كتابات
17/01/2023

احترامُ الأهلِ إرادةَ أولادِهم سبيلٌ لإنتاجِ جيلٍ قويّ

احترامُ الأهلِ إرادةَ أولادِهم سبيلٌ لإنتاجِ جيلٍ قويّ

الكثيرون من الآباء والأمَّهات يتصوَّرون مسألة الأولاد تصوّراً ماديَّاً، ولا ينفذون إلى داخل عقل الولد وإلى إدراكه، ولذلك فقد يحطِّمون أولادهم عقلياً وعاطفياً، أو يمنعونهم من الانفتاح والتطوُّر.

عادةً، الآباء والأمّهات ـــ كما يقول البعض ـــ لا يتصوَّرون أولادهم إلا أطفالاً، حتّى لو بلغوا سنَّ الشباب، لأنَّ هذا الجانب العاطفي الَّذي ينطلق مع الحالة الطفوليَّة وامتداد العاطفة، يصوِّر للأُم أنَّ الولد لا يزال محتاجاً إليها، والأب يتصوَّر أنَّ الولد لا يزال محتاجاً إليه.. صحيحٌ أنَّ الإنسان يحتاجُ إلى العاطفة وهو صغير، وهو شابّ، حتّى وهو شيخ كبير، هذا انعكاسٌ إيجابيّ جيّد، لأنَّ العاطفة حاجةٌ وحالةٌ إنسانيَّة، لكن في كثيرٍ من الحالات، تعتبرُ الأُم أنَّ ابنتها بحاجة إليها دائماً، بحيث إِنّها لا تستطيع أن تستقلّ بفكرها، فكما أنّها عندما كانت رضيعة لا تستطيع أن تستقلّ في غذائها وإدارة شؤونها، فهي تتصوَّر أنّها لو وصلت إلى العشرين أو الثَّلاثين، لا بدَّ أن تشاورها في كلّ شيء، ليس لها أن تفكِّر بشكلٍ مستقلّ، وليس لها أن تكون إرادتها مستقلّة. وهكذا الأب، يتصوّر أنّ كلمته هي الكلمةُ في البيت، ورأيه هو الرأي، فأنتم لا زلتم أولاداً، ولا تستطيعون التفكير باستقلاليَّة. وبهذه الطريقة، نلاحظ الآن أنَّ كثيراً من الآباء لا يسمحون لأولادهم بأن يفكِّروا، وبالتالي، فإنّهم لا يسمحون لأولادهم بأن يريدوا.. وهذا النوع من العاطفة الساذجة الفوضويَّة غير المثقّفة وغير الإنسانيَّة، قد يُعطِّل قوَّة الإرادة عند الولد، وقد يعطّل قوَّة العقل عنده، لأنَّنا عندما نُشْعِرُ الإنسان بأنَّه لا يفهم ولا أن يفكِّر وأن يعرف مصلحته، فمن الطبيعي أنَّ هذا يُشَكِّل عمليَّة إيحاءٍ نفسيّ دائمة تحفر في داخل نفسه، ليتحوَّل إلى إنسانٍ ضعيف الشخصيَّة، لا يملك عقله وفكره وإرادته، ويظلُّ مشدوداً إلى الآخر، وهذا ما يجعلُ الاستضعاف حالةً في أولادنا.

ربّما يقول قائل: إذاً ماذا نفعل؟ هل نترك أولادنا على طفولتهم ليفكِّروا بطريقةٍ طفوليَّة؟ هل نترك بناتنا على حسب عواطفهنَّ حتّى يفكِّروا بطريقةٍ عاطفيَّة؟ وإذا أردنا أن نعطي لأولادنا شعوراً بالثقة وبالاستقلال، فإنّهم قد يضيعون وقد يُخْدَعُون، لأنّهم لا يعيشون أيّ تجربةٍ في الحياة، ولذلك نحن عندما نطلب منهم أن يخضعوا لنا، فلأنَّنا أُناسٌ جرَّبنا الحياة من خلالهم، ونريد أن نعطيهم تجربتنا، فإذا انطلقوا من دون تجربة، فإنَّ هذه الانطلاقة تجعلهم يعانون في الحياة، وعاطفتنا لا تسمحُ لنا بأن يُعانوا في الحياة. قد يقول بعض الآباء والأُمّهات ذلك. لكنْ هناك فرق بين أن نقول لأولادنا: لا تفكِّروا، ليس لكم حريّة في الحياة، ليست لكم إرادةٌ في التفكير في مستقبلكم، نحن نصنع لكم مستقبلكم ونخطِّط لكم حياتكم ونضع لكم البرنامج، وبين أن نقول لهم: فكِّروا في أنفسكم، وفكِّروا معنا، فكِّروا وحاولوا أن تُشْرِكونا في تفكيركم، لنعطيكم من فكرنا القائم على التجربة، وانطلقوا إلى الحياة.

لذلك، أن نعطي أولادنا الثقة بأنفسهم، وبأنّهم قادرون على أن يفكِّروا، ونعطيهم، إلى جانب ذلك، الفكرة بأنَّ عليهم ألَّا يستبدّوا في تفكيرهم، لأنّهم قد يدركون شيئاً من الحقيقة، وقد يُدرك الآخرون شيئاً آخر.. عندما نربّي أولادنا على احترام إرادتهم وعلى حاجتهم لفهم إرادة الآخرين، وعلى احترام تجربتهم، واحترام تجربة الآخرين، عند ذلك، تكون الأمّ صديقة لابنتها، ويكون الأب صديقاً لأولاده لا حاكماً، صديقاً قويّاً، لأنَّ الأولاد قد يحتاجون إلى قوّةٍ تحميهم من كلِّ ضعف.. لكنَّ هناك فرقاً بين القوّة التي تُلغيك، وبين القوّة التي تقوِّي ضعفك، هناك فرقٌ بين أن نكون وحوشاً كاسرة تجاه أولادنا، أو أنْ يكون كلّ واحدٍ منّا إنساناً يوحي لولده بأنَّ هناك قوّةً تحميه، كما يوحي إليه بأنّ له وجوداً يستطيع من خلاله أن يمارس استقلاليّته في الحياة.

من خلال هذا، نتفادى الكثير من حالات الصِّراع بين الجيل القديم والجيل الحديث، بين الآباء والأمَّهات والأولاد، عندما ينطلق الأولاد ليشعروا بأنَّ أفضل صدرٍ لأسرارهم، هو صدرُ الأمّ والأب، من خلال أنَّ الأب والأمَّ يحترمان أسرارَ أولادهما.. عندما يشعر الولد، ذكراً كان أو أنثى، بأنَّ أباه يرعى حاجاته النفسيَّة والجسديَّة والعاطفيَّة، وينظِّم له هذه الحاجات، ويمنع الضّعف أن ينفذ إلى هذه الحاجات، عندما يعيش الولد هذا الإحساس، عند ذلك، يمكن أن ننتج أولاداً أقوياء مستقلّين، معتمدين على أنفسهم، منفتحين على غيرهم، وبذلك يمكن أن تكون الأسرة تجربة لا يعيشُ فيها أحدُنا ـــ عندما نكون أولاداً ـــ ضعفه، ولكن يعيش أحدنا تجربة القوَّة من خلال هذا التفاعل بين الأولاد وبين الآباء. وبهذا نستطيع أن نتغلَّب على الكثير من المشاكل والعقد النفسيَّة التي يعيشها أولادُنا، كما أنَّ الأولاد عندما يعون، يستطيعون أن يتغلَّبوا على المشاكل التي ينتجونها لآبائهم.

فالأسرة، إذاً، هي المدرسة الطبيعيَّة في الحياة التي قد لا تحتاج إلى قراءة وكتابة بالمعنى المصطلح، ولكنَّها تحتاج إلى وعي الإنسان لنقاط ضعفه وقوَّته، وتحتاج إلى رحمة الإنسان، وإلى حبٍّ عقلاني، وإلى عقلانيَّة العاطفة.

* من كتاب "للإنسان والحياة".

الكثيرون من الآباء والأمَّهات يتصوَّرون مسألة الأولاد تصوّراً ماديَّاً، ولا ينفذون إلى داخل عقل الولد وإلى إدراكه، ولذلك فقد يحطِّمون أولادهم عقلياً وعاطفياً، أو يمنعونهم من الانفتاح والتطوُّر.

عادةً، الآباء والأمّهات ـــ كما يقول البعض ـــ لا يتصوَّرون أولادهم إلا أطفالاً، حتّى لو بلغوا سنَّ الشباب، لأنَّ هذا الجانب العاطفي الَّذي ينطلق مع الحالة الطفوليَّة وامتداد العاطفة، يصوِّر للأُم أنَّ الولد لا يزال محتاجاً إليها، والأب يتصوَّر أنَّ الولد لا يزال محتاجاً إليه.. صحيحٌ أنَّ الإنسان يحتاجُ إلى العاطفة وهو صغير، وهو شابّ، حتّى وهو شيخ كبير، هذا انعكاسٌ إيجابيّ جيّد، لأنَّ العاطفة حاجةٌ وحالةٌ إنسانيَّة، لكن في كثيرٍ من الحالات، تعتبرُ الأُم أنَّ ابنتها بحاجة إليها دائماً، بحيث إِنّها لا تستطيع أن تستقلّ بفكرها، فكما أنّها عندما كانت رضيعة لا تستطيع أن تستقلّ في غذائها وإدارة شؤونها، فهي تتصوَّر أنّها لو وصلت إلى العشرين أو الثَّلاثين، لا بدَّ أن تشاورها في كلّ شيء، ليس لها أن تفكِّر بشكلٍ مستقلّ، وليس لها أن تكون إرادتها مستقلّة. وهكذا الأب، يتصوّر أنّ كلمته هي الكلمةُ في البيت، ورأيه هو الرأي، فأنتم لا زلتم أولاداً، ولا تستطيعون التفكير باستقلاليَّة. وبهذه الطريقة، نلاحظ الآن أنَّ كثيراً من الآباء لا يسمحون لأولادهم بأن يفكِّروا، وبالتالي، فإنّهم لا يسمحون لأولادهم بأن يريدوا.. وهذا النوع من العاطفة الساذجة الفوضويَّة غير المثقّفة وغير الإنسانيَّة، قد يُعطِّل قوَّة الإرادة عند الولد، وقد يعطّل قوَّة العقل عنده، لأنَّنا عندما نُشْعِرُ الإنسان بأنَّه لا يفهم ولا أن يفكِّر وأن يعرف مصلحته، فمن الطبيعي أنَّ هذا يُشَكِّل عمليَّة إيحاءٍ نفسيّ دائمة تحفر في داخل نفسه، ليتحوَّل إلى إنسانٍ ضعيف الشخصيَّة، لا يملك عقله وفكره وإرادته، ويظلُّ مشدوداً إلى الآخر، وهذا ما يجعلُ الاستضعاف حالةً في أولادنا.

ربّما يقول قائل: إذاً ماذا نفعل؟ هل نترك أولادنا على طفولتهم ليفكِّروا بطريقةٍ طفوليَّة؟ هل نترك بناتنا على حسب عواطفهنَّ حتّى يفكِّروا بطريقةٍ عاطفيَّة؟ وإذا أردنا أن نعطي لأولادنا شعوراً بالثقة وبالاستقلال، فإنّهم قد يضيعون وقد يُخْدَعُون، لأنّهم لا يعيشون أيّ تجربةٍ في الحياة، ولذلك نحن عندما نطلب منهم أن يخضعوا لنا، فلأنَّنا أُناسٌ جرَّبنا الحياة من خلالهم، ونريد أن نعطيهم تجربتنا، فإذا انطلقوا من دون تجربة، فإنَّ هذه الانطلاقة تجعلهم يعانون في الحياة، وعاطفتنا لا تسمحُ لنا بأن يُعانوا في الحياة. قد يقول بعض الآباء والأُمّهات ذلك. لكنْ هناك فرق بين أن نقول لأولادنا: لا تفكِّروا، ليس لكم حريّة في الحياة، ليست لكم إرادةٌ في التفكير في مستقبلكم، نحن نصنع لكم مستقبلكم ونخطِّط لكم حياتكم ونضع لكم البرنامج، وبين أن نقول لهم: فكِّروا في أنفسكم، وفكِّروا معنا، فكِّروا وحاولوا أن تُشْرِكونا في تفكيركم، لنعطيكم من فكرنا القائم على التجربة، وانطلقوا إلى الحياة.

لذلك، أن نعطي أولادنا الثقة بأنفسهم، وبأنّهم قادرون على أن يفكِّروا، ونعطيهم، إلى جانب ذلك، الفكرة بأنَّ عليهم ألَّا يستبدّوا في تفكيرهم، لأنّهم قد يدركون شيئاً من الحقيقة، وقد يُدرك الآخرون شيئاً آخر.. عندما نربّي أولادنا على احترام إرادتهم وعلى حاجتهم لفهم إرادة الآخرين، وعلى احترام تجربتهم، واحترام تجربة الآخرين، عند ذلك، تكون الأمّ صديقة لابنتها، ويكون الأب صديقاً لأولاده لا حاكماً، صديقاً قويّاً، لأنَّ الأولاد قد يحتاجون إلى قوّةٍ تحميهم من كلِّ ضعف.. لكنَّ هناك فرقاً بين القوّة التي تُلغيك، وبين القوّة التي تقوِّي ضعفك، هناك فرقٌ بين أن نكون وحوشاً كاسرة تجاه أولادنا، أو أنْ يكون كلّ واحدٍ منّا إنساناً يوحي لولده بأنَّ هناك قوّةً تحميه، كما يوحي إليه بأنّ له وجوداً يستطيع من خلاله أن يمارس استقلاليّته في الحياة.

من خلال هذا، نتفادى الكثير من حالات الصِّراع بين الجيل القديم والجيل الحديث، بين الآباء والأمَّهات والأولاد، عندما ينطلق الأولاد ليشعروا بأنَّ أفضل صدرٍ لأسرارهم، هو صدرُ الأمّ والأب، من خلال أنَّ الأب والأمَّ يحترمان أسرارَ أولادهما.. عندما يشعر الولد، ذكراً كان أو أنثى، بأنَّ أباه يرعى حاجاته النفسيَّة والجسديَّة والعاطفيَّة، وينظِّم له هذه الحاجات، ويمنع الضّعف أن ينفذ إلى هذه الحاجات، عندما يعيش الولد هذا الإحساس، عند ذلك، يمكن أن ننتج أولاداً أقوياء مستقلّين، معتمدين على أنفسهم، منفتحين على غيرهم، وبذلك يمكن أن تكون الأسرة تجربة لا يعيشُ فيها أحدُنا ـــ عندما نكون أولاداً ـــ ضعفه، ولكن يعيش أحدنا تجربة القوَّة من خلال هذا التفاعل بين الأولاد وبين الآباء. وبهذا نستطيع أن نتغلَّب على الكثير من المشاكل والعقد النفسيَّة التي يعيشها أولادُنا، كما أنَّ الأولاد عندما يعون، يستطيعون أن يتغلَّبوا على المشاكل التي ينتجونها لآبائهم.

فالأسرة، إذاً، هي المدرسة الطبيعيَّة في الحياة التي قد لا تحتاج إلى قراءة وكتابة بالمعنى المصطلح، ولكنَّها تحتاج إلى وعي الإنسان لنقاط ضعفه وقوَّته، وتحتاج إلى رحمة الإنسان، وإلى حبٍّ عقلاني، وإلى عقلانيَّة العاطفة.

* من كتاب "للإنسان والحياة".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية