الاعتداء على المطران غريغوار حداد يحرّك النقاش حول "التنويرالديني"
فضل الله: إخضاع الفكر الديني للدراسة العلمية يحميه من الخرافة والتخلّف
أجرى الأستاذ نصير الأسعد من جريدة السفير اللبنانية حواراً حول الاعتداء على المطران غريغوار حداد مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، في تاريخ 9 ربيع الثاني 1423هـ، الموافق 20/6/2002، حيث اعتبر فيه أن الاعتداء على المطران حرّك لدى المرجع الإسلامي السيد محمد حسين فضل الله الكثير من "الشجون"، ليس كونه مارس "اجتهاداً" معينا، بل لأنه تعرض لألوان من "الاعتداء" عليه في فترات معينة، سواء كان الاعتداء منشوراً يوزع أو تحريضاً سافراً أو محاصرة سياسية أو تكفيراً أو اتهاماً بالزندقة.. الخ..
وتابع الأستاذ الأسعد:
يرى السيد محمد حسين فضل الله أن مثل هذه الممارسات (الاعتداء بالضرب على المطران) "تتحرك في المناخ الذي يسيطر فيه الانفعال على واقع الناس، حيث يعيش الواقع أمام أي طرح غير مألوف، حالة من السلبية التي تنطلق من فقدان الهدوء الفكري والرحابة والانفتاح على الرأي الآخر والإنسان الآخر". ويعتبر هذه الممارسات "جزءاً من هذه المنظومة التي تضع المسألة السياسية والمسألة الاجتماعية والمسألة الدينية في دائرة الانفعال الذي يوحي بالتصلب للفكر الذي يلتزمه الشخص هنا أو هناك". ويضيف أن هناك "ظاهرة التعصب التي أسميها ظاهرة شرقية لا تقبل الآخر ولا تتسع لوجهة النظر الأخرى"، وان ثمة "من يزعمون الحقيقة المطلقة في السياسة (تحت عنوان مصلحة الأمة) وفي الاجتماع وفي الدين، ما يجعلهم يتعاملون مع الفكر الآخر بطريقة الرجم بالكلمات أو اللكمات أو الحجر".
ويوضح المرجع الإسلامي السيد فضل الله أن "المسيحية عاشت في تاريخها الكثير من حركية الاجتهاد في مفردات العقيدة، فتنوعت المفردات العقيديّة حتى داخل الدائرة الواحدة"، في إشارة من السيد فضل الله إلى أن المطران ينهل من سوابق تاريخية. لكنه يسارع الى القول: "أتصور أن المسيحية في النطاق الديني وصلت في تنوعاتها المذهبية الى مستوى وقف معه الاجتهاد ولم يعد يفسح في المجال للفكر الديني في الدائرة الرسمية أن يجتهد بما يخالف العقيدة الرسمية المقنّنة".
التنظيم المسيحي
من هنا يصل السيد فضل الله الى اعتبار أن "المسيحيين أكثر تشددا من المسلمين في المسألة العقيديّة، حيث هناك كثير من التشدد في مفردات اللاهوت المسيحي"، ومما يجدر أخذه في الاعتبار لدى الإشارة الى التشدد، ان "هناك في التنظيم المسيحي الديني مواقع رسمية تمثّل في الخط العام العقيدة المسيحية الرسمية التي لا يسمح لأحد داخل الإكليروس بالابتعاد عنها أو إنكار بعض جوانبها"، وهذا ما يؤدي الى ان "يعاقب الشخص الذي يقوم بذلك بالحرم". ويلاحظ انه "في الواقع الديني الإسلامي الذي لا يخضع لتنظيم تراتبي معين أو لصفات رسمية تنظيمية، تصدر أحكام متحركة من قبل مرجعية هنا أو مرجعية هناك أو غوغائية هنا وغوغائية هناك بكلمات التضليل والتكفير وما الى ذلك مما قد يقود الى تصرفات سلبية في بعض الحالات".
على ان المرجع فضل الله، ومن موقع "التجربة"، يعرب عن اقتناعه بأن "رحابة الأفق الديني تفرض داخل الجو الديني أو المؤسسة الدينية إعطاء الحريّة لمناقشة بعض الأفكار بطريقة علمية موضوعية لتأصيل المفاهيم الدينية، بإخضاعها للحوار العلمي على قاعدة فكرية لا تترك مجالا لأية شبهة وتتحوط مما قد يتعرض له الفكر الديني من قبل الذين ينكرون الدين في الأساس وينتقدون بعض المفردات، لا سيما على مستوى الأصول العقيديّة".
ويشرح السيّد وجهة نظره بشكل إضافي فيقول ان في المسألة الدينية "نوعين من الخطوط العقيدية"، الأول "يأخذ موقع البداهة ويمثل مسلمّات فكرية واضحة في طبيعتها الدينية"، والثاني "يمثل حالة نظرية تخضع للاجتهاد وتفسح في المجال لأكثر من رأي تثبيتاً أو نقداً". ويرى ان على "القائمين على شؤون العقيدة الدينية أن يفسحوا في المجال لمناقشة هذه الخطوط النظرية في العقيدة في مناخ علمي وعلى أساس موضوعي". ويعتبر ان "أي نوع من أنواع مصادرة الرأي الديني المرتكز الى أسس علمية، بكلمات الحرم والتكفير، سوف لن يخدم القضية الدينية، لا سيما في الواقع المعاصر، حيث أصبح الفكر كله يعيش في الهواء الطلق من خلال الحركة الفكرية في العالم التي باتت تناقش في كل شيء بما في ذلك المقدسات".
العقل والعقيدة
ويطلق المرجع هنا "صيحة" من واقع تجربته أيضاً: "ان إخضاع الفكر الديني للدراسة العلمية الموضوعية هو الذي يحمي هذا الفكر من الخرافة ومن كل عناصر التخلف والاهتزاز الداخلي". وفي ما يشبه ملاقاة الدعوة التي وجهها المطران حداد الى التطور والتجدد، يقول السيد فضل الله ان "على القائمين على شؤون الدين الإسلامي أو الدين المسيحي ان يدرسوا كل التطورات التي أحاطت بالموقف الثقافي للمسألة الدينية لتتطور أساليبنا ووسائلنا"، موضحاً ان الإسلام "يؤكد ان العقل هو الأساس في العقيدة وان العقيدة ليست فوق العقل، بل تكتسب أصالتها من خلال العقل الذي يجمع داخل منظومته المعادلات الفكرية والعناصر الوجدانية التي تختزنها الفكرة التي تمثل عمق إحساس الإنسان بالحقيقة بشكل تلقائي".
ويشدد السيد على ضرورة "أن يأخذ الذين يعتبرون أنفسهم ممثلين للفكر الديني بأسباب الثقافة الدينية على الأسس العلمية في كل جوانب الدين، لأننا قد نرى متخصصين في الشريعة لا يملكون التخصص في العقيدة، أو المتخصصين في الفقه لا يملكون التخصص في القرآن". ويؤكد ان "المشكلة ليست في الدين الذي هو كلمة الله العليا والحقيقة الأصلية، لكن المشكلة في المتخلفين الذين يفرضون أنفسهم وتخلّفهم على الدين أو الذين ضاقت صدورهم عن فكر الآخر فلم تتسع لأية علامة استفهام".
"الأصولية"... و"الاجتهاد"
ويسارع المرجع الكبير الى القول ان الأصولية بين مزدوجين "تتحرك في دائرتين: عدم الاعتراف بالآخر، والعنف وسيلة للتعبير"، ويشير الى ان "العنف الذي قد يحصل في الدائرة الإسلامية بشكل عام، ينطلق من خلال التعصب الطارئ لدى بعض الناس الذين قد يرون أن هذه الفتوى أو الفكرة تمثل هدماً للدين وإسقاطاً للشريعة، بما يجعل القائمين على الشريعة يرجمون هذه الأفكار". ويلفت الى "اننا كمسلمين نعتقد ان عناصر الإيمان هي التوحيد والنبوة واليوم الآخر، فمن أنكر واحدة منها لم يكن مسلماً"، ومن هنا فإن "التكفير مسألة ثقافية ونسبية تتعلق بجحود الإنسان بالعناصر الأساسية لهذا الدين أو ذاك، لكن كلمة تكفير أصبحت تختزن الكثير من الخلفيات السلبية".
ومع ذلك، يختم المرجع الإسلامي بتأكيد ان "المؤسسة الدينية الإسلامية بدأت تتقبل الكثير من الفكر الخارج عن المألوف الذي قد يخالف بعض الخطوط الثقافية الإسلامية المتداولة، ونجد جيلاً جديداً في الحوزات والجامعات ممن يتقبل هذه الاجتهادات، وأتحدث عن الذين يفكرون ويجتهدون حتى لو لم يصلوا الى درجة الاجتهاد". ويشدد على ان "المؤسسة الدينية الشيعية تمتاز بأنها حرة، فليست هناك سلطة مسؤولة بشكل يطبق على كل الحوزة، بل الحوزة تختزن الكثير من الاختلافات حتى مع المراجع الذين يُرجع إليهم في التقليد، وهذه ميزة هامة".
الاعتداء على المطران غريغوار حداد يحرّك النقاش حول "التنويرالديني"
فضل الله: إخضاع الفكر الديني للدراسة العلمية يحميه من الخرافة والتخلّف
أجرى الأستاذ نصير الأسعد من جريدة السفير اللبنانية حواراً حول الاعتداء على المطران غريغوار حداد مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، في تاريخ 9 ربيع الثاني 1423هـ، الموافق 20/6/2002، حيث اعتبر فيه أن الاعتداء على المطران حرّك لدى المرجع الإسلامي السيد محمد حسين فضل الله الكثير من "الشجون"، ليس كونه مارس "اجتهاداً" معينا، بل لأنه تعرض لألوان من "الاعتداء" عليه في فترات معينة، سواء كان الاعتداء منشوراً يوزع أو تحريضاً سافراً أو محاصرة سياسية أو تكفيراً أو اتهاماً بالزندقة.. الخ..
وتابع الأستاذ الأسعد:
يرى السيد محمد حسين فضل الله أن مثل هذه الممارسات (الاعتداء بالضرب على المطران) "تتحرك في المناخ الذي يسيطر فيه الانفعال على واقع الناس، حيث يعيش الواقع أمام أي طرح غير مألوف، حالة من السلبية التي تنطلق من فقدان الهدوء الفكري والرحابة والانفتاح على الرأي الآخر والإنسان الآخر". ويعتبر هذه الممارسات "جزءاً من هذه المنظومة التي تضع المسألة السياسية والمسألة الاجتماعية والمسألة الدينية في دائرة الانفعال الذي يوحي بالتصلب للفكر الذي يلتزمه الشخص هنا أو هناك". ويضيف أن هناك "ظاهرة التعصب التي أسميها ظاهرة شرقية لا تقبل الآخر ولا تتسع لوجهة النظر الأخرى"، وان ثمة "من يزعمون الحقيقة المطلقة في السياسة (تحت عنوان مصلحة الأمة) وفي الاجتماع وفي الدين، ما يجعلهم يتعاملون مع الفكر الآخر بطريقة الرجم بالكلمات أو اللكمات أو الحجر".
ويوضح المرجع الإسلامي السيد فضل الله أن "المسيحية عاشت في تاريخها الكثير من حركية الاجتهاد في مفردات العقيدة، فتنوعت المفردات العقيديّة حتى داخل الدائرة الواحدة"، في إشارة من السيد فضل الله إلى أن المطران ينهل من سوابق تاريخية. لكنه يسارع الى القول: "أتصور أن المسيحية في النطاق الديني وصلت في تنوعاتها المذهبية الى مستوى وقف معه الاجتهاد ولم يعد يفسح في المجال للفكر الديني في الدائرة الرسمية أن يجتهد بما يخالف العقيدة الرسمية المقنّنة".
التنظيم المسيحي
من هنا يصل السيد فضل الله الى اعتبار أن "المسيحيين أكثر تشددا من المسلمين في المسألة العقيديّة، حيث هناك كثير من التشدد في مفردات اللاهوت المسيحي"، ومما يجدر أخذه في الاعتبار لدى الإشارة الى التشدد، ان "هناك في التنظيم المسيحي الديني مواقع رسمية تمثّل في الخط العام العقيدة المسيحية الرسمية التي لا يسمح لأحد داخل الإكليروس بالابتعاد عنها أو إنكار بعض جوانبها"، وهذا ما يؤدي الى ان "يعاقب الشخص الذي يقوم بذلك بالحرم". ويلاحظ انه "في الواقع الديني الإسلامي الذي لا يخضع لتنظيم تراتبي معين أو لصفات رسمية تنظيمية، تصدر أحكام متحركة من قبل مرجعية هنا أو مرجعية هناك أو غوغائية هنا وغوغائية هناك بكلمات التضليل والتكفير وما الى ذلك مما قد يقود الى تصرفات سلبية في بعض الحالات".
على ان المرجع فضل الله، ومن موقع "التجربة"، يعرب عن اقتناعه بأن "رحابة الأفق الديني تفرض داخل الجو الديني أو المؤسسة الدينية إعطاء الحريّة لمناقشة بعض الأفكار بطريقة علمية موضوعية لتأصيل المفاهيم الدينية، بإخضاعها للحوار العلمي على قاعدة فكرية لا تترك مجالا لأية شبهة وتتحوط مما قد يتعرض له الفكر الديني من قبل الذين ينكرون الدين في الأساس وينتقدون بعض المفردات، لا سيما على مستوى الأصول العقيديّة".
ويشرح السيّد وجهة نظره بشكل إضافي فيقول ان في المسألة الدينية "نوعين من الخطوط العقيدية"، الأول "يأخذ موقع البداهة ويمثل مسلمّات فكرية واضحة في طبيعتها الدينية"، والثاني "يمثل حالة نظرية تخضع للاجتهاد وتفسح في المجال لأكثر من رأي تثبيتاً أو نقداً". ويرى ان على "القائمين على شؤون العقيدة الدينية أن يفسحوا في المجال لمناقشة هذه الخطوط النظرية في العقيدة في مناخ علمي وعلى أساس موضوعي". ويعتبر ان "أي نوع من أنواع مصادرة الرأي الديني المرتكز الى أسس علمية، بكلمات الحرم والتكفير، سوف لن يخدم القضية الدينية، لا سيما في الواقع المعاصر، حيث أصبح الفكر كله يعيش في الهواء الطلق من خلال الحركة الفكرية في العالم التي باتت تناقش في كل شيء بما في ذلك المقدسات".
العقل والعقيدة
ويطلق المرجع هنا "صيحة" من واقع تجربته أيضاً: "ان إخضاع الفكر الديني للدراسة العلمية الموضوعية هو الذي يحمي هذا الفكر من الخرافة ومن كل عناصر التخلف والاهتزاز الداخلي". وفي ما يشبه ملاقاة الدعوة التي وجهها المطران حداد الى التطور والتجدد، يقول السيد فضل الله ان "على القائمين على شؤون الدين الإسلامي أو الدين المسيحي ان يدرسوا كل التطورات التي أحاطت بالموقف الثقافي للمسألة الدينية لتتطور أساليبنا ووسائلنا"، موضحاً ان الإسلام "يؤكد ان العقل هو الأساس في العقيدة وان العقيدة ليست فوق العقل، بل تكتسب أصالتها من خلال العقل الذي يجمع داخل منظومته المعادلات الفكرية والعناصر الوجدانية التي تختزنها الفكرة التي تمثل عمق إحساس الإنسان بالحقيقة بشكل تلقائي".
ويشدد السيد على ضرورة "أن يأخذ الذين يعتبرون أنفسهم ممثلين للفكر الديني بأسباب الثقافة الدينية على الأسس العلمية في كل جوانب الدين، لأننا قد نرى متخصصين في الشريعة لا يملكون التخصص في العقيدة، أو المتخصصين في الفقه لا يملكون التخصص في القرآن". ويؤكد ان "المشكلة ليست في الدين الذي هو كلمة الله العليا والحقيقة الأصلية، لكن المشكلة في المتخلفين الذين يفرضون أنفسهم وتخلّفهم على الدين أو الذين ضاقت صدورهم عن فكر الآخر فلم تتسع لأية علامة استفهام".
"الأصولية"... و"الاجتهاد"
ويسارع المرجع الكبير الى القول ان الأصولية بين مزدوجين "تتحرك في دائرتين: عدم الاعتراف بالآخر، والعنف وسيلة للتعبير"، ويشير الى ان "العنف الذي قد يحصل في الدائرة الإسلامية بشكل عام، ينطلق من خلال التعصب الطارئ لدى بعض الناس الذين قد يرون أن هذه الفتوى أو الفكرة تمثل هدماً للدين وإسقاطاً للشريعة، بما يجعل القائمين على الشريعة يرجمون هذه الأفكار". ويلفت الى "اننا كمسلمين نعتقد ان عناصر الإيمان هي التوحيد والنبوة واليوم الآخر، فمن أنكر واحدة منها لم يكن مسلماً"، ومن هنا فإن "التكفير مسألة ثقافية ونسبية تتعلق بجحود الإنسان بالعناصر الأساسية لهذا الدين أو ذاك، لكن كلمة تكفير أصبحت تختزن الكثير من الخلفيات السلبية".
ومع ذلك، يختم المرجع الإسلامي بتأكيد ان "المؤسسة الدينية الإسلامية بدأت تتقبل الكثير من الفكر الخارج عن المألوف الذي قد يخالف بعض الخطوط الثقافية الإسلامية المتداولة، ونجد جيلاً جديداً في الحوزات والجامعات ممن يتقبل هذه الاجتهادات، وأتحدث عن الذين يفكرون ويجتهدون حتى لو لم يصلوا الى درجة الاجتهاد". ويشدد على ان "المؤسسة الدينية الشيعية تمتاز بأنها حرة، فليست هناك سلطة مسؤولة بشكل يطبق على كل الحوزة، بل الحوزة تختزن الكثير من الاختلافات حتى مع المراجع الذين يُرجع إليهم في التقليد، وهذه ميزة هامة".