لا قرابة بين الله وبين أحد

لا قرابة بين الله وبين أحد

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}، فإذا لم نكن أبناءه بالجسد، لأنَّ الله لم يلدنا كما يلد الأب أولاده، فإنَّنا أبناؤه بالمعنى الرّوحي الَّذي يجعلنا أقرب إليه من غيرنا، كما هو حال الأبناء بالنّسبة إلى أبيهم، فإنَّه يعاملهم بما لا يُعامل به الآخرين في رعايته لهم، وعطفه عليهم، وانفتاحهم عليه، فيتقبَّل منهم ما لا يتقبّله من غيرهم في أوضاعهم السلبيّة معه، ويمنحهم ما لا يمنحه لغيرهم في مبادراته الإيجابيّة، ولا يهملهم، في بعض الظروف الّتي تدفع إلى الإهمال، بما يهمل به غيرهم! ونحن أحباؤه الَّذين لنا عنده منزلة خاصّة من المحبّة مما لا يملكه أحد غيرنا من خلقه، ولذلك، فإنَّنا لا نخاف من عذابه، ولا نخشى نقمته، لأنَّ الأب لا يعذّب أبناءه، والمحبّ لا ينتقم من أحبّائه، فلنا الحريّة في ما نفعل أو نترك في الدنيا، لأنَّنا فوق القانون، فلا نتعرّض لما يتعرّض له المخالفون له!

{قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم}، فالله قد قضى بعذاب الَّذين ينحرفون عن خطِّه المستقيم، ويحرّفون الكلم عن مواضعه، ويتمرّدون على رسله، ويعصون أوامره ونواهيه، ويقتلون الأنبياء بغير حقٍّ، أيّاً كان الانتماء الاسميّ لأمثال هؤلاء، كما قال تعالى في آية أخرى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً}[النساء: 123]. وهذا هو الخطّ الإلهيّ في علاقته بعباده، فلا قرابة بينه وبين أحدٍ منهم، إذ لا تُنال الكرامة عنده إلاَّ بالتقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: 13].

ولا فرق في قضاء الله بالعذاب بين الدّنيا والآخرة، وقد عذَّب الله بعض أهل الكتاب ـ وهم اليهود ـ بمختلف ألوان العذاب في أكثر من مرحلةٍ من مراحل تاريخهم، فقد ضربت عليهم الذلّة والمسكنة، وخضعوا لأكثر من سلطةٍ ظالمة، وقاموا بقتل أنفسهم وتخريب بلادهم بأيديهم، وهكذا عاش النَّصارى في أكثر من مشكلةٍ داخليّة أو خارجيّةٍ من البلاء المتنوّع في حياتهم العامّة والخاصّة.

وإذا كان مثل هذا البلاء أمراً طبيعيّاً ناشئاً من التعقيدات المتجسّدة في الواقع الَّذي عاشوه، ومن الظروف الموضوعيّة المحيطة بهم، فإنَّ العذاب الدنيوي لا ينفصل عن أسبابه الطبيعيّة، لأنَّ الله ينزل عذابه ليذيقهم بعض الَّذي عملوه بحسب السُّنة الإلهيَّة، في علاقة المسبّبات بأسبابها، الأمر الَّذي يجعل من البلاء في بعض الحياة عذاباً إلهيّاً من خلال ما يقدّره الله من ذلك، عندما يترك للأسباب أن تنفتح على مسبّباتها، من دون أن يتدخّل ـ بشكل غير عادي ـ لرفع ذلك عنهم بما يرحم به بعض عباده في أسباب غير عاديّة.

وهكذا تتأكّد الآية من خلال إقرارهم بأنَّهم معرَّضون لعذاب الله، كما ينقل عن اليهود بأنَّهم يعذّبون أربعين يوماً عدد الأيام الّتي عبدوا فيها العجل.

وعلى ضوء ذلك، فإنَّ الحجَّة الإلهيَّة تردُّ عليهم بأنَّ دعواهم لو كانت صادقة، فكيف يؤاخذهم الله بما يؤاخذ به بقيّة النَّاس في العذاب الَّذي ينزل بهم بسبب أفعالهم السيّئة؟! {بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ}، فلا ميزة لكم على أيّ إنسانٍ آخر من خلق الله من ناحيةٍ ذاتيّةٍ أو من امتيازاتٍ إلهية، {يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} بحسب استحقاقه له، ولله الأمر في ذلك كلّه من قبل ومن بعد، ولا أمر لغيره، {وَللهِ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالأرضِ وَمَا بَيْنَهُمَا}، بكلّ ما تشتمل عليه من موجودات ومخلوقات، فليس لأحدٍ عليه حقٌّ في ذاته، ولا يملك أحد معه شيئاً، وليس هناك أيّ علاقةٍ ذاتيّة بينه وبين أحد من خلقه، ليكون هذا ابناً أو حبيباً من خلال طبيعته الشخصيّة أو العائليّة أو الفئويّة.

{وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}، فهو الَّذي يحدّد للنَّاس مصيرهم في الجنَّة أو النَّار على أساس ما يحاسبهم به، وهو الَّذي يتصرَّف في أمورهم بما يشاء، وهو الَّذي يملك كلّ مصيرهم.

*من كتاب "تفسير من وحي القرآن".

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}، فإذا لم نكن أبناءه بالجسد، لأنَّ الله لم يلدنا كما يلد الأب أولاده، فإنَّنا أبناؤه بالمعنى الرّوحي الَّذي يجعلنا أقرب إليه من غيرنا، كما هو حال الأبناء بالنّسبة إلى أبيهم، فإنَّه يعاملهم بما لا يُعامل به الآخرين في رعايته لهم، وعطفه عليهم، وانفتاحهم عليه، فيتقبَّل منهم ما لا يتقبّله من غيرهم في أوضاعهم السلبيّة معه، ويمنحهم ما لا يمنحه لغيرهم في مبادراته الإيجابيّة، ولا يهملهم، في بعض الظروف الّتي تدفع إلى الإهمال، بما يهمل به غيرهم! ونحن أحباؤه الَّذين لنا عنده منزلة خاصّة من المحبّة مما لا يملكه أحد غيرنا من خلقه، ولذلك، فإنَّنا لا نخاف من عذابه، ولا نخشى نقمته، لأنَّ الأب لا يعذّب أبناءه، والمحبّ لا ينتقم من أحبّائه، فلنا الحريّة في ما نفعل أو نترك في الدنيا، لأنَّنا فوق القانون، فلا نتعرّض لما يتعرّض له المخالفون له!

{قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم}، فالله قد قضى بعذاب الَّذين ينحرفون عن خطِّه المستقيم، ويحرّفون الكلم عن مواضعه، ويتمرّدون على رسله، ويعصون أوامره ونواهيه، ويقتلون الأنبياء بغير حقٍّ، أيّاً كان الانتماء الاسميّ لأمثال هؤلاء، كما قال تعالى في آية أخرى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً}[النساء: 123]. وهذا هو الخطّ الإلهيّ في علاقته بعباده، فلا قرابة بينه وبين أحدٍ منهم، إذ لا تُنال الكرامة عنده إلاَّ بالتقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: 13].

ولا فرق في قضاء الله بالعذاب بين الدّنيا والآخرة، وقد عذَّب الله بعض أهل الكتاب ـ وهم اليهود ـ بمختلف ألوان العذاب في أكثر من مرحلةٍ من مراحل تاريخهم، فقد ضربت عليهم الذلّة والمسكنة، وخضعوا لأكثر من سلطةٍ ظالمة، وقاموا بقتل أنفسهم وتخريب بلادهم بأيديهم، وهكذا عاش النَّصارى في أكثر من مشكلةٍ داخليّة أو خارجيّةٍ من البلاء المتنوّع في حياتهم العامّة والخاصّة.

وإذا كان مثل هذا البلاء أمراً طبيعيّاً ناشئاً من التعقيدات المتجسّدة في الواقع الَّذي عاشوه، ومن الظروف الموضوعيّة المحيطة بهم، فإنَّ العذاب الدنيوي لا ينفصل عن أسبابه الطبيعيّة، لأنَّ الله ينزل عذابه ليذيقهم بعض الَّذي عملوه بحسب السُّنة الإلهيَّة، في علاقة المسبّبات بأسبابها، الأمر الَّذي يجعل من البلاء في بعض الحياة عذاباً إلهيّاً من خلال ما يقدّره الله من ذلك، عندما يترك للأسباب أن تنفتح على مسبّباتها، من دون أن يتدخّل ـ بشكل غير عادي ـ لرفع ذلك عنهم بما يرحم به بعض عباده في أسباب غير عاديّة.

وهكذا تتأكّد الآية من خلال إقرارهم بأنَّهم معرَّضون لعذاب الله، كما ينقل عن اليهود بأنَّهم يعذّبون أربعين يوماً عدد الأيام الّتي عبدوا فيها العجل.

وعلى ضوء ذلك، فإنَّ الحجَّة الإلهيَّة تردُّ عليهم بأنَّ دعواهم لو كانت صادقة، فكيف يؤاخذهم الله بما يؤاخذ به بقيّة النَّاس في العذاب الَّذي ينزل بهم بسبب أفعالهم السيّئة؟! {بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ}، فلا ميزة لكم على أيّ إنسانٍ آخر من خلق الله من ناحيةٍ ذاتيّةٍ أو من امتيازاتٍ إلهية، {يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} بحسب استحقاقه له، ولله الأمر في ذلك كلّه من قبل ومن بعد، ولا أمر لغيره، {وَللهِ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالأرضِ وَمَا بَيْنَهُمَا}، بكلّ ما تشتمل عليه من موجودات ومخلوقات، فليس لأحدٍ عليه حقٌّ في ذاته، ولا يملك أحد معه شيئاً، وليس هناك أيّ علاقةٍ ذاتيّة بينه وبين أحد من خلقه، ليكون هذا ابناً أو حبيباً من خلال طبيعته الشخصيّة أو العائليّة أو الفئويّة.

{وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}، فهو الَّذي يحدّد للنَّاس مصيرهم في الجنَّة أو النَّار على أساس ما يحاسبهم به، وهو الَّذي يتصرَّف في أمورهم بما يشاء، وهو الَّذي يملك كلّ مصيرهم.

*من كتاب "تفسير من وحي القرآن".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية