كيفية التصرف

كيفية التصرف
لقد صار واضحاً من خلال بعض ما سبق أن الوقوف على ما وقفها أهلها، فإذا رسم الواقف حداً لكيفية التصرف كان هو المتّبع، سواء في إطار صلاحيات الولي أو في إطار انتفاع الموقوف عليهم، غير أن  الواقف قد لا يُفصِّل كيفية التصرف ولا يرسم له حداً، فيحتاج الأمر حينئذ إلى بيان ما له علاقة بذلك في هذه المسائل:

م ـ554:  إذا كان للعين الموقوفة منافع مختلفة وثمرات  متنوعة فجميعها للموقوف عليه مع إطلاق الوقف، فإذا وقف شجرة مثلاً كانت ثمرتها ومنفعة الاستظلال بها والأغصان اليابسة والغرس الذي ينبثق عنها ونحو ذلك من منافعها ووجوه نمائها المنفصل جميعها للموقوف عليه، فلا يجوز للمالك ولا لغيره التصرف فيها خارج الحدّ المرسوم لها في وقفيتها.
غير أنه لو فرض أن غرساً منها تركه الموقوف عليه حتى نما وصار شجرة، أو قلعه وغرسه في موضع آخر حتى صار شجرة، فإنه لا يكون وقفاً ولا تلحقه أحكام العين الموقوفة، بل يجوز بيعه وصرف ثمنه في الموقوف عليه بالنحو المراد للواقف؛ وكذلك حكم ما لو  قطع بعض الأغصان وغرسها فصارت شجرة.

م ـ555 :  لا يجوز تغيير العين الموقوفة عن عنوانها الذي وقفت له إذا عُلم من الواقف إرادة بقاء عنوانها إلى الأبد، فإذا وقف  بناءً للسكن فيه لم يجز تحويله دكاناً مثلاً، وإذا أوقفه للإجتماعات العامة لم يجز جعله مكتبة للمطالعة أو مستودعاً للبضائع، وذلك دون فرق بين ما لو كان الواقف قد نصّ عليه وبين ما يكون قد فهم من قرائن خارجية، بل لا يجوز التغيير عمّا يحتمل إرادته له ورغبته فيه إذا لم يكن في كلامه تعميم يضعف ذلك الاحتمال، فإن لم يكن شي‏ء من ذلك وأطلق الوقف جاز استخدام الموقوف في غير عنوانه القائم فيه حين الوقف؛ وكذا يجوز التغيير في حال كان الهدف من عنوانه الذي وُقِفَ عليه كثرةَ المنفعة التي كان يجلبها حين الوقف، فإذا قَلَّت المنفعة جاز تغييره لما هو أكثر نفعاً، وإلا لم يجز.

م ـ556 : الشروط المشروعة التي يشترطها الواقف تصح ويجب العمل بها، فإذا اشترط أن لا يؤجر الدار  مثلاً  أكثر من سنة، أو أن لا يؤجر لغير طلبة العلم، لم تصح إجارته أكثر من سنة أو لغير طلبة العلم، وهكذا.
كذلك فإن كل شرط يشترط في الموقوف عليه فيفقده يخرج بفقده عن أهلية الانتفاع بالعين الموقوفة، كما إذا وقف داره على المحصلين من طلبة العلوم، ففقد ساكنها هذه الصفة بعد وجدانها لم يجز له الاستمرار في سكنها، وكذا لو كان الشرط عملاً مطلوباً من الساكن، كأن يشترط عليه قيامه لصلاة الليل، فإنه إذا لم يقم لها يخرج من الوقف أيضاً، وهكذا أمثال ذلك.

م ـ557:إذا اشترط الواقف مباشرة الموقوف عليهم للانتفاع من العين الموقوفة، كأن يشترط عليهم سُكنى الدار بأنفسهم، وجب عليهم الوفاء بالشرط وترك القيام بما ينافيه، فإذا لم يسكنوا فيها وآجروها بطلت الإجارة؛ نعم لو فرض عدم تمكنهم من الانتفاع بالدار لهجرتهم عن بلدهم، أو لضرر أو حرج مترتب على السكن فيه، فإن كان قيد المباشرة غير أصيل في الوقف، بنحو لا يدور الوقف مداره وجوداً وعدماً، وهو ما يصطلح عليه بـ(تعدد المطلوب)، جاز لهم الانتفاع به بغير ذلك من  الوجوه، وإلا بطل الوقف ورجعت العين الموقوفة إلى ورثة الواقف.

م ـ558 :الموقوف على عنوان عام، كالمساجد والمكتبات ونحوها، يجوز الانتفاع به في غير الموقوف لأجله إذا لم يكن منافياً ولا مضراً بالعنوان الأصلي، فمثل المسجد لا يحرم الجلوس فيه لغير العبادة أو الاستلقاء أو إعطاء الدروس ونحو ذلك ما دام لا يزاحم حق المصلين في صلاتهم فيه، وهكذا غيره مما يشبهه، والمسجد وإن تميز ببعض الأحكام الخاصة به، لكنه لا يختلف من جهة الوقف عن حكم غيره من الأعيان التي وقفت وقفاً عاماً (أنظر في ذلك : الجزء الأول :م ـ604، وما بعدها، وهذا الجزء الثاني :م  57، وما بعدها).

م ـ559: لا يمنع من قسمة العين المشتركة على نحو الإشاعة كون جزء منها موقوفاً وجزء منها ملكاً طلقاً  (أي غير موقوف)، فيتولّى القسمة مالك الجزء الطلق ومتولي الوقف، سواء كان مالك الطلق هو الواقف، كما في مثل ما لو وقف مالك الدار نصفها، أو كان غيره هو الواقف، فما يتفقان على جعله هو الجزء الموقوف يصير موقوفاً بدون إشكال. بل إنه يجوز تقاسم العين الموقوفة بين الموقوف عليهم في الوقف الخاص على عدد محصور، بمعنى تخصيص انتفاع كل منهم ببعض الموقوف، ما لم يكن ذلك منافياً لشرط الواقف، كما لو وقف على أولاده، وكانوا ثلاثة فتقاسموها، صحت القسمة ما داموا ثلاثة، فإذا زادوا واحداً أو نقصوا بطلت القسمة الأولى وجاز لهم إعادة اقتسامها بما يناسب عددهم، وهكذا، بل إنه يجوز اقتسام العين الموقوفة بالوقف الخاص  أيضاً  إذا كان على عدد غير محصور إذا صادف كون الموجود منهم قليلاً ممكن الحصر.

م ـ560: إذا وقف على أولاده أو ذريته أو أصهاره أو أرحامه أو تلامذته أو أساتذته أو جيرانه أو نحو ذلك مما له  بحسب طبيعته  عدد محصور حقيقة، كالأولاد والأصهار ونحوهما، أو محصور عرفاً، كالأرحام الذين يتسع عنوانهم ويضيق بحسب من يراه العرف رحماً، إذا وقف على عنوان من هذه العناوين كان نماء العين ومنفعتها لهم جميعاً بالتساوي، إلا أن يكون الواقف قد فاضل بينهم فيعمل بما رغب فيه؛ وإذا لم يكن بعضهم حاضراً حين التوزيع عُزل نصيبُه حتى يُمكن إيصاله إليه.
وكذا يجب التوزيع بالسوية على الجميع إذا وقف على إخوته أو أعمامه أو أخواله، حتى لو شرَّك معهم الأخوات والعمات والخالات، سواء كانوا لأبوين أو لأب أو أم.

م ـ561: إذا وقف على ذريته بقوله: "هذا وقف على أولادي ما تناسلوا وتعاقبوا"، فالظاهر أن أولاد أولاده شركاء معهم، وكذا كل من يولد طبقة بعد طبقة فإنهم يشاركون غيرهم من الطبقة السابقة عليهم ويساوونهم في الحصة؛ وأما إذا قال: "هذا وقف على أولادي نسلاً بعد نسل"، أو ".. طبقة بعد طبقة"، أو نحو ذلك، فالأظهر أنه يفيد الترتيب، فلا يستحق الحفيد شيئاً من العين الموقوفة ما دام واحد من أولاد الواقف موجوداً.
وإذا قال: "هذا وقف على أولادي ثم على أولاد أولادي"، فاللازم توزيعها على أولاده وحدهم ما داموا موجودين، فإذا انقرضوا وزِّعت على أحفاده وأولادهم وأحفادهم على نحو التشريك.

م ـ562: إذا وقف على عنوان عام غير محصور بطبيعته، وإن صادف كونه محصوراً، كالوقف على الفقراء أو المساجد، أو على فقراء البلد الفلاني أو مساجده، كفى صرف الوقف على بعضها ولم يجب الاستيعاب لكل فرد منه، إلا أن يعلم منه إرادة الاستيعاب بالنص عليه أو بقرينة خارجية، وحينئذ يُعطى جميع من يشملهم العنوان، والغائب تعزل حصته حتى يمكنه تسلمها؛ وإذا شُك في عددهم وأنه هل بقي منهم أحد لم يشمله التوزيع اقتصر على الأقل المعلوم، وإن كان الأحوط استحباباً له الفحص حتى يطمئن باستيعابهم جميعاً.

م ـ563: إذا وقف شيئاً على الإمام الحسين(ع)  وجب صرفه  أو صرف نمائه  فيما هو المتعارف من شؤونه(ع)، وذلك كصرفه في إقامة مجالس عزائه وذكر مناقبه وسيرته بكل وسيلة مناسبة، مع بذل الطعام في ذلك المجلس وبدونه، والأحوط وجوباً إهداء ثواب ذلك المجلس والطعام إليه  (عليه السلام)، ولا يجب تخصيص مجلس على نية الواقف وبذل الموقوف فيه، بل يكفي إعطاء شي‏ء منه لمن يقرأ العزاء في أي مكان، كالمسجد أو الحسينية أو غيرهما؛ فإن لم يكن عرف بهذا النحو من الصرف وجب  حيئنذ  التصدق به عنه.
وكذا لو وقف على النبي(ص)  أو على سائر أهل بيت العصمة(ع)  بمن فيهم إمام العصر(عج)، فإنه  أيضاً  يصرف في بيان مناقبهم وذكر مواعظهم وتعاليمهم بكل وسيلة نافعة، كإقامة المجالس أو تأليف الكتب أو غير ذلك إن كان ذلك هو المتعارف من وجوه الصرف، وإلا  فحيث لا يكون عرف يحدد نوع الصرف  يجب التصدق به.

م ـ564: إذا وقف شيئاً ليصرف على ميت أو أكثر صرف فيما هو مصلحة له، ويقدم الأهم على غيره، فإذا كان عليه دين أو حج واجب بالاستطاعة قدمه على غيره من الواجبات العبادية، إلى أن يصل الأمر إلى غير الواجب، فيصرفه في الصدقات وفعل الخيرات عن ذلك الميت مخيَّراً بين أفرادها.

م ـ565: إذا وقف شيئاً ليصرف نماؤه على مسجد أو مشهد أو مكتبة عامة أو غيرها من المنشآت العامة، صرف النماء فيما يناسب شأن الموقوف عليه واحتياجاته؛ فالوقف على المسجد يُصرف في تعمير ما يخرب منه وعلى فرشه وإنارته ومُؤَذِّنه ونحو ذلك مما يعدّ من توابعه وشؤونه، بل وكذا على إمام الجماعة التي تقام فيه لأنه من مصالح المسجد، إن لم يكن أهمها؛ وكذا الوقف على المكتبة العامة فإنه يصرف في حاجاتها من فرش وإنارة وصيانة ونحوها، إضافة إلى صرفه على شراء الكتب ونحوه مما يناسب المراكز الثقافية؛ وهكذا سائر الموقوفات.

م ـ566:  إذا أوقف شيئاً على شخصين أو عنوانين وزع عليهما مناصفة، وذلك كما لو وقف نماء داره على زيد وسعيد، أو على العلماء والفقراء؛ وكذلك يصرف مناصفة في مثل ما لو وقفه على زيد وأولاد سعيد، أو على أولاد زيد وأولاد سعيد، فيعطى زيد نصفاً وأولاد سعيد النصف الآخر، وهكذا أمثاله.
م ـ567: إذا شك في كون الوقف على الذرية ترتيبياً، أي طبقة بعد طبقة ونسلاً بعد نسل، أو تشريكياً، أي مما يشترك به أفراد الطبقة الثانية مثلاً مع الموجودين من الطبقة الأولى، فإن كان كلام الواقف مطلقاً حُمل على التشريك، وإن لم يكن مطلقاً ولا صريحاً في أحدهما لزم إعطاء الطبقة الأولى حصتهم الثابتة لهم على فرض كون الوقف تشريكياً، ثم يُقرع بينها وبين الطبقة الثانية في الحصة الباقية.

م ـ568: إذا جُهل مصرف الوقف، فإن كانت المصارف المحتملة تلتقي على  عنوان مشترك وجب صرفها فيه، كما لو شك في أنه هل يُصرف على العلماء أو الفقراء، فإنه يصرفها على العالم الفقير؛ وأما إذا كانت المحتملات متباينة، فإن كانت المصارف غير محصورة، وكان التصدق بها على الفقراء من الوجوه التي يحتمل إرادة الواقف لها، قُدِّم التصدق بها على غيره من الوجوه المحتملة، وإلا صرفه في سائر المحتملات مقدِّماً أيّها شاء؛ وإن كانت المصارف محصورة، كأن لم يدر أنه وقفه ليصرف على هذا المسجد أو على هذا المسجد الآخر، أو على زيد أو على سعيد، وجب تعيينه بالقرعة. وكذا تجب القرعة عند الشك في أن الوقف على أولاد زيد مثلاً هل هو على نحو الصرف عليهم أو على نحو التمليك لهم.
وأما إذا كان الموقوف أرضاً قد عرض عليها الخراب والموت بعدما كانت عامرة، ولم يعلم  تفصيلياً  كيفية وقفها ولا عُلم الموقوف عليه، فإن لها حكماً يختلف باختلاف أحوالها، وذلك على صور:
الأولى: ما لا يعلم عنها شي‏ء سوى أنها وقف
، فلا يُدرى أنها وقف خاص أو عام، ولا أنها وقف على جهة أو شخص؛ وحكمها أنه يجوز لكل راغب إحياؤها، ويملكها المحيي كغيرها من الأراضي الموات.
الثانية: ما علم أنها وقف على جهة لا على شخص، ولم تعلم تلك الجهة بعينها بين الجهات العديدة غير المحصورة؛ وحكمها أنه يجوز  إحياؤها على الأقرب، وإن كان الأحوط  استحباباً لمن يقوم بإحيائها بزرع ونحوه أن يعاملها معاملة المال المجهول مالكه، فيستأذن في التصرف فيها من له سلطة عليها كالولي الخاص إن وجد، وإلا فالحاكم الشرعي أو وكيله، ويستأجرها منه ويدفع له أجرتها أو يصرفها في وجوه البر بإذنه، بل إن له أن يشتريها منه ويصح من المتولي بيعها.
الثالثة: ما عُلِم أنها وقف على أشخاص معينين لا على جهة، ولم يعلم الموقوف عليه بعينه وشخصه بين الناس؛ فيشكل الحكم بجواز الإحياء في هذه الصورة، والأحوط وجوباً معاملتها معاملة المال المجهول مالكه بالنحو الذي ذكرناه في الصورة الثانية تماماً.
الرابعة: ما عُلِمَ ـ  إجمالاً ـ  أنها إما موقوفة على هذا المسجد أو على ذرية زيد الموجودين؛ وحكمها أنه يجب على من يرغب في إحيائها مراجعة متولي تلك الجهة إن وجد  أو الحاكم الشرعي أو وكيله إن لم يكن لها ولي خاص  ومراجعة الموجود من ذرية زيد والاتفاق معهم على استئجارها منهم، ثم إنه إذا أذنت الذرية في صرف الأجرة على الجهة المعينة فلا إشكال، وإن لم تأذن وجب الإقراع بينهم، فمن وقعت له القرعة كانت له الأجرة.
هذا حكم ما لو جُهل الموقوف عليه وجُهلت كيفية الوقف، أما إذا عُلمت كيفية الوقف وعُلم الموقوف عليه فإن كان موجوداً لم يجز لأحد إحياء الأرض دون إذن من له سلطة عليها، وإن كان قد باد ولم يبق له أثر فإنه يجوز لكل أحد إحياؤها ويملكها، مثلها في ذلك مثل سائر الأراضي المحياة.

م ـ569: إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى التعمير أو الترميم والإصلاح من أجل بقائها واستمرار الانتفاع بها، فإن عَيَّن الواقف لها ما يصرف فيها عمل عليه، وإلا وجب الصرف عليها من نمائها مقدَّماً على حق الموقوف عليهم، بل إنه يجب إصلاحه من نمائه في الوقف الذري حرصاً على انتفاع البطون اللاحقة به وإن أدى إلى حرمان البطن المعاصر للإصلاح حرماناً كلياً أو جزئياً.
لقد صار واضحاً من خلال بعض ما سبق أن الوقوف على ما وقفها أهلها، فإذا رسم الواقف حداً لكيفية التصرف كان هو المتّبع، سواء في إطار صلاحيات الولي أو في إطار انتفاع الموقوف عليهم، غير أن  الواقف قد لا يُفصِّل كيفية التصرف ولا يرسم له حداً، فيحتاج الأمر حينئذ إلى بيان ما له علاقة بذلك في هذه المسائل:

م ـ554:  إذا كان للعين الموقوفة منافع مختلفة وثمرات  متنوعة فجميعها للموقوف عليه مع إطلاق الوقف، فإذا وقف شجرة مثلاً كانت ثمرتها ومنفعة الاستظلال بها والأغصان اليابسة والغرس الذي ينبثق عنها ونحو ذلك من منافعها ووجوه نمائها المنفصل جميعها للموقوف عليه، فلا يجوز للمالك ولا لغيره التصرف فيها خارج الحدّ المرسوم لها في وقفيتها.
غير أنه لو فرض أن غرساً منها تركه الموقوف عليه حتى نما وصار شجرة، أو قلعه وغرسه في موضع آخر حتى صار شجرة، فإنه لا يكون وقفاً ولا تلحقه أحكام العين الموقوفة، بل يجوز بيعه وصرف ثمنه في الموقوف عليه بالنحو المراد للواقف؛ وكذلك حكم ما لو  قطع بعض الأغصان وغرسها فصارت شجرة.

م ـ555 :  لا يجوز تغيير العين الموقوفة عن عنوانها الذي وقفت له إذا عُلم من الواقف إرادة بقاء عنوانها إلى الأبد، فإذا وقف  بناءً للسكن فيه لم يجز تحويله دكاناً مثلاً، وإذا أوقفه للإجتماعات العامة لم يجز جعله مكتبة للمطالعة أو مستودعاً للبضائع، وذلك دون فرق بين ما لو كان الواقف قد نصّ عليه وبين ما يكون قد فهم من قرائن خارجية، بل لا يجوز التغيير عمّا يحتمل إرادته له ورغبته فيه إذا لم يكن في كلامه تعميم يضعف ذلك الاحتمال، فإن لم يكن شي‏ء من ذلك وأطلق الوقف جاز استخدام الموقوف في غير عنوانه القائم فيه حين الوقف؛ وكذا يجوز التغيير في حال كان الهدف من عنوانه الذي وُقِفَ عليه كثرةَ المنفعة التي كان يجلبها حين الوقف، فإذا قَلَّت المنفعة جاز تغييره لما هو أكثر نفعاً، وإلا لم يجز.

م ـ556 : الشروط المشروعة التي يشترطها الواقف تصح ويجب العمل بها، فإذا اشترط أن لا يؤجر الدار  مثلاً  أكثر من سنة، أو أن لا يؤجر لغير طلبة العلم، لم تصح إجارته أكثر من سنة أو لغير طلبة العلم، وهكذا.
كذلك فإن كل شرط يشترط في الموقوف عليه فيفقده يخرج بفقده عن أهلية الانتفاع بالعين الموقوفة، كما إذا وقف داره على المحصلين من طلبة العلوم، ففقد ساكنها هذه الصفة بعد وجدانها لم يجز له الاستمرار في سكنها، وكذا لو كان الشرط عملاً مطلوباً من الساكن، كأن يشترط عليه قيامه لصلاة الليل، فإنه إذا لم يقم لها يخرج من الوقف أيضاً، وهكذا أمثال ذلك.

م ـ557:إذا اشترط الواقف مباشرة الموقوف عليهم للانتفاع من العين الموقوفة، كأن يشترط عليهم سُكنى الدار بأنفسهم، وجب عليهم الوفاء بالشرط وترك القيام بما ينافيه، فإذا لم يسكنوا فيها وآجروها بطلت الإجارة؛ نعم لو فرض عدم تمكنهم من الانتفاع بالدار لهجرتهم عن بلدهم، أو لضرر أو حرج مترتب على السكن فيه، فإن كان قيد المباشرة غير أصيل في الوقف، بنحو لا يدور الوقف مداره وجوداً وعدماً، وهو ما يصطلح عليه بـ(تعدد المطلوب)، جاز لهم الانتفاع به بغير ذلك من  الوجوه، وإلا بطل الوقف ورجعت العين الموقوفة إلى ورثة الواقف.

م ـ558 :الموقوف على عنوان عام، كالمساجد والمكتبات ونحوها، يجوز الانتفاع به في غير الموقوف لأجله إذا لم يكن منافياً ولا مضراً بالعنوان الأصلي، فمثل المسجد لا يحرم الجلوس فيه لغير العبادة أو الاستلقاء أو إعطاء الدروس ونحو ذلك ما دام لا يزاحم حق المصلين في صلاتهم فيه، وهكذا غيره مما يشبهه، والمسجد وإن تميز ببعض الأحكام الخاصة به، لكنه لا يختلف من جهة الوقف عن حكم غيره من الأعيان التي وقفت وقفاً عاماً (أنظر في ذلك : الجزء الأول :م ـ604، وما بعدها، وهذا الجزء الثاني :م  57، وما بعدها).

م ـ559: لا يمنع من قسمة العين المشتركة على نحو الإشاعة كون جزء منها موقوفاً وجزء منها ملكاً طلقاً  (أي غير موقوف)، فيتولّى القسمة مالك الجزء الطلق ومتولي الوقف، سواء كان مالك الطلق هو الواقف، كما في مثل ما لو وقف مالك الدار نصفها، أو كان غيره هو الواقف، فما يتفقان على جعله هو الجزء الموقوف يصير موقوفاً بدون إشكال. بل إنه يجوز تقاسم العين الموقوفة بين الموقوف عليهم في الوقف الخاص على عدد محصور، بمعنى تخصيص انتفاع كل منهم ببعض الموقوف، ما لم يكن ذلك منافياً لشرط الواقف، كما لو وقف على أولاده، وكانوا ثلاثة فتقاسموها، صحت القسمة ما داموا ثلاثة، فإذا زادوا واحداً أو نقصوا بطلت القسمة الأولى وجاز لهم إعادة اقتسامها بما يناسب عددهم، وهكذا، بل إنه يجوز اقتسام العين الموقوفة بالوقف الخاص  أيضاً  إذا كان على عدد غير محصور إذا صادف كون الموجود منهم قليلاً ممكن الحصر.

م ـ560: إذا وقف على أولاده أو ذريته أو أصهاره أو أرحامه أو تلامذته أو أساتذته أو جيرانه أو نحو ذلك مما له  بحسب طبيعته  عدد محصور حقيقة، كالأولاد والأصهار ونحوهما، أو محصور عرفاً، كالأرحام الذين يتسع عنوانهم ويضيق بحسب من يراه العرف رحماً، إذا وقف على عنوان من هذه العناوين كان نماء العين ومنفعتها لهم جميعاً بالتساوي، إلا أن يكون الواقف قد فاضل بينهم فيعمل بما رغب فيه؛ وإذا لم يكن بعضهم حاضراً حين التوزيع عُزل نصيبُه حتى يُمكن إيصاله إليه.
وكذا يجب التوزيع بالسوية على الجميع إذا وقف على إخوته أو أعمامه أو أخواله، حتى لو شرَّك معهم الأخوات والعمات والخالات، سواء كانوا لأبوين أو لأب أو أم.

م ـ561: إذا وقف على ذريته بقوله: "هذا وقف على أولادي ما تناسلوا وتعاقبوا"، فالظاهر أن أولاد أولاده شركاء معهم، وكذا كل من يولد طبقة بعد طبقة فإنهم يشاركون غيرهم من الطبقة السابقة عليهم ويساوونهم في الحصة؛ وأما إذا قال: "هذا وقف على أولادي نسلاً بعد نسل"، أو ".. طبقة بعد طبقة"، أو نحو ذلك، فالأظهر أنه يفيد الترتيب، فلا يستحق الحفيد شيئاً من العين الموقوفة ما دام واحد من أولاد الواقف موجوداً.
وإذا قال: "هذا وقف على أولادي ثم على أولاد أولادي"، فاللازم توزيعها على أولاده وحدهم ما داموا موجودين، فإذا انقرضوا وزِّعت على أحفاده وأولادهم وأحفادهم على نحو التشريك.

م ـ562: إذا وقف على عنوان عام غير محصور بطبيعته، وإن صادف كونه محصوراً، كالوقف على الفقراء أو المساجد، أو على فقراء البلد الفلاني أو مساجده، كفى صرف الوقف على بعضها ولم يجب الاستيعاب لكل فرد منه، إلا أن يعلم منه إرادة الاستيعاب بالنص عليه أو بقرينة خارجية، وحينئذ يُعطى جميع من يشملهم العنوان، والغائب تعزل حصته حتى يمكنه تسلمها؛ وإذا شُك في عددهم وأنه هل بقي منهم أحد لم يشمله التوزيع اقتصر على الأقل المعلوم، وإن كان الأحوط استحباباً له الفحص حتى يطمئن باستيعابهم جميعاً.

م ـ563: إذا وقف شيئاً على الإمام الحسين(ع)  وجب صرفه  أو صرف نمائه  فيما هو المتعارف من شؤونه(ع)، وذلك كصرفه في إقامة مجالس عزائه وذكر مناقبه وسيرته بكل وسيلة مناسبة، مع بذل الطعام في ذلك المجلس وبدونه، والأحوط وجوباً إهداء ثواب ذلك المجلس والطعام إليه  (عليه السلام)، ولا يجب تخصيص مجلس على نية الواقف وبذل الموقوف فيه، بل يكفي إعطاء شي‏ء منه لمن يقرأ العزاء في أي مكان، كالمسجد أو الحسينية أو غيرهما؛ فإن لم يكن عرف بهذا النحو من الصرف وجب  حيئنذ  التصدق به عنه.
وكذا لو وقف على النبي(ص)  أو على سائر أهل بيت العصمة(ع)  بمن فيهم إمام العصر(عج)، فإنه  أيضاً  يصرف في بيان مناقبهم وذكر مواعظهم وتعاليمهم بكل وسيلة نافعة، كإقامة المجالس أو تأليف الكتب أو غير ذلك إن كان ذلك هو المتعارف من وجوه الصرف، وإلا  فحيث لا يكون عرف يحدد نوع الصرف  يجب التصدق به.

م ـ564: إذا وقف شيئاً ليصرف على ميت أو أكثر صرف فيما هو مصلحة له، ويقدم الأهم على غيره، فإذا كان عليه دين أو حج واجب بالاستطاعة قدمه على غيره من الواجبات العبادية، إلى أن يصل الأمر إلى غير الواجب، فيصرفه في الصدقات وفعل الخيرات عن ذلك الميت مخيَّراً بين أفرادها.

م ـ565: إذا وقف شيئاً ليصرف نماؤه على مسجد أو مشهد أو مكتبة عامة أو غيرها من المنشآت العامة، صرف النماء فيما يناسب شأن الموقوف عليه واحتياجاته؛ فالوقف على المسجد يُصرف في تعمير ما يخرب منه وعلى فرشه وإنارته ومُؤَذِّنه ونحو ذلك مما يعدّ من توابعه وشؤونه، بل وكذا على إمام الجماعة التي تقام فيه لأنه من مصالح المسجد، إن لم يكن أهمها؛ وكذا الوقف على المكتبة العامة فإنه يصرف في حاجاتها من فرش وإنارة وصيانة ونحوها، إضافة إلى صرفه على شراء الكتب ونحوه مما يناسب المراكز الثقافية؛ وهكذا سائر الموقوفات.

م ـ566:  إذا أوقف شيئاً على شخصين أو عنوانين وزع عليهما مناصفة، وذلك كما لو وقف نماء داره على زيد وسعيد، أو على العلماء والفقراء؛ وكذلك يصرف مناصفة في مثل ما لو وقفه على زيد وأولاد سعيد، أو على أولاد زيد وأولاد سعيد، فيعطى زيد نصفاً وأولاد سعيد النصف الآخر، وهكذا أمثاله.
م ـ567: إذا شك في كون الوقف على الذرية ترتيبياً، أي طبقة بعد طبقة ونسلاً بعد نسل، أو تشريكياً، أي مما يشترك به أفراد الطبقة الثانية مثلاً مع الموجودين من الطبقة الأولى، فإن كان كلام الواقف مطلقاً حُمل على التشريك، وإن لم يكن مطلقاً ولا صريحاً في أحدهما لزم إعطاء الطبقة الأولى حصتهم الثابتة لهم على فرض كون الوقف تشريكياً، ثم يُقرع بينها وبين الطبقة الثانية في الحصة الباقية.

م ـ568: إذا جُهل مصرف الوقف، فإن كانت المصارف المحتملة تلتقي على  عنوان مشترك وجب صرفها فيه، كما لو شك في أنه هل يُصرف على العلماء أو الفقراء، فإنه يصرفها على العالم الفقير؛ وأما إذا كانت المحتملات متباينة، فإن كانت المصارف غير محصورة، وكان التصدق بها على الفقراء من الوجوه التي يحتمل إرادة الواقف لها، قُدِّم التصدق بها على غيره من الوجوه المحتملة، وإلا صرفه في سائر المحتملات مقدِّماً أيّها شاء؛ وإن كانت المصارف محصورة، كأن لم يدر أنه وقفه ليصرف على هذا المسجد أو على هذا المسجد الآخر، أو على زيد أو على سعيد، وجب تعيينه بالقرعة. وكذا تجب القرعة عند الشك في أن الوقف على أولاد زيد مثلاً هل هو على نحو الصرف عليهم أو على نحو التمليك لهم.
وأما إذا كان الموقوف أرضاً قد عرض عليها الخراب والموت بعدما كانت عامرة، ولم يعلم  تفصيلياً  كيفية وقفها ولا عُلم الموقوف عليه، فإن لها حكماً يختلف باختلاف أحوالها، وذلك على صور:
الأولى: ما لا يعلم عنها شي‏ء سوى أنها وقف
، فلا يُدرى أنها وقف خاص أو عام، ولا أنها وقف على جهة أو شخص؛ وحكمها أنه يجوز لكل راغب إحياؤها، ويملكها المحيي كغيرها من الأراضي الموات.
الثانية: ما علم أنها وقف على جهة لا على شخص، ولم تعلم تلك الجهة بعينها بين الجهات العديدة غير المحصورة؛ وحكمها أنه يجوز  إحياؤها على الأقرب، وإن كان الأحوط  استحباباً لمن يقوم بإحيائها بزرع ونحوه أن يعاملها معاملة المال المجهول مالكه، فيستأذن في التصرف فيها من له سلطة عليها كالولي الخاص إن وجد، وإلا فالحاكم الشرعي أو وكيله، ويستأجرها منه ويدفع له أجرتها أو يصرفها في وجوه البر بإذنه، بل إن له أن يشتريها منه ويصح من المتولي بيعها.
الثالثة: ما عُلِم أنها وقف على أشخاص معينين لا على جهة، ولم يعلم الموقوف عليه بعينه وشخصه بين الناس؛ فيشكل الحكم بجواز الإحياء في هذه الصورة، والأحوط وجوباً معاملتها معاملة المال المجهول مالكه بالنحو الذي ذكرناه في الصورة الثانية تماماً.
الرابعة: ما عُلِمَ ـ  إجمالاً ـ  أنها إما موقوفة على هذا المسجد أو على ذرية زيد الموجودين؛ وحكمها أنه يجب على من يرغب في إحيائها مراجعة متولي تلك الجهة إن وجد  أو الحاكم الشرعي أو وكيله إن لم يكن لها ولي خاص  ومراجعة الموجود من ذرية زيد والاتفاق معهم على استئجارها منهم، ثم إنه إذا أذنت الذرية في صرف الأجرة على الجهة المعينة فلا إشكال، وإن لم تأذن وجب الإقراع بينهم، فمن وقعت له القرعة كانت له الأجرة.
هذا حكم ما لو جُهل الموقوف عليه وجُهلت كيفية الوقف، أما إذا عُلمت كيفية الوقف وعُلم الموقوف عليه فإن كان موجوداً لم يجز لأحد إحياء الأرض دون إذن من له سلطة عليها، وإن كان قد باد ولم يبق له أثر فإنه يجوز لكل أحد إحياؤها ويملكها، مثلها في ذلك مثل سائر الأراضي المحياة.

م ـ569: إذا احتاجت الأملاك الموقوفة إلى التعمير أو الترميم والإصلاح من أجل بقائها واستمرار الانتفاع بها، فإن عَيَّن الواقف لها ما يصرف فيها عمل عليه، وإلا وجب الصرف عليها من نمائها مقدَّماً على حق الموقوف عليهم، بل إنه يجب إصلاحه من نمائه في الوقف الذري حرصاً على انتفاع البطون اللاحقة به وإن أدى إلى حرمان البطن المعاصر للإصلاح حرماناً كلياً أو جزئياً.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية