أجرى الأستاذ نصير الأسعد من جريدة السفير اللبنانية حواراً مع سماحة العلامة
المرجع السيد محمد حسين فضل الله، ونشر بتاريخ 9 صفر 1423هـ/ 22- 4 - 2002م ،
تناول فيه وضع المقاومة في “مزارع شبعا “ وما يثار عن أنها تشكّل عبئاً ومشكلة للبنان ما
يهدد بـ” سقوط الهيكل على رؤوس الجميع”، وهنا نص ما نشر:
في قراءته لمجمل التطورات، يبدو المرجع الشيعي العلامة السيد محمد حسين فضل الله منطلقاً من "مبدأ " لا يتردد في إعلانه بالقول إن "المناخ السياسي الدولي والإقليمي يبقى ضاغطاً على الخطوط الأمنية، لأن الساحة مهما بدت حارّة، فإن هناك أكثر من عامل للتبريد أو لتخفيف الحرارة".
ويقول المرجع الكبير إن "علينا ألا نسقط المصالح الدولية من الحساب، لأن المصالح الدولية تتحرك من ضمن ضوابط معينة على طريقة التبادل في المواقف، حيث تعطي دولة موقفاً لدولة أخرى على أساس ما تمنحه تلك الدولة من مكاسب تبقى في خدمة إبداء التوازن في الحركة .
ويشدد على أن " ليس في السياسة عنوان اسمه سقوط الهيكل على رؤوس الجميع، فالكل يتعاون على إبقاء الهيكل، لتكون حركة الكل في إطار ديكور الهيكل الذي ربما يسقط جزء من ديكوره فقط".
من هذا "المبدأ"، الذي تكمن أهميته هنا في أنه يصدر عن المرجع الإسلامي، يطل السيد فضل الله على مسألة العمليات في مزارع شبعا. وفي هذا المجال، يلفت إلى أنه "عندما تتم دراسة عناوين المداخلات الأميركية حيال العمليات في المزارع، يمكن اكتشاف أن الحديث الأميركي ليس عن إلغاء العمليات بل عن توازنها، بحيث لا تقفز عن الخطوط الحمر وتفتح الجبهة مع إسرائيل ، تماماً كما كانت الحال في مرحلة تفاهم نيسان".
ويشير "السيد" إلى أن المقاومة “تملك رشداً سياسياً يجعل استمرار العمليات من أجل التحرير منفتحاً على المسألة السياسية الداخلية والخارجية”، ويضيف: "نعرف أن حركة المقاومة بحاجة إلى تداخل المسألة الجهادية مع المسألة السياسية، لأن المقاومة حركة سياسية بأسلوب جهادي".
ويصل العلامة فضل الله إلى تعيين سلسلة من الاستنتاجات، فيوضح أنه " ليس من الطبيعي تصور أن تهدأ عمليات المقاومة، لأن الهدوء سوف يعني أنها خضعت للضغوط الأميركية، الأمر الذي سيشجع أميركا على المزيد من الضغوط". ويلفت إلى أن إسرائيل " قدمت نموذجاً في أن التمرد على الإدارة الأميركية لا يمثل كارثة سياسية إذا كان هذا التمرد مدروساً بطريقة دقيقة "، ملاحظاً أن " خطوة شارون التمرد على بوش الذي دعاه إلى الانسحاب من دون تأخير، توحي لأكثر من طرف عربي وإسلامي بأن أميركا مستعدة لأن تمحو تصريحاتها السياسية تحت تأثير أي موقع يملك قدراً من الإحساس بالقوة المحسوبة ". ويقول فضل الله: " لذلك أتصور أن المقاومة سوف تستمر، وهي تستطيع برشدها السياسي التحرك بنجاح على الأرض المزروعة بالألغام السياسية.
وقبل أن يصل إلى الاستنتاج الأكثر "حسماً"، يناقش السيد فضل الله عمليات المقاومة من زاوية الأبعاد التي تتجاوز البعد التحريري في المزارع، فيرى أن هذه العمليات " قد لا تكون دعماً مباشراً لفلسطين، غير أنها رسالة إلى الفلسطينيين بأننا نقاتل الاحتلال كما تقاتلونه، وأننا سنستمر في مقاومته كما تستمرون، وأن التحرير يعطي ضوءاً في نهاية النفق".. ويعتبر أنه "ربما كان ذلك إيحاءً للشارع العربي ومعه الشارع الإسلامي بأنه يمكن إيجاد نقاط ضوء في هذا الظلام الكبير، وأن الواقع العربي ليس واقع الضعف الشامل، بل ثمة شيء من عناصر القوة يوحي بنجاح أكثر من تجربة مماثلة". ويعلن سماحة المرجع أن " قيمة المقاومة في لبنان والانتفاضة في فلسطين، أنهما خرجتا من دائرة التنظير، لتثبتا من خلال هذه التجربة، التي تنجح حيناً وتفشل حيناً آخر، أن تجربة الهزيمة ليست القضاء والقدر، وأن هناك تجارب حتى لو كانت جزئية تشجع على فكرة إمكان النصر".
وفي هذا السياق، يؤكد فضل الله أنه "من الصعب على المقاومة أن تتوقف، فضلاً عن أن استمرار الحرب الإسرائيلية في فلسطين قد يخلق مناخاً سياسياً في الواقع العربي والإسلامي يجعل المقاومة ضرورة سياسية، لإبقاء هذه الروح الرافضة لإسرائيل حية وقوية". ويلاحظ "السيد" أن هذه المسألة "ربما تخلق بعض المشاكل في لبنان، لكنني أتصور أن إسرائيل ومعها المواقع الدولية، ليست مستعدة لفتح جبهة شمالية، لأن ما تتصوره إسرائيل، وقد يكون واقعياً، هو أن المقاومة تمتلك أسلحة تصيب إسرائيل في العمق، وقادرة على تحقيق توازن الرعب".
ويعرب سماحته عن اعتقاده بأن المقاومة "قد أدخلت في حساباتها أي ضربة عسكرية إسرائيلية استعراضية، وخططت لأن توجع إسرائيل بضربة رادعة”، لافتاً مع ذلك إلى أن “المسألة تخضع لطبيعة الظروف الموضوعية التي تحيط بالواقع في فلسطين وبطبيعة الضربة نفسها.
ومن هذا التحليل الذي" يتكلم" لوحده، ينطلق فضل الله نحو ما يشبه "الأحكام"، فيقول إنه "من مراقبة التعليقات الأميركية بالنسبة إلى زيارة باول إلى لبنان، يبدو أن المسؤولين الأميركيين يحاولون إعطاء عنوان النجاح لزيارته إلى المنطقة، بنجاحه في تهدئة الحدود في جنوب لبنان في مقابل الفشل الذي واجهه في فلسطين"، ويبدي اعتقاداً بأن ذلك "يوحي بأن الإدارة الأميركية تنظر بشيء من الرضى إلى لبنان على أساس أنه استجاب أو اقترب من الاستجابة إلى الأفكار الأميركية حول التهدئة". ويبادر إلى القول: "لا أتصور أن هناك موقفاً أميركياً سلبياً حيال لبنان في المرحلة الحاضرة، مع ملاحظة تحتاج إلى درس عميق، وهي أن أميركا ترى في لبنان موقعاً لا تريد أن تخسره، وتسعى إلى أن تتحرك معه بقدر من التوازن". ويرتبط ذلك بحسب المرجع بـ "نقطة لا بد من ملاحظتها، وهي أن دور اللبنانيين في الانتخابات الفرعية المقبلة قد يكون محل اهتمام الإدارة، لا سيما أن اللبنانيين والعرب والمسلمين يتجهون نحو مزيد من الاهتمام بالدخول بشكل أكثر فاعلية في السياسة الأميركية.