كثيرة هي اللقاءات والحوارات حول قضايا اجتماعية وفكرية وثقافية وشرعية كانت تجريها جهات أكاديمية وتربوية وإعلامية وثقافية مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رض)، بغية استطلاع رأيه في مثل هذه القضايا المهمّة، والتعرف إلى الرأي الإسلامي والاجتهادي فيها.
فقد أجرت الجامعة اليسوعية حواراً مع سماحته حول الزواج بين الطوائف والمذاهب، بتاريخ 22/8/2007، مجيباً عن جملة من الأسئلة التي وجِّهت إليه، ومن بينها موضوع الزواج المدني وزواج المتعة، وغير ذلك من العناوين. وهذا نصّ الحوار:
زواج مسلمة من مارونيّ
س: صديقتي مسلمة شيعية، وهي على علاقة مع شابّ مسيحي ماروني، وهما يفكّران في الارتباط من خلال الزواج، وهي مقتنعة بدينها الإسلامي، ولن تغيِّر دينها، والزواج المدني غير وارد عندها. فماذا عليها أن تفعل؟
ج: هناك حكم شرعيّ حاسم بالنسبة إلى المسلمين جميعاً، سنّةً وشيعةً، وهو أنّ المسلمة لا شرعيَّة لزواجها من غير المسلم، هذا الأمر ليس محلاً للاجتهاد ولا للجدل، وتعتبر العلاقة، سواء كانت بالزّواج المدني أو بأيِّ نوع آخر من الزّواج، كالزواج الكنسي، علاقة غير شرعية، والأولاد يعتبرون غير شرعيّين. وهذه مسألة لا حلّ لها، باعتبار أنّها مسألة مركَّزة على أساس شرعيّ لدى المسلمين جميعاً، وليست مسألةً تختصّ بالشيعة أو بالسنّة، وليس فيها أيّ مجال للاجتهاد، بينما لو فرضنا أن شخصاً مسلماً أراد أن يتزوَّج مسيحيةً أو يهوديةً، فهناك جدلٌ فقهيّ في أنّه هل يجوز للمسلم أن يتزوَّج الكتابية أو لا يجوز؟
رأي الكثير من الفقهاء، وخصوصاً الفقهاء الشِّيعة، وهذا رأيي الشخصي، ورأي السيد أبي القاسم الخوئي، والسيد الحكيم وكثير من العلماء، أنّه لا مانع من ذلك، ويفسِّر بعضهم جواز تزوّج المسلم بالكتابيّة، بأنّ الإسلام من الناحية الدينيّة يعترف بالديانتين النصرانية واليهودية، ولذا قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ}(آل عمران/64)، وفي آية أخرى أيضاً، يقول تعالى: {وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ...}(المائدة/5). فالمسيحيَّة عندما تعيش مع المسلم، تعيش مع الإنسان الذي يعترف بدينها، وإن كان يختلف معها في بعض تفاصيل هذا الدِّين، وكذلك اليهوديّة، فهو من النَّاحية العقيدية يعتقد بشرعية دينها، بينما الأمر مختلف بالنّسبة إلى المسيحي، إذ يمكن أن يكون إنساناً طيّباً أو إنساناً متسامحاً من النَّاحية الذاتية الشخصيَّة، لكنَّه لا يعتقد بشرعيَّة الإسلام بالمعنى الدّينيّ، ولا يعترف مثلاً بأنَّ القرآن الكريم هو كتاب مُنـزَل من الله عزَّ وجلّ، ولا بأنّ محمّداً نبيّ، بل إذا أراد أن يعظِّم النبيّ، يقول رجل عبقري أو رجل بليغ، فهو لا يعترف للمسلمة بدينها.
زواج الكتابيّة من مسلم
س: هل يمكن للكتابيَّة التي تتزوَّج مسلماً أن تبقى على دينها؟
ج: الكتابيَّة إذا تزوَّجها مسلم لا مشكلة في أن تبقى على دينها، إذ يجوز لها أن تذهب إلى الكنيسة، لكن عليه أن يمنعها مما حرَّمه الدّين، كأن تحضر الخمر إلى البيت أو لحم الخنـزير. أمّا بالنسبة إلى الأولاد، فإنَّ عليه كمسلم أن يتفاهم معها على أساس أن يربي أولاده تربيةً إسلاميةً، وإذا وافقت على أن تتزوَّج مسلماً، فهذا يعني أنها على استعداد لأن تتفاهم معه على بعض القضايا التفصيليّة. وفي الجانب الآخر، ليس للمسلم أن يتزوَّج بملحدة أو مشركة أو امرأة تؤمن بالله لكن بلا دين، كالبوذيّة مثلاً، فهذا الزواج غير جائز. أي أنّه لا يجوز للمسلم أن يتزوّج من امرأة من دين غير المسيحيّة أو اليهودية، أمَّا المسلمة، فإنّه لا يجوز لها أن تتزوَّج من أيِّ شخص غير مسلم، أيّاً كان دينه.
زواج المسلمة من مسيحيّ أسلم
س: حتى لو بدَّل الرجل دينه وأصبح مسلماً؟
ج: هنا حالتان؛ فتارةً يدخل الرَّجل في الإسلام بطريقة شكلية، بمعنى أنه يسجِّل نفسه في دائرة المسلمين، ولكنه يبقى على مسيحيّته، بمعنى أنّه لا يدخل في الإسلام على أساس اقتناع، ففي مثل هذه الحالة، لا يتغيّر من الأمر شيء، لأنَّ الدين ليس كالثوب يلبسه اليوم وينـزعه غداً. وهناك حالة ثانية، بأن يقتنع بالإسلام، ويعتبر نفسه جزءاً من المجتمع الإسلامي، ففي مثل هذه الحالة، يصبح مسلماً، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، وإذا ارتدَّ بعد ذلك، أي رجع إلى المسيحيّة، فإنّ عقد الزواج ينفسخ تلقائياً من دون طلاق.
حكم الزّواج المدنيّ
س: ما عواقب الخيارات الأخرى دينياً، وفي حال تزوَّجا زواجاً مدنيّاً؟
ج: الزواج المدني لا يصنع شرعيّةً، بل يصنع شيئاً قانونياً رسمياً، وعلى هذا الأساس، فإنّ الأولاد الّذين ينتجون من هذه العلاقة، لا يكونون أولاداً شرعيين.
س: يعني يعتبر زنا؟
ج: نعم.
إذا غيَّرت المسلمة دينها!
س: وفي حال قلبت الزّوجة دينها مثلاً؟
ج: طبعاً تخرج بذلك من الدِّين الإسلامي، وهي عند ذلك تعتبر غير مسلمة، ويصبح حالها حال أية مسيحية أخرى، فلا يكون لها حقوق المسلمة، كالإرث، لأنّ الكافرة لا ترث المسلم، فهي لا ترث من أبيها وأمّها، وأولادها لا تكون جدّتهم محرماً عليهم.
انتقال المسيحي إلى الإسلام
س: ما هي المراحل التي يدخل بها الشاب المسيحي إلى الإسلام؟
ج: إذا فرضنا أنّه اقتنع بالإسلام، فإنّ عليه أن يذهب إلى دار الإفتاء السني إذا أراد أن يكون سنيّاً، أو إلى دار الإفتاء الجعفري إذا أراد أن يكون شيعيّاً، ويسجِّل تبدّل دينه، ومن ثم ينقل هذا إلى النفوس، فإذا انتقل إلى النفوس، أمكنه أن يتزوّج.
س: هل يكفي أن يكون ذلك على الورق فقط دون أن يقتنع ويمارس الإسلام؟
ج: عليه أن يقتنع، وأن يعلن إسلام، وبأنّه صار من المسلمين، بحيث يكون الالتزام بالإسلام جدّيّاً عنده، وعند ذلك، يكون له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم.
س: ما الصّيغة التي عليه أن يقولها؟
ج: هذا يدخل في الإجراءات عندما يذهب إلى دار الإفتاء، عندما يسألونه هل أنت مقتنع بالإسلام أو ملتزم به؟ هل تريد أن تدخل في الإسلام دخولاً جديّاً أو مجرّد حالة شكليّة من أجل أن يتزوّج من مسلمة؟ فإذا أبدى اقتناعه بالإسلام، يقولون له: "قل أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله".
زواج سنّي ـ شيعيّ
س: إذا أراد شابّ سني أن يتزوَّج من فتاة شيعيّة، فما حكم ذلك؟
ج: في حال اختلاف المذهب لا يوجد فرق، المسلمة الشيعيّة لها أن تتزوَّج شخصاً سنيّاً، وليس له أن يضغط عليها ويقهرها لترك مذهبها والتزام مذهبه، وكذلك يجوز للسنيّة أن تتزوَّج شيعياً، ففي الدائرة الإسلاميّة، ليست هناك مشكلة في الزواج مع اختلاف المذهب.
س: هناك فتيات شيعيّات أعرفهنّ، عندما يتعرّفن إلى شباب سنّة، يقلن إنّ على الشابّ أن يتحوّل إلى المذهب الشيعي ليحقّ لإحداهنّ الزّواج به؟
ج: لا، فهذا ليس ضروريّاً، ولا يوجد مشكلة من ناحية شرعيّة، في أن يبقى سنيّاً وتبقى شيعيّة، غاية الأمر، أنّ هناك ممارسات اجتماعية، كما أن قد يطلب أهلها منه أن يتحوّل إلى المذهب الشيعي، وهذه قضايا تدخل في الجانب الاجتماعيّ، ولكن لا تدخل في الجانب الشرعي.
زواج المتعة
س: نريد أن نتكلَّم عن زواج المتعة، إذا أمكن أن تشرحه لنا؟
ج: المتعة هي زواج، وقد اتفَّق المسلمون على شرعيتها في زمن النبي(ص)، وذلك عندما قالوا للنبي(ص)، وكانوا لا يطيقون الابتعاد عن زوجاتهم: ألا نستخصي؟ قال لا، وأقرّ لهم بزواج المتعة. ولكن حدث بعد ذلك خلاف اجتهادي بين السنّة والشيعة، فالسنّة يرون أن المتعة هي من الأحكام الشرعيّة التي شرَّعها النبي(ص)، ثم نسخها لأنَّ النسخ جائز، كأنه كان تشريعاً مؤقّتاً، أمّا الشيعة، فرأوا أنّ المتعة بقيت مشرَّعة عند المسلمين إلى حين خلافة عمر بن الخطاب الذي حرَّمها، لأسباب إدارية أو لأسباب أخرى، ولذا قيل لعبد الله بن عمر: المتعة حلال أم حرام؟ قال حلال، قالوا له: والدك حرَّمها؟ قال: إذا كان النبي قد حلَّلها، فأبي لا يحرِّم ما أحلَّه النبي. عبد الله بن عباس أيضاً أصدر فتوى بتحليلها، حتى إنَّ هناك بعض الأحاديث تقول: "كنّا نستمتع في زمن النبيّ(ص) وفي عهد أبي بكر وقسم من خلافة عمر"، والشيعة يقولون إنّه وردت آية في القرآن الكريم تقول: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}(النساء/24) يعني المهر، ويروون عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) قوله: "لولا ما نهى عنه عمر من أمر المتعة، ما زنى إلا شقي".
وعندما ندرس المتعة من الناحية القانونيّة، فالمتعة فيها عقد ومهر، ولكن لها مدّة معيّنة يتّفقان عليها، وعندما تنتهي هذه المدّة، ينتهي الزواج، لأنّه زواج مؤقَّت، بحيث تقول له: زوّجتك نفسي بمهر قدره كذا لمدّة كذا. فهو زواج مؤقَّت، وإنما سمِّي هذا الزواج متعةً، لأنَّ المقصود به الاستمتاع، وليس إيجاد بيت وتشكيل حياة زوجيّة، وقد يكون في زواج المتعة دخول، وقد لا يكون هناك دخول، فإذا لم يحصل الدخول، تستطيع المستمتع بها إن انتهت المدّة، إمّا أن تجدّدها مع صاحبها، أو أن تتزوَّج شخصاً آخر، كما لو كان زواجاً دائماً ولم يحصل فيه دخول. أمّا إذا فرضنا أنّه حصل الدخول وحصل الانفصال، وانتهت المدّة، فإنّها تحتاج إلى أن تعتدَّ بحيضتين، أي دورتين، وعندما تنتهي الدورتان، تصبح حرّةً تستطيع أن تتزوَّج من تشاء زواجاً دائماً أو مؤقّتاً، ولو نتج من هذه العلاقة ولد، يكون ولداً شرعياً مئة في المئة، لا يوجد فرق بين ولد المتعة وولد الزّواج الدائم، فهو ولد شرعيّ، لأنّه ولد بعقد شرعيّ بكلِّ معنى الكلمة.
بعض المحلِّلين يفلسفون قضيَّة المتعة وتشريعها، بأنّه عندما ندرس تاريخ العلاقات بين الرَّجل والمرأة، نجد أنّه منذ فجر التاريخ، كانت هناك علاقات شرعيَّة تختلف الأديان والحضارات والاتجاهات في تنظيمها، ولكن إلى جانب هذه العلاقات الشرعيّة القانونيّة الموجودة عند الشعوب، كان هناك دائماً علاقات غير شرعيَّة، أينما كان ذلك، عند المسيحيين أو عند اليهود أو غيرهم. فالعلاقات غير الشرعيّة كانت تصاحب العلاقات الشرعيّة في مدى الزمن في كلّ الحضارات وكلّ الأديان. وهذا يعني أنّ العلاقة الشرعيّة لم تستطع أن تحلّ المشكلة الجنسيّة، بل إنّه قد تحدث هناك علاقات غير شرعية بسبب سفر الرجل، ولأسباب كثيرة أخرى، لذلك أراد الإسلام أن يحلَّ المشكلة الجنسيّة، بحيث يطوِّقها، ولا يحتاج الشخص بعدها إلى إقامة أيِّ علاقة غير شرعية أيضاً.
فالإنسان يتزوّج زواجاً دائماً ليؤسِّس بيتاً وسكناً، ولكن هناك حالات أخرى قد لا يكون فيها الشّخص مستطيعاً للزّواج الدّائم، كما هو الحال في طلاّب الجامعات مثلاً، وهناك حالات أخرى، كما إذا كان الشّخص مضطرّاً إلى السّفر ولم تكن زوجته معه، أو في حال مرضت زوجته، وعنده حاجات جنسيّة، ففي هذه الصورة، نرى أن الزواج المؤقَّت قد شرِّع من أجل تلبية هذه الحاجة بطريقة شرعيّة، حتى تكون نتائجها شرعيةً لو نتج منها ولد، وقد تحدَّثنا في أكثر من حديث، أنّه يجب توثيق هذا الزواج، حتى لا تصبح القضية قضية فوضى في هذا المجال، وربما تشير إلى هذا المعنى كلمة الإمام عليّ(ع): «لولا ما نهى عنه عمر من أمر المتعة، ما زنى إلا شقيّ»، لأنّه لا يبقى حاجة للزنا، مادامت توجد علاقة شرعيّة أخرى.
فالإسلام لا يعتبر الحاجة الجنسية حاجةً سيّئةً، كما هو الأمر في المسيحيّة، بل يعتبرها حاجةً طبيعيّةً مثل الأكل والشّرب، ولكنّه وضع لها نظاماً. فالمتعة هي عقد زواج فيه عدّة وفيه شرعيَّة للأولاد، غاية الأمر، أنَّ الفرق بينه وبين الزواج الدائم، أنَّ الزواج الدائم ينهيه الرجل بالطلاق، والزواج المؤقَّت ينهيانه معاً، ويمكن أن يجدِّداه.
إذن الوليّ للأرملة والمطلّقة
س: هل الأرملة والمطلّقة تحتاجان إلى إذن الوليّ في زواجهما؟
ج: الأرملة والمطلّقة لا تحتاجان إلى إذن وليّهما في الزواج، هناك حديث بالنّسبة إلى الفتاة البكر إذا كانت بالغةً رشيدةً، بحيث تعرف مصلحتها فلا تخدع في هذا الأمر، هل يجب أن يكون زواجها بإذن الوليّ أم لا يجب ذلك؟ يوجد جدل بين العلماء حول هذا الأمر، فالسنَّة يقولون لا نكاح إلّا بولي، أمّا الشيعة، فيختلفون في أنّها تحتاج إلى إذن الأب أو إذن الجدّ للأب أو لا تحتاج، حتى لو كانت بالغةً رشيدةً وكان عمرها ثلاثين سنة مثلاً، فهناك رأي أنّه لا بدّ من إذن الأب أو الجدّ للأب إذا كان حيّاً، أمّا إذا كان ميتاً، ولا يوجد أب أو جدّ، فهي حرّة. ويوجد رأي آخر، أنّه لا يوجد فرق بين البالغة الرشيدة والبالغ الرشيد، فلها الحقّ في أن تتزوَّج باستقلالها زواجاً دائماً، وأيضاً زواجاً منقطعاً مؤقّتاً، لأنَّ الإسلام يعتبر أنَّ الحاجة الجنسية كما هي حاجة عند الرجل، هي حاجة عند المرأة أيضاً.
ولذلك، فإنَّ فتواي، كما هي فتوى بعض العلماء الكبار السابقين، أنَّ البالغة الرشيدة شخصية قانونية مستقلّة، فكما أنّها مستقلّةً في أموالها، ليس لأحد، لا لأبيها ولا لأخيها ولا لزوجها، أن يتصرّف في مالها بدون حقّ، يعني بدون إذنها، كذلك هي شخصيّة قانونيّة مستقلّة في زواجها، فلها الحريّة في أن تتزوَّج من تشاء، لكن بشرط أن تكون رشيدةً، لأنّ البلوغ وحده لا يكفي.