مأساة كربلاء في خطّ القضيّة

مأساة كربلاء في خطّ القضيّة

المأساة على قسمين: هناك المأساة الإنسانيّة التي تتحرّك من خلال عناصر الواقع التي يضطهد أو يظلم فيها الإنسان، مأساة الضحايا الذين يسقطون ضحية قهر وظلم واستكبار سقوطاً سلبياً، وهناك مأساة تتحرّك في خطّ القضيّة، بحيث يقف الإنسان الذي يحمل قضية ورسالة ليتحدّى الواقع المنحرف في ساحات الخطر، وليهجم على المأساة، لا حبّاً بالموت، ولا من خلال ما قد يعيشه من مزاج الشّهادة، بل من خلال إرادة التّغيير وحركية الرسالة.

ونحن نعرف أن الأنبياء عاشوا المأساة بكل تنوعاتها، لأنهم واجهوا القوى المضادة التي كانت تعيش الكفر والضلال، وتحدوا كل قيمها، في الوقت الذي كانوا لا يملكون فيه إلا قوّة فكرهم، ولا يعيشون أي عنصر من عناصر الصلابة في الساحة، فكان البعض منهم يقتل، والبعض منهم يضرب، والبعض منهم يهجّر ويشرّد... وهكذا عاشوا المأساة في داخل القضية، وبذلك انتصرت القضية من خلال كلّ الآلام التي احتشدت في حركتها، لأن الإنسان المصلح الثائر الداعية، إذا لم يعش الألم في قلب قضيته، فإن قضيته لا تتجذّر في عمق الواقع، فكلما كانت الجراحات أعمق، استطاعت أن تكون أكثر تأثيراً في المجتمع.

ولذلك، نرى أن الكثير من الناس ومن الأنبياء والأولياء، خلدوا في وجدان الإنسانية من خلال هذا التزاوج بين الرسالة والألم.

وعلى ضوء هذا، فإن الحسين(ع) عاش المأساة، ولكن في خط حركة القضية، فالحسين(ع) لم يخرج ـ كما يتصوّر الكثيرون ـ ليموت، أو ليكون الموت مزاجه، ولتكون الشهادة هي عنوان حركته، ولكنه انطلق من أجل الرّسالة التي تكون الشهادة نتيجة فيها للحركة، لا نتيجة فيها للمزاج، لأن الشهادة لا يمكن أن تكون شهادة إذا كانت مجرّد مزاج ذاتي يحب فيها الإنسان أن يموت، ولكن الشهادة إنما تكون شهادة إذا كانت حركة في مواجهة التحدّي، وكانت رسالة في خطّ الواقع الإنساني، وكانت إخلاصاً لله سبحانه وتعالى، بحيث إن الرسالة في تحدّياتها تفرض الشهادة، لا أن الشهادة تتحرّك بطريقة ذاتية تتبع المزاجية.

كما أن تصوير قضية الإمام الحسين(ع) على أنّها مسألة استشهادية، قد لا يكون دقيقاً، لأن الحسين(ع) لم يخرج استشهادياً فحسب، بل خرج مصلحاً مغيّراً للواقع في ساحة يمكن أن تطلّ على الشهادة بحسب طبيعة العناصر الموجودة في الواقع، كما خرج رسول الله(ص)، فإنّ رسول الله(ص) انطلق بالرسالة في ساحة تحاصرها كلّ الأخطار، وكان يتحرك في الطريق التي يمكن أن تنتهي بالشهادة، وكان(ص) الشهيد الحيّ، فلقد كان يقول: "ما أوذِيَ نبيّ مثل ما أوذيت"، وقد استشهد الكثير من الصحابة معه من أهل بيته ومن غيرهم، لكنه كان صاحب رسالة، وكانت الرسالة كل همّه، وكان الناس همّه وشغله الشاغل، لأنهم ساحة الرسالة.

ولذلك، عندما ندرس حركة الإمام الحسين، نجد أنه أطلق الخط وحدّث عن الواقع وانطلق في حركة الفعل الثّورة، ففي هذا النص الذي نقرأه في موقعين من مواقف الإمام الحسين(ع)، تتبين حقيقة ذلك. ففي رسالته إلى أشراف أهل الكوفة، يقول: "أيّها الناس إنَّ رسول الله(ص) قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً بعهده، مخالفاً لسنَّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثم لم يغيّر عليه، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله". ففي هذا النصّ، أعطى للنّاس شروط الثّورة على الحاكم الجائر، وبيَّن ما هي صفة ذلك الحاكم التي ينبغي للمسلمين أن يثوروا عليه إذا تحقّقت في واقعهم؛ فالحاكم الجائر هو الّذي يظلم الناس، ولا يعطي أحداً حقّه، ويستحلّ حرم الله، كلّ الحرمات الّتي جعلها الله للناس في قضاياهم الخاصّة والعامّة، فإذا كان هذا ممن يستحلّ حرمات الله، وينكث بعهده، ويخالف سنّة رسول الله(ص) فيما شرّعه، فلا يتبع شريعة الإسلام، ويعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، أي أنّه يتحرّك في سيرته مع الناس بمعصية الله وبالعدوان عليهم في كلّ قضاياهم، إذا كان الحاكم بهذه الصّورة، فإن النبيّ(ص) ـ حسب هذه الرواية ـ يقول إنّه يجب على الأمّة أن تثور عليه، ومن لم يثُر عليه ولم يتحرّك في خطّ التغيير على مستوى المواجهة، فإنّ الله سوف يدخله مدخله...

*من كتاب "الندوة"، الجزء الرابع.

المأساة على قسمين: هناك المأساة الإنسانيّة التي تتحرّك من خلال عناصر الواقع التي يضطهد أو يظلم فيها الإنسان، مأساة الضحايا الذين يسقطون ضحية قهر وظلم واستكبار سقوطاً سلبياً، وهناك مأساة تتحرّك في خطّ القضيّة، بحيث يقف الإنسان الذي يحمل قضية ورسالة ليتحدّى الواقع المنحرف في ساحات الخطر، وليهجم على المأساة، لا حبّاً بالموت، ولا من خلال ما قد يعيشه من مزاج الشّهادة، بل من خلال إرادة التّغيير وحركية الرسالة.

ونحن نعرف أن الأنبياء عاشوا المأساة بكل تنوعاتها، لأنهم واجهوا القوى المضادة التي كانت تعيش الكفر والضلال، وتحدوا كل قيمها، في الوقت الذي كانوا لا يملكون فيه إلا قوّة فكرهم، ولا يعيشون أي عنصر من عناصر الصلابة في الساحة، فكان البعض منهم يقتل، والبعض منهم يضرب، والبعض منهم يهجّر ويشرّد... وهكذا عاشوا المأساة في داخل القضية، وبذلك انتصرت القضية من خلال كلّ الآلام التي احتشدت في حركتها، لأن الإنسان المصلح الثائر الداعية، إذا لم يعش الألم في قلب قضيته، فإن قضيته لا تتجذّر في عمق الواقع، فكلما كانت الجراحات أعمق، استطاعت أن تكون أكثر تأثيراً في المجتمع.

ولذلك، نرى أن الكثير من الناس ومن الأنبياء والأولياء، خلدوا في وجدان الإنسانية من خلال هذا التزاوج بين الرسالة والألم.

وعلى ضوء هذا، فإن الحسين(ع) عاش المأساة، ولكن في خط حركة القضية، فالحسين(ع) لم يخرج ـ كما يتصوّر الكثيرون ـ ليموت، أو ليكون الموت مزاجه، ولتكون الشهادة هي عنوان حركته، ولكنه انطلق من أجل الرّسالة التي تكون الشهادة نتيجة فيها للحركة، لا نتيجة فيها للمزاج، لأن الشهادة لا يمكن أن تكون شهادة إذا كانت مجرّد مزاج ذاتي يحب فيها الإنسان أن يموت، ولكن الشهادة إنما تكون شهادة إذا كانت حركة في مواجهة التحدّي، وكانت رسالة في خطّ الواقع الإنساني، وكانت إخلاصاً لله سبحانه وتعالى، بحيث إن الرسالة في تحدّياتها تفرض الشهادة، لا أن الشهادة تتحرّك بطريقة ذاتية تتبع المزاجية.

كما أن تصوير قضية الإمام الحسين(ع) على أنّها مسألة استشهادية، قد لا يكون دقيقاً، لأن الحسين(ع) لم يخرج استشهادياً فحسب، بل خرج مصلحاً مغيّراً للواقع في ساحة يمكن أن تطلّ على الشهادة بحسب طبيعة العناصر الموجودة في الواقع، كما خرج رسول الله(ص)، فإنّ رسول الله(ص) انطلق بالرسالة في ساحة تحاصرها كلّ الأخطار، وكان يتحرك في الطريق التي يمكن أن تنتهي بالشهادة، وكان(ص) الشهيد الحيّ، فلقد كان يقول: "ما أوذِيَ نبيّ مثل ما أوذيت"، وقد استشهد الكثير من الصحابة معه من أهل بيته ومن غيرهم، لكنه كان صاحب رسالة، وكانت الرسالة كل همّه، وكان الناس همّه وشغله الشاغل، لأنهم ساحة الرسالة.

ولذلك، عندما ندرس حركة الإمام الحسين، نجد أنه أطلق الخط وحدّث عن الواقع وانطلق في حركة الفعل الثّورة، ففي هذا النص الذي نقرأه في موقعين من مواقف الإمام الحسين(ع)، تتبين حقيقة ذلك. ففي رسالته إلى أشراف أهل الكوفة، يقول: "أيّها الناس إنَّ رسول الله(ص) قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً بعهده، مخالفاً لسنَّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثم لم يغيّر عليه، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله". ففي هذا النصّ، أعطى للنّاس شروط الثّورة على الحاكم الجائر، وبيَّن ما هي صفة ذلك الحاكم التي ينبغي للمسلمين أن يثوروا عليه إذا تحقّقت في واقعهم؛ فالحاكم الجائر هو الّذي يظلم الناس، ولا يعطي أحداً حقّه، ويستحلّ حرم الله، كلّ الحرمات الّتي جعلها الله للناس في قضاياهم الخاصّة والعامّة، فإذا كان هذا ممن يستحلّ حرمات الله، وينكث بعهده، ويخالف سنّة رسول الله(ص) فيما شرّعه، فلا يتبع شريعة الإسلام، ويعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، أي أنّه يتحرّك في سيرته مع الناس بمعصية الله وبالعدوان عليهم في كلّ قضاياهم، إذا كان الحاكم بهذه الصّورة، فإن النبيّ(ص) ـ حسب هذه الرواية ـ يقول إنّه يجب على الأمّة أن تثور عليه، ومن لم يثُر عليه ولم يتحرّك في خطّ التغيير على مستوى المواجهة، فإنّ الله سوف يدخله مدخله...

*من كتاب "الندوة"، الجزء الرابع.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية