تنوّع الأسلوب وفكرة الشّرك

تنوّع الأسلوب وفكرة الشّرك

القرآن الكريم بما يحوي من كنوز البلاغة العربيّة واللّغة، استخدم أساليب متنوّعة، من ضرب الأمثال وغيرها، بغية تقريب الأفكار، وملاءمة كلّ الأفهام، بما أثاره من علامات الاستفهام، وتحفيز الوعي، والدّفع نحو المعرفة واستكشافها، يقول تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً}[الإسراء: 89].

وحول هذه النّقطة، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ}، وذلك بما أثرناه فيه من تنوّع الأساليب، من أجل أن يلائم كلّ الأفكار، ويلتقي بالحقيقة في أكثر من طريق، فإذا لم يقتنع البعض بالفكرة من خلال أسلوب اقتنع بأسلوب آخر، وإذا لم ينسجم مع بعض المفاهيم أو الأمثلة، أمكنه أن يجد الانسجام في مفهوم آخر أو مثل آخر، ليعيش النّاس الوعي القرآنيّ في كلّ آية من آياته، وفي كلّ فكرة من أفكاره، فيكون ذكرى لهم من خلال ما تطرحه الآيات أمامهم من علامات الاستفهام، أو تواجههم به من مشاكل المعرفة أو أخطار النّتائج السيّئة في مسألة المصير.

ولكنّ مشكلة هؤلاء أنّهم يرفضون التَّفكير، لأنّهم لا يريدون أن يغيّروا ما اعتادوه وألفوه في معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم.. {وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً}، فكلّ آية يسمعونها تثير الحقد في نفوسهم بدلاً من المحبَّة، والجهل بدلاً من المعرفة، لأنّهم يتحرّكون في مواجهتهم له من موقع عقدة، لا من موقع تفكير ووعي وإخلاص...[تفسير من وحي القرآن، ج14، ص:127].

فالقرآن الكريم فيه كلّ ما يفتح القلب والعقل على الحقائق، بالشَّكل الّذي يتناسب مع كلّ الأذهان والمستويات، لرفع مستوى وعي النَّاس وربطهم بهويّتهم الأصيلة، وبالرّغم من ذلك، فإنّ من عشعش الشّرك في نفسه، وجمد حول العقائد والتّقاليد البالية والمتخلّفة الموروثة، يرفض الحقّ، انطلاقاً من عقدة وترسّبات ذاتيّة، تعمي أبصارهم، وتزيد من أحقادهم وأمراضهم النفسيّة والاجتماعيّة، بدل أن ينفتحوا على الحقّ والحقيقة بوعي ومسؤوليّة، ويغيّروا واقع حالهم ويؤكّدوا وجودهم.

{قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً}[الإسراء: 42]، ففكرة الشّرك ليست واقعيّة أبداً، ولو كانت كذلك، لظهرت مصاديقها في الحياة والكون، بما تنتجه الصّراعات بين الآلهة لتّأكيد سلطتها وعلوّها وعظمتها، وهو ما ليس ثابتاً وحقيقيّاً، وليس له أثر في الكون، وهذا دليل على وحدانيّة الله تعالى، وأسلوب عفويّ وبسيط للنّاس ليلتفتوا إلى توحيده وعدم الانجراف وراء الترّهات والأوهام الموصلة إلى الشّرك العقيديّ، وما يؤدّي إليه من خراب الذّات والمجتمع والحياة.

قال السّعدي: "يخبر تعالى أنّه صرف لعباده في هذا القرآن نوع الأحكام، ووضّحها وأكثر من الأدلّة والبراهين على ما دعا إليه، ووعظ وذكّر، لأجل أن يتذكّروا ما ينفعهم فيسلكوه، وما يضرّهم فيدعوه.

ولكن أبى أكثر النّاس إلا نفوراً عن آيات الله، لبغضهم للحقّ، ومحبّتهم ما كانوا عليه من الباطل، حتّى تعصّبوا لباطلهم، ولم يعيروا آيات الله لهم سمعاً، ولا ألقوا لها بالاً.

ومن أعظم ما صرّف فيه الآيات والأدلّة، التَّوحيد، الّذي هو أصل الأصول، فأمر به ونهى عن ضدِّه، وأقام عليه من الحجج العقليّة والنّقليّة شيئاً كثيراً، بحيث إنَّ من أصغى إلى بعضها، لا تدع في قلبه شكّاً ولا ريباً، ومن الأدلّة على ذلك هذا الدّليل العقليّ الّذي ذكره هنا".

وقال الطبري في السّياق ذاته: "قول تعالى ذكره لنبيّه محمد(ص): قل يا محمّد لهؤلاء المشركين الّذين جعلوا مع الله إلهاً آخر: لو كان الأمر كما تقولون، من أنّ معه آلهةً، وليس كما تقولون، إذاً لابتغت تلك الآلهة القربى من الله ذي العرش العظيم، والتمست الزّلفة إليه والمرتبة منه".

ويقول سماحة المفسّر المرجع السيّد فضل الله(رض): {قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً}، وهذه حجّة وجدانيّة على نفي الشّريك، فإنّ الشّركة في الألوهيّة تعني قدرة الشّريك على مواجهة شريكه، وذلك لما يملكه من أسباب القدرة الّتي تفرضها طبيعة الصّفة الإلهيَّة في ذاته، وذلك من خلال حبّ السّلطة، والتوسّع والعلوّ الّذي يدفعه إلى تأكيد عظمته واندفاعه للوصول إلى مقام ذي العرش، والدّخول معه في صراعٍ عنيف، ولكن غير ثابت، ولو حدث مثل ذلك، لظهر في الكون من خلال ما ينتجه من مظاهر الصِّراع أو الغلبة وتغيّر الحياة في نظامها إلى نظام آخر، ولكنّ الحياة لا تزال في طبيعتها، لم يتغيّر شيء في قوانينها، ولم تحدث لها أيّة مشكلة، ما يعني أنّ فكرة الشّرك ليست واقعيّة، ولا تخضع لأيّ أساس ثابت..[تفسير من وحي القرآن،ج14، ص:128].

فعظمة الله تعالى تتجلّى في الوجود كلّه، وقدرته لا تحدّها حدود، وهو المهيمن على الملكوت كلّه، وكلّ شيء من فيوضات رحمته، فحريّ بالإنسان أن ينفتح عليه، وألا يظلم نفسه فينحرف بها عن الصّراط المستقيم، وألا يظلم ربّه حقّه، من خلال الشّرك به ونفي توحيده، فكلّ النّجاح والفلاح والتّوفيق في الإخلاص الحقيقيّ لله، والانفتاح على كتابه، بما يحوي من وسائل الإقناع والهداية، ليربح المرء الدّاريْن الدّنيا والآخرة.

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


القرآن الكريم بما يحوي من كنوز البلاغة العربيّة واللّغة، استخدم أساليب متنوّعة، من ضرب الأمثال وغيرها، بغية تقريب الأفكار، وملاءمة كلّ الأفهام، بما أثاره من علامات الاستفهام، وتحفيز الوعي، والدّفع نحو المعرفة واستكشافها، يقول تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً}[الإسراء: 89].

وحول هذه النّقطة، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ}، وذلك بما أثرناه فيه من تنوّع الأساليب، من أجل أن يلائم كلّ الأفكار، ويلتقي بالحقيقة في أكثر من طريق، فإذا لم يقتنع البعض بالفكرة من خلال أسلوب اقتنع بأسلوب آخر، وإذا لم ينسجم مع بعض المفاهيم أو الأمثلة، أمكنه أن يجد الانسجام في مفهوم آخر أو مثل آخر، ليعيش النّاس الوعي القرآنيّ في كلّ آية من آياته، وفي كلّ فكرة من أفكاره، فيكون ذكرى لهم من خلال ما تطرحه الآيات أمامهم من علامات الاستفهام، أو تواجههم به من مشاكل المعرفة أو أخطار النّتائج السيّئة في مسألة المصير.

ولكنّ مشكلة هؤلاء أنّهم يرفضون التَّفكير، لأنّهم لا يريدون أن يغيّروا ما اعتادوه وألفوه في معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم.. {وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً}، فكلّ آية يسمعونها تثير الحقد في نفوسهم بدلاً من المحبَّة، والجهل بدلاً من المعرفة، لأنّهم يتحرّكون في مواجهتهم له من موقع عقدة، لا من موقع تفكير ووعي وإخلاص...[تفسير من وحي القرآن، ج14، ص:127].

فالقرآن الكريم فيه كلّ ما يفتح القلب والعقل على الحقائق، بالشَّكل الّذي يتناسب مع كلّ الأذهان والمستويات، لرفع مستوى وعي النَّاس وربطهم بهويّتهم الأصيلة، وبالرّغم من ذلك، فإنّ من عشعش الشّرك في نفسه، وجمد حول العقائد والتّقاليد البالية والمتخلّفة الموروثة، يرفض الحقّ، انطلاقاً من عقدة وترسّبات ذاتيّة، تعمي أبصارهم، وتزيد من أحقادهم وأمراضهم النفسيّة والاجتماعيّة، بدل أن ينفتحوا على الحقّ والحقيقة بوعي ومسؤوليّة، ويغيّروا واقع حالهم ويؤكّدوا وجودهم.

{قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً}[الإسراء: 42]، ففكرة الشّرك ليست واقعيّة أبداً، ولو كانت كذلك، لظهرت مصاديقها في الحياة والكون، بما تنتجه الصّراعات بين الآلهة لتّأكيد سلطتها وعلوّها وعظمتها، وهو ما ليس ثابتاً وحقيقيّاً، وليس له أثر في الكون، وهذا دليل على وحدانيّة الله تعالى، وأسلوب عفويّ وبسيط للنّاس ليلتفتوا إلى توحيده وعدم الانجراف وراء الترّهات والأوهام الموصلة إلى الشّرك العقيديّ، وما يؤدّي إليه من خراب الذّات والمجتمع والحياة.

قال السّعدي: "يخبر تعالى أنّه صرف لعباده في هذا القرآن نوع الأحكام، ووضّحها وأكثر من الأدلّة والبراهين على ما دعا إليه، ووعظ وذكّر، لأجل أن يتذكّروا ما ينفعهم فيسلكوه، وما يضرّهم فيدعوه.

ولكن أبى أكثر النّاس إلا نفوراً عن آيات الله، لبغضهم للحقّ، ومحبّتهم ما كانوا عليه من الباطل، حتّى تعصّبوا لباطلهم، ولم يعيروا آيات الله لهم سمعاً، ولا ألقوا لها بالاً.

ومن أعظم ما صرّف فيه الآيات والأدلّة، التَّوحيد، الّذي هو أصل الأصول، فأمر به ونهى عن ضدِّه، وأقام عليه من الحجج العقليّة والنّقليّة شيئاً كثيراً، بحيث إنَّ من أصغى إلى بعضها، لا تدع في قلبه شكّاً ولا ريباً، ومن الأدلّة على ذلك هذا الدّليل العقليّ الّذي ذكره هنا".

وقال الطبري في السّياق ذاته: "قول تعالى ذكره لنبيّه محمد(ص): قل يا محمّد لهؤلاء المشركين الّذين جعلوا مع الله إلهاً آخر: لو كان الأمر كما تقولون، من أنّ معه آلهةً، وليس كما تقولون، إذاً لابتغت تلك الآلهة القربى من الله ذي العرش العظيم، والتمست الزّلفة إليه والمرتبة منه".

ويقول سماحة المفسّر المرجع السيّد فضل الله(رض): {قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً}، وهذه حجّة وجدانيّة على نفي الشّريك، فإنّ الشّركة في الألوهيّة تعني قدرة الشّريك على مواجهة شريكه، وذلك لما يملكه من أسباب القدرة الّتي تفرضها طبيعة الصّفة الإلهيَّة في ذاته، وذلك من خلال حبّ السّلطة، والتوسّع والعلوّ الّذي يدفعه إلى تأكيد عظمته واندفاعه للوصول إلى مقام ذي العرش، والدّخول معه في صراعٍ عنيف، ولكن غير ثابت، ولو حدث مثل ذلك، لظهر في الكون من خلال ما ينتجه من مظاهر الصِّراع أو الغلبة وتغيّر الحياة في نظامها إلى نظام آخر، ولكنّ الحياة لا تزال في طبيعتها، لم يتغيّر شيء في قوانينها، ولم تحدث لها أيّة مشكلة، ما يعني أنّ فكرة الشّرك ليست واقعيّة، ولا تخضع لأيّ أساس ثابت..[تفسير من وحي القرآن،ج14، ص:128].

فعظمة الله تعالى تتجلّى في الوجود كلّه، وقدرته لا تحدّها حدود، وهو المهيمن على الملكوت كلّه، وكلّ شيء من فيوضات رحمته، فحريّ بالإنسان أن ينفتح عليه، وألا يظلم نفسه فينحرف بها عن الصّراط المستقيم، وألا يظلم ربّه حقّه، من خلال الشّرك به ونفي توحيده، فكلّ النّجاح والفلاح والتّوفيق في الإخلاص الحقيقيّ لله، والانفتاح على كتابه، بما يحوي من وسائل الإقناع والهداية، ليربح المرء الدّاريْن الدّنيا والآخرة.

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية