ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
الولاية امتدادٌ للنبوّة
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد مخاطباً رسول الله(ص): {يا أيها الرسول بلِّغ ما أُنزِل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس}. جاء هذا النداء الإلهي والتكليف الرباني للرسول(ص) بعد حجة الوداع التي ودّع فيها الرسول(ص) المسلمين، من أجل أن تمتد حركة النبوة وتنفتح قاعدة الإسلام في امتداده عبر حركة الولاية. فالله سبحانه يطلب من رسوله أن يبلّغ ما أنزل إليه، في ولاية علي(ع)، إلى المسلمين، لأن المسألة في مستوى الخطورة، لأن هذه الرسالة التي جاهد النبي(ص) في الدعوة إليها، تحتاج بعد رسول الله إلى ولي يملك كل فكرها في العقيدة والشريعة والمنهج والحياة، وكل روحيتها في الانفتاح على الله، وكل مسؤوليتها في الانفتاح على الأمة، وكل شجاعتها وصلابتها في صلابة الموقف وشجاعته، وكل صدقها وأمانتها في كل ما يحمّلها الله من مسؤوليات، وكل حركتها في تثقيف الناس بالإسلام. وبالتالي، لا بد من أن يتولى أمور المسلمين بعد رسول الله شخص عاش رسول الله بكله، وكان عقله عقل رسول الله، وروحه من روح رسول الله...
وهذا الشخص هو علي(ع)، الذي عاش مع رسول الله منذ أن كان طفلاً، وكان رسول الله يربيه خُلقاً "... ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً". هكذا قال علي(ع): "علّمني رسول الله ألف باب، فتح لي من كل باب ألف باب"، وكان مع رسول الله في كل حروبه وفي كل حركته في الدعوة، وفي كل حركته في قيادة المجتمع.
كان بيت رسول الله بيته، "لم يجمع بيتٌ واحد يومئذٍ في الإسلام ـ كما يقول علي(ع) ـ غير: رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما"، ثم جدّد رسول الله(ص) له البيت، بأن زوّجه من ابنته فاطمة(ع)، فكان بيت فاطمة بيت رسول الله، وكان وجوده وراحته واطمئنانه هناك، فإذا عاد من السفر، كان أول الناس عهداً به بيت فاطمة، وإذا أراد الخروج إلى السفر كان آخر الناس عهداً به بيت فاطمة(ع).
هذا الإنسان الذي كان عصارة رسول الله(ص)، لم يصطحب رسول الله أحداً من أصحابه كما اصطحب علياً(ع). كان يعيش داخل رسول الله كما كان يعيش في بيته، ولذلك كان وحده ـ مع احترامنا لكل الصحابة ـ المؤهَّل لأن يقود مسيرة الإسلام، ولذلك قال الله لرسوله إنك بنيت بناءً وركّزت قاعدة وصنعت مجتمعاً إسلامياً وأسست دولةً، والمستقبل يحتاج إلى من يرعى كل ذلك، لأنه إذا ترك من دون رعاية فسيضعف كل ذلك، وربما ينهار.
الإبلاغ بالولاية: إتمام النعمة والدين
وهكذا قال له الله سبحانه: {يا أيها الرسول بلِّغ ما أُنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل ـ إذا لم تنصِّب علياً إماماً وولياً للمسلمين، فكأنك لم تفعل شيئاً، وكان النبي(ص) قد بلّغ كل شيء في حجّة الوداع ـ فما بلّغت رسالته ـ وإن كنت تخاف من الكافرين أن يقولوا قد حابى ابن عمه ـ والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين}، فكما عصمك في البداية، فإنه يعصمك في النهاية، لأنك كنت تتحرك بعين الله وتسير من خلال وحيه.
ووقف رسول الله في الصحراء في منطقة يقال لها خُمّ، وكان الوقت هجيراً في وقت الظهيرة، ونادى رسول الله المسلمين الذين كانوا معه في حجه قبل أن يتفرّقوا ويعود كل واحد منهم إلى بلاده، ناداهم ليجتمعوا، ونُصب له منبر من أهداج الإبل، وأخذ علياً بيديه ورفعهما حتى بان بياض إبطيهما، وقال بعد الخطبة: "أيها الناس، ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ـ ألست الولي عليكم، وقد جعل الله لي الولاية على كل واحد منكم أكثر من ولايته على نفسه ـ قالوا اللهم بلى، قال: اللهم اشهد، ثم قال: من كنتُ مولاه فهذا عليٌ مولاه، الله والِ مَن والاه، وعادِ من عاداه، وانصُر من نصره، واخذُل من خذله، وأدِر الحق معه حيثما دار، ألا هل بلّغت، اللهم فاشهد".
وهكذا خاطب المسلمون علياً بإمرة المؤمنين، وقال له بعض الصحابة الكبار: "بخٍ بخٍ لك يا علي، أصبحت مولانا ومولى كل مؤمنٍ ومؤمنة".
وقد روى قصة الغدير الكثير من الصحابة والتابعين، وقد تجاوز عددهم المائة وعشرة. وهذا الحديث حديث متواتر ليس فيه ظلال من الشك، وبه تثبت الولاية لعلي(ع)، وإن كان البعض قد ناقش في حديث "من كنتُ مولاه"، بأنه يعني من كنت محبّه فعليّ محبّه، أو من كنت ناصره فعليّ ناصره. ولكن هذا الموضوع لا معنى له، إذ هل يعقل أن يجمع النبي(ص) المسلمين في الظهيرة الحارة، ليقول لهم: الذي أحبه أنا علي يحبه، أو الذي أنا أرفضه عليٌّ يرفضه؟!
وقد روى هذه الرواية الكثير من أئمة السنة، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل من حديث زيد بن أرقم، قال: نزلنا مع رسول الله(ص) بوادٍ يقال له وادي خمّ، فأمر بالصلاة فصلاّها بهجير ـ الحرارة الشديدة ـ قال فخطبنا، وظُلِّل لرسول الله على شجرة، فقال: "أولستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه، اللهم والِ مَن والاه وعادِ من عاداه".
وأخرج الحاكم في المستدرك الذي استدركه على الصحيحين عن زيد بن أرقم من طريقين صححهما، وفيه: "إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر؛ كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلّفونني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يرِدا عليّ الحوض".
وهذا مما يستدل به على قضية الأئمة الاثني عشر إلى الإمام الحجة(عج)، في دلالة واضحة على الاقتران بين القرآن والأئمة(ع).
ثم قال: "إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ـ ثم أخذ بيد علي فقال: ـ من كنتُ مولاه فأنا وليّه، اللهمّ والِ من والاه وعادِ مَن عاداه".
ودارت الأيام، وأُبعِد علي(ع) عن حقه، وكان ما كان، فما هو موقف علي(ع)؟ لم ينطلق بموقفه بدوافع ذاتية، كما يفعل الكثير من الناس الذين يعيشون الطموحات الشخصية، فإذا خاصمهم شخص أو أبعدهم عمّا يعتبرونه حقهم، فإنهم يعملون بكل الوسائل في سبيل الإضرار به، وفي سبيل التخطيط لإثارة المشاكل والفتن ضده، حتى أصبحت شغلنا الشاغل في هذه الأيام، سواء في القضايا الدينية أو السياسية أو الاجتماعية.
إمام الحق
لكن الإمام علي(ع) كان يعتبر نفسه إمام الإسلام، ومسؤولاً عنه وعن المسلمين خارج الخلافة وداخلها، لأن الإمام عاش كل حياته للإسلام، حتى قال له النبي(ص): "أنت مني بمنـزله هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي"، هو وزير النبي ووصيه في حياته وبعد وفاته، ولذلك عبّر الإمام(ع) في خطبته في نهج البلاغة في كتابه لأهل مصر ـ وأحب لكم أن تتثقفوا بثقافة الإمام، وأن تعيشوا رحابة الأفق في القضايا العامة التي تخصُّ الأمة ومصالحها الحيوية، كما عاشها الإمام ـ فما راعني ـ أي فوجئت وأنا مشغول بتجهيز النبي وتغسيله وتكفينه ـ إلا انثيال الناس ـ إقبالهم ـ على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي ـ اعتزلت في البيت في موقف احتجاجي ـ حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد(ص) ـ أي بدأت حالات الارتداد والفوضى والانحراف، لأن النبي كان القوة التي يرهبها أعداؤه، هنا فكرت أنني إذا بقيت منعزلاً فإن المشكلة ستتفاقم ـ فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم، التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث ـ أشرت ونصحت وساعدت وما إلى ذلك ـ حتى زاح الباطل وزهق، واطمأنّ الدين وتنهنه".
وفي كلمة أخرى له يقول(ع): "لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جورٌ إلا عليّ خاصة"، أيّ روحٍ هي هذه الروح، وأيّ أفق أرحب من هذا الأفق.
وهكذا لاحظنا أنه قد نصح عمر عندما كان يريد المشاركة في محاربة الروم، بألا يذهب، في وقت كان الآخرون ينصحونه بالذهاب إلى الجبهة، لأنه رأى في بقائه حفاظاً على الإسلام من خلال الحفاظ على موقعية الخلافة ـ بغض النظر عن الشخص ـ.
أيها الأحبة، هذا هو علي(ع)، هذا الإنسان الذي لم يعش لذاته منذ أن كان في ليلة الهجرة عندما بات على فراش رسول الله(ص)، والسيوف مسلّطة فوق رأسه، وهو يغطي انسحاب رسول الله(ص)، فنـزلت هذه الآية: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله}. عليٌ باع نفسه لله تعالى، كل شيء كان عنده لله، ولذلك لم يفكر إلا بالله، ولذا كان يقول عندما تسلّم الخلافة وعمّت المشاكل من حوله: "ليس أمري وأمركم واحداً، إني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم"،
ولاية علي(ع): ولاية الإسلام
وهكذا ينبغي لنا أن نعيش في حياتنا، لأن واقعنا الإسلامي في شقّيه السنّي والشيعي مليء بمن يثيرون التعصب والحقد والكراهية وبمن ينشرون التكفير والتضليل، والإمام علي(ع) يقول: "إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين"، وكذلك فإننا عندما ندعو إلى الوحدة الإسلامية، فإننا ندعو إلى أن نلتقي على ما اتفقنا عليه، أي نلتقي على الإسلام لنحفظه من الكافرين والظالمين والمستكبرين، الذين يعملون على إثارة النعرات المذهبية وإحداث الفرقة بين المسلمين، كما هو في العراق وغيره.
ولذلك، علينا أن نرتفع إلى أفق علي(ع)، وأن يلتزم كل واحد منا بما يؤمن به، ولكن أن يكون التزامنا الكبير في حماية الإسلام، فهذا الإمام زين العابدين في دعاء الصباح والمساء، يطلب من الله عز وجل كل يوم وكل ليلة أن يوفّقه لحياطة الإسلام.
نحن اليوم وفي ساحة الصراع ضد المستكبرين والكافرين، يجب أن نكون صفاً واحداً في مواجهة التحديات الكبرى التي تريد أن تسقط الإسلام وأهله، وفي حال حققنا النصر، علينا أن نتحاور في ما بيننا، ولكن ما يحصل هو العكس، بحيث ونحن نواجه التحديات في أمتنا وسياستنا واقتصادنا وثقافتنا، ترانا نتفرّغ للمشاكل في ما بيننا، ونترك الاستكبار يصول ويجول دونما أيّ رادع.
لذلك، وبمناسبة عيد الغدير نقول: يجب أن نقف ضد كل من يحاول إثارة الفتنة بين المسلمين، وأن نعمل على صيانة الوحدة الإسلامية، وهذا شيء أساسي في هذا المقام. نحن مع الغدير ومع ولاية علي(ع) التي هي ولاية الإسلام وفي خط الإسلام، نحن مع ولاية علي والأئمة(ع)، هؤلاء الذين أنزل الله فيهم: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}.
نحن مع الولاية، والولاية التي انطلق فيها علي وأئمة أهل البيت(ع)، الولاية التي تقول للمسلمين الموالين: كونوا مع الوحدة الإسلامية، كونوا مع حماية الإسلام، كونوا مع حياطة الإسلام، كونوا صفاً واحداً أمام التحديات، لتكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. وعلينا في يوم الغدير، أن نحمد الله الذي هدانا إلى الإسلام وإلى ولاية علي(ع) والأئمة من أهل بيته(ع).
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله، اتقوا الله، وسيروا مع الخط المستقيم الذي انطلق من وحي الله في دعوة رسوله(ص)، وفي خط الأئمة من أهل البيت(ع)، كونوا مع الحق كما كان علي مع الحق، والحق مع علي يدور معه حيثما دار، كونوا كما قال علي(ع): "ما ترك لي الحق من صديق".
الانحياز إلى الحق
وقال علي(ع) لابن عباس وقد رآه يخصف نعله: "يابن عباس، أترى هذه النعل؟ قال: بلى، قال: إنها أعظم من إمرتكم هذه إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً". كونوا مع الحق الذي كان عليه، ولا تكونوا مع الباطل، وقد قال علي(ع) في بعض كلماته: "لأبقرنّ الباطل حتى أخرج الحق من خاصرته"، الباطل الذي يحاول البعض أن يجعل الحق في داخله ليخيّل للناس أنه حق كله.
وهكذا أيها الأحبة، كانت معاناة علي(ع) تتمثل في أنه أراد أن يقود الناس إلى الحق كله، الحق في العقيدة، الحق في السياسة، الحق في الشريعة، الحق في الحكم، وفي كل مجالات الحياة. لذلك فإن مَن أراد علياً فعليه أن يكون مع الحق ولا يكون مع الباطل، وقد قال علي(ع) لبعض الناس الذين يختلط الحق والباطل عندهم، لأنهم ينظرون إلى كثرة الناس ولا ينظرون إلى الخطوة الأصيلة: "إعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله، لا يعرف الحق بالرجال، ولكن يعرف الرجال بالحق".
كونوا مع الحق، ولا سيما عندما يتحرك الباطل في الفكر والسياسة والأمن والاجتماع، كونوا مع الحق حتى نستطيع بوحدتنا وإرادتنا وقوتنا وعزيمتنا أن ننصر الحق ونخذل الباطل، ولا نكون كأولئك الذين لم ينصروا الحق ولم يخذلوا الباطل. إنّ هذه المرحلة ليست مرحلة الحياديين، لأن الإنسان لا بد له أن يحدد موقفه مع الحق ضد الباطل، ومع العدل ضد الظلم. وقد كانت كلمة علي(ع) في آخر حياته وهو يخاطب الحسنين(ع) ومن سمع كتابه: "كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً"، سواء كان الظالم دولة أو محوراً دولياً أو حزباً أو جماعةً أو شخصاً من الأشخاص.
هذا هو منهج علي(ع)، وفي ضوء هذا، لا بد لنا من أن نواجه قضايانا التي يتحرك فيها الظالمون والمستكبرون في كلماتهم التي يريدون أن يخدعونا بها، حتى يكملوا السيطرة علينا من خلالها، وعلينا أن نتابع هذا الأمر في ما استجد من كلمات أو من أحداث:
الحرية الأمريكية: احتلال وإرهاب
في خطابه الأخير، قال الرئيس بوش إنه مصمم على تطبيق استراتيجية مستقبلية للحرية في منطقة الشرق الأوسط، مؤكداً أن الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإرهاب وأيديولوجيات الحقد في الشرق الأوسط، هي أيضاً حرب ونزاع بين رؤى مختلفة للمستقبل.
والسؤال الذي نوجهه إليه هو: هل إن الاحتلال هو الوسيلة الفضلى للحرية في المنطقة بالطريقة التي حصلت في العراق وما تزال؟
هل إن الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطها على المنطقة من أجل الحرية أم من أجل حماية مصالحها الاستراتيجية على الصعد الاقتصادية والسياسية والأمنية لإحكام الشركات الأمريكية الاحتكارية سيطرتها، والتي يخضع لها أعضاء الإدارة الأمريكية الكبار؟
وهل تتمثل الحرية في الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية وللشعب الفلسطيني؟ فالرئيس بوش ـ وإدارته ـ لم يوجه أي نداء ولم يمارس أيّ ضغط على إسرائيل ضد الاحتلال، ولم يستنكر بشكل فاعل ضاغط ما يقوم به من بناء المستوطنات والجدار العنصري، بل كل ما هناك أنه تحدث بشكل باهت حول ذلك من باب النفاق السياسي.
وهل إن استراتيجية الحرية تجعل المدافعين عنها إرهابيين، بينما تجعل المحتلين والذين يمارسون إرهاب الدولة والقتل والتدمير والتجريف للمزارع ومصادرة الأراضي ضحايا؟
إنه يتحدث عن الذين ينتجون الحقد والبغضاء من دون أن يذكر خطاب السياسيين ورجال الدين الليكوديين في إسرائيل... ولا يشير إلى الخطاب الإيجابي الذي يدعو إلى السلام والتعايش والذي شمل الفلسطينيين بكل فئاتهم.
خضوع أمريكي للسياسة الصهيونية
هل الحل للمشكلة في فلسطين يكمن في التأكيد على المسألة الأمنية بقدر ما يتصل الأمر بالفلسطينيين من دون أن يؤكد عليها في الممارسات الصهيونية التي تصادر الأمن الفلسطيني بالأسلحة الأمريكية المتطورة؟... ثم إن الانتفاضة لم تكن فعلاً، بل هي رد فعل على الاحتلال، فلماذا لا تحاول أمريكا أن تفرض على إسرائيل البدء بإزالة الاحتلال وبدء المفاوضات السياسية، باعتبار أن المسألة سياسية لا أمنية؟
كيف نفسِّر الحيرة الأمريكية والبريطانية في مسألة عدم اكتشاف أسلحة الدمار الشامل في العراق في غياب أية معطيات حقيقية لذلك؟ ولماذا منعت الأمم المتحدة من استكمال مشروعها في التفتيش قبل الحرب، وهل أن إلقاء اللوم على الاستخبارات يجنب الإدارة الأمريكية المسؤولية في هذه الكذبة الكبيرة التي بررت الحرب؟ ومن الطريف أن وزير الدفاع الأمريكي يتحدث عن أنه لم يقم دليل على عدم الوجود، في الوقت الذي يعرف الجميع أن الدليل يُطلب للإثبات لا لعدمه.
وإننا نؤكد على ذلك، لأن أمريكا لا تزال ماضيةً في اتهام سوريا وإيران بالتحضير لصنع هذه الأسلحة من دون دليل، في الوقت الذي كانت هاتان الدولتان تطالبان بتنظيف المنطقة من هذه الأسلحة، بما في ذلك إسرائيل، ولكن أمريكا رفضت تأييد هذا المشروع.
إنّ أمريكا تحاول، بحسب تعبير الرئيس الأمريكي، أن تخوض حرباً إعلامية ضد الدعايات الحاقدة التي تملأ الأثير في العالم الإسلامي، ولا ندري لماذا لا يدرس بوش السياسة الأمريكية الإمبراطورية التي لا تسمح للآخرين، بمناقشتها على قاعدة التصريح الرئاسي: "إما أن تكونوا معنا أو مع الإرهاب"، ولا تسمح بالمناقشة حول مفهوم الإرهاب أو أسبابه.... إننا نقول للرئيس بوش: غيروا سياستكم واحترموا حرية الشعوب الإسلامية والمستضعفة ومصالحها، تتغير النظرة وتتبدل الدعاية.
إننا نقول: ما دامت السياسة الأمريكية خاضعةً لإسرائيل في سياستها في المنطقة، ولا سيما في فلسطين والعراق وسوريا ولبنان وإيران ـ بحسب المعلومات الدقيقة من الإعلام الأمريكي ـ فلن تحصل على أيِّ تأييد لها في الواقع.
أما القضية الفلسطينية، فإنها تعيش في لعبة الإرباك السياسي في الدولة العبرية، ما قد يؤدي إلى تمييعها... والنفاق السياسي الأمريكي في إرسال بعض الموفدين... مما تختلط فيه الأمور. وعلى الشعب الفلسطيني أن يكون في يقظة واعية، لأن اللعبة السياسية في هذه المرحلة في خفاياها وأسرارها قد تكون من أخطر المراحل.
إيران: دروس الثورة في تجديد الانتصار
أما في إيران، فإننا نلتقي بالذكرى الـ 25 لانتصار الثورة، ونتابع الصراع السياسي الذي تتحرك أساليبه بالطريقة التي قد لا تكون في مصلحة الجمهورية، ونأمل أن يأخذ الجميع الدروس الكبيرة من الثورة، من أجل تجديد الانتصار في المسألة السياسية على قاعدة الوحدة في التنوع، ولا سيما أن الاستكبار العالمي لا يزال يخطط للدخول من أكثر من نافذة بطريقة خبيثة، ليستغل بعض ما في الداخل لخدمة الخطة في الخارج.
وإننا نأمل أن يكون الحلّ الأخير للمشكلة مفتاحاً للدخول في أفق مشرق جديد، يجمع الجميع على حماية الثورة والدولة، كما نأمل من الشعب الإيراني أن يحسن اختيار ممثّليه الذين يصنعون المستقبل الإسلامي، من أجل حفظ النظام في خطّ الثورة الإسلامية وفي روحية السيد الخميني (قدس سره).
لبنان: التخطيط للمستقبل
ويبقى للبنان أن يفكر في بناء الدولة القوية الفاعلة الأمينة على شعبها على أنقاض المزرعة... ولتفتح كل ملفات الهدر والفساد والعبث بأمن البلاد، ولينطلق الشعب ليختار ممثليه على صورة مبادئه ومصالحه العامّة، وليرفض كل الذين سقطوا في امتحانات التمثيل وفي انحرافات التنفيذ... وليطالبوا بقانون من أين لك هذا، ليعرف الشعب مصدر كل الثروات التي يملكها الذين كانوا معدمين... وليدرسوا المقولة الخالدة في البلد بأنّ الدخول في النادي السياسي هو الطريق الأقصر للوصول إلى الثروة.
إن المطلوب هو أن نكون المستقبليين الذين يخطّطون في الحاضر بيت المستقبل. |