مغازي النبىّ الأكرم جزء من تاريخ حياته وسيرته، والرّسول قدوة وأسوة، وفعله كقوله حجّة بلا إشكال. وقد وضع بعضهم كتباً في فقه السّيرة، فكان على المسلمين ضبط دقيقها وجليلها، وقد قاموا بذلك لولا أنَّ الخلافة حالت دون الأمنية. ولكن قيض الله سبحانه رجالاً في الشيعة في ذلك المجال، ضبطوا سيرة الرسول ومغازيه:
1 - منهم محمّد بن إسحاق بن يسار (ت 151): عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الصادق. ولأجل ولائه لأهل بيت النبوّة، وصفه ابن حجر في "التّقريب" «بأنّه إمام المغازي، صدوق، يدلس، ورمي بالتشيّع والقدر». وفي "مختصر الذهبي": أنّه كان صدوقاً من بحور العلم، وعن تاريخ اليافعي عن شعبة بن الحجاج، أنّه قال: محمّد بن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث، وعن الشّافعي: من أراد أن يتبحَّر في المغازي، فهو عيال محمّد بن إسحاق.
لمّا كان المترجم شيعياً مجاهراً في ولائه لأهل البيت، عمد ابن هشام (ت 212) بتلخيص كتابه على أساس حذف ما لا يلائم نزعته، فحذف أكثر ما له صلة بفضائل الإمام علي وأهل بيته.
فعلى الشيعة الغيارى التفحّص في مكتبات العالم وفهارسها، حتّى يعثروا على نسخة الأم، وينشروا هذا الكنز الدّفين، وقد أذعن بعض المستشرقين أنّه عثر على الأصل ونشره باسم سيرة ابن إسحاق، لكنّه جزء من السّيرة لا كلّها.
ومن حسن الحظّ، أنّ سيرة ابن إسحاق وإن لم تكن موجودةً بصورتها، لكنّها موجودة بمادّتها، فقد بثّها الطبرسي (470 ـ 548) في أجزاء مجمع البيان، وابن الجوزي (1595) في المنتظم، وابن كثير في تاريخه، وغيرهم، فعلى المحقّقين العظام استخراج مادّة السّيرة عن هذه الكتب، وملخّصها المعروف بالسّيرة النبويّة لابن هشام.
2- نعم، سبق ابن إسحاق، عبيدالله بن أبي رافع من أصحاب الإمام أمير المؤمنين، فقد عمل كتاباً أسماه "تسمية من شهد مع أمير المؤمنين، الجمل وصفين والنّهروان من الصّحابة"، ذكره الشيخ في "الفهرس"، لكنّه في مغازي الوصيّ لا النبيّ.
3- كما ألّف جابر الجعفي (ت 128) كتباً في ذلك المجال: قال النّجاشي: جابر عربي قديم. ثمّ ذكر نسبه وعدَّ من كتبه: كتاب الجمل وكتاب صفّين، وكتاب نهروان، وكتاب مقتل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وكتاب مقتل الحسين.
4- وألّف في ذلك المجال: أبان بن عثمان الأحمر البجلي الكوفي، الّذي ربّما يسكن البصرة، وقد أخذ عنه أبو عبيدة معمر بن المثنّى (110 ـ 209) وأبو عبدالله بن القاسم بن سلام (157 ـ 224)، وأكثروا الحكاية عنه في أخبار الشّعراء والنّسب والأيام، له كتاب حسن يجمع المبتدأ والمغازي والوفاة والردّة.
وقد جمع فيه أخبار ابتداء أمر النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ من مبعثه ومغازيه ووفاته، وأخبار يوم السّقيفة وارتداد بعض القبائل.
5- ومن مشاهير هذا الفنّ من الشيعة، أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الغامدي، شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة، روى عن جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ . وصنّف كتباً: منها كتاب المغازي، كتاب السّقيفة، كتاب الردّة، كتاب فتوح الإسلام....
6- ومن أعلامه، نصر بن مزاحم (212) ألَّف كتباً كثيرة في ذلك المجال.
7- هشام بن محمّد بن السّائب الكلبي (206)، أعلم علماء النسب والسير والآثار، ذكره النجاشي، وقال: الناسب، العالم بالأيّام، المشهور بالفضل والعلم، وكان يختصّ بمذهبنا، ثمّ ذكر كتبه.
هذا عرض موجز لمن شارك المسلمين من قدماء الشِّيعة في بناء الحضارة الإسلاميَّة عن طريق تدوين السِّيرة والمغازي والمقاتل والتَّاريخ، وأمَّا المتأخّرون، فسل عنهم ولا حرج، وراجع المعاجم: كأعيان الشِّيعة للسيِّد الأمين العاملي، والذَّريعة لشيخنا الطّهراني.
*كتاب: بحوث في الملل والنّحل، ج6، ص568-571.