محاضرات
10/10/2023

صلحُ الحسن (ع) كان لمصلحةِ الأمَّةِ.. ولا صلحَ مع إسرائيل

26 ربيع الأوَّل 1445هـ
صلحُ الحسن (ع) كان لمصلحةِ الأمَّةِ

كان قسم من جيش الإمام الحسن (ع) من (الخوارج) الَّذين اندفعوا معه لا حبّاً به، ولكن لأنّهم يريدون قتال معاوية بأيّ وسيلة، ومع أيّ شخص. ولقد كان بين جيشه الأشخاص الذين دخلوا من أجل الغنائم، وكان بينهم الأشخاص الَّذين عاشوا مع عصبيّات عشائرهم الَّتي كان يحرّكها زعماؤهم الَّذين كانوا يبحثون عن المال وعن الجاه، وكانوا يريدون أن يفسدوا على الحسن جيشه، وكان بين جيشه ومن قيادته بعض أقربائه الَّذين أرسل إليهم معاوية مالاً، فتركوا الجيش من دون قيادة، وكانت رسائل الكثيرين تذهب إلى معاوية "إن شئت سلَّمناك الحسن حيّاً أو ميتاً"، وكان معاوية يرسل بذلك إليه، واختبر جيشه، ورأى كيف حاولوا أن يقتلوه.
لذلك لم تكن للحسن (ع) ظروف الحسين (ع) من خلال المرحلة، ومن خلال طبيعة الجيش، ولم تكن الأجواء تسمح بأيّ حركة مشابهة لحركة الحسين (ع)، لأنَّ المعارضة سوف تسقط 100%. وكان الإمام الحسن (ع) يريد للمعارضة أن تبقى من أجل أن تفتح وعي الأمَّة على الحقّ، ولذلك لم يكن الصّلح اعترافاً بشرعيَّة معاوية، وإنّما كان واقعاً درسه الإمام الحسن (ع) من خلال الساحة كلّها، ومن خلال المرحلة كلّها، ومن خلال طبيعة جيشه، ومن خلال النتائج التي لو استمرَّ الإمام الحسن (ع) في الحرب، فسوف لن تكون في مصلحة القضيَّة، بل ضدّها.
ونحن نعرف أنّك إذا أردت أن تدخل في عمليَّة استشهاديَّة أو ما يشبه ذلك، فلا بدَّ لك من أن تفكّر في النتائج الإيجابيَّة في عمليّتك، أمّا إذا كانت النتائج سلبيَّة، فإنّ السَّير مع هذه العمليَّة يكون ضدّ الرسالة والقضيَّة.
وهكذا قيل بأنَّ ثورة الحسين (ع) كانت صدىً لصلح الحسن (ع). ونحن ضدّ من يطرح أنَّ هناك أسلوباً حسنيّاً في السِّلم، وأنّ هناك أسلوباً حسينيّاً في الثَّورة، فالأسلوب الحسنيّ هو أسلوب حسينيّ في مرحلة الحسن، والأسلوب الحسينيّ هو أسلوب حسنيّ في مرحلة الحسين، لأنّهما يغرفان من نبعٍ واحد، ولأنّهما ينطلقان من خطّ واحد، ونحن نعرف أيضاً أنَّ حركة الإنسان الرساليّ لا بدَّ أن تدرس الظروف الموضوعيَّة لتختار سلماً هنا أو حرباً هناك.. للحرب نتائجها الإيجابيّة أو السلبيَّة، وللسِّلم نتائجه الإيجابيَّة أو السلبيَّة، ولا بدَّ للمسالم أن يدرس الإيجابيَّات.
أيّها الأحبَّة، إنَّ القضيَّة تعطينا وعياً سياسياً في كلِّ مراحل حياتنا، فلندرسها في الواقع الإسلامي فحسب، لا في الواقع غير الإسلامي، فعندما يكون هناك صراع وخلاف في السَّاحة الإسلاميّة، فقد تكون المصلحة الإسلاميَّة العليا أن تسالم، لأنَّ الحرب قد تسقط الهيكل على رؤوس الجميع، كما يقولون... إنَّ السَّلام والتسليم ينطلقان من المصلحة العليا للمسلمين، لا من خلال الحالة النفسيّة للإنسان. وهكذا نلاحظ أنَّك لا بدَّ من أجل إصلاح الواقع الإسلاميّ من أن تعنف أحياناً، ولا بدّ من أن تثور، وعند ذلك تكون الثَّورة هي الحلّ للمصلحة الإسلاميّة في هذا المجال.
وقد قلنا إنَّ المسألة تدور في الساحة الإسلاميَّة، لأنّ بعض الناس استغلّ مسألة صلح الإمام الحسن (ع) ليتحدّثوا عن الصّلح مع إسرائيل، كما استغلّ بعض النَّاس، ومنهم بعض وعّاظ السَّلاطين من فقهاء صلح الحديبيّة، ليشرّعوا بذلك الصلح مع إسرائيل، في حين أنَّ صلح الحديبيّة لم يكن تنازلاً من لدن رسول الله (ص) عن موقفه، لكنّه كان يريد أن تبقى حالة السِّلم بينه وبين المشركين، ليهيِّئ للفتح الكبير وهو فتح مكَّة، ولو أنَّ النبيَّ (ص) دخل في معركة مع قريش في تلك المرحلة، لما استطاع أن يتحرّك نحو مكَّة ليفتحها، لذلك كان صلحاً قدَّم تنازلاً مرحليَّاً ليس بذي شأن إلَّا من الناحية المعنويَّة، ليربح فتحاً كبيراً ينهي الصِّراع تماماً مع قريش، لأنّه يسقط كلَّ عنفوان قريش. أمَّا صلح الإمام الحسن (ع) فهو صلح في الساحة الإسلاميَّة من أجل مصلحة المسلمين الَّذين أتعبتهم الحروب، ولم تعد الحرب تنتج شيئاً في واقعهم جرّاء التعقيدات والظروف الصَّعبة هنا وهناك، ولأنّه كان يريد أن يخطِّط لثورة الإمام الحسين (ع)، ولو حارب الإمام الحسن (ع) آنذاك، لقتل هو وقتل الحسين (ع) وقتل كلّ أهل بيته وقتل كلّ أصحابه، ولم يعد هناك صوت ينطلق بالحقّ.
لذلك، لا يغرّنكم من يحاول أن يتحدَّث عن صلح الحسن (ع) كما يتحدَّث عن صلح الحديبية، ليقول لكم إن في تاريخ المسلمين صلحاً مع المشركين وصلحاً مع المسلمين، فتعالوا لندخل صلحاً بين المسلمين من أجل أن نطبِّع العلاقات مع الظالمين ومع المستكبرين في الداخل، أو لنطبّع العلاقات مع إسرائيل في الخارج. افهموا معنى الصّلح هناك ومعنى الصلح هنا، لتفهموا كيف يمكن للأمّة الإسلاميَّة أو العربيَّة التي تختزن الإسلام في عمقها أن تفهم أنَّ الصّلح مع إسرائيل ليس له أيّ مبرِّر شرعي، لأنّ قصَّة إسرائيل هي أنّها أخذت الأرض كلّها، وأنّها طردت الشعب كلّه، إمّا أنها طردته إلى الخارج، أو طردته من تقرير مصيره.
لذلك، فلو قال العالم كلّه إنّ إسرائيل دولة تملك الشرعيَّة القانونيَّة، لبقينا نقول أن لا شرعيّة لإسرائيل، لأنّه ليس هناك أيّ أساس إنسانيّ أو حضاريّ أو دينيّ مسيحيّ أو إسلاميّ يمكن أن يقرَّ شعباً يأتي ليطرد شعباً آخر ليحلَّ محلَّه بحجَّة أنَّ آباءَه كانوا قبل ثلاثة آلاف سنة يسكنون هذه الأرض...
لذلك، أيّها الأحبَّة، علينا أن ندرس القضايا السياسيَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة والأمنيَّة من خلال القواعد التي ترتكز عليها قضايانا في العقيدة في الخطِّ الإسلاميّ، وفي الواقع الَّذي يحدّد أين المصلحة العليا هنا، وأين المصلحة العليا هناك، وأن نعي تاريخنا جيِّداً، كما أنَّ علينا أن نعي إسلامنا جيَّداً، وأن نعي واقعنا جيِّداً، فهذا هو الَّذي يمكن أن يهيِّئ لنا الخطوط الَّتي يمكن أن نتحرَّك بها في حياتنا.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.
كان قسم من جيش الإمام الحسن (ع) من (الخوارج) الَّذين اندفعوا معه لا حبّاً به، ولكن لأنّهم يريدون قتال معاوية بأيّ وسيلة، ومع أيّ شخص. ولقد كان بين جيشه الأشخاص الذين دخلوا من أجل الغنائم، وكان بينهم الأشخاص الَّذين عاشوا مع عصبيّات عشائرهم الَّتي كان يحرّكها زعماؤهم الَّذين كانوا يبحثون عن المال وعن الجاه، وكانوا يريدون أن يفسدوا على الحسن جيشه، وكان بين جيشه ومن قيادته بعض أقربائه الَّذين أرسل إليهم معاوية مالاً، فتركوا الجيش من دون قيادة، وكانت رسائل الكثيرين تذهب إلى معاوية "إن شئت سلَّمناك الحسن حيّاً أو ميتاً"، وكان معاوية يرسل بذلك إليه، واختبر جيشه، ورأى كيف حاولوا أن يقتلوه.
لذلك لم تكن للحسن (ع) ظروف الحسين (ع) من خلال المرحلة، ومن خلال طبيعة الجيش، ولم تكن الأجواء تسمح بأيّ حركة مشابهة لحركة الحسين (ع)، لأنَّ المعارضة سوف تسقط 100%. وكان الإمام الحسن (ع) يريد للمعارضة أن تبقى من أجل أن تفتح وعي الأمَّة على الحقّ، ولذلك لم يكن الصّلح اعترافاً بشرعيَّة معاوية، وإنّما كان واقعاً درسه الإمام الحسن (ع) من خلال الساحة كلّها، ومن خلال المرحلة كلّها، ومن خلال طبيعة جيشه، ومن خلال النتائج التي لو استمرَّ الإمام الحسن (ع) في الحرب، فسوف لن تكون في مصلحة القضيَّة، بل ضدّها.
ونحن نعرف أنّك إذا أردت أن تدخل في عمليَّة استشهاديَّة أو ما يشبه ذلك، فلا بدَّ لك من أن تفكّر في النتائج الإيجابيَّة في عمليّتك، أمّا إذا كانت النتائج سلبيَّة، فإنّ السَّير مع هذه العمليَّة يكون ضدّ الرسالة والقضيَّة.
وهكذا قيل بأنَّ ثورة الحسين (ع) كانت صدىً لصلح الحسن (ع). ونحن ضدّ من يطرح أنَّ هناك أسلوباً حسنيّاً في السِّلم، وأنّ هناك أسلوباً حسينيّاً في الثَّورة، فالأسلوب الحسنيّ هو أسلوب حسينيّ في مرحلة الحسن، والأسلوب الحسينيّ هو أسلوب حسنيّ في مرحلة الحسين، لأنّهما يغرفان من نبعٍ واحد، ولأنّهما ينطلقان من خطّ واحد، ونحن نعرف أيضاً أنَّ حركة الإنسان الرساليّ لا بدَّ أن تدرس الظروف الموضوعيَّة لتختار سلماً هنا أو حرباً هناك.. للحرب نتائجها الإيجابيّة أو السلبيَّة، وللسِّلم نتائجه الإيجابيَّة أو السلبيَّة، ولا بدَّ للمسالم أن يدرس الإيجابيَّات.
أيّها الأحبَّة، إنَّ القضيَّة تعطينا وعياً سياسياً في كلِّ مراحل حياتنا، فلندرسها في الواقع الإسلامي فحسب، لا في الواقع غير الإسلامي، فعندما يكون هناك صراع وخلاف في السَّاحة الإسلاميّة، فقد تكون المصلحة الإسلاميَّة العليا أن تسالم، لأنَّ الحرب قد تسقط الهيكل على رؤوس الجميع، كما يقولون... إنَّ السَّلام والتسليم ينطلقان من المصلحة العليا للمسلمين، لا من خلال الحالة النفسيّة للإنسان. وهكذا نلاحظ أنَّك لا بدَّ من أجل إصلاح الواقع الإسلاميّ من أن تعنف أحياناً، ولا بدّ من أن تثور، وعند ذلك تكون الثَّورة هي الحلّ للمصلحة الإسلاميّة في هذا المجال.
وقد قلنا إنَّ المسألة تدور في الساحة الإسلاميَّة، لأنّ بعض الناس استغلّ مسألة صلح الإمام الحسن (ع) ليتحدّثوا عن الصّلح مع إسرائيل، كما استغلّ بعض النَّاس، ومنهم بعض وعّاظ السَّلاطين من فقهاء صلح الحديبيّة، ليشرّعوا بذلك الصلح مع إسرائيل، في حين أنَّ صلح الحديبيّة لم يكن تنازلاً من لدن رسول الله (ص) عن موقفه، لكنّه كان يريد أن تبقى حالة السِّلم بينه وبين المشركين، ليهيِّئ للفتح الكبير وهو فتح مكَّة، ولو أنَّ النبيَّ (ص) دخل في معركة مع قريش في تلك المرحلة، لما استطاع أن يتحرّك نحو مكَّة ليفتحها، لذلك كان صلحاً قدَّم تنازلاً مرحليَّاً ليس بذي شأن إلَّا من الناحية المعنويَّة، ليربح فتحاً كبيراً ينهي الصِّراع تماماً مع قريش، لأنّه يسقط كلَّ عنفوان قريش. أمَّا صلح الإمام الحسن (ع) فهو صلح في الساحة الإسلاميَّة من أجل مصلحة المسلمين الَّذين أتعبتهم الحروب، ولم تعد الحرب تنتج شيئاً في واقعهم جرّاء التعقيدات والظروف الصَّعبة هنا وهناك، ولأنّه كان يريد أن يخطِّط لثورة الإمام الحسين (ع)، ولو حارب الإمام الحسن (ع) آنذاك، لقتل هو وقتل الحسين (ع) وقتل كلّ أهل بيته وقتل كلّ أصحابه، ولم يعد هناك صوت ينطلق بالحقّ.
لذلك، لا يغرّنكم من يحاول أن يتحدَّث عن صلح الحسن (ع) كما يتحدَّث عن صلح الحديبية، ليقول لكم إن في تاريخ المسلمين صلحاً مع المشركين وصلحاً مع المسلمين، فتعالوا لندخل صلحاً بين المسلمين من أجل أن نطبِّع العلاقات مع الظالمين ومع المستكبرين في الداخل، أو لنطبّع العلاقات مع إسرائيل في الخارج. افهموا معنى الصّلح هناك ومعنى الصلح هنا، لتفهموا كيف يمكن للأمّة الإسلاميَّة أو العربيَّة التي تختزن الإسلام في عمقها أن تفهم أنَّ الصّلح مع إسرائيل ليس له أيّ مبرِّر شرعي، لأنّ قصَّة إسرائيل هي أنّها أخذت الأرض كلّها، وأنّها طردت الشعب كلّه، إمّا أنها طردته إلى الخارج، أو طردته من تقرير مصيره.
لذلك، فلو قال العالم كلّه إنّ إسرائيل دولة تملك الشرعيَّة القانونيَّة، لبقينا نقول أن لا شرعيّة لإسرائيل، لأنّه ليس هناك أيّ أساس إنسانيّ أو حضاريّ أو دينيّ مسيحيّ أو إسلاميّ يمكن أن يقرَّ شعباً يأتي ليطرد شعباً آخر ليحلَّ محلَّه بحجَّة أنَّ آباءَه كانوا قبل ثلاثة آلاف سنة يسكنون هذه الأرض...
لذلك، أيّها الأحبَّة، علينا أن ندرس القضايا السياسيَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة والأمنيَّة من خلال القواعد التي ترتكز عليها قضايانا في العقيدة في الخطِّ الإسلاميّ، وفي الواقع الَّذي يحدّد أين المصلحة العليا هنا، وأين المصلحة العليا هناك، وأن نعي تاريخنا جيِّداً، كما أنَّ علينا أن نعي إسلامنا جيَّداً، وأن نعي واقعنا جيِّداً، فهذا هو الَّذي يمكن أن يهيِّئ لنا الخطوط الَّتي يمكن أن نتحرَّك بها في حياتنا.
* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية