في أجواء سورة العاديات المباركة

في أجواء سورة العاديات المباركة

سورة العاديات المباركة، من السّور المكّيَّة الَّتي نزلت على الرَّسول الأكرم(ص). والمتأمِّل فيها، يجد العديد من المحطَّات الَّتي تثير مشاعر الإنسان، وتحرّك فكره وعقله كي يعود إلى ربّه، ويلتفت إلى أمر دنياه وآخرته، بما ينسجم مع تعاليم الله وخطِّه.

وفي تفسيرها، يقول المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله(رض):

"{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً}، ورد في أسباب النّزول ـ كما جاء في مجمع البيان ـ أنَّ رسول الله(ص) بعث سريّةً إلى حيٍّ من كنانة، فاستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري ـ أحد النّقباء ـ فتأخَّر رجوعهم، فقال المنافقون: قتلوا جميعاً، فأخبر الله تعالى عنها بقوله: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً}.

{فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً}، يريد به ضرب الخيل بحوافرها إذا سارت في الأرض المحصبة.

{فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً}، الَّتي تندفع في الغارة وقت الصَّباح، لأنَّه الوقت الذي يمثّل المفاجأة للعدوّ الذي يكون في حال الاسترخاء.

{فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً}، وهو الغبار الذي يثور في الأرض الترابيَّة في حركة العَدْو والهجوم.

{فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً}، في ما يوحي به ذلك من الدخول إلى قلب الموقع الذي يجتمع فيه أفراد العدو...".

وليست الخيل وحدها الوسيلة للقتال، على أهميَّتها في زمانها الماضي، ولكنَّ العبرة في تحضير كلّ وسائل القوَّة وعناصر الغلبة لمفاجأة العدوّ ومواجهته المواجهة الصَّلبة التي تحقّق النّصر وتنزل به الهزيمة، فالمؤمن عليه أن يكون قويّاً وجاهزاً في أصعب الظّروف وأدقّها، وأن يسعى ليكون الإنسان الّذي يمتلك كلَّ وسائل الدِّفاع والهجوم في مواجهة أعدائه.

وينتقل الحديث القرآنيّ ليصل إلى نقطة هامَّة، وهي جحود الإنسان بنعمة ربّه عليه، ونكرانه لله، بسبب ما هو مستغرقٌ فيه من الملاهي والشّهوات، والاندفاعة نحو الأهواء والمصالح على حساب يقظته وإيمانه في تعميق ارتباطه بربّه، فلا بدَّ للمرء من أن يعيش وحدانيّة الله في مشاعره، وأن يمارس الإيمان فعلاً إيجابيّاً في حياته، فالجحود بالله غاية السّقوط والانهزاميَّة والانحطاط، واستسلام رخيص للشّيطان.

يقول السيّد فضل الله(رض):

"{إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ}، هذا هو جواب القسم الَّذي أرادت السّورة أن تؤكِّده، لتشير إلى الإنسان في حركته السّلبيَّة في موقفه من ربّه، عندما يبتعد عن وعي مقامه الرّبوبيّ الّذي خلقه وأفاض عليه الكثير من نعمه، ما جعله يستغرق فيها استغراق الغافل اللاهي الّذي لا يفكِّر إلا فيما بين يديه، من دون أن يلتفت إلى طبيعته في اتّصاله بالله في موقع النِّعمة، ولا بنتائجه، من حيث كونه موقعاً للاختبار والامتحان، لا تكريماً لصاحبه.. وهكذا يقوده ذلك إلى الكفر بنعم الله، فيكفر بوجوده أو وحدانيَّته، ويتمرَّد عليه في عصيانه لأوامره ونواهيه، وهذا هو المراد بكلمة "الكنود"، وهو الجحود بنعم الله في السّلوك العمليّ الجاحد".

والإنسان بطبعه مفطور على حبِّ المال والشَّهوات، ومن المفترض أن يراقب نفسه ويحاسبها فيما يجنيه من مالٍ أو يقبل عليه من شهواتٍ وملذّات، وأن يتعامل مع حاجاته بشكلٍ سليمٍ ومتوازن، فلا يسرف ولا يبذّر، ولا ينحرف في حاجاته عن الأمور العاديّة والمألوفة.

ويضيف سماحته: "{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}، قيل: المراد بالخير المال الّذي ينفتح الإنسان عليه بكلّ مشاعره وحواسّه، بحيث يملك عليه كلّ كيانه.

{أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ}، وخرج النّاس من الأجداث كأنهم جراد منتشر، مسرعين إلى الموقف يوم الحساب، حيث يواجهون المسؤوليّة أمام الله، ليأخذ كلَّ إنسان نتيجة عمله من خير أو شرّ"..

والله تعالى خبير بالأنفس وما تخفيه الصّدور، فلا أسرار تخفى عليه.. من هنا، على المرء أن يكون في غاية الحذر، وأن يعرف أنَّ عليه حسيباً ورقيباً، فلا يتحرّك إلا بما يرضي الله في السرّ والعلانية، فرقابة الله عليه دافع قويّ حتى يصحِّح خطواته، من أجل سلامة مصيره في الدّنيا والآخرة.

ويتابع السيّد فضل الله: "{وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}، أي جمع ما فيها من الخير أو الشّرّ الكامن في ذات الإنسان.

{إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ}، فهو المطَّلع على كوامن النّفوس، فليس هناك سرّ خفيّ أمامه، فهو الّذي يعلم خائنة الأعين في نفوس النّاس وما تخفي الصّدور.. وهذه هي الحقيقة الإيمانيّة الّتي تبعث الرّعب في نفوس النّاس الّذين يتحركون بالجريمة في الزّوايا الخفيّة من حياتهم، أو في دائرة الأسرار الكامنة في صدورهم".[تفسير من وحي القرآن، ج 24، ص 376 ـ 380].

من هنا، على المؤمن أن يكون أكثر وعياً وأكثر حرصاً على أن يكون قويّاً في كلّ السّاحات، وألا يجحد نِعَم الله عليه، وأن يخشى الله في السرّ والعلانية، كي يكون بالفعل عبداً مخلصاً لله في امتداد الحياة. 

سورة العاديات المباركة، من السّور المكّيَّة الَّتي نزلت على الرَّسول الأكرم(ص). والمتأمِّل فيها، يجد العديد من المحطَّات الَّتي تثير مشاعر الإنسان، وتحرّك فكره وعقله كي يعود إلى ربّه، ويلتفت إلى أمر دنياه وآخرته، بما ينسجم مع تعاليم الله وخطِّه.

وفي تفسيرها، يقول المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله(رض):

"{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً}، ورد في أسباب النّزول ـ كما جاء في مجمع البيان ـ أنَّ رسول الله(ص) بعث سريّةً إلى حيٍّ من كنانة، فاستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري ـ أحد النّقباء ـ فتأخَّر رجوعهم، فقال المنافقون: قتلوا جميعاً، فأخبر الله تعالى عنها بقوله: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً}.

{فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً}، يريد به ضرب الخيل بحوافرها إذا سارت في الأرض المحصبة.

{فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً}، الَّتي تندفع في الغارة وقت الصَّباح، لأنَّه الوقت الذي يمثّل المفاجأة للعدوّ الذي يكون في حال الاسترخاء.

{فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً}، وهو الغبار الذي يثور في الأرض الترابيَّة في حركة العَدْو والهجوم.

{فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً}، في ما يوحي به ذلك من الدخول إلى قلب الموقع الذي يجتمع فيه أفراد العدو...".

وليست الخيل وحدها الوسيلة للقتال، على أهميَّتها في زمانها الماضي، ولكنَّ العبرة في تحضير كلّ وسائل القوَّة وعناصر الغلبة لمفاجأة العدوّ ومواجهته المواجهة الصَّلبة التي تحقّق النّصر وتنزل به الهزيمة، فالمؤمن عليه أن يكون قويّاً وجاهزاً في أصعب الظّروف وأدقّها، وأن يسعى ليكون الإنسان الّذي يمتلك كلَّ وسائل الدِّفاع والهجوم في مواجهة أعدائه.

وينتقل الحديث القرآنيّ ليصل إلى نقطة هامَّة، وهي جحود الإنسان بنعمة ربّه عليه، ونكرانه لله، بسبب ما هو مستغرقٌ فيه من الملاهي والشّهوات، والاندفاعة نحو الأهواء والمصالح على حساب يقظته وإيمانه في تعميق ارتباطه بربّه، فلا بدَّ للمرء من أن يعيش وحدانيّة الله في مشاعره، وأن يمارس الإيمان فعلاً إيجابيّاً في حياته، فالجحود بالله غاية السّقوط والانهزاميَّة والانحطاط، واستسلام رخيص للشّيطان.

يقول السيّد فضل الله(رض):

"{إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ}، هذا هو جواب القسم الَّذي أرادت السّورة أن تؤكِّده، لتشير إلى الإنسان في حركته السّلبيَّة في موقفه من ربّه، عندما يبتعد عن وعي مقامه الرّبوبيّ الّذي خلقه وأفاض عليه الكثير من نعمه، ما جعله يستغرق فيها استغراق الغافل اللاهي الّذي لا يفكِّر إلا فيما بين يديه، من دون أن يلتفت إلى طبيعته في اتّصاله بالله في موقع النِّعمة، ولا بنتائجه، من حيث كونه موقعاً للاختبار والامتحان، لا تكريماً لصاحبه.. وهكذا يقوده ذلك إلى الكفر بنعم الله، فيكفر بوجوده أو وحدانيَّته، ويتمرَّد عليه في عصيانه لأوامره ونواهيه، وهذا هو المراد بكلمة "الكنود"، وهو الجحود بنعم الله في السّلوك العمليّ الجاحد".

والإنسان بطبعه مفطور على حبِّ المال والشَّهوات، ومن المفترض أن يراقب نفسه ويحاسبها فيما يجنيه من مالٍ أو يقبل عليه من شهواتٍ وملذّات، وأن يتعامل مع حاجاته بشكلٍ سليمٍ ومتوازن، فلا يسرف ولا يبذّر، ولا ينحرف في حاجاته عن الأمور العاديّة والمألوفة.

ويضيف سماحته: "{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}، قيل: المراد بالخير المال الّذي ينفتح الإنسان عليه بكلّ مشاعره وحواسّه، بحيث يملك عليه كلّ كيانه.

{أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ}، وخرج النّاس من الأجداث كأنهم جراد منتشر، مسرعين إلى الموقف يوم الحساب، حيث يواجهون المسؤوليّة أمام الله، ليأخذ كلَّ إنسان نتيجة عمله من خير أو شرّ"..

والله تعالى خبير بالأنفس وما تخفيه الصّدور، فلا أسرار تخفى عليه.. من هنا، على المرء أن يكون في غاية الحذر، وأن يعرف أنَّ عليه حسيباً ورقيباً، فلا يتحرّك إلا بما يرضي الله في السرّ والعلانية، فرقابة الله عليه دافع قويّ حتى يصحِّح خطواته، من أجل سلامة مصيره في الدّنيا والآخرة.

ويتابع السيّد فضل الله: "{وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}، أي جمع ما فيها من الخير أو الشّرّ الكامن في ذات الإنسان.

{إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ}، فهو المطَّلع على كوامن النّفوس، فليس هناك سرّ خفيّ أمامه، فهو الّذي يعلم خائنة الأعين في نفوس النّاس وما تخفي الصّدور.. وهذه هي الحقيقة الإيمانيّة الّتي تبعث الرّعب في نفوس النّاس الّذين يتحركون بالجريمة في الزّوايا الخفيّة من حياتهم، أو في دائرة الأسرار الكامنة في صدورهم".[تفسير من وحي القرآن، ج 24، ص 376 ـ 380].

من هنا، على المؤمن أن يكون أكثر وعياً وأكثر حرصاً على أن يكون قويّاً في كلّ السّاحات، وألا يجحد نِعَم الله عليه، وأن يخشى الله في السرّ والعلانية، كي يكون بالفعل عبداً مخلصاً لله في امتداد الحياة. 

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية