مختارات
14/09/2014

أحاديث عن الشّيعة والتشيّع عند الإمام الباقر(ع)

أحاديث عن الشّيعة والتشيّع عند الإمام الباقر(ع)

عن أبي جعفر الباقر(ع)، أنه قال :"رحم الله عبداً من شيعتنا حبَّبنا إلى الناس ولم يبغّضنا إليهم. أما والله، لو يروون ما نقول، ولا يحرّفونه، ولا يبدّلونه علينا برأيهم، ما استطاع أن يتعلَّق عليهم بشيء، ولكنَّ أحدهم يسمع منّا الكلمة، فينيط عشراً ويتناولها برأيه. رحم الله من سمع ما يسمع من مكنون سرّنا، فدفنه في قلبه.ثم قال: والله، لا يجعل الله من عادانا ومن تولاّنا في دار واحدة"[1].

حديث عظيم وجليل له أبعاد متعدّدة، وهو يحكي الواقع المعاش لأتباع أهل البيت في الوقت الرّاهن، وهم بأمسّ الحاجة إلى مثل هذه الأحاديث المغيّبة عن الجمهور، حتى عن أتباع أهل البيت، وقد حرص أئمّتنا(ع) على أن يوصلوها إلى شيعتهم ومواليهم، وأن يعملوا على طبقها، وهذه الرّواية تحتاج إلى بسط من الشرح والتوضيح، لأنها كما ذكرنا، تحمل في طيّاتها عدّة أبعاد:

البعد الأوّل: مفهوم التشيّع عند الإمام الباقر(ع)

تطالعنا الرّواية في بدايتها بالترحّم على الشّيعة الَّذين يتحمَّلون مسؤوليّة الدّعوة إلى أهل البيت(ع)، فيوجد فريقان؛ أحدهما من يواليهم ويشايعهم، والفريق الثاني، من لم يكن على هذا المنوال، بل ولم يعرفوهم، وعبَّر الإمام(ع) عن هذا الفريق بـ "الناس".

حول معنى الشّيعة الَّذين حمَّلهم الأئمَّة مسؤوليَّة الدّعوة إليهم، اهتمّ الإمام الباقر(ع) بهذا المفهوم وتحديده ضمن روايات تحدَّث فيها عن هذا المفهوم، وقد تكلَّمنا في بعض أحاديثنا السّابقة حول مفهوم الشيعة عند الإمام الباقر(ع)، وإليك خلاصة ذلك، فنقول: أمّا مفهوم التشيّع عند الإمام الباقر(ع)، فلا بدّ من أخذه من الرّوايات التي وردت عنه في هذا المجال، وهي تشكّل مجموعة كبيرة لا يستهان بها، ويمكن أن يستخلص منها عدّة عناصر ومواصفات بدورها تشكّل لنا مفهوم التشيّع والإنسان الشّيعي .

العناصر الأساسيَّة لمفهوم التشيّع:

طاعة الله، تقوى الله، التواضع، التخشع، الأمانة، كثرة ذكر الله، الالتزام بالصلاة، الالتزام بالصوم، البر بالوالدين، التَّعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة، التعاهد للغارمين أي المديونين، التعاهد للأيتام، صدق الحديث، كثرة تلاوة القرآن، كفّ الألسن عن الناس إلا في خير، اتباع سيرة النبيّ(ص)، اتباع سيرة علي(ع) وأولاده المعصومين(ع)، كثرة السجود، كثرة الدموع من خشية الله، كثرة البكاء خوفاً من الله.

هذه عشرون وصفاً يلزم الشيعي المشايع لأهل البيت(ع) أن يتَّصف بها، حتى يتحقّق مفهوم التشيع الصحيح في حقه .

التشيع هو الإسلام

فمفهوم التشيع هو مفهوم الإسلام بلا فرق بينهما، فلو بحثنا عن حقيقة التشيع، لرأيناه هو الإسلام المحمدي الصافي النقي الَّذي لا تشوبه أيّ شائبة. لذلك، أكد الإمام الباقر(ع) أن التشيع لهم وموالاتهم، هو طاعة الله وولايته والتقوى، فمن التزم ذلك، فهو لهم وليّ، ومن كان لله عصياً ومخالفاً، فهو لهم عدوّ، حتى لو ادعى مشايعتهم، كما قال لجابر الجعفي في الرواية الآتية: "مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ، وَمَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْوَرَعِ"[2].

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر(ع) قَالَ: "لَا تَذْهَبْ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ، فَوَاللَّهِ مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ"[3]، يعني لا تذهب بكم مذاهب الأفكار والكلام والتخيّلات، وتتَّكلوا علينا بدون عمل.

وفي الرّواية التالية، تؤكّد أنَّ المتخلّف عن تلك المفاهيم الحقَّة والصفات العالية، يكون بعيداً عن التشيّع، كما ورد عَنْ حُمَيْدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: "سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ أُنَاساً أَتَوْا أَبَا جَعْفَرٍ(ع)، فَسَأَلَهُمْ عَنِ الشِّيعَةِ: هَلْ يَعُودُ غَنِيُّهُمْ عَلَى فَقِيرِهِمْ؟ وَهَلْ يَعُودُ صَحِيحُهُمْ عَلَى مَرِيضِهِمْ؟ وَهَلْ يَعْرِفُونَ ضَعِيفَهُمْ؟ وَهَلْ يَتَزَاوَرُونَ؟ وَهَلْ يَتَحَابُّونَ؟ وَهَلْ يَتَنَاصَحُونَ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: وَمَا هُمُ الْيَوْمَ كَذَلِكَ .

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ(ع): لَيْسَ هُمْ بِشَيْ‏ءٍ حَتَّى يَكُونُوا كَذَلِكَ"[4].

الدّعوى الباطلة

يحاول البعض أن يشيع بين الناس أنّ مجرّد الانتساب إلى التشيّع لأهل البيت(ع)، كافٍ في تحقّق مفهوم التشيّع الصّحيح، ويكون سبباً في نجاتهم، حتى لو تقاعسوا عن العمل، بل يتمادى البعض إلى أبعد من ذلك، ويحاول أن يصوّر لهم أنّ مجرّد ممارستهم لبعض الأعمال البسيطة، كفيل بغفران ذنوبهم، وهذا ما شجَّع الكثير على التساهل في أمور الدّين، كما أن هذا في الواقع تغرير بهم وإيقاعهم في متاهات لا نهاية لها، وتربيتهم تربية منحرفة عن أهداف الأئمة(ع) .

ولكنَّ الروايات الواردة عن الإمام الباقر(ع) في هذا المجال، تخالف ذلك كلّه، وتفنّد هذه الدعوى، ففي الحديث الصحيح عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ(ع) أُوَدِّعُهُ، فَقَالَ: "يَا خَيْثَمَةُ، أَبْلِغْ مَنْ تَرَى مِنْ مَوَالِينَا السَّلَامَ، وَأَوْصِهِمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَأَنْ يَعُودَ غَنِيُّهُمْ عَلَى فَقِيرِهِمْ، وَقَوِيُّهُمْ عَلَى ضَعِيفِهِمْ، وَأَنْ يَشْهَدَ حَيُّهُمْ جِنَازَةَ مَيِّتِهِمْ، وَأَنْ يَتَلَاقَوْا فِي بُيُوتِهِمْ، فَإِنَّ لُقِيا بَعْضِهِمْ بَعْضاً حَيَاةٌ لِأَمْرِنَا، رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أَحْيَا أَمْرَنَا. يَا خَيْثَمَةُ، أَبْلِغْ مَوَالِيَنَا أَنَّا لا نُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِلا بِعَمَلٍ، وَأَنَّهُمْ لَنْ يَنَالُوا وَلَايَتَنَا إِلَّا بِالْوَرَعِ، وَأَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَصَفَ عَدْلاً ثُمَّ خَالَفَهُ إِلَى غَيْرِهِ"[5].

وهكذا، نرى الإمام(ع) يؤكّد العمل والورع والتّقوى، وأنهم لن ينالوا ولاية أهل البيت(ع) إلا بالورع عن محارم الله .

دعوى الحبّ لا تكفي في التشيّع

عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(ع) قَالَ: قَالَ لِي: يَا جَابِرُ، أَيَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَوَاللَّهِ، مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَأَطَاعَهُ، وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ، وَالتَّخَشُّعِ، وَالْأَمَانَةِ، وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالصَّوْمِ، وَالصَّلاةِ، وَالْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ، وَالتَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ، وَالْغَارِمِينَ، وَالأَيْتَامِ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ، وَكَفِّ الأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلا مِنْ خَيْرٍ، وَكَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الْأَشْيَاءِ .

قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ يَا بْنَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا نَعْرِفُ الْيَوْمَ أَحَداً بِهَذِهِ الصِّفَةِ .

فَقَالَ: يَا جَابِرُ لا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ، حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ أُحِبُّ عَلِيّاً وَأَتَوَلاهُ، ثُمَّ لَا يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَّالاً، فَلَوْ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ، فَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ(ع)، ثُمَّ لا يَتَّبِعُ سِيرَتَهُ وَلا يَعْمَلُ بِسُنَّتِهِ، مَا نَفَعَهُ حُبُّهُ إِيَّاهُ شَيْئاً. فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ، لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَة.أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ أَتْقَاهُمْ وَأَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ .يَا جَابِرُ، وَاللَّهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَّا بِالطَّاعَةِ، وَمَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَلَا عَلَى اللَّهِ لِأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ .مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً، فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً، فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ وَمَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْوَرَعِ"[6].

الانتحال هو الدعوى الكاذبة الزّائفة، فدعوى الحبّ مع مخالفة المدّعي لمن يحبه في العمل والسلوك والأخلاق والمنهجية، كلّ ذلك يثبت بطلان دعواه، ولنترك الحديث إلى العلامة المجلسي لأن يشرح لنا الحديث ضمن تعليقاته على فقرات الحديث .

خير الأمور أوسطها

تقدّم، إذاً، أنّ مجرّد الدّعوى لمحبة آل الرّسول دون العمل لا يكفي، بل لا بدَّ من الورع والتقوى والعمل الصّالح. هذا في الجانب العملي .

أمّا في الجانب العقائديّ، فيخاطب الإمام شيعته، ويدعوهم إلى الحالة الوسطيّة بين الإفراط والتفريط، فلا يجوز للشّيعة أن يغالوا في أئمتهم ويضعوهم أعلى مما وضعهم الله ورسوله وأنفسهم، كما لا يجوز أن يبخسوهم حقوقهم، بإنكار فضائلهم ومقاماتهم العالية التي رتبهم الله فيها، فأئمّة أهل البيت(ع) مع أتباعهم الحقيقيّين على الطريقة الوسطى، ودعوا إلى نبذ التطرّف في جانب الإفراط، وهو الغلوّ، وجانب التفريط، وهو نصب العداء لأهل الحقّ، وحاول أئمة الهدى أن يجنّبوا أتباعهم هذين الخطّين المنحرفين. وهذان الخطّان ليسا من الدّين في شيء، وإنما أوجدهما الجهل، لذلك، دعا الأئمّة(ع) أتباعهم إلى الحالة الوسطيّة الّتي هي الصّراط المستقيم .

فعَنْ أَبَانٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر(ع)، قَالَ" :يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ - شِيعَةِ آلِ مُحَمَّدٍ - كُونُوا النُّمْرُقَةَ الْوُسْطَى يَرْجِعُ إِلَيْكُمُ الْغَالِي وَيَلْحَقُ بِكُمُ التَّالِي، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ سَعْدٌ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا الْغَالِي؟ قَالَ: قَوْمٌ يَقُولُونَ فِينَا مَا لا نَقُولُهُ فِي أَنْفُسِنَا، فَلَيْسَ أُولَئِكَ مِنَّا وَلَسْنَا مِنْهُمْ. قَالَ: فَمَا التَّالِي؟ قَالَ: الْمُرْتَادُ يُرِيدُ الْخَيْرَ يُبَلِّغُهُ الْخَيْرَ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: وَاللَّهِ، مَا مَعَنَا مِنَ اللَّهِ بَرَاءَةٌ، وَلا بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللَّهِ قَرَابَةٌ، وَلا لَنَا عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ، وَلَا نَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا بِالطَّاعَةِ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُطِيعاً لِلَّهِ تَنْفَعُهُ وَلَايَتُنَا، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ عَاصِياً لِلَّهِ لَمْ تَنْفَعْهُ وَلَايَتُنَا، وَيْحَكُمْ لَا تَغْتَرُّوا، وَيْحَكُمْ لَا تَغْتَرُّوا"[7].

فلا يجوز لكم أن تغالوا في أهل البيت وتقولوا فيهم ما لم يقولوه في أنفسهم، كأن تدّعوا لهم الربوبيّة أو الألوهيّة، وغير ذلك مما هم منه براء، وهم أنفسهم لا يرتضونه، وقد أنكروا ذلك في عدّة روايات، وإنما يجب عليكم أن تختاروا حالة الوسطيّة، وتكونوا النُّمْرُقة الوسطى، وهي الوسادة الصّغيرة التي يتكئ عليها الإنسان، والجمع نمارق، قال تعالى: {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ}[8]، فالأئمّة يريدون من شيعتهم أن يكونوا حالة الوسط .

قال المجلسي: وكأنّ التشبيه بالنّمرقة، باعتبار أنها محلّ الاعتماد، والتّقييد بالوسطى لكونهم واسطة بين الإفراط والتّفريط، أو التشبيه بالنّمرقة الوسطى، باعتبار أنها في المجالس صدر ومكان لصاحبه يلحق به، ويتوجّه إليه من على الجانبين .

وقيل: المراد كونوا أهل النّمرقة الوسطى .

وقيل: المراد أنّه كما كانت الوسادة التي يتوسّد عليها الرجل، إذا كانت رفيعة جداً أو خفيفة جداً، لا تصلح للتوسّد، بل لا بدّ لها من حدّ من الارتفاع والانخفاض، حتى تصلح لذلك، كذلك أنتم في دينكم وأئمتكم، لا تكونوا مغالين تجاوزون بهم مراتبهم الّتي أقامهم عليها وجعلهم أهلاً لها، وهي الإمامة والوصاية[9]...

كما تشير الرّواية إلى تنبيه بعض الشيعة الَّذين يحملون في أذهانهم أنّ مجرّد الانتساب إلى علي(ع) وأولاده المعصومين(ع)، كافٍ في النجاة، ولا يحتاج إلى عمل، فالإمام يصرّح بأنه لا توجد عندهم براءة لأحد بدون عمل وورع وتقوى، وليس لهم على الله حجّة. وهذه الرّواية أصرح من الرّواية المتقدّمة الّتي أشارت إلى عدم الحجَّة على الله سبحانه .

* بتصرّف


[1] شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي، ج 3، ص 506.

[2] الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 74.

[3] المصدر نفسه، ج 2، ص 73.

[4] مستدرك ‏الوسائل، ج 8، ص 310، ح 9520.

[5] الكافي، ج 2، ص 176.

[6] الكافي، ج 2، ص 74.

[7] الكافي، ج 2، ص 75.

[8] (الغاشية: 15).

[9] مرآة العقول، ج 8، ص 54.


عن أبي جعفر الباقر(ع)، أنه قال :"رحم الله عبداً من شيعتنا حبَّبنا إلى الناس ولم يبغّضنا إليهم. أما والله، لو يروون ما نقول، ولا يحرّفونه، ولا يبدّلونه علينا برأيهم، ما استطاع أن يتعلَّق عليهم بشيء، ولكنَّ أحدهم يسمع منّا الكلمة، فينيط عشراً ويتناولها برأيه. رحم الله من سمع ما يسمع من مكنون سرّنا، فدفنه في قلبه.ثم قال: والله، لا يجعل الله من عادانا ومن تولاّنا في دار واحدة"[1].

حديث عظيم وجليل له أبعاد متعدّدة، وهو يحكي الواقع المعاش لأتباع أهل البيت في الوقت الرّاهن، وهم بأمسّ الحاجة إلى مثل هذه الأحاديث المغيّبة عن الجمهور، حتى عن أتباع أهل البيت، وقد حرص أئمّتنا(ع) على أن يوصلوها إلى شيعتهم ومواليهم، وأن يعملوا على طبقها، وهذه الرّواية تحتاج إلى بسط من الشرح والتوضيح، لأنها كما ذكرنا، تحمل في طيّاتها عدّة أبعاد:

البعد الأوّل: مفهوم التشيّع عند الإمام الباقر(ع)

تطالعنا الرّواية في بدايتها بالترحّم على الشّيعة الَّذين يتحمَّلون مسؤوليّة الدّعوة إلى أهل البيت(ع)، فيوجد فريقان؛ أحدهما من يواليهم ويشايعهم، والفريق الثاني، من لم يكن على هذا المنوال، بل ولم يعرفوهم، وعبَّر الإمام(ع) عن هذا الفريق بـ "الناس".

حول معنى الشّيعة الَّذين حمَّلهم الأئمَّة مسؤوليَّة الدّعوة إليهم، اهتمّ الإمام الباقر(ع) بهذا المفهوم وتحديده ضمن روايات تحدَّث فيها عن هذا المفهوم، وقد تكلَّمنا في بعض أحاديثنا السّابقة حول مفهوم الشيعة عند الإمام الباقر(ع)، وإليك خلاصة ذلك، فنقول: أمّا مفهوم التشيّع عند الإمام الباقر(ع)، فلا بدّ من أخذه من الرّوايات التي وردت عنه في هذا المجال، وهي تشكّل مجموعة كبيرة لا يستهان بها، ويمكن أن يستخلص منها عدّة عناصر ومواصفات بدورها تشكّل لنا مفهوم التشيّع والإنسان الشّيعي .

العناصر الأساسيَّة لمفهوم التشيّع:

طاعة الله، تقوى الله، التواضع، التخشع، الأمانة، كثرة ذكر الله، الالتزام بالصلاة، الالتزام بالصوم، البر بالوالدين، التَّعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة، التعاهد للغارمين أي المديونين، التعاهد للأيتام، صدق الحديث، كثرة تلاوة القرآن، كفّ الألسن عن الناس إلا في خير، اتباع سيرة النبيّ(ص)، اتباع سيرة علي(ع) وأولاده المعصومين(ع)، كثرة السجود، كثرة الدموع من خشية الله، كثرة البكاء خوفاً من الله.

هذه عشرون وصفاً يلزم الشيعي المشايع لأهل البيت(ع) أن يتَّصف بها، حتى يتحقّق مفهوم التشيع الصحيح في حقه .

التشيع هو الإسلام

فمفهوم التشيع هو مفهوم الإسلام بلا فرق بينهما، فلو بحثنا عن حقيقة التشيع، لرأيناه هو الإسلام المحمدي الصافي النقي الَّذي لا تشوبه أيّ شائبة. لذلك، أكد الإمام الباقر(ع) أن التشيع لهم وموالاتهم، هو طاعة الله وولايته والتقوى، فمن التزم ذلك، فهو لهم وليّ، ومن كان لله عصياً ومخالفاً، فهو لهم عدوّ، حتى لو ادعى مشايعتهم، كما قال لجابر الجعفي في الرواية الآتية: "مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ، وَمَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْوَرَعِ"[2].

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر(ع) قَالَ: "لَا تَذْهَبْ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ، فَوَاللَّهِ مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ"[3]، يعني لا تذهب بكم مذاهب الأفكار والكلام والتخيّلات، وتتَّكلوا علينا بدون عمل.

وفي الرّواية التالية، تؤكّد أنَّ المتخلّف عن تلك المفاهيم الحقَّة والصفات العالية، يكون بعيداً عن التشيّع، كما ورد عَنْ حُمَيْدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: "سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ أُنَاساً أَتَوْا أَبَا جَعْفَرٍ(ع)، فَسَأَلَهُمْ عَنِ الشِّيعَةِ: هَلْ يَعُودُ غَنِيُّهُمْ عَلَى فَقِيرِهِمْ؟ وَهَلْ يَعُودُ صَحِيحُهُمْ عَلَى مَرِيضِهِمْ؟ وَهَلْ يَعْرِفُونَ ضَعِيفَهُمْ؟ وَهَلْ يَتَزَاوَرُونَ؟ وَهَلْ يَتَحَابُّونَ؟ وَهَلْ يَتَنَاصَحُونَ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: وَمَا هُمُ الْيَوْمَ كَذَلِكَ .

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ(ع): لَيْسَ هُمْ بِشَيْ‏ءٍ حَتَّى يَكُونُوا كَذَلِكَ"[4].

الدّعوى الباطلة

يحاول البعض أن يشيع بين الناس أنّ مجرّد الانتساب إلى التشيّع لأهل البيت(ع)، كافٍ في تحقّق مفهوم التشيّع الصّحيح، ويكون سبباً في نجاتهم، حتى لو تقاعسوا عن العمل، بل يتمادى البعض إلى أبعد من ذلك، ويحاول أن يصوّر لهم أنّ مجرّد ممارستهم لبعض الأعمال البسيطة، كفيل بغفران ذنوبهم، وهذا ما شجَّع الكثير على التساهل في أمور الدّين، كما أن هذا في الواقع تغرير بهم وإيقاعهم في متاهات لا نهاية لها، وتربيتهم تربية منحرفة عن أهداف الأئمة(ع) .

ولكنَّ الروايات الواردة عن الإمام الباقر(ع) في هذا المجال، تخالف ذلك كلّه، وتفنّد هذه الدعوى، ففي الحديث الصحيح عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ(ع) أُوَدِّعُهُ، فَقَالَ: "يَا خَيْثَمَةُ، أَبْلِغْ مَنْ تَرَى مِنْ مَوَالِينَا السَّلَامَ، وَأَوْصِهِمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَأَنْ يَعُودَ غَنِيُّهُمْ عَلَى فَقِيرِهِمْ، وَقَوِيُّهُمْ عَلَى ضَعِيفِهِمْ، وَأَنْ يَشْهَدَ حَيُّهُمْ جِنَازَةَ مَيِّتِهِمْ، وَأَنْ يَتَلَاقَوْا فِي بُيُوتِهِمْ، فَإِنَّ لُقِيا بَعْضِهِمْ بَعْضاً حَيَاةٌ لِأَمْرِنَا، رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أَحْيَا أَمْرَنَا. يَا خَيْثَمَةُ، أَبْلِغْ مَوَالِيَنَا أَنَّا لا نُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِلا بِعَمَلٍ، وَأَنَّهُمْ لَنْ يَنَالُوا وَلَايَتَنَا إِلَّا بِالْوَرَعِ، وَأَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَصَفَ عَدْلاً ثُمَّ خَالَفَهُ إِلَى غَيْرِهِ"[5].

وهكذا، نرى الإمام(ع) يؤكّد العمل والورع والتّقوى، وأنهم لن ينالوا ولاية أهل البيت(ع) إلا بالورع عن محارم الله .

دعوى الحبّ لا تكفي في التشيّع

عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(ع) قَالَ: قَالَ لِي: يَا جَابِرُ، أَيَكْتَفِي مَنِ انْتَحَلَ التَّشَيُّعَ أَنْ يَقُولَ بِحُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَوَاللَّهِ، مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَأَطَاعَهُ، وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ يَا جَابِرُ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ، وَالتَّخَشُّعِ، وَالْأَمَانَةِ، وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالصَّوْمِ، وَالصَّلاةِ، وَالْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ، وَالتَّعَاهُدِ لِلْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ، وَالْغَارِمِينَ، وَالأَيْتَامِ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ، وَكَفِّ الأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلا مِنْ خَيْرٍ، وَكَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الْأَشْيَاءِ .

قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ يَا بْنَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا نَعْرِفُ الْيَوْمَ أَحَداً بِهَذِهِ الصِّفَةِ .

فَقَالَ: يَا جَابِرُ لا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ، حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ أُحِبُّ عَلِيّاً وَأَتَوَلاهُ، ثُمَّ لَا يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ فَعَّالاً، فَلَوْ قَالَ إِنِّي أُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ، فَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ(ع)، ثُمَّ لا يَتَّبِعُ سِيرَتَهُ وَلا يَعْمَلُ بِسُنَّتِهِ، مَا نَفَعَهُ حُبُّهُ إِيَّاهُ شَيْئاً. فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْمَلُوا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ، لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ قَرَابَة.أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ أَتْقَاهُمْ وَأَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِهِ .يَا جَابِرُ، وَاللَّهِ مَا يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَّا بِالطَّاعَةِ، وَمَا مَعَنَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَلَا عَلَى اللَّهِ لِأَحَدٍ مِنْ حُجَّةٍ .مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعاً، فَهُوَ لَنَا وَلِيٌّ، وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِياً، فَهُوَ لَنَا عَدُوٌّ وَمَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْوَرَعِ"[6].

الانتحال هو الدعوى الكاذبة الزّائفة، فدعوى الحبّ مع مخالفة المدّعي لمن يحبه في العمل والسلوك والأخلاق والمنهجية، كلّ ذلك يثبت بطلان دعواه، ولنترك الحديث إلى العلامة المجلسي لأن يشرح لنا الحديث ضمن تعليقاته على فقرات الحديث .

خير الأمور أوسطها

تقدّم، إذاً، أنّ مجرّد الدّعوى لمحبة آل الرّسول دون العمل لا يكفي، بل لا بدَّ من الورع والتقوى والعمل الصّالح. هذا في الجانب العملي .

أمّا في الجانب العقائديّ، فيخاطب الإمام شيعته، ويدعوهم إلى الحالة الوسطيّة بين الإفراط والتفريط، فلا يجوز للشّيعة أن يغالوا في أئمتهم ويضعوهم أعلى مما وضعهم الله ورسوله وأنفسهم، كما لا يجوز أن يبخسوهم حقوقهم، بإنكار فضائلهم ومقاماتهم العالية التي رتبهم الله فيها، فأئمّة أهل البيت(ع) مع أتباعهم الحقيقيّين على الطريقة الوسطى، ودعوا إلى نبذ التطرّف في جانب الإفراط، وهو الغلوّ، وجانب التفريط، وهو نصب العداء لأهل الحقّ، وحاول أئمة الهدى أن يجنّبوا أتباعهم هذين الخطّين المنحرفين. وهذان الخطّان ليسا من الدّين في شيء، وإنما أوجدهما الجهل، لذلك، دعا الأئمّة(ع) أتباعهم إلى الحالة الوسطيّة الّتي هي الصّراط المستقيم .

فعَنْ أَبَانٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر(ع)، قَالَ" :يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ - شِيعَةِ آلِ مُحَمَّدٍ - كُونُوا النُّمْرُقَةَ الْوُسْطَى يَرْجِعُ إِلَيْكُمُ الْغَالِي وَيَلْحَقُ بِكُمُ التَّالِي، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ سَعْدٌ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا الْغَالِي؟ قَالَ: قَوْمٌ يَقُولُونَ فِينَا مَا لا نَقُولُهُ فِي أَنْفُسِنَا، فَلَيْسَ أُولَئِكَ مِنَّا وَلَسْنَا مِنْهُمْ. قَالَ: فَمَا التَّالِي؟ قَالَ: الْمُرْتَادُ يُرِيدُ الْخَيْرَ يُبَلِّغُهُ الْخَيْرَ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: وَاللَّهِ، مَا مَعَنَا مِنَ اللَّهِ بَرَاءَةٌ، وَلا بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللَّهِ قَرَابَةٌ، وَلا لَنَا عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ، وَلَا نَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا بِالطَّاعَةِ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُطِيعاً لِلَّهِ تَنْفَعُهُ وَلَايَتُنَا، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ عَاصِياً لِلَّهِ لَمْ تَنْفَعْهُ وَلَايَتُنَا، وَيْحَكُمْ لَا تَغْتَرُّوا، وَيْحَكُمْ لَا تَغْتَرُّوا"[7].

فلا يجوز لكم أن تغالوا في أهل البيت وتقولوا فيهم ما لم يقولوه في أنفسهم، كأن تدّعوا لهم الربوبيّة أو الألوهيّة، وغير ذلك مما هم منه براء، وهم أنفسهم لا يرتضونه، وقد أنكروا ذلك في عدّة روايات، وإنما يجب عليكم أن تختاروا حالة الوسطيّة، وتكونوا النُّمْرُقة الوسطى، وهي الوسادة الصّغيرة التي يتكئ عليها الإنسان، والجمع نمارق، قال تعالى: {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ}[8]، فالأئمّة يريدون من شيعتهم أن يكونوا حالة الوسط .

قال المجلسي: وكأنّ التشبيه بالنّمرقة، باعتبار أنها محلّ الاعتماد، والتّقييد بالوسطى لكونهم واسطة بين الإفراط والتّفريط، أو التشبيه بالنّمرقة الوسطى، باعتبار أنها في المجالس صدر ومكان لصاحبه يلحق به، ويتوجّه إليه من على الجانبين .

وقيل: المراد كونوا أهل النّمرقة الوسطى .

وقيل: المراد أنّه كما كانت الوسادة التي يتوسّد عليها الرجل، إذا كانت رفيعة جداً أو خفيفة جداً، لا تصلح للتوسّد، بل لا بدّ لها من حدّ من الارتفاع والانخفاض، حتى تصلح لذلك، كذلك أنتم في دينكم وأئمتكم، لا تكونوا مغالين تجاوزون بهم مراتبهم الّتي أقامهم عليها وجعلهم أهلاً لها، وهي الإمامة والوصاية[9]...

كما تشير الرّواية إلى تنبيه بعض الشيعة الَّذين يحملون في أذهانهم أنّ مجرّد الانتساب إلى علي(ع) وأولاده المعصومين(ع)، كافٍ في النجاة، ولا يحتاج إلى عمل، فالإمام يصرّح بأنه لا توجد عندهم براءة لأحد بدون عمل وورع وتقوى، وليس لهم على الله حجّة. وهذه الرّواية أصرح من الرّواية المتقدّمة الّتي أشارت إلى عدم الحجَّة على الله سبحانه .

* بتصرّف


[1] شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي، ج 3، ص 506.

[2] الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 74.

[3] المصدر نفسه، ج 2، ص 73.

[4] مستدرك ‏الوسائل، ج 8، ص 310، ح 9520.

[5] الكافي، ج 2، ص 176.

[6] الكافي، ج 2، ص 74.

[7] الكافي، ج 2، ص 75.

[8] (الغاشية: 15).

[9] مرآة العقول، ج 8، ص 54.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية