محاضرات
18/04/2018

في يوم ولادة الحسين(ع): مسؤوليّة الرّسالة في خطِّ الحقّ

في يوم ولادة الحسين(ع): مسؤوليّة الرّسالة في خطِّ الحقّ
 

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنَّما يريدُ الله ليُذهبَ عنكم الرّجسَ أهلَ البيتِ ويُطهّركَم تطهيراً}. من أهل هذا البيت، الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، الذي قال فيه رسول الله (ص) وفي أخيه: "اللّهمّ إني أحبّهما، فأحبّهما وأحبّ من يحبهماوقال (ص) فيهما: "الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة". وقد كان الإمام الحسين (ع) الوليد الثاني لعليّ وفاطمة (ع)، والسبط الثاني لرسول الله (ص).

وإننا عندما نستذكر الإمام الحسين(ع)، فإننا نستذكر هذا الإمام العظيم الذي عاش كلّ حياته لله وللإسلام، وكان الله كلّ دعوته، وكان الإسلام كلّ همه، عاش حياته من أجل أن يرفع مستوى الناس ليكونوا من المقرَّبين لله، ليعرفوا الله كما ينبغي أن يعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، وإذا عبدوه، استطاعوا أن يجعلوا الحياة كلّها في خطه، وطوع مناهج دينه، وهو الإنسان الّذي شعر بأنّ الإسلام هو أمانة الله ورسوله عنده، فكان الإمام الذي يتحرك حيث يُراد للإسلام أن يفرض حركته على واقع الناس، وكان يقف عندما يُراد للإسلام أن يتوقّف من خلال ما يصلح أمره وأمر المسلمين جميعاً.

 كان (ع) الثّائر على كلّ الانحراف الذي يصيب الواقع الإسلامي، سواء كان الانحراف يتمثل في المسؤول الأوّل في السلطة الإسلامية، أو كان يتمثّل في الذين يتولّون أمور المسلمين، وكان يريد للمسلمين أن يعيشوا العزّة، كلّ العزّة، داخل دولتهم، ويرفض أن يتحرك المسؤول الأول وجماعته في الدولة ليستعبدوا الناس، وأن يستأثروا بمال الأمة، ليجعله الحكم شركة بينه وبين جماعته، وكان يتحدث عن المجتمع من حوله: "اتخذوا مال الله دولاً ـ يتداولونه فيما بينهم ـ وعباده خولاً". وعندما قرّر الإمام الحسين (ع) أن يتحرك، قال في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية، إن حركته ليست حركة إنسان يريد العلوّ في الأرض من خلال عقدة ذاتيّة في الاستعلاء، أو يريد التحكّم في الناس من خلال شهوة الحكم، ولكنه تحرك من أجل أن ينقذ الواقع الإسلامي كلّه من الانحراف عن خطّ الإسلام. كان يواجه الانحراف الثقافي في تصور المسلمين للإسلام، والانحراف السياسي في مسألة السّلطة والحكم الذي يفقد الشرعيّة، والانحراف الاجتماعي في التمزقات التي كانت تحصل بين المسلمين، أو في إقبال الكثيرين منهم على أتباع الذين يتحركون من خلال صوتٍ هنا ومالٍ هناك، بعيداً من شرعية الحق.~

 وهكذا، كتب (ع) وصيته التي تلخّص كلّ أبعاد حركته التي انتهت باستشهاده في تلك المأساة الدامية التي لاتزال تثير الألم من جهة، والعنفوان في نفس الإنسان كلّه من جهة أخرى.. تلك هي وصيته: "هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بـ"ابن الحنفية"، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، جاء بالحقّ من عند الحقّ، وأن الجنة والنار حقّ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور. إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي ـ وعندما يذكر أمّة جدّه، فإنه لا يتحدث عن إرث نسبيّ، بل عن إرث رساليّ، لأنّ جده (ص) حمّله مسؤولية السير في الخط الرسالي ليتجسّد جدّه فيه، عقلاً وقلباً وعصمة ورسالة وحركة في اتجاه الإسلام كله، من خلال السّير في خطّ الحقّ كلّه والعدل كلّه، عندما قال (ص): "حسين مني وأنا من حسين"، حسين منه لأنه ابن بنته، وأعطاه الكثير من روحه وخلقه، و"أنا من حسين"، لأن النبي (ص) حلّ في الحسين، فكان منه رسالة حملها الإمام الحسين (ع)، حتى تضرّج بدماء هذه الرسالة عندما أعطاها كلّ حياته.. خرج ليصلح في أمّة جده كلّ الانحرافات السياسية والثقافية والاجتماعية، وليقوّم الانحراف، لأنّ الله تعالى أراد للمؤتمنين على الرسالة أن يكون الإصلاح شعاراً لهم في كلّ مرحلة من المراحل التي ينحرف فيها الواقع، وهذا ما قاله النبي شعيب (ع) عندما واجه قومه الذين كانوا يطففون المكيال والميزان، ويبتعدون عن عبادة الله إلى عبادة الأصنام: {إنْ أريدُ إلّا الإصلاحَ ما استطعْتُ} ـ أريد أن آمر بالمعروف ـ والمعروف هو كلّ قول وعمل يرتفع بمستوى الإنسان مما يرضاه الله ويأمر به ويحبّه ـ وأنهى عن المنكر ـ والمنكر هو كلّ ما يحطّ بمستوى الإنسان، مما يجعله ينحرف عن مواقع صلاحه، ويقترب به من مواقع فساده مما لا يرضاه الله ـ وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب ـ لأنها السيرة المعصومة المنفتحة على الإسلام كله، لأنّ عليّاً (ع) كان من رسول الله (ص) عقلاً وقلباً وروحاً، وكان "يتبعه اتباع الفصيل إثر أمه"، ولأنّ: "عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار". تلك هي دعوتي، ليست دعوة حرب أو عنف، ولكنها دعوة عقل يخاطب عقلاً، وقلب ينبض بالمحبة للناس كلهم، ودعوة منهج يريد للناس أن يتبعوه ويأخذوا به ـ فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ـ لم يقبلني بذاتي، وإنما يقبل الحقّ الذي هو الله والخطّ الذي يريد الله للناس أن يلتزموه ـ ومن ردّ عليّ أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين، وهذه وصيتي يا أخي إليك، وما توفيقي إلا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب".

لقد خاطب الإمام الحسين (ع) في هذه الوصيّة أخاه، وخاطب من خلاله الأجيال كلّها، ليقول لهم: إنّ الحركة التي انطلقت بها ليست حركة جيل معيّن أو مرحلة معيّنة، إنها حركة الإصلاح في كلّ مرحلة يزحف فيها الفساد إلى الواقع والتصوّر الإسلامي، وفي كلّ مرحلة من المراحل التي يعيش فيها المسلمون الانحراف عن خطّ الاستقامة. ولذلك، إذا كنتم تريدون أن تسيروا على خطّ الإمام الحسين (ع)، فالقضية هي أن ينطلق كلّ القائمين على الواقع الإسلامي في كلّ زمان ومكان، وأن تنطلق الأمّة الإسلاميّة، وتدرس جيداً كلّ الانحرافات التي تزحف إلى مفاصلها وأهدافها ووسائلها، لتقوم القيادات والأمّة كلّها بمهمة الإصلاح، لينهى الجميع عن كلّ منكر، وليأمر الجميع بكلّ معروف، سواء كان المعروف عاماً أو خاصاً، ولا نقتصر على المسألة السياسية لنستغرق فيها، وإن كانت لها الأهمية الكبرى في مصير المسلمين، وأن لا نستغرق في المسألة الجهادية العسكرية لتكون كلّ شيء عندنا، وإن كان لها الدور الأكبر في الدّفاع عن المسلمين، ولكن أن ننفتح على المسألة الثقافيّة لنصحح ما انحرف فيها، لأننا نُحارَبُ في هذه المرحلة من تاريخنا في الثقافة الإسلاميّة، التي ينطلق بعضها ليتحدّث عن أن الإسلام دين عنف وإرهاب وقتل ومصادرة للحرّيات.

إنها صرخة الحسين (ع) الآن: "خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر". وإنّ المسألة تقتضي إصلاحاً لكلّ هذا التخاذل الإسلامي، والضّعف الإسلامي، واللامبالاة الإسلامية، ولكلّ هذه الخلافات الهامشية التي تفرّق المسلمين عن بعضهم البعض، والتي تجعل المستكبرين والظالمين والكافرين يهدّمون في كلّ يوم موقعاً من مواقعنا، ويتحركون من أجل إسقاط ثقافاتنا وكلّ أمّتنا. إنّ المسألة بحاجة إلى حركة وعي وإرادة انطلاق وانتصار، ومن الطبيعي أنّ الأمّة إذا وجدت وحدتها واعتصمت بحبل الله ولم تتفرّق، فإنّ الله سوف ينصرها، {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}. تلك هي رسالة الحسين (ع) في يوم مولده، وتلك هي رسالة أخيه أبي الفضل العباس (ع) الذي يصادف هذا اليوم ـ الرابع من شعبان ـ يوم مولده: "والله إن قطعتم يميني، فإني أحامي أبداً عن ديني"، وتلك هي رسالة الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين، عندما علّمنا أن ندعو الله في كلّ يوم وليلة: "اللّهمّ وفّقنا في يومنا هذا وليلتنا هذه لاستعمال الخير وهجران الشّرّ، وشكر النعم واتّباع السنن، ومجانبة البدع، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحياطة الإسلام، وانتقاص الباطل وإذلاله، ونصرة الحقّ وإعزازه، وإرشاد الضالّ، ومعاونة الضّعيف، وإدراك اللّهيف". تلك هي صرخة الأئمّة من أهل البيت(ع) للإسلام كلّه، وللحقّ كلّه، وللعدل كلّه، {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عملَكُم ورَسُولُه والمؤمنون}".

خطب الجمعة بتاريخ 4 شعبان العام 1423هـ/ الموافق 11 -10- العام 2002م
 

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنَّما يريدُ الله ليُذهبَ عنكم الرّجسَ أهلَ البيتِ ويُطهّركَم تطهيراً}. من أهل هذا البيت، الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، الذي قال فيه رسول الله (ص) وفي أخيه: "اللّهمّ إني أحبّهما، فأحبّهما وأحبّ من يحبهماوقال (ص) فيهما: "الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة". وقد كان الإمام الحسين (ع) الوليد الثاني لعليّ وفاطمة (ع)، والسبط الثاني لرسول الله (ص).

وإننا عندما نستذكر الإمام الحسين(ع)، فإننا نستذكر هذا الإمام العظيم الذي عاش كلّ حياته لله وللإسلام، وكان الله كلّ دعوته، وكان الإسلام كلّ همه، عاش حياته من أجل أن يرفع مستوى الناس ليكونوا من المقرَّبين لله، ليعرفوا الله كما ينبغي أن يعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، وإذا عبدوه، استطاعوا أن يجعلوا الحياة كلّها في خطه، وطوع مناهج دينه، وهو الإنسان الّذي شعر بأنّ الإسلام هو أمانة الله ورسوله عنده، فكان الإمام الذي يتحرك حيث يُراد للإسلام أن يفرض حركته على واقع الناس، وكان يقف عندما يُراد للإسلام أن يتوقّف من خلال ما يصلح أمره وأمر المسلمين جميعاً.

 كان (ع) الثّائر على كلّ الانحراف الذي يصيب الواقع الإسلامي، سواء كان الانحراف يتمثل في المسؤول الأوّل في السلطة الإسلامية، أو كان يتمثّل في الذين يتولّون أمور المسلمين، وكان يريد للمسلمين أن يعيشوا العزّة، كلّ العزّة، داخل دولتهم، ويرفض أن يتحرك المسؤول الأول وجماعته في الدولة ليستعبدوا الناس، وأن يستأثروا بمال الأمة، ليجعله الحكم شركة بينه وبين جماعته، وكان يتحدث عن المجتمع من حوله: "اتخذوا مال الله دولاً ـ يتداولونه فيما بينهم ـ وعباده خولاً". وعندما قرّر الإمام الحسين (ع) أن يتحرك، قال في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية، إن حركته ليست حركة إنسان يريد العلوّ في الأرض من خلال عقدة ذاتيّة في الاستعلاء، أو يريد التحكّم في الناس من خلال شهوة الحكم، ولكنه تحرك من أجل أن ينقذ الواقع الإسلامي كلّه من الانحراف عن خطّ الإسلام. كان يواجه الانحراف الثقافي في تصور المسلمين للإسلام، والانحراف السياسي في مسألة السّلطة والحكم الذي يفقد الشرعيّة، والانحراف الاجتماعي في التمزقات التي كانت تحصل بين المسلمين، أو في إقبال الكثيرين منهم على أتباع الذين يتحركون من خلال صوتٍ هنا ومالٍ هناك، بعيداً من شرعية الحق.~

 وهكذا، كتب (ع) وصيته التي تلخّص كلّ أبعاد حركته التي انتهت باستشهاده في تلك المأساة الدامية التي لاتزال تثير الألم من جهة، والعنفوان في نفس الإنسان كلّه من جهة أخرى.. تلك هي وصيته: "هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بـ"ابن الحنفية"، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، جاء بالحقّ من عند الحقّ، وأن الجنة والنار حقّ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور. إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي ـ وعندما يذكر أمّة جدّه، فإنه لا يتحدث عن إرث نسبيّ، بل عن إرث رساليّ، لأنّ جده (ص) حمّله مسؤولية السير في الخط الرسالي ليتجسّد جدّه فيه، عقلاً وقلباً وعصمة ورسالة وحركة في اتجاه الإسلام كله، من خلال السّير في خطّ الحقّ كلّه والعدل كلّه، عندما قال (ص): "حسين مني وأنا من حسين"، حسين منه لأنه ابن بنته، وأعطاه الكثير من روحه وخلقه، و"أنا من حسين"، لأن النبي (ص) حلّ في الحسين، فكان منه رسالة حملها الإمام الحسين (ع)، حتى تضرّج بدماء هذه الرسالة عندما أعطاها كلّ حياته.. خرج ليصلح في أمّة جده كلّ الانحرافات السياسية والثقافية والاجتماعية، وليقوّم الانحراف، لأنّ الله تعالى أراد للمؤتمنين على الرسالة أن يكون الإصلاح شعاراً لهم في كلّ مرحلة من المراحل التي ينحرف فيها الواقع، وهذا ما قاله النبي شعيب (ع) عندما واجه قومه الذين كانوا يطففون المكيال والميزان، ويبتعدون عن عبادة الله إلى عبادة الأصنام: {إنْ أريدُ إلّا الإصلاحَ ما استطعْتُ} ـ أريد أن آمر بالمعروف ـ والمعروف هو كلّ قول وعمل يرتفع بمستوى الإنسان مما يرضاه الله ويأمر به ويحبّه ـ وأنهى عن المنكر ـ والمنكر هو كلّ ما يحطّ بمستوى الإنسان، مما يجعله ينحرف عن مواقع صلاحه، ويقترب به من مواقع فساده مما لا يرضاه الله ـ وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب ـ لأنها السيرة المعصومة المنفتحة على الإسلام كله، لأنّ عليّاً (ع) كان من رسول الله (ص) عقلاً وقلباً وروحاً، وكان "يتبعه اتباع الفصيل إثر أمه"، ولأنّ: "عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار". تلك هي دعوتي، ليست دعوة حرب أو عنف، ولكنها دعوة عقل يخاطب عقلاً، وقلب ينبض بالمحبة للناس كلهم، ودعوة منهج يريد للناس أن يتبعوه ويأخذوا به ـ فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ـ لم يقبلني بذاتي، وإنما يقبل الحقّ الذي هو الله والخطّ الذي يريد الله للناس أن يلتزموه ـ ومن ردّ عليّ أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين، وهذه وصيتي يا أخي إليك، وما توفيقي إلا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب".

لقد خاطب الإمام الحسين (ع) في هذه الوصيّة أخاه، وخاطب من خلاله الأجيال كلّها، ليقول لهم: إنّ الحركة التي انطلقت بها ليست حركة جيل معيّن أو مرحلة معيّنة، إنها حركة الإصلاح في كلّ مرحلة يزحف فيها الفساد إلى الواقع والتصوّر الإسلامي، وفي كلّ مرحلة من المراحل التي يعيش فيها المسلمون الانحراف عن خطّ الاستقامة. ولذلك، إذا كنتم تريدون أن تسيروا على خطّ الإمام الحسين (ع)، فالقضية هي أن ينطلق كلّ القائمين على الواقع الإسلامي في كلّ زمان ومكان، وأن تنطلق الأمّة الإسلاميّة، وتدرس جيداً كلّ الانحرافات التي تزحف إلى مفاصلها وأهدافها ووسائلها، لتقوم القيادات والأمّة كلّها بمهمة الإصلاح، لينهى الجميع عن كلّ منكر، وليأمر الجميع بكلّ معروف، سواء كان المعروف عاماً أو خاصاً، ولا نقتصر على المسألة السياسية لنستغرق فيها، وإن كانت لها الأهمية الكبرى في مصير المسلمين، وأن لا نستغرق في المسألة الجهادية العسكرية لتكون كلّ شيء عندنا، وإن كان لها الدور الأكبر في الدّفاع عن المسلمين، ولكن أن ننفتح على المسألة الثقافيّة لنصحح ما انحرف فيها، لأننا نُحارَبُ في هذه المرحلة من تاريخنا في الثقافة الإسلاميّة، التي ينطلق بعضها ليتحدّث عن أن الإسلام دين عنف وإرهاب وقتل ومصادرة للحرّيات.

إنها صرخة الحسين (ع) الآن: "خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر". وإنّ المسألة تقتضي إصلاحاً لكلّ هذا التخاذل الإسلامي، والضّعف الإسلامي، واللامبالاة الإسلامية، ولكلّ هذه الخلافات الهامشية التي تفرّق المسلمين عن بعضهم البعض، والتي تجعل المستكبرين والظالمين والكافرين يهدّمون في كلّ يوم موقعاً من مواقعنا، ويتحركون من أجل إسقاط ثقافاتنا وكلّ أمّتنا. إنّ المسألة بحاجة إلى حركة وعي وإرادة انطلاق وانتصار، ومن الطبيعي أنّ الأمّة إذا وجدت وحدتها واعتصمت بحبل الله ولم تتفرّق، فإنّ الله سوف ينصرها، {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}. تلك هي رسالة الحسين (ع) في يوم مولده، وتلك هي رسالة أخيه أبي الفضل العباس (ع) الذي يصادف هذا اليوم ـ الرابع من شعبان ـ يوم مولده: "والله إن قطعتم يميني، فإني أحامي أبداً عن ديني"، وتلك هي رسالة الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين، عندما علّمنا أن ندعو الله في كلّ يوم وليلة: "اللّهمّ وفّقنا في يومنا هذا وليلتنا هذه لاستعمال الخير وهجران الشّرّ، وشكر النعم واتّباع السنن، ومجانبة البدع، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحياطة الإسلام، وانتقاص الباطل وإذلاله، ونصرة الحقّ وإعزازه، وإرشاد الضالّ، ومعاونة الضّعيف، وإدراك اللّهيف". تلك هي صرخة الأئمّة من أهل البيت(ع) للإسلام كلّه، وللحقّ كلّه، وللعدل كلّه، {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عملَكُم ورَسُولُه والمؤمنون}".

خطب الجمعة بتاريخ 4 شعبان العام 1423هـ/ الموافق 11 -10- العام 2002م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية