كربلاء صرخة من أجل الحقِّ والإسلام

كربلاء صرخة من أجل الحقِّ والإسلام

أيها الأحبة، في هذه الساعات، نحن نتطلّع إلى كربلاء، وإلى تلك الصفوة الطيّبة التي كانت تفكّر في الله ولا تفكّر في غير الله، حتى إنّ بعض هؤلاء، وقد دخل وقت الظهر، والحرب كانت على أشدّها، والشهداء يتساقطون، لم يشغله ذلك عن أن يقول للحسين(ع): يابن رسول الله، لقد حان وقت الصّلاة، وأنا أحبُّ أن لا أفارق هذه الدنيا إلا وقد صلّيت هذه الصلاة. فرفع الحسين(ع) رأسه وقال: هذا أوّل وقتها. وبدأ الحسين(ع) يصلّي، والسهام تتقاطر عليه، وأحد أصحابه يتلقَّى السّهام بيده، والحسين يصلّي مع من بقي من أصحابه، حتى سقط هذا الصحابي شهيداً بسبب كثرة السّهام...

أيها الأحبّة، عظمة كربلاء، أنها كانت ذكراً لله، ذكراً للموقف، للكلمة.. عظمة كربلاء، أنّ هذه الصفوة الطيّبة عاشت وأحبّت في الله وأبغضت في الله، عظمة كربلاء أنها كانت صرخةً من أجل الحقّ ومن أجل الإسلام ومن أجل الرسالة...

لذلك، أيها الأحبّة، في نهاية هذا الموسم، لا بدَّ لنا من أن نفحص أنفسنا وعقولنا وقلوبنا، حتى تكون عقولنا كلّها للحقّ، وقلوبنا كلّها للحقّ.. لتكون لنا صورة الإمام الحسين(ع) نتمثلها في حياتنا..

لماذا الإصرار على الحزن؟!

قد يقول قائل، وقد قالها بعض الناس: لماذا يصرّ الشيعة على أن يبقى حزنهم في مدى التأريخ؟ لماذا لا ينتهي هذا الحزن؟

إننا نقول لكلّ هذه الأصوات التي تتحدّث بهذه الطريقة، إن هذا الحزن الذي نعيشه ليس حزناً عاطفياً ساذجاً، ولكنه حزن رسالي ينفتح على كلّ هذه الرموز المقدَّسة التي أعطتنا أعظم صورة في التأريخ، في كيف يضحي الإنسان في سبيل الله ومن أجل الله، وكيف يقف مع رسالته إلى آخر نفس من أنفاسه...

إنّ هذا الحزن لم يكن حزناً ذاتيّاً كحزن الناس على من يحبّون، ولكنّه حزن يحمل قضيّة، وحزن يحمل رسالةً، ويريد لكلّ قلب يعيش إسلامه ويعيش إنسانيّته أن تنبض فيه هذه الدموع، من أجل أن تتحوّل من دموع كربلاء، إلى دموع تنساب مع كل مجزرة ومع كل جريمة كالجريمة التي قام بها أولئك...

لماذا كان المسلمون، ولا سيما الشيعة، لماذا كانوا في كل التأريخ جمهور الرفض؟ لماذا كانوا جمهور الرسالة؟ لماذا انطلقوا ليحاصَروا هنا وليضيَّق عليهم هناك؟

لماذا؟ لأنهم رفضوا أن يعطوا بأيديهم إعطاء الذليل لأيّ طاغية ولأيّ مستكبر وظالم، ولأنهم رفضوا أن يقرّوا إقرار العبيد في أيّ موقف يراد لهم أن يستسلموا فيه، كلّ ذلك لأن حزن كربلاء انفتح ليكون حزناً على كلّ مظلوم، على كلّ بريء، وعلى كلّ موقع من المواقع التي يتحرّك فيها الطغيان ليفرض قوّته على المستضعفين.

لذلك، سيبقى حزن كربلاء في عقولنا حزناً رسالياً، وسيبقى حزن كربلاء في قلوبنا حزناً إنسانياً، وسيبقى حزن كربلاء في حياتنا حزناً حركياً، سنبقى مع كربلاء لنعيشها في عصرنا كما عاشها الحسين والصفوة الطيّبة من أهل بيته وأصحابه في عصره.

إذا كان الحسين(ع) قد ثار من أجل إصلاح أمّة جدّه في تلك المرحلة، فنحن هنا لا بدّ لنا من أن نصنع في كلّ أرض كربلاء، وفي كل يوم عاشوراء، من أجل إصلاح الأمّة في كلّ قضاياها وفي كلّ واقعها.

معنى أن نكون حسينيّين

أيها الأحبة، إننا نتعلم من الحسين(ع) الذي تعلم من جده رسول الله(ص)، أن لا يعيش الإنسان المسلم ذاتيّته، وأن لا يعيش فرديته، بل أن يكون همّ المسلمين همّه، وأن تكون مشاكل المسلمين مشاكله، وأن نعمل على أساس أن يكون كلّ مؤمن للمؤمن الآخر كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمّى والسّهر.

إن الحسين(ع) عندما انطلق بكلّ هذه القوّة، وبكلّ هذه التضحية، وبكلّ هذه المحبة، وبكلّ هذا السماح، لأنه كان يعيش هموم المسلمين، أن يكون حاضرهم حاضر العدالة وحاضر الحرية، ليكون مستقبلهم في هذا الاتجاه. لذلك، إذا كنا حسينيّين، فعلينا أن نكون مسلمين، أن نحمل همَّ المسلمين حتى لو اختلفنا مع هؤلاء أو أولئك في مذهب هنا أو في خطّ هناك، لأن القضية هي أن يكون هدفنا في الواقع الذي نعيشه، أن يكون للإسلام عنفوانه في العالم، وقوّته في العالم، وأن تكون للإسلام حريته في العالم، وإذا كان الإسلام في تشريعاته يريد لنا أن نعمل على حماية المستضعفين من ظلم المستكبرين، فعلينا أن نكون مع المستضعفين الذين يسقطون تحت تأثير المستكبرين.

الوحدة في خطّ الإسلام

هذه، أيها الأحبة، هي معاني عاشوراء التي لا بدَّ لنا من أن نختزنها، وإذا كنا نرى أن أصحاب الحسين(ع) كانوا يمثلون كلّ الوحدة، مع اختلاف بلدانهم واختلاف أعمارهم، ليس هناك شخص يحمل في قلبه أيّ سوء للشخص الآخر، وبهذا كان انتصارهم المعنوي والرسالي، لأنهم استطاعوا أن يجسّدوا وحدة الالتزام بالإسلام والالتزام بإمام الإسلام.. إذا كنّا نعظّم هؤلاء، لأنهم عاشوا الوحدة في خطّ الإسلام وتحركوا بالوحدة في خطّ الشهادة، فعلينا أن نعمل أن نكون في خطّ الوحدة في الساحة الحسينيّة، في كلّ ما يمثّله الحسين(ع)، لنعمل جميعاً يداً بيد، كلمةً بكلمة، صوتاً بصوت، لنعمل جميعاً على أن يكون الجمهور الحسيني موحّداً حول الحسين، أن لا نسمح لأيّ معاد ولأيّ قوّة مضادّة تفرّق صفوفها، أن تبعد بعضنا عن بعض.. إذا اختلفنا في شيء وتنازعنا في شيء، فعلينا أن نردّه إلى الله وإلى الرسول، أن لا ننطلق من أحقاد فئوية أو حزبية أو عائلية أو ما إلى ذلك.. علينا أن تكون قلوبنا مفتوحة لله، أن لا نسمح للقوى المضادّة ـ وهي لا تريد بالمسلمين إلا شرّاً ـ أن يدخلوا إلى ساحتنا وأن ينفذوا إلينا.

لذلك، أيّها الأحبّة، لا صوت إلا صوت الوحدة، ولا كلمة إلا كلمة المحبّة، "لا يؤمن أحدكم ـ قالها رسول الله ـ حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، ويكره له ما يكره لها"، وقال رسول الله(ص)، وهو يتحدث عن التباغض وعن التحاقد "إنها الحالقة؛ لا أقول حالقة الشَّعر، ولكنها حالقة الدين".

إن ّكل بغض وحقد يحمله مسلم على مسلم، فإنه يحلق دينه كما يحلق الموسى كلّ شعر في رأسه.

وهكذا، أيها الأحبة، ينبغي لنا أن نحافظ على الوحدة الإسلامية، نحن نختلف كمسلمين في قضيّة الخلافة، وفي كثير من القضايا الفكرية والقضايا الفقهية، ولكننا لن نختلف أننا نشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله، ولن نختلف في كل عباداتنا من حيث المبدأ، ولن نختلف في كثير من أخلاقياتنا وقضايانا.. إذا اختلفنا كمسلمين في مذاهبنا، فعلينا أن نمظهر هذا الخلاف بالحوار وبالجدال بالتي هي أحسن الله.

إن الله أرادنا أن نجادل أهل الكتاب بالتي هي أحسن {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} وأرادنا أن نقول لأهل الكتاب {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم}، وكم هناك فرق بيننا وبين أهل الكتاب...

لماذا لا نقول: يا أهل القرآن تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم؟ لماذا لا نقول لبعضنا البعض علينا أن نجادل إخواننا المسلمين فيما نختلف فيه بالّتي هي أحسن، بعيداً من السبّ، بعيداً من اللعن، بعيداً من الكلمات الحاقدة، والتي تثير الحساسيات الطائفية والمذهبية؟!

أيها الأحبّة، إن العالم المستكبر من جهة، والعالم الكافر من جهة، يعملان متضامنين متحالفين على أن لا تقوم للإسلام قائمة، وأن لا تقوم للمسلمين قائمة، وهم يعتمدون على هذا السّلاح؛ سلاح التفرقة بين المسلمين، أن يكفر مسلم مسلماً آخر، وأن يضلل مسلم مسلماً آخر، وأن يسبّ مسلم مسلماً آخر...

إمام المسلمين جميع

أيها الاحبّة، علينا أن نرتفع إلى مستوى الوعي.. إنّ قضيّة كربلاء ليست قضيّة الشيعة ضدّ السنّة، والسنّة ضدّ الشيعة، لأن يزيد لا يمثل أيّ مسلم، سواء كان سنياً أو شيعيا...

أما الحسين، فهو إمام المسلمين جميعاً، لا ينطلق أيّ مسلم يحترم إسلامه وإيمانه إلا بحبّ الحسن والحسين، لأن رسول الله(ص) قال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا، فَأَحِبَّهُمَا، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا".

علينا أن نفتح قلوبنا، أن تتحرَّك كل أساليبنا في مناسباتنا، على أن لا تكون مناسبات نثير فيها الأحقاد والمشاكل، ونزيد فيها من الفرقة بين المسلمين، لأنّ الله أراد لكلمته أن ترتفع، وإذا كنا نختلف في بعض التفاصيل، فإن القوم يريدون رأس الإسلام... لقد كانوا يقولون فيما مضى من مشاكل، عندما انطلقت المشاكل في إيران، كانوا يقولون إنها ثورة شيعية، فما دخل المسلمين السنّة بها؟

هكذا أرادوا أن يحيّدوا المسلمين الآخرين عن الثورة الإسلامية التي انطلقت لتكون ثورة إسلامية تدعو المسلمين جميعاً إلى الاتحاد: "يا أيها المسلمين، اتحدوا اتحدوا...".

... وقد كان بعض الناس يقولون: ما دخلكم بالقضية الفلسطينية؟ إنّ القضية الفلسطينية هي قضية سنيّة، باعتبار أنّ الفلسطينيين سنّة... وهكذا نسمع بعض الأصوات التي تتحدّث عن البوسنة والهرسك وكوسوفو وغيرها، وهم لا يعلمون أنّ المسلمين إذا ضعفوا في جانب، فإن المسلمين الآخرين سيضعفون.

لذلك، إذا قوينا في البلقان وفي فلسطين وفي إيران والعراق، وفي أي مكان، فإن أية قوّة يحصل عليها المسلمون في موقع، فإنها تكون قوة للمسلمين في موقع آخر.

لذلك، إن هذه الأساليب التي تريد أن تمذهب قضايانا لتجعل هذه القضيّة شيعيّة لا دخل للسنّة فيها، وأن هذه القضية سنية لا دخل للشيعة فيها، إنهم يريدون أن يفرقونا حتى يسيطروا علينا.. إنّ الاستكبار العالمي لا يهمّه مذهب هؤلاء المسلمين أو أولئك، إنه يهمه أن يكون بترول المسلمين بتروله، ويريد أن تكون كلّ مواقع المسلمين الاستراتيجية مواقعه، ويريد لاقتصاد المسلمين أن يكون اقتصاده، ولسياسة المسلمين أن تكون سياسته، سواء كانوا سنّة أو شيعة.. الاستكبار لا يتحرّك على أساس أن يتبنى خلافة هنا وخلافة هناك؛ إنه يريد الواقع الإسلامي كله، ويريد أن لا يرتفع صوت من المسلمين ضدّ أية حركة للاستكبار في أيّ مجال.

معاً ضدّ الاستكبار

إن الاستكبار لا يدعم مسلماً هنا ومسلماً هناك.. لا يغرّنّكم القول إنّ أمريكا دعمت المسلمين في البوسنة والهرسك، أو إنها تدعم الآن المسلمين في كوسوفو؛ إنها تدعم مصالحها الاستكبارية في البلقان، ومصالحها في محاولاتها إضعاف أوروبا وروسيا...

ليس لأمريكا أيّ جميل على المسلمين هنا وهناك، بل إنها أضافت مشاكل جديدة وتهجيراً جديداً للمسلمين من خلال اللعبة السياسية...

لذلك، أيها الأحبة، ليكن شعارنا شعار رسول الله(ص): "من لم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم"، "من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين ولم يجبه فليس بمسلم".

وعلينا، أيها الأحبّة، أن نكون صفّاً واحداً في مواجهة العدوّ الصهيونيّ الذي لن يكتفي بفلسطين، بل إنّه امتدّ إلى الجولان وإلى لبنان وإلى مناطق أخرى.. وإذا كانت الظروف لا تسمح له بأن يمتدّ خارج فلسطين من الناحية الجغرافية، فإنه يعمل بكل قوته متحالفاً مع الولايات المتحدة ومع أكثر من دولة في العالم، على أن يسيطر على الواقع الاقتصادي في المنطقة، والواقع الأمني والسياسي، لأن هناك تحالفاً شيطانياً بين إسرائيل وأمريكا، من أجل السيطرة على المنطقة، ومن أجل تقاسم الأرباح تبعاً للحصص التي يتفقون عليها.

لذلك، أيها الأحبّة، لا يتصوّرنً أحد أن إسرائيل يمكن بعد التسوية أن تعيش في المنطقة لتهدأ.. إن اليهود يحقدون على العالم كله. ولذلك، إن علينا أن نحمل هذه الفكرة في أنفسنا، وأن نعلّمها لأولادنا ولأحفادنا في المستقبل؛ أن إسرائيل عندما تعيش في المنطقة، فإنها سوف لا تدع المنطقة ترتاح سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بل تعمل على العبث فيها بأكثر من ٍأسلوب ووسيلة.. لا بدّ لنا من أن نعلم أولادنا الآية الكريمة {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُود}، لأنهم يقتلون النبيين بغير حقّ، ولأنهم ينقضون عهودهم مع الله ومع الناس...

علينا في هذا المجال أن نقف مع القوى التي تواجه هذا العدوّ، وتعمل على إذلاله وإسقاطه، وعلى خلق المآزق له في الداخل وفي الخارج.. ولا بدّ لنا من أن نقف مع الشعب الفلسطيني الذي يتحرّك في اللّحم العاري في مواجهة اليهود، وعلينا أن نقف مع المجاهدين، ولا سيما المقاومة الإسلامية، التي استطاعت بنسبة ما أن تسقط عنفوان العدوّ، وأن تحوّل وجوده في بلادنا إلى مأزق في الداخل والخارج.

علينا أن نكون مع كل هؤلاء المجاهدين، وأن لا يعلو صوت إلا صوت المعركة، وأن لا نسمح للساحة بأن ترتبك بخلافات هامشيّة هنا وهناك، لتشغل المجاهدين عن جهادهم. وإذا كنا ننطلق في كربلاء الآن، فإن كربلاء هناك في إقليم التفاح وفي برعشيت وفي كلّ مكان ينطلق فيه المجاهدون ضدّ العدو.

كونوا دعاةً للإسلام

أيها الأحبّة، وعلينا أن نعمل على أساس أن نحفظ الإسلام في أنفسنا؛ أن نتعلم الإسلام، تعلموا الإسلام لتكونوا دعاة واعين للإسلام، علموا أولادكم الإسلام.. لتكن مساجدنا معاهد كما كانت في زمان رسول الله، لأنّ المسلمين كلما وعوا إسلامهم أكثر، وكلما عرفوا واجباتهم أكثر، استطاعوا أن يواجهوا الذين يريدونهم أن يضلّلوهم هنا وهناك.. "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة"، كلّ بحسب وقته، وكلّ بحسب قدرته.. هذا الذي يحقق الإصلاح في أمّة الإسلام كما أراده الحسين(ع).

احترام التنوّع

وعلينا أيها الأحبة أيضاً، أن نعيش في هذا البلد الذي تختلف طوائفه، وتتنوّع مواقع شعبه.. أن نعمل على أن نحافظ على الوحدة الوطنيّة، ونتعايش مع كلّ الذين يعيشون معنا في البلد، ولا نسمح لأيّ فتنة طائفية، حتى نستطيع أن نؤكّد قوّتنا وعزّتنا في هذا الاتجاه.

أيها الأحبة، على كل واحد منا أن يعيش مسؤوليّته تجاه الله وتجاه نفسه وتجاه الناس، وفي الحاضر وفي المستقبل؛ أن نعيش الاستنفار الكامل أمام كلّ حركات الاستكبار، وعلينا أن نعرف أننا عمّال الله في هذه الدنيا: {يا أيّها الإنسان إنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه}، "{فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرّة شراً يره}.

إننا عمّال الله، فعلينا أن نحرز شروط العمل، والله يقول: {وقلِ اعْمَلُوا فَسَيرَى اللهُ عملكم ورسوله والمؤمنون}.

لقد كانت عاشوراء ضدّ الانحراف، فلنكن بأجمعنا ضدّ الانحراف، وقد كانت ضدّ التفرقة في الخطّ الصحيح، وعلينا أن نكون ضدّ التفرقة، وقد كانت عاشوراء ضدّ الطغاة والمستكبرين، فلنكن ضدّ الطغاة والمستكبرين...

هذه هي دروس عاشوراء، وهذا هو معنى استمرار عاشوراء في مدى الزّمن..

نسأل الله أن يتقبّل منا أعمالنا وجهدنا، وأن يرحم كلّ هذه الدموع، وكلّ هذه القلوب، وكلّ هذا الحزن، وأن يعيننا على أنفسنا بما يعين به الصّالحين على أنفسهم، إنه أرحم الراحمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*محاضرة لسماحته ألقاها في اليوم العاشر من عاشوراء، بتاريخ 26-4- 1999.

أيها الأحبة، في هذه الساعات، نحن نتطلّع إلى كربلاء، وإلى تلك الصفوة الطيّبة التي كانت تفكّر في الله ولا تفكّر في غير الله، حتى إنّ بعض هؤلاء، وقد دخل وقت الظهر، والحرب كانت على أشدّها، والشهداء يتساقطون، لم يشغله ذلك عن أن يقول للحسين(ع): يابن رسول الله، لقد حان وقت الصّلاة، وأنا أحبُّ أن لا أفارق هذه الدنيا إلا وقد صلّيت هذه الصلاة. فرفع الحسين(ع) رأسه وقال: هذا أوّل وقتها. وبدأ الحسين(ع) يصلّي، والسهام تتقاطر عليه، وأحد أصحابه يتلقَّى السّهام بيده، والحسين يصلّي مع من بقي من أصحابه، حتى سقط هذا الصحابي شهيداً بسبب كثرة السّهام...

أيها الأحبّة، عظمة كربلاء، أنها كانت ذكراً لله، ذكراً للموقف، للكلمة.. عظمة كربلاء، أنّ هذه الصفوة الطيّبة عاشت وأحبّت في الله وأبغضت في الله، عظمة كربلاء أنها كانت صرخةً من أجل الحقّ ومن أجل الإسلام ومن أجل الرسالة...

لذلك، أيها الأحبّة، في نهاية هذا الموسم، لا بدَّ لنا من أن نفحص أنفسنا وعقولنا وقلوبنا، حتى تكون عقولنا كلّها للحقّ، وقلوبنا كلّها للحقّ.. لتكون لنا صورة الإمام الحسين(ع) نتمثلها في حياتنا..

لماذا الإصرار على الحزن؟!

قد يقول قائل، وقد قالها بعض الناس: لماذا يصرّ الشيعة على أن يبقى حزنهم في مدى التأريخ؟ لماذا لا ينتهي هذا الحزن؟

إننا نقول لكلّ هذه الأصوات التي تتحدّث بهذه الطريقة، إن هذا الحزن الذي نعيشه ليس حزناً عاطفياً ساذجاً، ولكنه حزن رسالي ينفتح على كلّ هذه الرموز المقدَّسة التي أعطتنا أعظم صورة في التأريخ، في كيف يضحي الإنسان في سبيل الله ومن أجل الله، وكيف يقف مع رسالته إلى آخر نفس من أنفاسه...

إنّ هذا الحزن لم يكن حزناً ذاتيّاً كحزن الناس على من يحبّون، ولكنّه حزن يحمل قضيّة، وحزن يحمل رسالةً، ويريد لكلّ قلب يعيش إسلامه ويعيش إنسانيّته أن تنبض فيه هذه الدموع، من أجل أن تتحوّل من دموع كربلاء، إلى دموع تنساب مع كل مجزرة ومع كل جريمة كالجريمة التي قام بها أولئك...

لماذا كان المسلمون، ولا سيما الشيعة، لماذا كانوا في كل التأريخ جمهور الرفض؟ لماذا كانوا جمهور الرسالة؟ لماذا انطلقوا ليحاصَروا هنا وليضيَّق عليهم هناك؟

لماذا؟ لأنهم رفضوا أن يعطوا بأيديهم إعطاء الذليل لأيّ طاغية ولأيّ مستكبر وظالم، ولأنهم رفضوا أن يقرّوا إقرار العبيد في أيّ موقف يراد لهم أن يستسلموا فيه، كلّ ذلك لأن حزن كربلاء انفتح ليكون حزناً على كلّ مظلوم، على كلّ بريء، وعلى كلّ موقع من المواقع التي يتحرّك فيها الطغيان ليفرض قوّته على المستضعفين.

لذلك، سيبقى حزن كربلاء في عقولنا حزناً رسالياً، وسيبقى حزن كربلاء في قلوبنا حزناً إنسانياً، وسيبقى حزن كربلاء في حياتنا حزناً حركياً، سنبقى مع كربلاء لنعيشها في عصرنا كما عاشها الحسين والصفوة الطيّبة من أهل بيته وأصحابه في عصره.

إذا كان الحسين(ع) قد ثار من أجل إصلاح أمّة جدّه في تلك المرحلة، فنحن هنا لا بدّ لنا من أن نصنع في كلّ أرض كربلاء، وفي كل يوم عاشوراء، من أجل إصلاح الأمّة في كلّ قضاياها وفي كلّ واقعها.

معنى أن نكون حسينيّين

أيها الأحبة، إننا نتعلم من الحسين(ع) الذي تعلم من جده رسول الله(ص)، أن لا يعيش الإنسان المسلم ذاتيّته، وأن لا يعيش فرديته، بل أن يكون همّ المسلمين همّه، وأن تكون مشاكل المسلمين مشاكله، وأن نعمل على أساس أن يكون كلّ مؤمن للمؤمن الآخر كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمّى والسّهر.

إن الحسين(ع) عندما انطلق بكلّ هذه القوّة، وبكلّ هذه التضحية، وبكلّ هذه المحبة، وبكلّ هذا السماح، لأنه كان يعيش هموم المسلمين، أن يكون حاضرهم حاضر العدالة وحاضر الحرية، ليكون مستقبلهم في هذا الاتجاه. لذلك، إذا كنا حسينيّين، فعلينا أن نكون مسلمين، أن نحمل همَّ المسلمين حتى لو اختلفنا مع هؤلاء أو أولئك في مذهب هنا أو في خطّ هناك، لأن القضية هي أن يكون هدفنا في الواقع الذي نعيشه، أن يكون للإسلام عنفوانه في العالم، وقوّته في العالم، وأن تكون للإسلام حريته في العالم، وإذا كان الإسلام في تشريعاته يريد لنا أن نعمل على حماية المستضعفين من ظلم المستكبرين، فعلينا أن نكون مع المستضعفين الذين يسقطون تحت تأثير المستكبرين.

الوحدة في خطّ الإسلام

هذه، أيها الأحبة، هي معاني عاشوراء التي لا بدَّ لنا من أن نختزنها، وإذا كنا نرى أن أصحاب الحسين(ع) كانوا يمثلون كلّ الوحدة، مع اختلاف بلدانهم واختلاف أعمارهم، ليس هناك شخص يحمل في قلبه أيّ سوء للشخص الآخر، وبهذا كان انتصارهم المعنوي والرسالي، لأنهم استطاعوا أن يجسّدوا وحدة الالتزام بالإسلام والالتزام بإمام الإسلام.. إذا كنّا نعظّم هؤلاء، لأنهم عاشوا الوحدة في خطّ الإسلام وتحركوا بالوحدة في خطّ الشهادة، فعلينا أن نعمل أن نكون في خطّ الوحدة في الساحة الحسينيّة، في كلّ ما يمثّله الحسين(ع)، لنعمل جميعاً يداً بيد، كلمةً بكلمة، صوتاً بصوت، لنعمل جميعاً على أن يكون الجمهور الحسيني موحّداً حول الحسين، أن لا نسمح لأيّ معاد ولأيّ قوّة مضادّة تفرّق صفوفها، أن تبعد بعضنا عن بعض.. إذا اختلفنا في شيء وتنازعنا في شيء، فعلينا أن نردّه إلى الله وإلى الرسول، أن لا ننطلق من أحقاد فئوية أو حزبية أو عائلية أو ما إلى ذلك.. علينا أن تكون قلوبنا مفتوحة لله، أن لا نسمح للقوى المضادّة ـ وهي لا تريد بالمسلمين إلا شرّاً ـ أن يدخلوا إلى ساحتنا وأن ينفذوا إلينا.

لذلك، أيّها الأحبّة، لا صوت إلا صوت الوحدة، ولا كلمة إلا كلمة المحبّة، "لا يؤمن أحدكم ـ قالها رسول الله ـ حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، ويكره له ما يكره لها"، وقال رسول الله(ص)، وهو يتحدث عن التباغض وعن التحاقد "إنها الحالقة؛ لا أقول حالقة الشَّعر، ولكنها حالقة الدين".

إن ّكل بغض وحقد يحمله مسلم على مسلم، فإنه يحلق دينه كما يحلق الموسى كلّ شعر في رأسه.

وهكذا، أيها الأحبة، ينبغي لنا أن نحافظ على الوحدة الإسلامية، نحن نختلف كمسلمين في قضيّة الخلافة، وفي كثير من القضايا الفكرية والقضايا الفقهية، ولكننا لن نختلف أننا نشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله، ولن نختلف في كل عباداتنا من حيث المبدأ، ولن نختلف في كثير من أخلاقياتنا وقضايانا.. إذا اختلفنا كمسلمين في مذاهبنا، فعلينا أن نمظهر هذا الخلاف بالحوار وبالجدال بالتي هي أحسن الله.

إن الله أرادنا أن نجادل أهل الكتاب بالتي هي أحسن {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} وأرادنا أن نقول لأهل الكتاب {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم}، وكم هناك فرق بيننا وبين أهل الكتاب...

لماذا لا نقول: يا أهل القرآن تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم؟ لماذا لا نقول لبعضنا البعض علينا أن نجادل إخواننا المسلمين فيما نختلف فيه بالّتي هي أحسن، بعيداً من السبّ، بعيداً من اللعن، بعيداً من الكلمات الحاقدة، والتي تثير الحساسيات الطائفية والمذهبية؟!

أيها الأحبّة، إن العالم المستكبر من جهة، والعالم الكافر من جهة، يعملان متضامنين متحالفين على أن لا تقوم للإسلام قائمة، وأن لا تقوم للمسلمين قائمة، وهم يعتمدون على هذا السّلاح؛ سلاح التفرقة بين المسلمين، أن يكفر مسلم مسلماً آخر، وأن يضلل مسلم مسلماً آخر، وأن يسبّ مسلم مسلماً آخر...

إمام المسلمين جميع

أيها الاحبّة، علينا أن نرتفع إلى مستوى الوعي.. إنّ قضيّة كربلاء ليست قضيّة الشيعة ضدّ السنّة، والسنّة ضدّ الشيعة، لأن يزيد لا يمثل أيّ مسلم، سواء كان سنياً أو شيعيا...

أما الحسين، فهو إمام المسلمين جميعاً، لا ينطلق أيّ مسلم يحترم إسلامه وإيمانه إلا بحبّ الحسن والحسين، لأن رسول الله(ص) قال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا، فَأَحِبَّهُمَا، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا".

علينا أن نفتح قلوبنا، أن تتحرَّك كل أساليبنا في مناسباتنا، على أن لا تكون مناسبات نثير فيها الأحقاد والمشاكل، ونزيد فيها من الفرقة بين المسلمين، لأنّ الله أراد لكلمته أن ترتفع، وإذا كنا نختلف في بعض التفاصيل، فإن القوم يريدون رأس الإسلام... لقد كانوا يقولون فيما مضى من مشاكل، عندما انطلقت المشاكل في إيران، كانوا يقولون إنها ثورة شيعية، فما دخل المسلمين السنّة بها؟

هكذا أرادوا أن يحيّدوا المسلمين الآخرين عن الثورة الإسلامية التي انطلقت لتكون ثورة إسلامية تدعو المسلمين جميعاً إلى الاتحاد: "يا أيها المسلمين، اتحدوا اتحدوا...".

... وقد كان بعض الناس يقولون: ما دخلكم بالقضية الفلسطينية؟ إنّ القضية الفلسطينية هي قضية سنيّة، باعتبار أنّ الفلسطينيين سنّة... وهكذا نسمع بعض الأصوات التي تتحدّث عن البوسنة والهرسك وكوسوفو وغيرها، وهم لا يعلمون أنّ المسلمين إذا ضعفوا في جانب، فإن المسلمين الآخرين سيضعفون.

لذلك، إذا قوينا في البلقان وفي فلسطين وفي إيران والعراق، وفي أي مكان، فإن أية قوّة يحصل عليها المسلمون في موقع، فإنها تكون قوة للمسلمين في موقع آخر.

لذلك، إن هذه الأساليب التي تريد أن تمذهب قضايانا لتجعل هذه القضيّة شيعيّة لا دخل للسنّة فيها، وأن هذه القضية سنية لا دخل للشيعة فيها، إنهم يريدون أن يفرقونا حتى يسيطروا علينا.. إنّ الاستكبار العالمي لا يهمّه مذهب هؤلاء المسلمين أو أولئك، إنه يهمه أن يكون بترول المسلمين بتروله، ويريد أن تكون كلّ مواقع المسلمين الاستراتيجية مواقعه، ويريد لاقتصاد المسلمين أن يكون اقتصاده، ولسياسة المسلمين أن تكون سياسته، سواء كانوا سنّة أو شيعة.. الاستكبار لا يتحرّك على أساس أن يتبنى خلافة هنا وخلافة هناك؛ إنه يريد الواقع الإسلامي كله، ويريد أن لا يرتفع صوت من المسلمين ضدّ أية حركة للاستكبار في أيّ مجال.

معاً ضدّ الاستكبار

إن الاستكبار لا يدعم مسلماً هنا ومسلماً هناك.. لا يغرّنّكم القول إنّ أمريكا دعمت المسلمين في البوسنة والهرسك، أو إنها تدعم الآن المسلمين في كوسوفو؛ إنها تدعم مصالحها الاستكبارية في البلقان، ومصالحها في محاولاتها إضعاف أوروبا وروسيا...

ليس لأمريكا أيّ جميل على المسلمين هنا وهناك، بل إنها أضافت مشاكل جديدة وتهجيراً جديداً للمسلمين من خلال اللعبة السياسية...

لذلك، أيها الأحبة، ليكن شعارنا شعار رسول الله(ص): "من لم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم"، "من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين ولم يجبه فليس بمسلم".

وعلينا، أيها الأحبّة، أن نكون صفّاً واحداً في مواجهة العدوّ الصهيونيّ الذي لن يكتفي بفلسطين، بل إنّه امتدّ إلى الجولان وإلى لبنان وإلى مناطق أخرى.. وإذا كانت الظروف لا تسمح له بأن يمتدّ خارج فلسطين من الناحية الجغرافية، فإنه يعمل بكل قوته متحالفاً مع الولايات المتحدة ومع أكثر من دولة في العالم، على أن يسيطر على الواقع الاقتصادي في المنطقة، والواقع الأمني والسياسي، لأن هناك تحالفاً شيطانياً بين إسرائيل وأمريكا، من أجل السيطرة على المنطقة، ومن أجل تقاسم الأرباح تبعاً للحصص التي يتفقون عليها.

لذلك، أيها الأحبّة، لا يتصوّرنً أحد أن إسرائيل يمكن بعد التسوية أن تعيش في المنطقة لتهدأ.. إن اليهود يحقدون على العالم كله. ولذلك، إن علينا أن نحمل هذه الفكرة في أنفسنا، وأن نعلّمها لأولادنا ولأحفادنا في المستقبل؛ أن إسرائيل عندما تعيش في المنطقة، فإنها سوف لا تدع المنطقة ترتاح سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بل تعمل على العبث فيها بأكثر من ٍأسلوب ووسيلة.. لا بدّ لنا من أن نعلم أولادنا الآية الكريمة {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُود}، لأنهم يقتلون النبيين بغير حقّ، ولأنهم ينقضون عهودهم مع الله ومع الناس...

علينا في هذا المجال أن نقف مع القوى التي تواجه هذا العدوّ، وتعمل على إذلاله وإسقاطه، وعلى خلق المآزق له في الداخل وفي الخارج.. ولا بدّ لنا من أن نقف مع الشعب الفلسطيني الذي يتحرّك في اللّحم العاري في مواجهة اليهود، وعلينا أن نقف مع المجاهدين، ولا سيما المقاومة الإسلامية، التي استطاعت بنسبة ما أن تسقط عنفوان العدوّ، وأن تحوّل وجوده في بلادنا إلى مأزق في الداخل والخارج.

علينا أن نكون مع كل هؤلاء المجاهدين، وأن لا يعلو صوت إلا صوت المعركة، وأن لا نسمح للساحة بأن ترتبك بخلافات هامشيّة هنا وهناك، لتشغل المجاهدين عن جهادهم. وإذا كنا ننطلق في كربلاء الآن، فإن كربلاء هناك في إقليم التفاح وفي برعشيت وفي كلّ مكان ينطلق فيه المجاهدون ضدّ العدو.

كونوا دعاةً للإسلام

أيها الأحبّة، وعلينا أن نعمل على أساس أن نحفظ الإسلام في أنفسنا؛ أن نتعلم الإسلام، تعلموا الإسلام لتكونوا دعاة واعين للإسلام، علموا أولادكم الإسلام.. لتكن مساجدنا معاهد كما كانت في زمان رسول الله، لأنّ المسلمين كلما وعوا إسلامهم أكثر، وكلما عرفوا واجباتهم أكثر، استطاعوا أن يواجهوا الذين يريدونهم أن يضلّلوهم هنا وهناك.. "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة"، كلّ بحسب وقته، وكلّ بحسب قدرته.. هذا الذي يحقق الإصلاح في أمّة الإسلام كما أراده الحسين(ع).

احترام التنوّع

وعلينا أيها الأحبة أيضاً، أن نعيش في هذا البلد الذي تختلف طوائفه، وتتنوّع مواقع شعبه.. أن نعمل على أن نحافظ على الوحدة الوطنيّة، ونتعايش مع كلّ الذين يعيشون معنا في البلد، ولا نسمح لأيّ فتنة طائفية، حتى نستطيع أن نؤكّد قوّتنا وعزّتنا في هذا الاتجاه.

أيها الأحبة، على كل واحد منا أن يعيش مسؤوليّته تجاه الله وتجاه نفسه وتجاه الناس، وفي الحاضر وفي المستقبل؛ أن نعيش الاستنفار الكامل أمام كلّ حركات الاستكبار، وعلينا أن نعرف أننا عمّال الله في هذه الدنيا: {يا أيّها الإنسان إنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه}، "{فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرّة شراً يره}.

إننا عمّال الله، فعلينا أن نحرز شروط العمل، والله يقول: {وقلِ اعْمَلُوا فَسَيرَى اللهُ عملكم ورسوله والمؤمنون}.

لقد كانت عاشوراء ضدّ الانحراف، فلنكن بأجمعنا ضدّ الانحراف، وقد كانت ضدّ التفرقة في الخطّ الصحيح، وعلينا أن نكون ضدّ التفرقة، وقد كانت عاشوراء ضدّ الطغاة والمستكبرين، فلنكن ضدّ الطغاة والمستكبرين...

هذه هي دروس عاشوراء، وهذا هو معنى استمرار عاشوراء في مدى الزّمن..

نسأل الله أن يتقبّل منا أعمالنا وجهدنا، وأن يرحم كلّ هذه الدموع، وكلّ هذه القلوب، وكلّ هذا الحزن، وأن يعيننا على أنفسنا بما يعين به الصّالحين على أنفسهم، إنه أرحم الراحمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*محاضرة لسماحته ألقاها في اليوم العاشر من عاشوراء، بتاريخ 26-4- 1999.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية