ما أحوجنا إليه!
ـ كيف تمضي الأيّام في ظلِّ غياب العلامة السيِّد محمّد حسين فضل الله؟
ـ يشعر الإنسان دائماً على مرور الأيّام، بمدى الحاجة إلى حضور سماحة السيّد في مختلف الميادين. طبعاً على المستوى الشّخصيّ، يشعر الواحد منّا بحاجة عميقة إليه، لأنَّ السيّد ترك أثراً في النفس. وعلى المستوى العام في كلّ السّاحات، يشعر الشخص بقوّة دور السيّد في هذه المرحلة التي تضجّ بالفتن والصّراعات، وكم نحن بحاجة إلى الوعي الّذي كان يعيشه، والعمق الّذي كان يقارب به الأمور، إضافةً إلى المنطق الّذي كان يستطيع من خلاله الوصول إلى عقول الجميع ليقنعهم، أو ليحتوي الخلافات وليبرّد الأجواء...
نحن نحتاجه في هذه الأجواء العاصفة الّتي تضجُّ بها المنطقة. وطبعاً، فإنَّ التَّعقيدات الّتي تحصل كبيرة وكبيرة جدّاً، وهي متشابكة أكثر مما كانت في وقت سماحة السيِّد، لكن في النّهاية، يبقى المنطق واحداً، والأسلوب واحداً.
أعتقد أنَّ سماحة السيِّد ما زال حاضراً اليوم بقوّة، فالفكر الّذي طرحه، والمنهجيَّة الّتي اعتمدها ركنان لا زلنا نستند إليهما في مواجهة التحدّيات، ونحن نطوّر وفق هذه الأسس في التّعامل مع هذه المستجدَّات.
ذكريات عن السيِّد
ـ هل هناك أيّة ذكريات خاصَّة ما زالت عالقة في ذاكرتك مع المرجع؟
ـ ذكريات المرحلة الأخيرة كانت ممزوجةً بالظّروف الصّعبة التي كان يعانيها سماحته، لكن يمكننا القول إنَّه خلال المرحلة الّتي كان فيها في أشدِّ حالات المرض، لم ينكفئ عن الإنتاج والحديث عن الأمور المعقَّدة، كأنّه كان يحاول أن يقدِّم كلَّ ما يشعر به.
لذلك، برزت لدى السيِّد في تلك المرحلة، بعيداً عن الجانب العاطفيّ، حرارة كبيرة في العمل والعطاء، برغم كلّ ظروف المرض، وكان حاضراً في ذلك الوقت ليفكِّر كثيراً في المرحلة اللاحقة التي سوف تأتي، واستطاع أن يضع قواعد تشكّل ضمانةً لمستقبل العمل والمؤسَّسات.
ـ هل هناك أيّة ذكريات خاصَّة عن محاولة اغتياله في العام 1985؟
ـ في ذلك الوقت، لم أكن موجوداً في المنزل، لكنَّني هرعت إلى منطقة بئر العبد حاملاً شعور الخوف، وخصوصاً عندما استمعت إلى إذاعة صوت لبنان، الّتي بثّت حينها أنّ "السيّد قد قتل مع عائلته".
الأمر كان صادماً بالنِّسبة إليّ، لكنَّني وصلت ورأيت سماحة السيّد، وشعرت كم كان في ذلك الوقت مطمئنّاً وصلباً وقادراً على التحدّث في ظلّ الظّرف الصّعب الّذي واجهه، وخصوصاً في ظلّ سقوط العشرات من الشّهداء والجرحى، ومشاهد الخراب والدّم، إضافةً إلى مشاهدة بيت العائلة الّذي تعرَّض للهدم، والعائلة التي أصابها الرّعب، لكنَّ الصَّلابة والرّوحيَّة الإيمانيَّة الّتي حملها السيِّد في شخصيَّته، هي الّتي كانت طاغية في ذلك الوقت، لأنَّ شخصيَّة السيِّد كانت مبنيّةً على الطّمأنينة حتّى في أشدِّ الحالات خوفاً.
المرجعيَّة الدّينيّة بعد الوفاة
ـ عدد كبير من المسلمين برزت لديهم تساؤلات حول تحديد المرجعيَّة الدّينيَّة بعد وفاة المرجع، فهل يمكن أن توضح لنا هذا الموضوع؟
ـ لقد طُرِحَ هذا الموضوع بمجرَّد وفاة سماحة السيِّد، واستناداً إلى آراء بعض المراجع الأحياء الّذين يفتون بجواز البقاء على تقليد الميت، ومنهم من يرى الوجوب إذا اعتبر الأعلم، انطلق النَّاس للبقاء على تقليد سماحته. ولكن إن كان هناك مسائل فقهيَّة لم يكن للسيِّد أيّ اطّلاع عليها، فعلى المقلِّدين أن يعودوا إلى مرجع آخر.
خلاف فقهيّ!
ـ في كلِّ عام، يبرز خلاف بين السنّة والشّيعة، وحتّى بين الشّيعة أنفسهم، يتعلّق بكيفيّة تحديد بداية شهر رمضان ونهايته. ما هي الطّريقة الّتي تحدِّدون من خلالها بداية الشّهر ونهايته؟
ـ هذا الموضوع هو موضع خلاف فقهيّ له علاقة بإشكاليَّة: هل يؤخَذ بالحسابات الفلكيَّة في بداية الشّهر أو ولادته، أم لا بدَّ من الرّؤية البصريّة؟ هناك رأي يقول إنّه يجب رؤية القمر بالعين المجرَّدة، وقد يكون هناك إمكانيَّة استعمال المناظير أو التّلسكوبات، أمَّا الرّأي الّذي كان يتبنَّاه سماحة السيِّد، فيقوم على أنَّ الرّؤية كانت وسيلةً في الوقت الّذي لم يكن هناك أيّ وسيلة أخرى... أمّا اليوم، فقد تطوَّر العلم إلى الدَّرجة الّتي تسمح بتحديد ولادة الشّهر أو الهلال القمريّ قبل أن يستطيع أحد أن يراه، ويمكننا من هذه اللَّحظة أن نحدِّد ولادة القمر في السَّنوات المقبلة. إذا استطاع العلم أن يوصل الإنسان إلى هذه القناعة، فمعنى ذلك أنَّ الإنسان لم يعد محتاجاً إلى البحث عن الهلال بالنَّظر، وخصوصاً أنَّ موضوع الرّؤية البصريَّة قد يعتريه الشَّكّ، نظراً إلى تلوّث الجوّ، وفي بعض الأوقات، تحجب بعض الغيوم الرّؤية. لذلك، نحن نقول إنَّ الرّؤية وسيلة وليست هدفاً.
هناك خلافٌ ثانٍ يتعلَّق بهذه المسألة، وهو أنّه إذا ثبتت الرّؤية في بلدٍ معيَّن، فهل تثبت في بقيَّة البلاد، أو يبقى لكلِّ بلدٍ خصوصيَّته؟ هناك رأيان لدى الفقهاء، سواء كانوا سنّةً أو شيعة، فمنهم من يقول إنّه تثبت الرّؤية في بقيَّة البلاد، ولا سيَّما البلاد التي نشترك معها بجزءٍ من اللّيل، وهناك من يقول إنَّ لكلِّ بلد خصوصيَّته.
نحن ندعو إلى توحيد الآراء، نظراً إلى كون هذا الموضوع محطَّ خلاف كبير؛ أوّلاً لتوحيد النّاس، لأنّنا بحاجةٍ إلى كلّ مفردات التّوحيد، وثانياً لأنّ الناس وصلت إلى القمر، ونحن لم نستطع حتى هذه اللّحظة التأكّد من ولادة الهلال من عدمه، في الوقت الّذي يعرف الناس متى يحصل الخسوف والكسوف، وتوقيت الفجر والشّروق والغروب.
في النّهاية، يمكننا القول إنَّ هذه هي قناعات الفقهاء، ونتمنّى أن يصلوا إلى قناعة واحدة.