب، أرى أن أمريكا تتحرك على أساس تأكيد إمبراطوريتها على العالم كُلِّه، ولا سيما العالم الثالث والعربي والإسلامي، من خلال ارتباط ذلك كلّه بالمسألة الإسرائيلية التي تشكِّل المسألة الأهم للسياسة الأمريكية في المنطقة، لذلك كنت ضد أيّ احتلال أمريكي اقتصادي أو سياسي أو أمني، لأنني لا أعتبر أن هذا الاحتلال في مصلحة أي بلدٍ محتل.

س - وفي حالة وجود احتلال؟

ج - المبدأ هو المقاومة، ولكنّ المقاومة ليست حماساً وانفعالاً، وإنما خطة. ولذلك ندعو أهلنا في العراق لرسم خطة مدروسة حكيمة للتخلص من هذا الاحتلال.

تنافس لا صراع

س - ولكن هناك السِّجال بين الحوزة الصامتة والحوزة الناطقة. ما تعليقكم على ذلك؟

ج - لعلّ الأفضل في التعبير أن يُقال إن التقاليد التي جرت عليها المرجعيات في الحوزة، سواء في النجف أو غيرها، هي دراسة الأمور بحسب ما تملك من قدرات وطاقات، وبحسب المصالح المحيطة بالموضوع، لذلك فإنّنا نلاحظ في مدى التاريخ أن الحوزة العلمية في النجف الأشرف هي التي قادت مواجهة الاحتلال البريطاني حتى على مستوى العرب عام 1920، حيث خرج رجال الحوزة، والذين قد لا يملك الكثير منهم أيّ تدريب وسلاح، ليقاتلوا المحتل البريطاني آنذاك. وهكذا رأينا أن الحوزة العلميّة في النجف، بما في ذلك ما صدر عن السيّد محمد باقر الحكيم أو بعض المراجع الآخرين، كانوا يعطون آراءهم بما يتصل بالنظام أو القضية الفلسطينية وغيرها. لذلك نحن لا نوافق على مقولة أن الحوزة كانت صامتة، ولكنها حوزة متأنية دقيقة في دراستها وليست مغامرة.

س - من ضمن الحوزة مقابل التيار الذي رفع شعار «الحوزة تقودنا» يوجد تيار يدعو للمهادنة وقبول المحتل، وقد ظهر السيد عبد العزيز الحكيم وتحدث عن هذا الأمر، ما تأثير ذلك على مستقبل الشيعة في العراق؟

ج - إن التيار القائل إن الحوزة مرجعنا هو تيار سياسي يحاول التعبير عن نفسه من خلال هذا الامتداد الجماهيري بالوسائل المتاحة الآن، كالتظاهر، والمطالبة بزوال الاحتلال وغيرها، ولكنه لا يمثل مرجعية بالمعنى الفقهي أو القيادي أو الديني للمرجعية...

س - هل هذا يؤكد وجود أزمة المرجعية في العراق حالياً؟

ج - لا أتصور أن هناك أزمة بالمعنى المرجعي المصطلح.

س - هل هناك صراع؟

ج - ليس هناك صراع بالمعنى الذي تعطيه الكلمة من حِدّة؟

س - ما هو المعنى؟

ج - هناك تنافس، ومن الطبيعي جداً أن تعدد المرجعيات في تاريخ الإسلام الشيعي المرجعي قد يفرض تنافساً، لأن كل إثنينية في الواقع تجتذب بعض الأمور التي تصنع التنافس، ولكنها لا تصل إلى حدّ الإلغاء أو ما أشبه ذلك.

س - التشابكات والصراعات بين التيارات العراقية، الحكيم _ والصدر _ ما تأثيرها على مستقبل الشيعة في العراق؟ في ظلّ ضعف مرجعية السيد السيستاني؟

ج - لا أتصوَّر أن مرجعية السيد السيستاني التي تُمثِّلُ امتداداً للمرجعية التاريخية التقليدية الموجودة لدى مراجع الشيعة، تقف في موقع الصراع أو التنافس أمام الآخرين في هذا المجال.

ليست المسألة كذلك، لأنه يبقى له من خلال دوره المرجعي دور مؤثر.

النظرة إلى النجف

س - نشأت وترعرعت في العراق، في النجف الأشرف، ومرجعتيكم تتخطى حدود لبنان، وربما الكثير من العراقيين يدخلون تحت إطارها وفي أنحاء كثيرة من العالم!! ألا تفكر بالعودة إلى العراق ومحاولة جمع شمل الحوزة؟

ج: من الطبيعي أنّ النجف هي مسقط رأسي، وملاعب صباي، والبلد الذي انفتحت فيه على العالم، حتى وهي تعيش التقليدية في مرحلةٍ ما، كانت لا ترفض الانفتاح، لكني أدرس الظروف الدقيقة في هذا المجال، لا سيما أنني لا أعيش الرغبة في الدخول إلى العراق تحت مظلة الاحتلال الأمريكي له؟

س - لكن تفكر فعلاً في الرجوع للعراق؟

ج - عندما تتهيّأ الظروف، فإنّ ذلك يُمثِّلُ رغبةً لي. ولكنّي في الوقت نفسه أملك تواصلاً هناك وامتداداً في أكثر من موقع.

س - هل هناك من دعاكم للعودة؟

ج - هناك الكثيرون تمنّوا عليّ العودة، منهم أصحاب مواقع جيدة متقدمة أيضاً.

س - هل ستشكِّل عودتكم إذا تمّت تصعيداً للتنافس؟

ج - لا أتصور أن المسألة بهذا الحجم، إلا إذا وضعت في الإطار العام الذي يعيشه العالم الإسلامي من جهة صراع الأفكار التقليدية والمنفتحة على العصر في خط الدعوة إلى الله سبحانه.

س - ألا يمكن أن يشكّل هذا استفزازاً للحوزة في قم، باعتبار أنّها تريد الهيمنة على حوزة النجف، ومخاوف لعودة النجف لما كانت عليه؟

ج - لا أعتقد أن حوزة قم تعمل الآن كحوزة للهيمنة على النجف، لأنّ النجف، وبقطع النظر عن التطورات السلبية التي أحاطت بها، لا تزال تمثل في الوجدان الإسلامي الشيعي الحوزة الأم.

س - معنى ذلك أن النجف ستعود لاستعادة مكانتها السابقة؟

ج - لا أعتقد أن ذلك يسبب مشكلة كبيرة، لأن الكثيرين من طلاّب الحوزة في قم سوف يبقون فيها، وسيأتي الطلاّب من سائر أنحاء العالم إلى النجف، وتبقى الحوزتان معاً، كجامعتين للفقه الإسلامي وللدراسات الإسلامية. ولكني أتصوَّرُ أن منحى الأحداث على صعيد تطور الحريات والتوازن للوضع المستقبلي السياسي في العراق، من الممكن جداً أن يعيد حوزة النجف إلى موقعها المميّز تاريخياً، لأن المسألة هي أن النجف لا توازيها أيّة بلدة أخرى _ كما أن حوزة النجف لا توازيها أيّة حوزة أخرى _ على الأقل في الوجدان الإسلامي الشيعي.

تنافس أم صراع

س - نشرت مجلة المجلة تدفق أموال كثيرة من إيران إلى الملالي في العراق، وتحديداً إلى حوزة النجف للسيطرة على الحوزة وضمان تبعيتها لحوزة قم. هل يعكس هذا صراعاً عربياً فارسياً في الحوزة؟

ج - أشعر بالرثاء والإشفاق لهذا التقرير، الذي يعتبر أن إيران تفكر بالاستيلاء على النجف من خلال المال المدفوع، فهذا أمر يبعث على الرثاء، لأنّ المرجعية عندما تكون في موقع يمتد في العالم الإسلامي الشيعي، فإنّها لا تحتاجُ إلى أيّة إمدادات مالية من أيّة جهة دولية أخرى...

س - كيف يا سيدي وهناك صراع..؟

ج - لا، لأنّه لا بُد من دراسة حجم المرجعية في هذا البلد أو ذاك، ولذلك فإن مسألة التمويل الشرعي سوف يأتي إلى مرجعية النجف كما يأتي إلى مرجعية قُمْ...

س - مرجعية قُمْ لها دولة ومرجعية واحدة أما النجف فلا إذ هناك صراعات عليها؟

ج - هناك نقطة أحبُّ أن أؤكدها، وهي أن الدولة لا تسيطرُ على الحوزة، ولذلك نجد أن هناك عدة مرجعيات في الحوزة، وأن الحوزة ليست رأياً واحداً بالنسبة إلى مرجعية معينة في هذا المجال. وعليه، فإن الحوزة العلمية في قُمْ لا تتموَّل من الدولة، بل من الحقوق الشرعية.

س - الحقوق الشرعية أصبح عليها الكثير من علامات الاستفهام، وأنّها سبب رئيسي للصراع على الزعامة، والسيطرة على المال؟

ج - من الطبيعي جداً أن يكون هناك تنافس كما ذكرت، ولكن لا يملك أحد قيادة الصراع ضِدّ الانفتاح الشيعي في العالم.

س - هناك أناس دفعوا حياتهم ثمناً لهذا الصراع؟

ج - لا أتصور أن ما حدث في النجف في بدايات الاحتلال يدخل في صراع المرجعية.

س - هناك شخصية قُتِلَت، وهناك شخصيات أخرى قتلت قبل ذلك؟

ج - قلتُ ليست المسألة في هذا الحجم، وإن حاول الإعلام وضعها في ذلك، ولكن هي قضية معقّدة اختلطت فيها الأمور.

س - في ظِلّ هذا الخلط، كيف تنظر لمستقبل المرجعية في العراق؟

ج - إنني أتصور أنها سوف تأخذ دورها وموقعها، ولكن حسب الامتداد التاريخي للمرجعية في تقاليدها وأوضاعها، أمّا حركيّة المرجعية وانفتاحها، فهذا يتبع شخصية المرجع وشخصية الظروف التي تحيط به.

لماذا مرجعية السيد مستهدفة؟

س - ما هي دوافعك في تأخير إعلان مرجعيّتك إلى العام 1994؟

ج - الواقع ليس هناك دوافع ذاتية، وإنما هناك الكثيرون في العالم كانوا يطلبون مني ذلك، ولم تكن المرجعية بالنسبة لي طموحاً ذاتياً أسعى إليه، لأنني منذ خمسين سنة كنت إسلامياً أعمل من أجل انفتاح الإنسان على الإسلام بالطريقة الحضارية المنفتحة على قضايا الإنسان المعاصر، وكان كلّ همّي من خلال نشاطي الثقافي الديني والسياسي هو كيف أقدِّمُ الإسلام إلى العالم بالطريقة الحضارية، وكيف يمكن أن أنفتح على الضرورة الإسلامية في الوحدة الإسلامية، حتى إنني في سنة 1952، وفي أول سفرة لي إلى بيروت، شاركت في احتفال تأبيني دعوت فيه إلى الوحدة الإسلامية. إنني أعمل على تركيز وعي الإنسان المعاصر، سواء المسلم في جامعاته ونواديه الثقافية أو غير المسلم، على الإسلام المنفتح المتحرك من أجل معالجة قضايا الإنسان في العالم.

س - لكن سماحة السيد، منذ إعلان مرجعيتك هناك جهات عديدة تعمل للتشكيك بهذه المرجعية وإسقاطها، وهناك مصادر كثيرة أشارت إلى أن هذه الجهات تتمثّل في إيران وحزب الله في لبنان؟

ج - في الواقع إن الأمور التي أفكِّرُ فيها ومن خلال تجارب الواقع على المستوى التاريخي، أنّهُ لا يستطيع أحدٌ تحطيم أحدٍ يملك حضوراً في العالم، ولا يستطيع أحدٌ اغتيال أحد معنوياً.

س - مقاطعاً، هناك محاولات لاغتيالك معنوياً؟

ج - من الطبيعي هناك حملة.

س - ما أسبابها؟

ج - قد يكون بعض أسبابها الاختلاف في المفاهيم.

س - ما هي أهم المفاهيم التي حصل الاختلاف بشأنها؟

ج - لعلها بعض المفاهيم التي تتعلق بالتاريخ، أو تتعلق بالانفتاح على الواقع المعاصر. إنني أعتبر أن هناك جزءاً من هذه المعركة منشأه الصراع بين الوعي والتخلُّف والخرافة والحقيقة، وهناك أيضاً تعقيدات معيّنة قد تتفق فيها بعض الجوانب السياسية أو الشخصانية.

س - هل يدخل فيها عنصر العرب والفرس؟

ج - لا أتصوَّرُ أن القضية بهذا الحجم، ولكن عندما تتعقد الأوضاع، فمن الطبيعي جداً أن تتدخل فيها الكثير من العناصر.

ولاية الفقيه بين النظرية والتطبيق

س - الكثيرون يتساءلون عن سبب اعتماد حزب الله على مرجعية السيد الخامنئي في إيران واستبعادك وأنت الأقرب، بل إنّ الحزب اعتمد على أفكارك في نشأته؟

ج - أعتقد أن المسألة هي إيمانه بولاية الفقيه، ووحدة ولاية الفقيه في العالم.

س - سيدي، قضية ولاية الفقيه قضية معقدة حتى في فهم الناس، وهناك تظاهرات الآن في إيران ضد ولاية الفقيه؟

ج - ولاية الفقيه هي نظرية فقهية.

س - هل تتفق أو تختلف معها؟

ج - إنني لا أعتبر النصوص الدينية تؤكِّد نظرية ولاية الفقيه، وبحسب اجتهادي، لا أرى أنّ هذه النصوص تدلُّ على ولاية الفقيه، ولكني أقول إننا في الخط الإسلامي نؤمن بحفظ نظام الإنسان في المجتمعات، وإذا توقف حفظ النظام في بلدٍ معين أو مرحلة معينة على ولاية الفقيه كان له ذلك، وإلاّ فمن الممكن جداً البحث عن نظرية الشورى أو غيرها.

س - ربط مصير الأمة كُلّها بشخص واحد وإضفاء نوعٍ من التقديس عليه وإنزاله منـزلة الأنبياء، ألا يدل على خلل في الاتجاه السياسي؟

ج - أنا لا أرى هناك اتجاهاً لإنـزال الولي الفقيه منـزلة الأنبياء.

س - مقاطعاً: حتى خيارات الناس لا يتم اعتمادها إلا بموافقته، فماذا يبقى؟

ج - لا، هناك نقطة يجب أن نركّز عليها وندركها، بقطع النظر عن حركية التطبيق التي قد تُثير الجدل هنا وهناك إن الوليّ الفقيه في إيران ينتخب من قبل الشعب بالدرجة الثانية. وإن إيران منذ انتصار الثورة الإسلامية التي قادها الإمام الخميني، أخذت بمنهج الاستفتاء الشعبي الذي لم تأخذ به أي دولة في المنطقة، حتّى في مسألة الدستور والقضايا الأخرى. لذلك من الوجهة النظرية، فالشعب يستطيع إسقاط الولي الفقيه إذا انحرف عن الخطّ الاجتهادي أو الديني وغيره.

س: هناك ما يشبه التفويض المطلق؟

ج: في تصوَّري، إن الولي الفقيه سواء كان الإمام الخميني أو من جاء بعده، لم يستعملوا مسألة التفويض المطلق، بل كانوا في كُلّ ما تنتجه الاستفتاءات الشعبية يوافقون عليها دون تحفظ.

س - هناك الخلل الموجود في إيران الآن بين رأس الدولة والولي الفقيه، وربّما كانت ولاية الفقيه اجتهاداً من الإمام الخميني، فهل ولاية الفقيه قبل الإمام لم تكن موجودة؟

ج - كانت ولاية الفقيه موجودة في الأبحاث الفقهية، وهناك بعض الفقهاء الكبار، ومنهم الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، كان يرى ولاية الفقيه، ولكن الإمام الخميني أعطاها حركية وحيوية واستفاد من الظروف المحيطة به لتنفيذ اجتهاده في هذا المجال. وقضية اختلاف الأفكار أمرٌ صحيح، قد يقول بعض الناس أنّه يدلُّ على عافية وليس على مرض.

س - ولكن إفرازاته الواقعية على حياة الناس تختلف، فليس فيها عافية ولكن مرض؟

ج - لا، هناك عافية من ناحية هذا النوع من الحياة السياسية التي تتصارع فيها الاتجاهات والأفكار، بقطع النظر عن الإساءة في التطبيق، ولكنّنا نحن في الشرق، ولا سيما في العالم العربي، لم نتعوّد على حياةٍ سياسية يمكن أن تتنوّع فيها الخطوط والأفكار، لأن في العالم العربي رأياً واحداً.

س - الإشكالية هنا، فالذي يحدث ليس سجالاً سياسياً، وإنّما هناك مرجعية شرعية يلتزم بها الجميع، أمّا التنافس السياسي فمن الممكن حصوله في أي مجتمع؟

ج - لا، حتى المرجعية الشرعية ليست موحَّدة. وعلى ضوء هذا، فإنّ من الطبيعي أن يختلف الناس حول ذلك، لأنّه ليس هناك من خلال نظرية ولاية الفقيه من يقول إن الولي الفقيه معصوم.

س - لا يقولون ذلك، وإنما يتعاملون معه تطبيقاً؟

ج - لا أظنُّ أنّ هناك تعاملاً على نحو التطبيق، إلاّ من خلال علاقة القضية بتنفيذ القانون، ولا أريد أن أدّعي العصمة في التطبيق أو الدفاع عمّا يحدث، بل إنني أعتقد أن من الضروري جداً متابعة الأحداث في إيران..

س - هل تطالب بإعادة النظر في ولاية الفقيه؟

ج - ليست المشكلة في ولاية الفقيه كيف تتحرك، المشكلة أنني لا أرى ولاية الفقيه على الأساس الاجتهادي إلاّ إذا توقَّف عليها حفظ النظام.

هدف لكل البنادق!

س - الأمريكيون منعوا وزيرين لبنانيين من الدخول إلى أميركا بتهمة التبرع لجمعية يديرها سماحتكم، ما تعليقكم على قولهم إن الجمعية إرهابية وزعيمها إرهابي من المنظور الأميركي؟!

ج - إنّ ما حدث يدخل في صلب التعقيدات السياسية اللبنانية، لأنّ السياسيين اللبنانيين، أيّاً كانوا، يحضرون كل حفلات الإفطار ومن جميع الاتجاهات، وهذا تقليدٌ في لبنان، أمّا الجمعية فهي كغيرها من المؤسسات الخيرية، ولم توضع في قائمة المؤسسات الإرهابية _ بحسب الزعم الأميركي _ ولذلك، لم يصدر هناك أيّ شيء حتّى في القوائم التي يصدرها البيت الأبيض... وبالنسبة لاسمي، فقد وضع في أكثر من قائمة إرهابية _ بحسب منطقهم _ بلحاظ اتهامهم لي أنني وراء عمليات المارينـز والمظليين الفرنسيين وغيرها...

س - تعرضت لأكثر من محاولة اغتيال؟

ج - نعم، ومنها المحاولة الكبرى في بئر العبد التي أشرف عليها وليم كايسي مدير مركز المخابرات الأميركية وموّلت من بعض الجهات العربية بمبلغ 3 ملايين دولار.

س - من أين هذه التفصيلات الدقيقة؟

ج - هذا أمرٌ للتاريخ، وتفصيلاته من مذكّرات وليم كايسي، والواشنطن بوست. ولهذا فالأمريكيون يتهمون أنفسهم، وقد نشروا ذلك في كتاب الحجاب «ليود ود».

س - هل تفكر في مقاضاة الأمريكيين؟

ج - قلت إن الأمريكيين إذا كانوا يتحدّثون عن الإرهاب ويصنفونني بذلك، فإني مستعدٌّ لمقاضاتهم على هذه الجريمة الكبرى.

س - هل نشروا اسم الدولة المموِّلة ومن هي؟

ج - أنا لا أتحدث عن اسم الدولة وقد نشروا ذلك؛ فليرجع الناس إلى مصادرها.

س - ألا تخشى من تكرار هذه الظاهرة في ظِلّ إعادة اتهامك؟

ج - أتصوَّرُ أن الإنسان الذي يبقى في الساحة من دون أن يقدم تنازلات من مبادئه، لا سيما إذا كانت تتصل بمواجهة الاستكبار العالمي في العالم، فلا بدّ أن يفكروا دائماً في إلغائه، كما قال بعض الكتّاب الذين تحدثوا عنِّي: هدفٌ لكل البنادق.

حيثيات الموقف من المقاومة

س - هل هناك مساومات بين المراجع والأميركيين لإصدار فتوى بشأن المقاومة العراقية؟

ج - إنني أستطيع أن أنفي ذلك نفياً قاطعاً، لأن المرجعية الدينية القيادية الفقهية، وعلى مدى التاريخ، لم تخضع لأيّ محتلٍّ أو لأي مساومة. غاية الأمر أن هناك جدلاً في ما صدر في البداية، ولكنّ المسألة كانت حسب ما قرأنا تعيش بين النفي والإثبات.

س - لكنَّ هناك اعتداءً على الناس وحرمة، دولة فماذا تنتظر الحوزة أو المرجعية حتّى تُصدر فتوى؟

ج _ هناك نقطة نقولها، إن الفتوى ليست كلمةً معلَّقةً في الهواء للإعلام، كما إن الدعوات للجهاد ليست مجرد فتوى تطلقها جهة دينية دون التحضير لكل الوسائل التي تجعل من الجهاد مسألة واقعية، لا مجرَّد مسألة لا أُفق لها.

س - من المنظور الفقهي الشيعي، هل يستوي الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين؟

ج - إن هناك فرقاً بين الاحتلال الإسرائيلي وغيره، وهو أن الاحتلال الإسرائيلي استيطاني، أمّا الاحتلال الأميركي البريطاني فهو احتلال سياسي اقتصادي وأمني، ونحن ضد كل الاحتلالات. ولكني أتصوّر أن الأميركيين بغبائهم السياسي أو من خلال التعقيدات التي تعيشها الإدارة الأميركية، يتحرّكون في المنطقة في كل سياستها الأمنية والسياسية من خلال الإدارة الإسرائيلية، لأنني أزعم أنّه ليس هناك سياسة أميركية في منطقة الشرق الأوسط، ولكن هناك سياسة إسرائيلية تنفذها الإدارة الأميركية، لأنني أعتبر بوش ضعيفاً عاجزاً أمام شارون، وهو ما لاحظناه في تراجعه عن تصريحاته التي قد يكون فيها شيء من إلقاء اللّوم على إسرائيل. ولهذا فإنّنا نعتبر أن الاحتلال الأميركي للعراق هو امتدادٌ للسياسة الإسرائيلية التي كانت تجد في العراق، بقطع النظر عن النظام الذي كان يحكمه إذا كان قوياً أو ضعيفاً، خطراً عليها، لأن السياسة الأميركية في استراتيجيتها مع إسرائيل تعمل على أن لا يبقى للعرب قوة، وأن تكون إسرائيل هي القوة الوحيدة في المنطقة.

س - هل الدعوة لعدم مقاومة الأميركيين في العراق، ولا سيّما من قبل تيار الحكيم المدعوم من إيران، تعكس وجهة نظر إيران في احتلال العراق؟

ج - الخطاب الإيراني هو خطاب رفض الاحتلال، ولكني لا أنطق الآن باسم إيران، لأني لا أعرف خلفيات الأمور في هذه القضايا، ولكن الخطاب المعلن هو رفض الاحتلال ودعوة الشعب لتقرير مصيره بيده.

 

أسئلة ومداخلات

الحكم يختاره الشعب

س- نحيّي سماحة السيد لآرائه الجريئة وأسأله لماذا اعتمدت أمريكا في احتلالها للعراق على الأحزاب الإسلامية الشيعية؟؟ (عبد الله الأحمدي _ بريطانيا).

ج - إن الكثيرين يرفضون الاحتلال، وإن الشعب العراقي بما فيه الشيعة كان يُعاني من النظام السابق، الذي حوّل العراق إلى مقابر جماعية، ولهذا فإن المسألة ليست أن كلّ علماء الشيعة هم الذين ساعدوا وساهموا. لقد كانوا يتحدّثون عن إسقاط النظام، ولم يتحدثوا عن الاحتلال الأمريكي في هذا المجال. نحنُ لا ندّعي عصمة أحد، ولكنّ إدخال المسألة السنيّة والشيعية في مثل هذا الجدل لا يخدم الإسلام كلّه، لأني أعتقد أن تاريخ الشيعة في العراق هو أنّهم وقفوا ضدّ الاحتلال البريطاني لمصلحة السنّة وذلك على عهد الخلافة العثمانية، التي كانت وبحسب المصطلح الطائفي والمذهبي سنيّةً آنذاك.

س _ هل تؤيّد قيام دولة شيعية في العراق، مع تقديرنا لعددهم النسبي في العراق؟

ج - نحنُ نعتقد أن الشيعة في كُلِّ أنحاء العالم لم يطلبوا دولة شيعية تخصُّهم في مجتمعٍ تتعدّد فيه المذاهب والأعراق، بل كُلُّ ما يطلبونه هو أن يكونوا مواطنين كبقية المواطنين الآخرين يتساوون معهم في الحقوق. أمّا مسألة من الحاكم في العراق، فإن المسألة لا تخضع لذلك..

س - مقاطعاً: لا أسأل الآن عن الحاكم، وإنّما عن نظام الحكم؟

ج - نظام الحُكم يختاره الشعب العراقي، وإن نظام الحكم بحسب كل الأطياف السياسية، بما فيها الأطياف الإسلامية تتحدث عن اختيار الشعب العراقي.

س - يعني، لا تؤيِّد قيام دولة شيعية في العراق؟

ج - أنا أُؤيد قيام دولة إسلامية في كل العالم.

لا فتنة مذهبية

س - تحية لسماحة السيد المرجع العظيم الذي عاش حياته لخدمة الإسلام والمسلمين، وكان دائماً وما زال مواكباً لكل الأزمات التي مرّ بها المسلمون، سواء السياسية أو الاجتماعية، وأودُّ لفت انتباه الناس ممن يتجرأ باتهامات باطلة لسماحته، وأدعوهم لقلب صفحة جديدة وتوحيد صفوفهم، لأنّ أمريكا تستعمل سياسة فرِّق تسدْ، وإذا لم نتوحد لنصرة الإسلام فسنحقق مطلب أمريكا وإسرائيل. سماحة المرجع آية الله العظمى لقبكم فضل الله وأنتم حقّاً فضلٌ من الله.

سيدي، هناك الآن إشكالية الصراع أو التنافس بين الشيعة والسنّة في العراق، ما هي رؤيتك لذلك، على اعتبار أنّك تحظى باحترام واسع في وسط السنّة، لما يمكن أن يقوم به الطرفان لتجاوز الأزمات في ظِلّ الاحتلال الأميركي القائل منذ البداية إنَّ سياستنا في العراق ستقوم على مبدأ «فرِّق تسُدْ» (زهراء البياتي _ بريطانيا).

ج - أستطيع أن أؤكد حقيقة تاريخية، وهي أنّ طبيعة التنوّع المذهبي في العالم الإسلامي لا في العراق فحسب، سوف يخلق بعض الحساسيات بين هذه الجهة وتلك، ولا سيما عندما تتدخل عناصر التخلّف أو السياسة في تعقيد الأمور. ولكن لم تمر في تاريخ العراق أية مرحلة يختلف فيها السنّة والشيعة على مستوى تحوُّل المسألة إلى فتنة عمياء أو إلى قتال كما حدث عندنا في لبنان أو غيره من الأماكن.. لذلك هناك مناعة في العراق ضد الاقتتال المذهبي بين السنة والشيعة، لا سيما إذا رأينا وعرفنا أن الكثير من المناطق مختلطة سنيّاً وشيعيّاً، وأنّ السنّة يلتزمون في كثير من الحالات التيار الإسلامي الذي يلتقي مع تيار الشيعة الوحدويين الإسلاميين وينسق معهم. كما إن السنة والشيعة ينتمون إلى تيارات علمانية، بحيث إنهم يلتقون فيها في حزبٍ واحد وحركةٍ واحدة..

المسألة في العراق ليست مسألة سنيّة وشيعية على مستوى الامتداد بحيث تتحرك السياسة في هذا الاتجاه. نعم، هناك حقيقة سياسية في كل بلد، وهي أن البلد الذي يخضع للاستفتاء الشعبي سوف تكون نتائج استفتائه هي التي تُحدِّد طبيعة النظام والقائمين عليه في هذا المجال...

إني أتصوَّرُ أن مسألة الفتنة بين السُّنة والشيعة التي يحاول التحالف إثارتها سيتجاوزها العراقيون لأنّهم يملكون المناعة ضد ذلك.

الاحتلال والمقاومة

س - بالنسبة لفتوى الجهاد، هناك ظلم يزداد، فالأمريكيون يقتحمون البيوت وليس هناك فتوى، فما رأي سماحتكم؟ (تركي عميرات _ ألمانيا).

ج - لقد قلت بأنّ الأمريكيين والبريطانيين سوف يخلقون المناخ الملائم لنشوء المقاومة العراقية، التي تبدأ من محافظة العراقيين على مسائل العرض والبيت والدين، وتنتهي بالمقاومة السياسية في هذا المجال. إنّني أعتقد أن ما يقوم به الجيش الأمريكي هو صورة مكبرّة أو مصغّرة عمّا يقوم به الجيش الصهيوني في هذا المجال، لأنّهما ينطلقان من أنهما وجهان لعملة واحدة.

س _ هناك نقطتان أريد السؤال عنهما: الأولى تتعلق بأنّ الشعب العراقي في موضوع المقاومة هو في وضع لا يمكّنه من مقاتلة الأمريكيين، ولعدة أسباب يعرفها الجميع في الوقت الراهن، وأن علماؤنا دقيقون جداً في مسألة الفتوى لذلك. وأما النقطة الثانية، فهي محاولة دقّ هذا الإسفين بين حوزة قم والنجف... (أحمد عباس _ العراق).

_ المحاور: أحبُّ أن أعلِّق أن ما نطرحه هو من باب الإعلام وتساؤلات الناس، والسيد يجيب إجابة المرجعية التي يراها.

سماحة السيد: قلنا منذ البداية إن مسألة المقاومة مشروعة لكل شعبٍ محتل، ولكن المقاومة ليست انفعالاً، بل هي خطة واستراتيجية ودراسة للظروف في هذا المجال. وعندما يُطبق أيّ محتل على أي بلد ويتمدد فيه ويصادره، فإنّ من الطبيعي للشعب الذي يرزح تحت الاحتلال أن يقاوم، وأنا أعتقد أن في مثل هذه الظروف تتحوّل المقاومة إلى دفاعٍ عن النفس والعرض والبلد، وهذا ما رأيناه في تاريخ الشعوب القريب والبعيد، وهو ما لاحظناه في الشعب الفيتنامي عندما واجه الأمريكيين، واجههم من موقع إخلاصه لإنسانه وبلده ووطنه، ولكنّ المسألة كما أكّدت منذ بداية الحديث وحتّى الآن، أنها تخضع لخطةٍ تملك الظروف، وتملك الواقع، وأعتقد أن التحالف سوف يُهيِّئ كل الظروف للشعب العراقي.

مواصفات المرجعية وخصوصياتها

س _ إلى متى يُصرُّ مراجعنا العظام على إبقاء جهاز المرجعية عائلياً، فهل تُورَّثُ المرجعية؟ (علي الأحمد _ صحافي سعودي).

ج - إنني ومن خلال مؤسساتي، كجمعية المبرّات والمكتب، أقول إنّها تشتمل على أكثر من ألفي موظف، وليس لأولادي أية صلاحية إلاّ كبقية الموظفين. وليس هناك أيّ شيء مما تملكه الجمعية مسجَّلاً باسمي أو باسم أحد أبنائي.

س _ أبناء المرجعيات معظمهم أغنياء يتاجرون على مستوى _ كما ذُكِرَ في أموال بعضهم _ يمتلكون حدائق واسعة لزراعة الشاي ويشاركون حكاماً ورؤساء في التجارة؟

ج - أن لا أدّعي أن كُلّ الناس يسيرون في الخطّ الذي ينبغي أن يسيروا عليه، ولكني أستطيعُ القول إنّ ما يتعلّق بي ممّن يتعاون معي هم موظفون كبقية الموظفين.

س _ هل المرجعية تُورَّثُ وهل هي عائلية؟

ج - المرجعية حالة تتصل بكفاءة الشخص وليس لأحدٍ من أقربائه أيّ امتيازٍ ماليّ أو روحيّ أو غير ذلك.

س _ معنى ذلك أن الصورة التي نراها في العراق على سبيل المثال ليست صحيحة؟

ج - أعتقد أن كثيراً من الصور تتصل بالواقع الشرقي الذي يعيشه الناس، من أنّ الكبير يترك أولاداً كباراً في ذهنية الناس.

س _ ما هي مواصفات المرجع كما تراها وتختلف فيها عن الآخرين؟

ج - إن المرجعية تحتاج في ظلّ التطورات الثقافية الإنسانية المعاصرة إلى اجتهاد فقهيٍّ عالٍ واستقامة دينية عالية، وخبرة في الواقع وثقافة منفتحة على كل واقعٍ إنسانيّ معاصر، لأنّ للأجيال المعاصرة حاجات فكرية وثقافية وسياسية لا بُدّ للمرجعية أن تجيب عليها وتتفاعل معها.

س _ معنى ذلك أن هذه المواصفات لا تنطبق على كثير ممّن يدّعون المرجعية؟

ج - هذا هو الخطّ الذي تحدثت عنه مراراً، وكما أنَّ لي مشروعاً في المرجعية، وهو المرجعية المؤسسة.

س _ سيدنا، عندما نسمع بعض علماء المسلمين يُطالبون بالعلمانية كما حصل في مؤتمر لندن، وما سمعناه أيضاً، سواء من السنّة أو الشيعة، ما هو تصوركم للمطالبة بالعلمانية، وهل إنّ هذا عائد لسيطرة الكافر المستعمر حتّى على المدارس الإسلامية سنيّة وشيعية، والطلب من علمائها فصل الدين عن الحياة؟ هل هذا مستمر في العراق؟ وجزاكم الله خيراً (سالم عبد الله _ بريطانيا).

ج - نحنُ نرفض أيّ نوعٍ من التدخلات التي تحرِف المرجعية عن مواقعها وهدفها وأوضاعها من أيّة جهةٍ كانت.

س _ ما هو تعليق سماحتكم على المظاهرات التي قادها الطُلاّب أخيراً في إيران؟ وهل ترى أن هذه الظاهرة يجب أن تقود المراجع لمراجعة بعض الأساليب التي يعتمدون عليها بالتعامل مع الجماهير في إيران؟

ج - إنني أتصوَّرُ أن المظاهرات في إيران هي جزءٌ من الحياة السياسية فيها، ولكنّ المشكلة التي دخلت على الخطّ وجعلت المسألة في مستوى الضخامة الإعلامية السياسية، هي دخول أمريكا باعتبارها الدولة التي تدعو الشعب الإيراني إلى الثورة على النظام وتغييره.. ما جعل الصورة التي يمكن أن يُثيرها البعض هنا وهناك، أن الذين يتظاهرون هم الذين يسيرون في الخطة الأميركية، والقضية قد لا تكون كذلك. لكنني أتصور أنّه عندما تحدث هناك مظاهرات أو احتجاجات أو انتقادات، فإن على المرجعية أو الدولة أن تستمع بدقةٍ وبوعيٍ لذلك، لتدرس الأمور من خلال ما يُثيره هؤلاء. إنني أعتقدُ أن من حقّ الناس التعبير عن آرائهم، ولكن من حق بلدهم ودولتهم ألاّ يخضعوا في طريقة تعبيرهم للاستكبار العالمي.

س _ ختاماً سماحة السيد، كيف تنظرُ للاحتلال الأميركي للعراق؟

ج - إنني أعتقدُ أن مشكلة أمريكا، هي أنها الدولة التي تعرف كيف تحتل، ولكنّها لا تعرف كيف تدير البلد الذي تحتلّهُ، وأنَّ أمريكا تحاول التحرك على أساس أنّها إمبراطور العالم، وأن قوتها العسكرية المدمرة هي التي تبرر لها فرض الخضوع على هذا الشعب أو ذاك، لاختيار النظام أو طبيعة الخطوط السياسية أو غيرها. كما نراه الآن في ضغوطها على سوريا ولبنان وإيران، وحتّى على الفلسطينيين، فنحنُ نلاحظ أن الرئيس بوش وكُلّ إدارته أعطوا الضوء الأخضر لليهود لاجتياح الفلسطينيين، وحتّى إنّهم أرادوا إرباك الحكومة الفلسطينية التي بشرّوا فيها، ففرضوا على أبي مازن أن يفكك الفصائل الفلسطينية، مع أنهم لو درسوا المسألة على أساس الديمقراطية، فإن الفصائل الفلسطينية _ لا سيّما حماس والجهاد _ تملك شعبية في كُلّ الشارع الفلسطيني، ولذلك فهي منتخبة تلقائياً، ولكنّ أمريكا لا تؤمن بالديمقراطية لشعوب العالم الثالث. 

أجرت قناة "الجزيرة"، بتاريخ 25/6/2003م، مقابلة مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، ضمن برنامج "بلا حدود"، وقد قدّم معدّ البرنامج الأستاذ أحمد منصور سماحة السيد، قبل بدء الحوار، بالمقدمة الآتية:

شكَّل سقوط النظام البعثي الحاكم في العراق على يد التحالف الأميركي البريطاني في التاسع من إبريل الماضي صورة جديدة للمنطقة، حيث برز الشيعة على الساحة العراقية كقوة هامة في المعادلة، وقد مثَّل استعراضهم في أربعينية الحسين في كربلاء والنجف دعوة لإعادة تقدير قوتهم من جديد، برزت في اهتمام وتغطية وسائل الإعلام العربية والغربية بشكل خاص، غير أن هناك إشكالات عديدة ظهرت مصاحبة لهذا منها إشكالية المرجعية والصراع عليها وعلى زعامة الحوزة في النجف، حيث دفع عبد المجيد الخوئي حياته ثمناً لها بعد عودته بأيام من لندن حيث كان يقيم هناك، كما برزت إشكالية الصراع بين الحوزتين في النجف الأشرف المقر التاريخي للحوزة من القرن الخامس..، وقُمْ المقر المستحدث في أعقاب الثورة الإيرانية، ومع الواقع الجديد في العراق برزت مراجع مؤيدة للوجود الأميركي وأخرى معارضة لها، ومن ثمَّ فهناك من يؤيد المقاومة وهناك من يعارضها.

تساؤلات عديدة حول هذا الموضوع أطرحها في حلقة اليوم على المرجع الشيعي البارز، السيد آية الله محمد حسين فضل الله.

وُلد السيد محمد حسين فضل الله في مدينة النجف الأشرف العراقية لأبوين لبنانيين عام 1935، حيث درس في الحوزة العلمية العلوم الدينية في سن مبكرة، وحاز على مراتب متقدِّمة فيها.

عاد إلى لبنان عام 1966، فأسس حوزة المعهد الشرعي الإسلامي، حيث تتلمذ على يديه الكثير من الطلاب من دولٍ مختلفة، وبعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان آثر السيد فضل الله العيش في الضاحية الجنوبية، واهتم بالعمل الخدمي، فأسس مبرَّات وجمعيات للأيتام ومؤسسات اجتماعية وصحية ومساجد.

وفي العام 1982 ساهم مع بعض علماء الشيعة في تأسيس حزب الله، واتُّهم عام 83 بالضلوع مع آخرين في عملية تفجير مقر القوات الأميركية والفرنسية في لبنان، والذي أسفر عن مقتل ثلاثمائة جندي، وقد تعرَّض بناءً على ذلك لأكثر من محاولة اغتيال قُتل وجُرح في إحداها العشرات.

وفي العام 1994 أعلن مرجعيته حيث يُنظر إليه على أنه أحد أهم الرموز الشيعية ليس في لبنان وحدها، وإنما على مستوى العالم.

محاور الحوار كانت على الشكل التالي:

لا مكان محدود للمرجعية

س - قبل سقوط النظام في العراق، كان هناك ثلاث مرجعيات شيعية في أنحاء العالم، مرجعية السيِّد الخامنئي في إيران، حيث يتولى منصب الوليّ الفقيه والمرجع، وفي العراق السيّد السيستاني ومقرّه في النجف، وسماحتكم هنا في لبنان. ما وضع المرجعية الآن بعد سقوط النظام وتعدّد المرجعيات هناك؟

ج - لا أتصور أن مسألة تعدّد المرجعيات تمثِّلُ إفرازاً من إفرازات الصراع بالمعنى الحادّ الذي تُطرح فيه الكلمة، لأنّ تعدّد المرجعيّات في التاريخ الإسلامي الشيعي يُمثِّلُ تقليداً من تقاليد هذه المرجعية، باعتبارها مرجعيةً فقهيةً في الأصل ترتكز على أساس الكفاءة العالية في الاجتهاد والاستقامة العالية في الدين، ولذلك فإن الشيعة في أنحاء العالم ينفتحون على الشخصيات المرجعية من خلال دراسة ما يملكون من كفاءة. ولهذا فليس للمرجعية مكان محدد، بل ربما تكون في العراق، وهي الأم، باعتبار أن حوزة النجف الأشرف العلمية تمتد في نتاجها الفقهي والعلمي إلى أكثر من ألف سنة، بالإضافة إلى كونها مدفن الإمام علي (ع). لذلك فإن مسألة المرجعية في تعددها هي مسألة طبيعية في الوسط الشيعي، ومن الطبيعي أن تحدث حالات من التنافس قد تشتدّ وقد تلين في بعض الحالات، ولكنَّها لا تقترب مما يُثيره الإعلام في مسألة الصراع، ولا سيما عندما يتحدثون عن حوزتي النجف وقم. فإن النجف تملك امتداداً مرجعياً وحقيقياً حتى في إيران.

المقاومة والخطة

س - بالنسبة للعراق، باستثناء حادث جنوب العراق، فإن المقاومة تتركّز في مناطق السُّنة، هل هناك فتاوى للمراجع بمهادنة القوات المحتلة للعراق؟

ج - ليست هناك فتاوى بالمهادنة، ولكن يبدو أنّه ليس هناك فتاوى بالمقاومة المسلّحة، انطلاقاً من الدراسة الميدانية الواعية للمناخ الذي تتحرَّك فيه القضية العراقية في الوقت الحاضر.

س - السُّكَان يقولون إنهم ينتظرون فتوى لمقاومة البريطانيين؟

ج - في الواقع هم يعبرون عن الالتزام بالمرجعية في فتاواها في الحرب والسلم، ولكن المسألة هي أن المرجعيّة لا تطلق دعوات الجهاد والمقاومة عشوائياً، بل إنّها تعتبر أن المقاومة في أيِّ موقع تحتاج إلى قيادة وخطة ودراسة للظروف المحلية والدولية والإقليمية، لكن الذي يجمع كل الموقف المرجعي هو رفض الاحتلال في العراق والمطالبة بخروج المحتل، وفي الوقت نفسه قيام حكومة عراقية منتخبة من الشعب العراقي.

س - هل هناك محتل خرج بسماحة نفسه ورضاه _ عبر التاريخ _ دون مقاومة؟ وكيف تنظر سماحتك للاحتلال الأمريكي والبريطاني للعراق؟

ج - لقد كنت من أوائل الذين أصدروا الفتوى، في أيام اجتماعات واشنطن ببعض الوفود العراقية، بحرمة مساعدة أمريكا في حربها على الشعب العراقي والسيطرة على مقدراته الاقتصادية والسياسية والأمنية، لأني من خلال دراسة استراتيجية لتوجهات أمريكا، وأقصد الإدارة لا الشعب، أرى أن أمريكا تتحرك على أساس تأكيد إمبراطوريتها على العالم كُلِّه، ولا سيما العالم الثالث والعربي والإسلامي، من خلال ارتباط ذلك كلّه بالمسألة الإسرائيلية التي تشكِّل المسألة الأهم للسياسة الأمريكية في المنطقة، لذلك كنت ضد أيّ احتلال أمريكي اقتصادي أو سياسي أو أمني، لأنني لا أعتبر أن هذا الاحتلال في مصلحة أي بلدٍ محتل.

س - وفي حالة وجود احتلال؟

ج - المبدأ هو المقاومة، ولكنّ المقاومة ليست حماساً وانفعالاً، وإنما خطة. ولذلك ندعو أهلنا في العراق لرسم خطة مدروسة حكيمة للتخلص من هذا الاحتلال.

تنافس لا صراع

س - ولكن هناك السِّجال بين الحوزة الصامتة والحوزة الناطقة. ما تعليقكم على ذلك؟

ج - لعلّ الأفضل في التعبير أن يُقال إن التقاليد التي جرت عليها المرجعيات في الحوزة، سواء في النجف أو غيرها، هي دراسة الأمور بحسب ما تملك من قدرات وطاقات، وبحسب المصالح المحيطة بالموضوع، لذلك فإنّنا نلاحظ في مدى التاريخ أن الحوزة العلمية في النجف الأشرف هي التي قادت مواجهة الاحتلال البريطاني حتى على مستوى العرب عام 1920، حيث خرج رجال الحوزة، والذين قد لا يملك الكثير منهم أيّ تدريب وسلاح، ليقاتلوا المحتل البريطاني آنذاك. وهكذا رأينا أن الحوزة العلميّة في النجف، بما في ذلك ما صدر عن السيّد محمد باقر الحكيم أو بعض المراجع الآخرين، كانوا يعطون آراءهم بما يتصل بالنظام أو القضية الفلسطينية وغيرها. لذلك نحن لا نوافق على مقولة أن الحوزة كانت صامتة، ولكنها حوزة متأنية دقيقة في دراستها وليست مغامرة.

س - من ضمن الحوزة مقابل التيار الذي رفع شعار «الحوزة تقودنا» يوجد تيار يدعو للمهادنة وقبول المحتل، وقد ظهر السيد عبد العزيز الحكيم وتحدث عن هذا الأمر، ما تأثير ذلك على مستقبل الشيعة في العراق؟

ج - إن التيار القائل إن الحوزة مرجعنا هو تيار سياسي يحاول التعبير عن نفسه من خلال هذا الامتداد الجماهيري بالوسائل المتاحة الآن، كالتظاهر، والمطالبة بزوال الاحتلال وغيرها، ولكنه لا يمثل مرجعية بالمعنى الفقهي أو القيادي أو الديني للمرجعية...

س - هل هذا يؤكد وجود أزمة المرجعية في العراق حالياً؟

ج - لا أتصور أن هناك أزمة بالمعنى المرجعي المصطلح.

س - هل هناك صراع؟

ج - ليس هناك صراع بالمعنى الذي تعطيه الكلمة من حِدّة؟

س - ما هو المعنى؟

ج - هناك تنافس، ومن الطبيعي جداً أن تعدد المرجعيات في تاريخ الإسلام الشيعي المرجعي قد يفرض تنافساً، لأن كل إثنينية في الواقع تجتذب بعض الأمور التي تصنع التنافس، ولكنها لا تصل إلى حدّ الإلغاء أو ما أشبه ذلك.

س - التشابكات والصراعات بين التيارات العراقية، الحكيم _ والصدر _ ما تأثيرها على مستقبل الشيعة في العراق؟ في ظلّ ضعف مرجعية السيد السيستاني؟

ج - لا أتصوَّر أن مرجعية السيد السيستاني التي تُمثِّلُ امتداداً للمرجعية التاريخية التقليدية الموجودة لدى مراجع الشيعة، تقف في موقع الصراع أو التنافس أمام الآخرين في هذا المجال.

ليست المسألة كذلك، لأنه يبقى له من خلال دوره المرجعي دور مؤثر.

النظرة إلى النجف

س - نشأت وترعرعت في العراق، في النجف الأشرف، ومرجعتيكم تتخطى حدود لبنان، وربما الكثير من العراقيين يدخلون تحت إطارها وفي أنحاء كثيرة من العالم!! ألا تفكر بالعودة إلى العراق ومحاولة جمع شمل الحوزة؟

ج: من الطبيعي أنّ النجف هي مسقط رأسي، وملاعب صباي، والبلد الذي انفتحت فيه على العالم، حتى وهي تعيش التقليدية في مرحلةٍ ما، كانت لا ترفض الانفتاح، لكني أدرس الظروف الدقيقة في هذا المجال، لا سيما أنني لا أعيش الرغبة في الدخول إلى العراق تحت مظلة الاحتلال الأمريكي له؟

س - لكن تفكر فعلاً في الرجوع للعراق؟

ج - عندما تتهيّأ الظروف، فإنّ ذلك يُمثِّلُ رغبةً لي. ولكنّي في الوقت نفسه أملك تواصلاً هناك وامتداداً في أكثر من موقع.

س - هل هناك من دعاكم للعودة؟

ج - هناك الكثيرون تمنّوا عليّ العودة، منهم أصحاب مواقع جيدة متقدمة أيضاً.

س - هل ستشكِّل عودتكم إذا تمّت تصعيداً للتنافس؟

ج - لا أتصور أن المسألة بهذا الحجم، إلا إذا وضعت في الإطار العام الذي يعيشه العالم الإسلامي من جهة صراع الأفكار التقليدية والمنفتحة على العصر في خط الدعوة إلى الله سبحانه.

س - ألا يمكن أن يشكّل هذا استفزازاً للحوزة في قم، باعتبار أنّها تريد الهيمنة على حوزة النجف، ومخاوف لعودة النجف لما كانت عليه؟

ج - لا أعتقد أن حوزة قم تعمل الآن كحوزة للهيمنة على النجف، لأنّ النجف، وبقطع النظر عن التطورات السلبية التي أحاطت بها، لا تزال تمثل في الوجدان الإسلامي الشيعي الحوزة الأم.

س - معنى ذلك أن النجف ستعود لاستعادة مكانتها السابقة؟

ج - لا أعتقد أن ذلك يسبب مشكلة كبيرة، لأن الكثيرين من طلاّب الحوزة في قم سوف يبقون فيها، وسيأتي الطلاّب من سائر أنحاء العالم إلى النجف، وتبقى الحوزتان معاً، كجامعتين للفقه الإسلامي وللدراسات الإسلامية. ولكني أتصوَّرُ أن منحى الأحداث على صعيد تطور الحريات والتوازن للوضع المستقبلي السياسي في العراق، من الممكن جداً أن يعيد حوزة النجف إلى موقعها المميّز تاريخياً، لأن المسألة هي أن النجف لا توازيها أيّة بلدة أخرى _ كما أن حوزة النجف لا توازيها أيّة حوزة أخرى _ على الأقل في الوجدان الإسلامي الشيعي.

تنافس أم صراع

س - نشرت مجلة المجلة تدفق أموال كثيرة من إيران إلى الملالي في العراق، وتحديداً إلى حوزة النجف للسيطرة على الحوزة وضمان تبعيتها لحوزة قم. هل يعكس هذا صراعاً عربياً فارسياً في الحوزة؟

ج - أشعر بالرثاء والإشفاق لهذا التقرير، الذي يعتبر أن إيران تفكر بالاستيلاء على النجف من خلال المال المدفوع، فهذا أمر يبعث على الرثاء، لأنّ المرجعية عندما تكون في موقع يمتد في العالم الإسلامي الشيعي، فإنّها لا تحتاجُ إلى أيّة إمدادات مالية من أيّة جهة دولية أخرى...

س - كيف يا سيدي وهناك صراع..؟

ج - لا، لأنّه لا بُد من دراسة حجم المرجعية في هذا البلد أو ذاك، ولذلك فإن مسألة التمويل الشرعي سوف يأتي إلى مرجعية النجف كما يأتي إلى مرجعية قُمْ...

س - مرجعية قُمْ لها دولة ومرجعية واحدة أما النجف فلا إذ هناك صراعات عليها؟

ج - هناك نقطة أحبُّ أن أؤكدها، وهي أن الدولة لا تسيطرُ على الحوزة، ولذلك نجد أن هناك عدة مرجعيات في الحوزة، وأن الحوزة ليست رأياً واحداً بالنسبة إلى مرجعية معينة في هذا المجال. وعليه، فإن الحوزة العلمية في قُمْ لا تتموَّل من الدولة، بل من الحقوق الشرعية.

س - الحقوق الشرعية أصبح عليها الكثير من علامات الاستفهام، وأنّها سبب رئيسي للصراع على الزعامة، والسيطرة على المال؟

ج - من الطبيعي جداً أن يكون هناك تنافس كما ذكرت، ولكن لا يملك أحد قيادة الصراع ضِدّ الانفتاح الشيعي في العالم.

س - هناك أناس دفعوا حياتهم ثمناً لهذا الصراع؟

ج - لا أتصور أن ما حدث في النجف في بدايات الاحتلال يدخل في صراع المرجعية.

س - هناك شخصية قُتِلَت، وهناك شخصيات أخرى قتلت قبل ذلك؟

ج - قلتُ ليست المسألة في هذا الحجم، وإن حاول الإعلام وضعها في ذلك، ولكن هي قضية معقّدة اختلطت فيها الأمور.

س - في ظِلّ هذا الخلط، كيف تنظر لمستقبل المرجعية في العراق؟

ج - إنني أتصور أنها سوف تأخذ دورها وموقعها، ولكن حسب الامتداد التاريخي للمرجعية في تقاليدها وأوضاعها، أمّا حركيّة المرجعية وانفتاحها، فهذا يتبع شخصية المرجع وشخصية الظروف التي تحيط به.

لماذا مرجعية السيد مستهدفة؟

س - ما هي دوافعك في تأخير إعلان مرجعيّتك إلى العام 1994؟

ج - الواقع ليس هناك دوافع ذاتية، وإنما هناك الكثيرون في العالم كانوا يطلبون مني ذلك، ولم تكن المرجعية بالنسبة لي طموحاً ذاتياً أسعى إليه، لأنني منذ خمسين سنة كنت إسلامياً أعمل من أجل انفتاح الإنسان على الإسلام بالطريقة الحضارية المنفتحة على قضايا الإنسان المعاصر، وكان كلّ همّي من خلال نشاطي الثقافي الديني والسياسي هو كيف أقدِّمُ الإسلام إلى العالم بالطريقة الحضارية، وكيف يمكن أن أنفتح على الضرورة الإسلامية في الوحدة الإسلامية، حتى إنني في سنة 1952، وفي أول سفرة لي إلى بيروت، شاركت في احتفال تأبيني دعوت فيه إلى الوحدة الإسلامية. إنني أعمل على تركيز وعي الإنسان المعاصر، سواء المسلم في جامعاته ونواديه الثقافية أو غير المسلم، على الإسلام المنفتح المتحرك من أجل معالجة قضايا الإنسان في العالم.

س - لكن سماحة السيد، منذ إعلان مرجعيتك هناك جهات عديدة تعمل للتشكيك بهذه المرجعية وإسقاطها، وهناك مصادر كثيرة أشارت إلى أن هذه الجهات تتمثّل في إيران وحزب الله في لبنان؟

ج - في الواقع إن الأمور التي أفكِّرُ فيها ومن خلال تجارب الواقع على المستوى التاريخي، أنّهُ لا يستطيع أحدٌ تحطيم أحدٍ يملك حضوراً في العالم، ولا يستطيع أحدٌ اغتيال أحد معنوياً.

س - مقاطعاً، هناك محاولات لاغتيالك معنوياً؟

ج - من الطبيعي هناك حملة.

س - ما أسبابها؟

ج - قد يكون بعض أسبابها الاختلاف في المفاهيم.

س - ما هي أهم المفاهيم التي حصل الاختلاف بشأنها؟

ج - لعلها بعض المفاهيم التي تتعلق بالتاريخ، أو تتعلق بالانفتاح على الواقع المعاصر. إنني أعتبر أن هناك جزءاً من هذه المعركة منشأه الصراع بين الوعي والتخلُّف والخرافة والحقيقة، وهناك أيضاً تعقيدات معيّنة قد تتفق فيها بعض الجوانب السياسية أو الشخصانية.

س - هل يدخل فيها عنصر العرب والفرس؟

ج - لا أتصوَّرُ أن القضية بهذا الحجم، ولكن عندما تتعقد الأوضاع، فمن الطبيعي جداً أن تتدخل فيها الكثير من العناصر.

ولاية الفقيه بين النظرية والتطبيق

س - الكثيرون يتساءلون عن سبب اعتماد حزب الله على مرجعية السيد الخامنئي في إيران واستبعادك وأنت الأقرب، بل إنّ الحزب اعتمد على أفكارك في نشأته؟

ج - أعتقد أن المسألة هي إيمانه بولاية الفقيه، ووحدة ولاية الفقيه في العالم.

س - سيدي، قضية ولاية الفقيه قضية معقدة حتى في فهم الناس، وهناك تظاهرات الآن في إيران ضد ولاية الفقيه؟

ج - ولاية الفقيه هي نظرية فقهية.

س - هل تتفق أو تختلف معها؟

ج - إنني لا أعتبر النصوص الدينية تؤكِّد نظرية ولاية الفقيه، وبحسب اجتهادي، لا أرى أنّ هذه النصوص تدلُّ على ولاية الفقيه، ولكني أقول إننا في الخط الإسلامي نؤمن بحفظ نظام الإنسان في المجتمعات، وإذا توقف حفظ النظام في بلدٍ معين أو مرحلة معينة على ولاية الفقيه كان له ذلك، وإلاّ فمن الممكن جداً البحث عن نظرية الشورى أو غيرها.

س - ربط مصير الأمة كُلّها بشخص واحد وإضفاء نوعٍ من التقديس عليه وإنزاله منـزلة الأنبياء، ألا يدل على خلل في الاتجاه السياسي؟

ج - أنا لا أرى هناك اتجاهاً لإنـزال الولي الفقيه منـزلة الأنبياء.

س - مقاطعاً: حتى خيارات الناس لا يتم اعتمادها إلا بموافقته، فماذا يبقى؟

ج - لا، هناك نقطة يجب أن نركّز عليها وندركها، بقطع النظر عن حركية التطبيق التي قد تُثير الجدل هنا وهناك إن الوليّ الفقيه في إيران ينتخب من قبل الشعب بالدرجة الثانية. وإن إيران منذ انتصار الثورة الإسلامية التي قادها الإمام الخميني، أخذت بمنهج الاستفتاء الشعبي الذي لم تأخذ به أي دولة في المنطقة، حتّى في مسألة الدستور والقضايا الأخرى. لذلك من الوجهة النظرية، فالشعب يستطيع إسقاط الولي الفقيه إذا انحرف عن الخطّ الاجتهادي أو الديني وغيره.

س: هناك ما يشبه التفويض المطلق؟

ج: في تصوَّري، إن الولي الفقيه سواء كان الإمام الخميني أو من جاء بعده، لم يستعملوا مسألة التفويض المطلق، بل كانوا في كُلّ ما تنتجه الاستفتاءات الشعبية يوافقون عليها دون تحفظ.

س - هناك الخلل الموجود في إيران الآن بين رأس الدولة والولي الفقيه، وربّما كانت ولاية الفقيه اجتهاداً من الإمام الخميني، فهل ولاية الفقيه قبل الإمام لم تكن موجودة؟

ج - كانت ولاية الفقيه موجودة في الأبحاث الفقهية، وهناك بعض الفقهاء الكبار، ومنهم الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، كان يرى ولاية الفقيه، ولكن الإمام الخميني أعطاها حركية وحيوية واستفاد من الظروف المحيطة به لتنفيذ اجتهاده في هذا المجال. وقضية اختلاف الأفكار أمرٌ صحيح، قد يقول بعض الناس أنّه يدلُّ على عافية وليس على مرض.

س - ولكن إفرازاته الواقعية على حياة الناس تختلف، فليس فيها عافية ولكن مرض؟

ج - لا، هناك عافية من ناحية هذا النوع من الحياة السياسية التي تتصارع فيها الاتجاهات والأفكار، بقطع النظر عن الإساءة في التطبيق، ولكنّنا نحن في الشرق، ولا سيما في العالم العربي، لم نتعوّد على حياةٍ سياسية يمكن أن تتنوّع فيها الخطوط والأفكار، لأن في العالم العربي رأياً واحداً.

س - الإشكالية هنا، فالذي يحدث ليس سجالاً سياسياً، وإنّما هناك مرجعية شرعية يلتزم بها الجميع، أمّا التنافس السياسي فمن الممكن حصوله في أي مجتمع؟

ج - لا، حتى المرجعية الشرعية ليست موحَّدة. وعلى ضوء هذا، فإنّ من الطبيعي أن يختلف الناس حول ذلك، لأنّه ليس هناك من خلال نظرية ولاية الفقيه من يقول إن الولي الفقيه معصوم.

س - لا يقولون ذلك، وإنما يتعاملون معه تطبيقاً؟

ج - لا أظنُّ أنّ هناك تعاملاً على نحو التطبيق، إلاّ من خلال علاقة القضية بتنفيذ القانون، ولا أريد أن أدّعي العصمة في التطبيق أو الدفاع عمّا يحدث، بل إنني أعتقد أن من الضروري جداً متابعة الأحداث في إيران..

س - هل تطالب بإعادة النظر في ولاية الفقيه؟

ج - ليست المشكلة في ولاية الفقيه كيف تتحرك، المشكلة أنني لا أرى ولاية الفقيه على الأساس الاجتهادي إلاّ إذا توقَّف عليها حفظ النظام.

هدف لكل البنادق!

س - الأمريكيون منعوا وزيرين لبنانيين من الدخول إلى أميركا بتهمة التبرع لجمعية يديرها سماحتكم، ما تعليقكم على قولهم إن الجمعية إرهابية وزعيمها إرهابي من المنظور الأميركي؟!

ج - إنّ ما حدث يدخل في صلب التعقيدات السياسية اللبنانية، لأنّ السياسيين اللبنانيين، أيّاً كانوا، يحضرون كل حفلات الإفطار ومن جميع الاتجاهات، وهذا تقليدٌ في لبنان، أمّا الجمعية فهي كغيرها من المؤسسات الخيرية، ولم توضع في قائمة المؤسسات الإرهابية _ بحسب الزعم الأميركي _ ولذلك، لم يصدر هناك أيّ شيء حتّى في القوائم التي يصدرها البيت الأبيض... وبالنسبة لاسمي، فقد وضع في أكثر من قائمة إرهابية _ بحسب منطقهم _ بلحاظ اتهامهم لي أنني وراء عمليات المارينـز والمظليين الفرنسيين وغيرها...

س - تعرضت لأكثر من محاولة اغتيال؟

ج - نعم، ومنها المحاولة الكبرى في بئر العبد التي أشرف عليها وليم كايسي مدير مركز المخابرات الأميركية وموّلت من بعض الجهات العربية بمبلغ 3 ملايين دولار.

س - من أين هذه التفصيلات الدقيقة؟

ج - هذا أمرٌ للتاريخ، وتفصيلاته من مذكّرات وليم كايسي، والواشنطن بوست. ولهذا فالأمريكيون يتهمون أنفسهم، وقد نشروا ذلك في كتاب الحجاب «ليود ود».

س - هل تفكر في مقاضاة الأمريكيين؟

ج - قلت إن الأمريكيين إذا كانوا يتحدّثون عن الإرهاب ويصنفونني بذلك، فإني مستعدٌّ لمقاضاتهم على هذه الجريمة الكبرى.

س - هل نشروا اسم الدولة المموِّلة ومن هي؟

ج - أنا لا أتحدث عن اسم الدولة وقد نشروا ذلك؛ فليرجع الناس إلى مصادرها.

س - ألا تخشى من تكرار هذه الظاهرة في ظِلّ إعادة اتهامك؟

ج - أتصوَّرُ أن الإنسان الذي يبقى في الساحة من دون أن يقدم تنازلات من مبادئه، لا سيما إذا كانت تتصل بمواجهة الاستكبار العالمي في العالم، فلا بدّ أن يفكروا دائماً في إلغائه، كما قال بعض الكتّاب الذين تحدثوا عنِّي: هدفٌ لكل البنادق.

حيثيات الموقف من المقاومة

س - هل هناك مساومات بين المراجع والأميركيين لإصدار فتوى بشأن المقاومة العراقية؟

ج - إنني أستطيع أن أنفي ذلك نفياً قاطعاً، لأن المرجعية الدينية القيادية الفقهية، وعلى مدى التاريخ، لم تخضع لأيّ محتلٍّ أو لأي مساومة. غاية الأمر أن هناك جدلاً في ما صدر في البداية، ولكنّ المسألة كانت حسب ما قرأنا تعيش بين النفي والإثبات.

س - لكنَّ هناك اعتداءً على الناس وحرمة، دولة فماذا تنتظر الحوزة أو المرجعية حتّى تُصدر فتوى؟

ج _ هناك نقطة نقولها، إن الفتوى ليست كلمةً معلَّقةً في الهواء للإعلام، كما إن الدعوات للجهاد ليست مجرد فتوى تطلقها جهة دينية دون التحضير لكل الوسائل التي تجعل من الجهاد مسألة واقعية، لا مجرَّد مسألة لا أُفق لها.

س - من المنظور الفقهي الشيعي، هل يستوي الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين؟

ج - إن هناك فرقاً بين الاحتلال الإسرائيلي وغيره، وهو أن الاحتلال الإسرائيلي استيطاني، أمّا الاحتلال الأميركي البريطاني فهو احتلال سياسي اقتصادي وأمني، ونحن ضد كل الاحتلالات. ولكني أتصوّر أن الأميركيين بغبائهم السياسي أو من خلال التعقيدات التي تعيشها الإدارة الأميركية، يتحرّكون في المنطقة في كل سياستها الأمنية والسياسية من خلال الإدارة الإسرائيلية، لأنني أزعم أنّه ليس هناك سياسة أميركية في منطقة الشرق الأوسط، ولكن هناك سياسة إسرائيلية تنفذها الإدارة الأميركية، لأنني أعتبر بوش ضعيفاً عاجزاً أمام شارون، وهو ما لاحظناه في تراجعه عن تصريحاته التي قد يكون فيها شيء من إلقاء اللّوم على إسرائيل. ولهذا فإنّنا نعتبر أن الاحتلال الأميركي للعراق هو امتدادٌ للسياسة الإسرائيلية التي كانت تجد في العراق، بقطع النظر عن النظام الذي كان يحكمه إذا كان قوياً أو ضعيفاً، خطراً عليها، لأن السياسة الأميركية في استراتيجيتها مع إسرائيل تعمل على أن لا يبقى للعرب قوة، وأن تكون إسرائيل هي القوة الوحيدة في المنطقة.

س - هل الدعوة لعدم مقاومة الأميركيين في العراق، ولا سيّما من قبل تيار الحكيم المدعوم من إيران، تعكس وجهة نظر إيران في احتلال العراق؟

ج - الخطاب الإيراني هو خطاب رفض الاحتلال، ولكني لا أنطق الآن باسم إيران، لأني لا أعرف خلفيات الأمور في هذه القضايا، ولكن الخطاب المعلن هو رفض الاحتلال ودعوة الشعب لتقرير مصيره بيده.

 

أسئلة ومداخلات

الحكم يختاره الشعب

س- نحيّي سماحة السيد لآرائه الجريئة وأسأله لماذا اعتمدت أمريكا في احتلالها للعراق على الأحزاب الإسلامية الشيعية؟؟ (عبد الله الأحمدي _ بريطانيا).

ج - إن الكثيرين يرفضون الاحتلال، وإن الشعب العراقي بما فيه الشيعة كان يُعاني من النظام السابق، الذي حوّل العراق إلى مقابر جماعية، ولهذا فإن المسألة ليست أن كلّ علماء الشيعة هم الذين ساعدوا وساهموا. لقد كانوا يتحدّثون عن إسقاط النظام، ولم يتحدثوا عن الاحتلال الأمريكي في هذا المجال. نحنُ لا ندّعي عصمة أحد، ولكنّ إدخال المسألة السنيّة والشيعية في مثل هذا الجدل لا يخدم الإسلام كلّه، لأني أعتقد أن تاريخ الشيعة في العراق هو أنّهم وقفوا ضدّ الاحتلال البريطاني لمصلحة السنّة وذلك على عهد الخلافة العثمانية، التي كانت وبحسب المصطلح الطائفي والمذهبي سنيّةً آنذاك.

س _ هل تؤيّد قيام دولة شيعية في العراق، مع تقديرنا لعددهم النسبي في العراق؟

ج - نحنُ نعتقد أن الشيعة في كُلِّ أنحاء العالم لم يطلبوا دولة شيعية تخصُّهم في مجتمعٍ تتعدّد فيه المذاهب والأعراق، بل كُلُّ ما يطلبونه هو أن يكونوا مواطنين كبقية المواطنين الآخرين يتساوون معهم في الحقوق. أمّا مسألة من الحاكم في العراق، فإن المسألة لا تخضع لذلك..

س - مقاطعاً: لا أسأل الآن عن الحاكم، وإنّما عن نظام الحكم؟

ج - نظام الحُكم يختاره الشعب العراقي، وإن نظام الحكم بحسب كل الأطياف السياسية، بما فيها الأطياف الإسلامية تتحدث عن اختيار الشعب العراقي.

س - يعني، لا تؤيِّد قيام دولة شيعية في العراق؟

ج - أنا أُؤيد قيام دولة إسلامية في كل العالم.

لا فتنة مذهبية

س - تحية لسماحة السيد المرجع العظيم الذي عاش حياته لخدمة الإسلام والمسلمين، وكان دائماً وما زال مواكباً لكل الأزمات التي مرّ بها المسلمون، سواء السياسية أو الاجتماعية، وأودُّ لفت انتباه الناس ممن يتجرأ باتهامات باطلة لسماحته، وأدعوهم لقلب صفحة جديدة وتوحيد صفوفهم، لأنّ أمريكا تستعمل سياسة فرِّق تسدْ، وإذا لم نتوحد لنصرة الإسلام فسنحقق مطلب أمريكا وإسرائيل. سماحة المرجع آية الله العظمى لقبكم فضل الله وأنتم حقّاً فضلٌ من الله.

سيدي، هناك الآن إشكالية الصراع أو التنافس بين الشيعة والسنّة في العراق، ما هي رؤيتك لذلك، على اعتبار أنّك تحظى باحترام واسع في وسط السنّة، لما يمكن أن يقوم به الطرفان لتجاوز الأزمات في ظِلّ الاحتلال الأميركي القائل منذ البداية إنَّ سياستنا في العراق ستقوم على مبدأ «فرِّق تسُدْ» (زهراء البياتي _ بريطانيا).

ج - أستطيع أن أؤكد حقيقة تاريخية، وهي أنّ طبيعة التنوّع المذهبي في العالم الإسلامي لا في العراق فحسب، سوف يخلق بعض الحساسيات بين هذه الجهة وتلك، ولا سيما عندما تتدخل عناصر التخلّف أو السياسة في تعقيد الأمور. ولكن لم تمر في تاريخ العراق أية مرحلة يختلف فيها السنّة والشيعة على مستوى تحوُّل المسألة إلى فتنة عمياء أو إلى قتال كما حدث عندنا في لبنان أو غيره من الأماكن.. لذلك هناك مناعة في العراق ضد الاقتتال المذهبي بين السنة والشيعة، لا سيما إذا رأينا وعرفنا أن الكثير من المناطق مختلطة سنيّاً وشيعيّاً، وأنّ السنّة يلتزمون في كثير من الحالات التيار الإسلامي الذي يلتقي مع تيار الشيعة الوحدويين الإسلاميين وينسق معهم. كما إن السنة والشيعة ينتمون إلى تيارات علمانية، بحيث إنهم يلتقون فيها في حزبٍ واحد وحركةٍ واحدة..

المسألة في العراق ليست مسألة سنيّة وشيعية على مستوى الامتداد بحيث تتحرك السياسة في هذا الاتجاه. نعم، هناك حقيقة سياسية في كل بلد، وهي أن البلد الذي يخضع للاستفتاء الشعبي سوف تكون نتائج استفتائه هي التي تُحدِّد طبيعة النظام والقائمين عليه في هذا المجال...

إني أتصوَّرُ أن مسألة الفتنة بين السُّنة والشيعة التي يحاول التحالف إثارتها سيتجاوزها العراقيون لأنّهم يملكون المناعة ضد ذلك.

الاحتلال والمقاومة

س - بالنسبة لفتوى الجهاد، هناك ظلم يزداد، فالأمريكيون يقتحمون البيوت وليس هناك فتوى، فما رأي سماحتكم؟ (تركي عميرات _ ألمانيا).

ج - لقد قلت بأنّ الأمريكيين والبريطانيين سوف يخلقون المناخ الملائم لنشوء المقاومة العراقية، التي تبدأ من محافظة العراقيين على مسائل العرض والبيت والدين، وتنتهي بالمقاومة السياسية في هذا المجال. إنّني أعتقد أن ما يقوم به الجيش الأمريكي هو صورة مكبرّة أو مصغّرة عمّا يقوم به الجيش الصهيوني في هذا المجال، لأنّهما ينطلقان من أنهما وجهان لعملة واحدة.

س _ هناك نقطتان أريد السؤال عنهما: الأولى تتعلق بأنّ الشعب العراقي في موضوع المقاومة هو في وضع لا يمكّنه من مقاتلة الأمريكيين، ولعدة أسباب يعرفها الجميع في الوقت الراهن، وأن علماؤنا دقيقون جداً في مسألة الفتوى لذلك. وأما النقطة الثانية، فهي محاولة دقّ هذا الإسفين بين حوزة قم والنجف... (أحمد عباس _ العراق).

_ المحاور: أحبُّ أن أعلِّق أن ما نطرحه هو من باب الإعلام وتساؤلات الناس، والسيد يجيب إجابة المرجعية التي يراها.

سماحة السيد: قلنا منذ البداية إن مسألة المقاومة مشروعة لكل شعبٍ محتل، ولكن المقاومة ليست انفعالاً، بل هي خطة واستراتيجية ودراسة للظروف في هذا المجال. وعندما يُطبق أيّ محتل على أي بلد ويتمدد فيه ويصادره، فإنّ من الطبيعي للشعب الذي يرزح تحت الاحتلال أن يقاوم، وأنا أعتقد أن في مثل هذه الظروف تتحوّل المقاومة إلى دفاعٍ عن النفس والعرض والبلد، وهذا ما رأيناه في تاريخ الشعوب القريب والبعيد، وهو ما لاحظناه في الشعب الفيتنامي عندما واجه الأمريكيين، واجههم من موقع إخلاصه لإنسانه وبلده ووطنه، ولكنّ المسألة كما أكّدت منذ بداية الحديث وحتّى الآن، أنها تخضع لخطةٍ تملك الظروف، وتملك الواقع، وأعتقد أن التحالف سوف يُهيِّئ كل الظروف للشعب العراقي.

مواصفات المرجعية وخصوصياتها

س _ إلى متى يُصرُّ مراجعنا العظام على إبقاء جهاز المرجعية عائلياً، فهل تُورَّثُ المرجعية؟ (علي الأحمد _ صحافي سعودي).

ج - إنني ومن خلال مؤسساتي، كجمعية المبرّات والمكتب، أقول إنّها تشتمل على أكثر من ألفي موظف، وليس لأولادي أية صلاحية إلاّ كبقية الموظفين. وليس هناك أيّ شيء مما تملكه الجمعية مسجَّلاً باسمي أو باسم أحد أبنائي.

س _ أبناء المرجعيات معظمهم أغنياء يتاجرون على مستوى _ كما ذُكِرَ في أموال بعضهم _ يمتلكون حدائق واسعة لزراعة الشاي ويشاركون حكاماً ورؤساء في التجارة؟

ج - أن لا أدّعي أن كُلّ الناس يسيرون في الخطّ الذي ينبغي أن يسيروا عليه، ولكني أستطيعُ القول إنّ ما يتعلّق بي ممّن يتعاون معي هم موظفون كبقية الموظفين.

س _ هل المرجعية تُورَّثُ وهل هي عائلية؟

ج - المرجعية حالة تتصل بكفاءة الشخص وليس لأحدٍ من أقربائه أيّ امتيازٍ ماليّ أو روحيّ أو غير ذلك.

س _ معنى ذلك أن الصورة التي نراها في العراق على سبيل المثال ليست صحيحة؟

ج - أعتقد أن كثيراً من الصور تتصل بالواقع الشرقي الذي يعيشه الناس، من أنّ الكبير يترك أولاداً كباراً في ذهنية الناس.

س _ ما هي مواصفات المرجع كما تراها وتختلف فيها عن الآخرين؟

ج - إن المرجعية تحتاج في ظلّ التطورات الثقافية الإنسانية المعاصرة إلى اجتهاد فقهيٍّ عالٍ واستقامة دينية عالية، وخبرة في الواقع وثقافة منفتحة على كل واقعٍ إنسانيّ معاصر، لأنّ للأجيال المعاصرة حاجات فكرية وثقافية وسياسية لا بُدّ للمرجعية أن تجيب عليها وتتفاعل معها.

س _ معنى ذلك أن هذه المواصفات لا تنطبق على كثير ممّن يدّعون المرجعية؟

ج - هذا هو الخطّ الذي تحدثت عنه مراراً، وكما أنَّ لي مشروعاً في المرجعية، وهو المرجعية المؤسسة.

س _ سيدنا، عندما نسمع بعض علماء المسلمين يُطالبون بالعلمانية كما حصل في مؤتمر لندن، وما سمعناه أيضاً، سواء من السنّة أو الشيعة، ما هو تصوركم للمطالبة بالعلمانية، وهل إنّ هذا عائد لسيطرة الكافر المستعمر حتّى على المدارس الإسلامية سنيّة وشيعية، والطلب من علمائها فصل الدين عن الحياة؟ هل هذا مستمر في العراق؟ وجزاكم الله خيراً (سالم عبد الله _ بريطانيا).

ج - نحنُ نرفض أيّ نوعٍ من التدخلات التي تحرِف المرجعية عن مواقعها وهدفها وأوضاعها من أيّة جهةٍ كانت.

س _ ما هو تعليق سماحتكم على المظاهرات التي قادها الطُلاّب أخيراً في إيران؟ وهل ترى أن هذه الظاهرة يجب أن تقود المراجع لمراجعة بعض الأساليب التي يعتمدون عليها بالتعامل مع الجماهير في إيران؟

ج - إنني أتصوَّرُ أن المظاهرات في إيران هي جزءٌ من الحياة السياسية فيها، ولكنّ المشكلة التي دخلت على الخطّ وجعلت المسألة في مستوى الضخامة الإعلامية السياسية، هي دخول أمريكا باعتبارها الدولة التي تدعو الشعب الإيراني إلى الثورة على النظام وتغييره.. ما جعل الصورة التي يمكن أن يُثيرها البعض هنا وهناك، أن الذين يتظاهرون هم الذين يسيرون في الخطة الأميركية، والقضية قد لا تكون كذلك. لكنني أتصور أنّه عندما تحدث هناك مظاهرات أو احتجاجات أو انتقادات، فإن على المرجعية أو الدولة أن تستمع بدقةٍ وبوعيٍ لذلك، لتدرس الأمور من خلال ما يُثيره هؤلاء. إنني أعتقدُ أن من حقّ الناس التعبير عن آرائهم، ولكن من حق بلدهم ودولتهم ألاّ يخضعوا في طريقة تعبيرهم للاستكبار العالمي.

س _ ختاماً سماحة السيد، كيف تنظرُ للاحتلال الأميركي للعراق؟

ج - إنني أعتقدُ أن مشكلة أمريكا، هي أنها الدولة التي تعرف كيف تحتل، ولكنّها لا تعرف كيف تدير البلد الذي تحتلّهُ، وأنَّ أمريكا تحاول التحرك على أساس أنّها إمبراطور العالم، وأن قوتها العسكرية المدمرة هي التي تبرر لها فرض الخضوع على هذا الشعب أو ذاك، لاختيار النظام أو طبيعة الخطوط السياسية أو غيرها. كما نراه الآن في ضغوطها على سوريا ولبنان وإيران، وحتّى على الفلسطينيين، فنحنُ نلاحظ أن الرئيس بوش وكُلّ إدارته أعطوا الضوء الأخضر لليهود لاجتياح الفلسطينيين، وحتّى إنّهم أرادوا إرباك الحكومة الفلسطينية التي بشرّوا فيها، ففرضوا على أبي مازن أن يفكك الفصائل الفلسطينية، مع أنهم لو درسوا المسألة على أساس الديمقراطية، فإن الفصائل الفلسطينية _ لا سيّما حماس والجهاد _ تملك شعبية في كُلّ الشارع الفلسطيني، ولذلك فهي منتخبة تلقائياً، ولكنّ أمريكا لا تؤمن بالديمقراطية لشعوب العالم الثالث. 

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية