إنَّ الشريعة المطهرة قد بيّنت أحكام أفعال المسلم، وجعلتها موزعة على خمسة أحكام هي: الواجب، والحرام، والمستحب، والمكروه، والمباح، فإذا بلغ المسلم سن التكليف لزمه التعرّف على هذه الأحكام ليجري عليها ويعمل على طبقها. وهذا المبحث هو المتكفل بتحديد السبل التي بها يتعرف على ما كلفه الله تعالى به وسنَّه له، وتفصيله كما يلي:
وهي تتضمّن توضيحاً لبعض المصطلحات وبياناً لسِنِّ التكليف وغير ذلك من الأمور المهمّة التي نستعرضها في مسائل.
مسألة 1: الشريعة هي: كلّ حكم أخذ من القرآن الكريم أو من أحاديث النبيّ وأهل بيته صلوات الله تعالى عليه وعليهم، أو أخذ مما ثبت جواز الاعتماد عليه في استنباط الأحكام من الأصول والقواعد الفقهية، وهو الذي يصطلح عليه بـ «السنَّة» ويقابل ذلك مصطلح (البِدعة)، وهي: ما ينسب إلى الإسلام من تشريعات لـم يعتمد فيها على المصادر التي سلف ذكرها. فالشريعة هي الهدى والنهج القيوم الواجب اتباعه، والبِدعة حرام وضلالة يجب رفضها وإنكارها.
مسألة 2: كلّ فعل من أفعال المسلم لا يخلو في الشريعة من أن يكون إمّا:
واجباً: وهو ما يجب فعله ويترتب العقاب على تركه.
أو حراماً: وهو ما يجب تركه ويعاقب المكلّف على فعله.
أو مستحباً: وهو ما يحسن فعله ولا يعاقب على تركه.
أو مكروهاً: وهو ما يحسن تركه ولا يعاقب على فعله.
أو مباحاً: وهو ما كان فعله وتركه على درجة واحدة في الأهمية، فلا يُثاب المكلّف على فعله ولا يعاقب على تركه.
مسألة 3: قسم الفقهاء الواجب إلى أقسام عدّة، واصطلحوا لها على أسماء محددة، وما ينفعنا منها في هذا التمهيد أمور:
الأول ـ التوصلي والتعبدي:
فالتوصلي: هو الذي يكفي في امتثاله وإطاعته مجرّد حصوله من المكلّف ولو من غير التفات ووعي، ومن دون قصد التقرب به إلى الله تعالى، وذلك مثل وجوب تطهير اليد أو الثوب من النجاسة مقدِّمة للوضوء أو للصلاة، فإنَّه يكفي في امتثال هذا الواجب وقوع يد النائم المتنجسة في الماء فتطهر ويتحقّق به الشرط، وكذا مثل صلة الرحم والأمر بالمعروف ونحوهما.
والتعبدي: هو ما أخذ في امتثاله وقوعُه عن قصد ووعي ونية التقرّب به إلى الله تعالى، وذلك مثل الصلاة والحج والعتق، فإنَّ تحقق الطاعة بها لا بُدَّ أن يكون من خلال نية الإتيان بها متقرباً لله تعالى.
وفي البحوث القادمة سوف يتبيّن ذلك، فكلّ ما ذكرنا في شروطه قصد القربة فهو من الواجبات التعبدية، وكلّ ما لـم نذكر فيه ذلك فهو من الواجبات التوصلية.
وكما في الواجب كذلك في المستحب، فإنَّ مثل صلاة النافلة مستحب تعبدي، أمّا مثل زيارة المريض أو السفر في يوم الخميس ونحوهما فهي مستحبات توصلية.
الثاني ـ الكفائي والعيني:
والمراد بالكفائي: الواجب الذي يكفي حصوله ولو من بعض المكلفين، وذلك كالجهاد وتكفين الميت ونحوهما، فإنَّ تكفين الميت إذا قام به بعض المكلفين سقط به الوجوب عن الباقين، أمّا إذا لـم يتحقق من أحد فإنَّ الجميع يأثمون ويعاقبون.
أمّا الواجب العيني: فهو المطلوب فعله من كلّ مكلف بعينه وشخصه، مثل الصلاة والصوم، فإنَّ صلاة زيد لا تكفي عن صلاة عمرو، بل يجب عليه الإتيان بالصلاة أيضاً عن نفسه، فيأثم كلّ مكلف ترك الصلاة لأنَّه قد ترك ما هو واجب عليه.
وسوف يأتي خلال البحوث القادمة الإشارة والنص على ذلك، كلٌّ في مكانه.
الثالث ـ التخييري والتعييني:
والمراد بالواجب التخييري: توجه الأمر إلى المكلّف بفعل واحد من أمور متعددة على نحو التخيير، مثل كفارة الإفطار عمداً، فإنَّ الشريعة قد خيّرت المكلّف بين أمور ثلاثة، هي عتق رقبة أو إطعام ستين مسكيناً أو صيام شهرين متتابعين، فإذا أتى المكلّف بواحد من هذه الثلاثة سقط التكليف عنه وتحقق الواجب منه من دون ضرورة للإتيان بالأمرين الآخرين.
أمّا الواجب التعييني: فهو توجه التكليف من الله تعالى بأمر واحد بنحو الحصر والتعيين، بحيث لا يقوم بدله شيء آخر، مثل صلاة المغرب والأمر بالمعروف وكثير من الواجبات، فإنَّ صلاة المغرب حيث تجب على المسلم لا بُدَّ له من الإتيان بها، ولا يغني عنها غيرها من الواجبات أو الفرائض الأخرى. وهكذا.
مسألة 4: قلنا إنَّ الواجب التعبدي هو الذي يشترط في صحته قصد التقرّب به إلى الله تعالى، وهذا القصد هو جوهر التواصل مع الله تعالى لما فيه من إخلاص العمل له عزَّ وجلّ وربط العمل به سبحانه، غير أنَّ هذا لا يعني انحصار قصد التقرّب إلى الله تعالى بالواجب أو المستحب التعبدي، بل إنَّ بإمكان المكلّف أن يقصد التقرّب إلى الله تعالى بالواجبات التوصلية والمباحات ولو لـم يكن قصد التقرّب شرطاً لازماً فيها في الشريعة، وبذلك يصبح العبد متجهاً إلى الله تعالى بكلّ حركة من حركاته، ويربط أفعاله جميعاً بالله ويتواصل معه باستمرار في علاقة سامية جليلة، فيثاب الإنسان حينئذٍ على كلّ ما قصد به التقرّب إلى الله تعالى، ولو كان مثل شرب الماء ولبس الثياب والرياضة والنزهة فضلاً عن تطهير الثياب والبدن وزيارة المريض وسائر الآداب والأعمال، بل إنَّه إذا ترك المكروه قربة إلى الله تعالى يُثاب على ذلك. وبذلك نعلم أنَّ في الشريعة واجبات ومستحبات تعبدية منصوصاً عليها في أصل التشريع بنحو لا يصح العمل إلاَّ إذا نوى به المسلم التقرّب إلى الله تعالى، ونعلم أنَّه يصح بل يستحب للمسلم أن يقصد بكلّ أعماله وتروكه الحسنة التقرّب إلى الله تعالى ولو لـم يكن ذلك لازماً فيها، وذلك من أجل مزيد من الطاعة ورغبة في الثواب.
مسألة 5: يصبح المسلم مسؤولاً عن الالتزام بالشريعة ومكلّفاً بها إذا بلغ سن التكليف، وهو للذكر: بلوغ خمس عشرة سنة هجرية، أي أربع عشرة سنة ميلادية وسبعة أشهر، أو نبات الشعر الخشن على العانة أسفل البطن وفوق القضيب مباشرة، أو حصول قذف المني منه بالاحتلام أو بغيره. هذا وإنَّ حصول واحدة منها يكفي في تحقّق البلوغ، كما أنَّ الأخيرتين قد تحصلان قبل سن الخامسة عشرة، أي في سن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة.
أمّا الأنثى فالمشهور أنَّها تبلغ مرحلة التكليف بالسنّ، وهو إكمال التسع، ولكن الظاهر من الأدلة المتعددة أنَّها تبلغ بالحيض، حتى أنَّ بعض الرِّوايات التي تحدّثت عن التسع، جاء فيها: «وذلك أنَّها تحيض لتسع»، كما أنَّه قد ورد في روايات «العدَّة» حول من لا عدّة لها، قال: «عُدَّ منها التي لا تحيض ومثلها لا تحيض، قال: وما حدّها؟ قال: التي لـم تبلغ التسع»، ممّا يوحي بأنَّ التسع ملحوظة من حيث حصول الحيض فيها، إلاَّ لطارئ مرضي، بنحو يدور فيه أمر البلوغ مدار الحيض وجوداً أو عدماً، لذا فإن الأظهر أن الأنثى تصير مكلفة إذا بلغت سن الثالثة عشرة قمرية وهو يساوي اثنتي عشرة سنة وسبعة أشهر وعشرين يوماً ميلاديّة، أو رأت دم الحيض قبل ذلك، وإن كان الأفضل تعويدها على الحجاب والصلاة منذ بلوغها تسع سنوات قمرية.
إنَّ الشريعة المطهرة قد بيّنت أحكام أفعال المسلم، وجعلتها موزعة على خمسة أحكام هي: الواجب، والحرام، والمستحب، والمكروه، والمباح، فإذا بلغ المسلم سن التكليف لزمه التعرّف على هذه الأحكام ليجري عليها ويعمل على طبقها. وهذا المبحث هو المتكفل بتحديد السبل التي بها يتعرف على ما كلفه الله تعالى به وسنَّه له، وتفصيله كما يلي:
وهي تتضمّن توضيحاً لبعض المصطلحات وبياناً لسِنِّ التكليف وغير ذلك من الأمور المهمّة التي نستعرضها في مسائل.
مسألة 1: الشريعة هي: كلّ حكم أخذ من القرآن الكريم أو من أحاديث النبيّ وأهل بيته صلوات الله تعالى عليه وعليهم، أو أخذ مما ثبت جواز الاعتماد عليه في استنباط الأحكام من الأصول والقواعد الفقهية، وهو الذي يصطلح عليه بـ «السنَّة» ويقابل ذلك مصطلح (البِدعة)، وهي: ما ينسب إلى الإسلام من تشريعات لـم يعتمد فيها على المصادر التي سلف ذكرها. فالشريعة هي الهدى والنهج القيوم الواجب اتباعه، والبِدعة حرام وضلالة يجب رفضها وإنكارها.
مسألة 2: كلّ فعل من أفعال المسلم لا يخلو في الشريعة من أن يكون إمّا:
واجباً: وهو ما يجب فعله ويترتب العقاب على تركه.
أو حراماً: وهو ما يجب تركه ويعاقب المكلّف على فعله.
أو مستحباً: وهو ما يحسن فعله ولا يعاقب على تركه.
أو مكروهاً: وهو ما يحسن تركه ولا يعاقب على فعله.
أو مباحاً: وهو ما كان فعله وتركه على درجة واحدة في الأهمية، فلا يُثاب المكلّف على فعله ولا يعاقب على تركه.
مسألة 3: قسم الفقهاء الواجب إلى أقسام عدّة، واصطلحوا لها على أسماء محددة، وما ينفعنا منها في هذا التمهيد أمور:
الأول ـ التوصلي والتعبدي:
فالتوصلي: هو الذي يكفي في امتثاله وإطاعته مجرّد حصوله من المكلّف ولو من غير التفات ووعي، ومن دون قصد التقرب به إلى الله تعالى، وذلك مثل وجوب تطهير اليد أو الثوب من النجاسة مقدِّمة للوضوء أو للصلاة، فإنَّه يكفي في امتثال هذا الواجب وقوع يد النائم المتنجسة في الماء فتطهر ويتحقّق به الشرط، وكذا مثل صلة الرحم والأمر بالمعروف ونحوهما.
والتعبدي: هو ما أخذ في امتثاله وقوعُه عن قصد ووعي ونية التقرّب به إلى الله تعالى، وذلك مثل الصلاة والحج والعتق، فإنَّ تحقق الطاعة بها لا بُدَّ أن يكون من خلال نية الإتيان بها متقرباً لله تعالى.
وفي البحوث القادمة سوف يتبيّن ذلك، فكلّ ما ذكرنا في شروطه قصد القربة فهو من الواجبات التعبدية، وكلّ ما لـم نذكر فيه ذلك فهو من الواجبات التوصلية.
وكما في الواجب كذلك في المستحب، فإنَّ مثل صلاة النافلة مستحب تعبدي، أمّا مثل زيارة المريض أو السفر في يوم الخميس ونحوهما فهي مستحبات توصلية.
الثاني ـ الكفائي والعيني:
والمراد بالكفائي: الواجب الذي يكفي حصوله ولو من بعض المكلفين، وذلك كالجهاد وتكفين الميت ونحوهما، فإنَّ تكفين الميت إذا قام به بعض المكلفين سقط به الوجوب عن الباقين، أمّا إذا لـم يتحقق من أحد فإنَّ الجميع يأثمون ويعاقبون.
أمّا الواجب العيني: فهو المطلوب فعله من كلّ مكلف بعينه وشخصه، مثل الصلاة والصوم، فإنَّ صلاة زيد لا تكفي عن صلاة عمرو، بل يجب عليه الإتيان بالصلاة أيضاً عن نفسه، فيأثم كلّ مكلف ترك الصلاة لأنَّه قد ترك ما هو واجب عليه.
وسوف يأتي خلال البحوث القادمة الإشارة والنص على ذلك، كلٌّ في مكانه.
الثالث ـ التخييري والتعييني:
والمراد بالواجب التخييري: توجه الأمر إلى المكلّف بفعل واحد من أمور متعددة على نحو التخيير، مثل كفارة الإفطار عمداً، فإنَّ الشريعة قد خيّرت المكلّف بين أمور ثلاثة، هي عتق رقبة أو إطعام ستين مسكيناً أو صيام شهرين متتابعين، فإذا أتى المكلّف بواحد من هذه الثلاثة سقط التكليف عنه وتحقق الواجب منه من دون ضرورة للإتيان بالأمرين الآخرين.
أمّا الواجب التعييني: فهو توجه التكليف من الله تعالى بأمر واحد بنحو الحصر والتعيين، بحيث لا يقوم بدله شيء آخر، مثل صلاة المغرب والأمر بالمعروف وكثير من الواجبات، فإنَّ صلاة المغرب حيث تجب على المسلم لا بُدَّ له من الإتيان بها، ولا يغني عنها غيرها من الواجبات أو الفرائض الأخرى. وهكذا.
مسألة 4: قلنا إنَّ الواجب التعبدي هو الذي يشترط في صحته قصد التقرّب به إلى الله تعالى، وهذا القصد هو جوهر التواصل مع الله تعالى لما فيه من إخلاص العمل له عزَّ وجلّ وربط العمل به سبحانه، غير أنَّ هذا لا يعني انحصار قصد التقرّب إلى الله تعالى بالواجب أو المستحب التعبدي، بل إنَّ بإمكان المكلّف أن يقصد التقرّب إلى الله تعالى بالواجبات التوصلية والمباحات ولو لـم يكن قصد التقرّب شرطاً لازماً فيها في الشريعة، وبذلك يصبح العبد متجهاً إلى الله تعالى بكلّ حركة من حركاته، ويربط أفعاله جميعاً بالله ويتواصل معه باستمرار في علاقة سامية جليلة، فيثاب الإنسان حينئذٍ على كلّ ما قصد به التقرّب إلى الله تعالى، ولو كان مثل شرب الماء ولبس الثياب والرياضة والنزهة فضلاً عن تطهير الثياب والبدن وزيارة المريض وسائر الآداب والأعمال، بل إنَّه إذا ترك المكروه قربة إلى الله تعالى يُثاب على ذلك. وبذلك نعلم أنَّ في الشريعة واجبات ومستحبات تعبدية منصوصاً عليها في أصل التشريع بنحو لا يصح العمل إلاَّ إذا نوى به المسلم التقرّب إلى الله تعالى، ونعلم أنَّه يصح بل يستحب للمسلم أن يقصد بكلّ أعماله وتروكه الحسنة التقرّب إلى الله تعالى ولو لـم يكن ذلك لازماً فيها، وذلك من أجل مزيد من الطاعة ورغبة في الثواب.
مسألة 5: يصبح المسلم مسؤولاً عن الالتزام بالشريعة ومكلّفاً بها إذا بلغ سن التكليف، وهو للذكر: بلوغ خمس عشرة سنة هجرية، أي أربع عشرة سنة ميلادية وسبعة أشهر، أو نبات الشعر الخشن على العانة أسفل البطن وفوق القضيب مباشرة، أو حصول قذف المني منه بالاحتلام أو بغيره. هذا وإنَّ حصول واحدة منها يكفي في تحقّق البلوغ، كما أنَّ الأخيرتين قد تحصلان قبل سن الخامسة عشرة، أي في سن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة.
أمّا الأنثى فالمشهور أنَّها تبلغ مرحلة التكليف بالسنّ، وهو إكمال التسع، ولكن الظاهر من الأدلة المتعددة أنَّها تبلغ بالحيض، حتى أنَّ بعض الرِّوايات التي تحدّثت عن التسع، جاء فيها: «وذلك أنَّها تحيض لتسع»، كما أنَّه قد ورد في روايات «العدَّة» حول من لا عدّة لها، قال: «عُدَّ منها التي لا تحيض ومثلها لا تحيض، قال: وما حدّها؟ قال: التي لـم تبلغ التسع»، ممّا يوحي بأنَّ التسع ملحوظة من حيث حصول الحيض فيها، إلاَّ لطارئ مرضي، بنحو يدور فيه أمر البلوغ مدار الحيض وجوداً أو عدماً، لذا فإن الأظهر أن الأنثى تصير مكلفة إذا بلغت سن الثالثة عشرة قمرية وهو يساوي اثنتي عشرة سنة وسبعة أشهر وعشرين يوماً ميلاديّة، أو رأت دم الحيض قبل ذلك، وإن كان الأفضل تعويدها على الحجاب والصلاة منذ بلوغها تسع سنوات قمرية.