{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}، وهذا هو النداء للمؤمنين، الذي يريد أن يثير
فيهم روح الإيمان ومعناه وحركته في داخلهم، ليوحي إليهم بأنّه ليس مجرّد فكرٍ
مجرَّد، بل هو موقفٌ للحياة.
{اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}، فإنّ ذلك هو المظهر الحيّ للإيمان، في ما
يفرضه من الاستسلام لله في ما يأمر به أو ينهى عنه، والطّاعة لرسوله باعتبار أنها
المظهر لطاعة الله {إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}، لأنّ الإسلام هو دعوةٌ إلى
الحياة، في ما أراده للإنسان من حركةٍ ووحيٍ ونموٍّ وانطلاق، من خلال مفاهيمه
الواسعة الشّاملة التي تفتح آفاقه على الكون كلّه، ليكون ساحةً لفكره، ومنطلقاً
لعمله، وتجربةً لمسؤوليّته، ما يجعل منه طاقةً حيّةً متحركةً في أكثر من اتّجاه،
ومن خلال شريعته التي تنظّم له حياته في ما يأكل ويشرب ويستمتع، وفي ما يعيش من
علاقاتٍ، فيتحقّق له التوازن في ذلك كلّه، فلا تنحرف حياته إلى خطّ السلبيّة التي
تهمل كلّ شيءٍ حولها، ولا تتطرّف في خطّ الإيجابيّة حتى تغلق على نفسها كلّ بابٍ
للحرّية...
وهكذا يمتدّ التوازن في ما بين النزعة المادية والنزعة الروحيّة، إلى الانسجام بين
الشخصيّة الفردية والشخصية الاجتماعية، فيحسب لكلّ شيءٍ حسابه، ويضع كلّ شيءٍ في
موضعه على أساس الحكمة والاتزان، وذلك هو معنى الحياة في حركة الشخصيّة، لأنّ
الإخلال بالتوازن يؤدّي إلى الانحراف في اتجاه الهلاك، في ما يثيره من الارتباك في
حركة المصير.
أمّا أهداف الإسلام في ما يريده للإنسان من أهداف وجوده، فإنَّها أهداف الحياة في
امتداد المعرفة وعمقها، في كلّ ما تختزنه من أسرار وتثيره من قضايا وتواجهه من
أحداث، وفي ما تستوعبه من معلومات، حتى لتدعوه إلى الإحاطة بكلّ شيءٍ من حوله، فلا
يغيب عنه شيء في ذلك كلّه، وفي معنى الحرية التي تجعل للإرادة حريتها، بعيداً من
الضغوط الداخلية أو الخارجية، في انطلاقةٍ شجاعةٍ تتمرّد على كلّ نوازعها وتحدياتها
وأوضاعها، وفي حركة الرسالة في حياته، ليواجه الحياة من موقع الرّسالة التي تتطلّع
إلى كلّ زاويةٍ من زواياها، لتحرّك فيها القيم الرّوحيّة التي تبني للإنسان
إنسانيّته، وتحقّق للحياة معناها، فلا تتجمَّد حياته عند حدود حاجاته، بل تتحرّك
إلى البعيد البعيد في نطاق القضايا الكبيرة من أهدافه... وهكذا تكون التضحية
بالحياة لوناً من ألوان حركة الحياة، لأنّ الرّوح تحيا في أهدافها، كما يحيا الجسد
في حاجاته.
وهذا ما أراد القرآن الكريم الإيحاء به، عندما اعتبر العلم والإيمان والجهاد
والشهادة مظهراً من مظاهر الحياة، ولذلك كانت الاستجابة لله وللرّسول استجابةً
للجانب الحيّ من حركة الرسالة في الحياة.
وهذا ما ينبغي لنا أن نستوحيه في ما نلتقي به من أحكام الشّريعة وأسرارها وقضاياها،
لنكتشف ـ في ذلك كلّه ـ كيف تستوعب الشريعة الحياة، وكيف تخضع الحياة لدعوة
الشّريعة في ما تريد أن تحقّقه من أهداف، أو تواجهه من مشاكل وحلول.
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 10.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}، وهذا هو النداء للمؤمنين، الذي يريد أن يثير
فيهم روح الإيمان ومعناه وحركته في داخلهم، ليوحي إليهم بأنّه ليس مجرّد فكرٍ
مجرَّد، بل هو موقفٌ للحياة.
{اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}، فإنّ ذلك هو المظهر الحيّ للإيمان، في ما
يفرضه من الاستسلام لله في ما يأمر به أو ينهى عنه، والطّاعة لرسوله باعتبار أنها
المظهر لطاعة الله {إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}، لأنّ الإسلام هو دعوةٌ إلى
الحياة، في ما أراده للإنسان من حركةٍ ووحيٍ ونموٍّ وانطلاق، من خلال مفاهيمه
الواسعة الشّاملة التي تفتح آفاقه على الكون كلّه، ليكون ساحةً لفكره، ومنطلقاً
لعمله، وتجربةً لمسؤوليّته، ما يجعل منه طاقةً حيّةً متحركةً في أكثر من اتّجاه،
ومن خلال شريعته التي تنظّم له حياته في ما يأكل ويشرب ويستمتع، وفي ما يعيش من
علاقاتٍ، فيتحقّق له التوازن في ذلك كلّه، فلا تنحرف حياته إلى خطّ السلبيّة التي
تهمل كلّ شيءٍ حولها، ولا تتطرّف في خطّ الإيجابيّة حتى تغلق على نفسها كلّ بابٍ
للحرّية...
وهكذا يمتدّ التوازن في ما بين النزعة المادية والنزعة الروحيّة، إلى الانسجام بين
الشخصيّة الفردية والشخصية الاجتماعية، فيحسب لكلّ شيءٍ حسابه، ويضع كلّ شيءٍ في
موضعه على أساس الحكمة والاتزان، وذلك هو معنى الحياة في حركة الشخصيّة، لأنّ
الإخلال بالتوازن يؤدّي إلى الانحراف في اتجاه الهلاك، في ما يثيره من الارتباك في
حركة المصير.
أمّا أهداف الإسلام في ما يريده للإنسان من أهداف وجوده، فإنَّها أهداف الحياة في
امتداد المعرفة وعمقها، في كلّ ما تختزنه من أسرار وتثيره من قضايا وتواجهه من
أحداث، وفي ما تستوعبه من معلومات، حتى لتدعوه إلى الإحاطة بكلّ شيءٍ من حوله، فلا
يغيب عنه شيء في ذلك كلّه، وفي معنى الحرية التي تجعل للإرادة حريتها، بعيداً من
الضغوط الداخلية أو الخارجية، في انطلاقةٍ شجاعةٍ تتمرّد على كلّ نوازعها وتحدياتها
وأوضاعها، وفي حركة الرسالة في حياته، ليواجه الحياة من موقع الرّسالة التي تتطلّع
إلى كلّ زاويةٍ من زواياها، لتحرّك فيها القيم الرّوحيّة التي تبني للإنسان
إنسانيّته، وتحقّق للحياة معناها، فلا تتجمَّد حياته عند حدود حاجاته، بل تتحرّك
إلى البعيد البعيد في نطاق القضايا الكبيرة من أهدافه... وهكذا تكون التضحية
بالحياة لوناً من ألوان حركة الحياة، لأنّ الرّوح تحيا في أهدافها، كما يحيا الجسد
في حاجاته.
وهذا ما أراد القرآن الكريم الإيحاء به، عندما اعتبر العلم والإيمان والجهاد
والشهادة مظهراً من مظاهر الحياة، ولذلك كانت الاستجابة لله وللرّسول استجابةً
للجانب الحيّ من حركة الرسالة في الحياة.
وهذا ما ينبغي لنا أن نستوحيه في ما نلتقي به من أحكام الشّريعة وأسرارها وقضاياها،
لنكتشف ـ في ذلك كلّه ـ كيف تستوعب الشريعة الحياة، وكيف تخضع الحياة لدعوة
الشّريعة في ما تريد أن تحقّقه من أهداف، أو تواجهه من مشاكل وحلول.
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 10.