كتابات
16/01/2023

سرقةُ الطُّغاةِ أموالَ النَّاسِ مِنْ أسبابِ دمارِ المجتمعاتِ

سرقةُ الطُّغاةِ أموالَ النَّاسِ مِنْ أسبابِ دمارِ المجتمعاتِ

عندما ندرس الكثير من الأوضاع التي دمَّرت الحضارات في التاريخ، أو التي أسقطت الدول والحكَّام، من خلال بعض الأوضاع الحادَّة والقاسية، نجد مثل ذلك في الواقع الذي نعيشه، حيث نعرف الطّغاة الذين يسيطرون على المجتمعات بالقوَّة السياسيَّة التي يحصلون عليها، من خلال الدول الكبرى التي توظّفهم ليكونوا حراساً لمصالحها على حساب مصالح الشعوب، فيملكون القوّة السياسية التي يستطيعون من خلالها ترتيب الدَّولة على قياس مصالحهم الخاصَّة، في أقربائهم وأصدقائهم ومحازبيهم، من دون أن يسمحوا لأحد بأن يحاسبهم على ذلك كلّه، فيسرقون أموال النَّاس من خلال ما اكتسبوه من قوّة سياسية قد تتحوَّل إلى قوَّة أمنيّة عسكريّة مما يملكونه من السّلاح، وما إلى ذلك، وهكذا بالنسبة إلى القوَّة الاقتصادية.

ونحن لا نزال نعيش في مثل هذه الظروف التي عاش معها هؤلاء الطغاة وسقطوا، لأنَّ وظيفتهم قد انتهت، ولأنهم يريدون استبدالهم بغيرهم. أمَّا الشعب، فإنَّه يعيش مضطهداً مدمَّراً، يرصد الطغاة كلّ أوضاعه، ويسلّطون الأجهزة المخابراتيَّة التي تمسك على الناس أنفاسهم، وتحاكمهم على ما لم يفعلوه، وتقسو في محاكمتهم على ما فعلوه، وخشية أن يتحوَّل هؤلاء الناس إلى قوة شعبيَّة في المجتمع، يعملون على تسجيل الكثير من الاتّهامات التي قد تصل بهم إلى حدِّ الإعدام، وهم براء منها...

يقول النبيَّ (ص): "إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ"1، وهو (ص) يؤكِّد في هذا الحديث، أنَّ مثل هذا الواقع يؤدّي إلى دمار المجتمعات، وبالتّالي دمار الَّذين يصنعون مثل هذا الواقع، ومن الطبيعي أنَّ النبيّ (ص) عندما يؤكِّد ذلك، فإنّه لا يؤكّده على أساس أن يحدّثنا عن التاريخ، لكي يلهو النَّاس بقصص التاريخ، كما إنَّ القرآن عندما يتحدَّث عن التاريخ، فإنَّه يتحدث عنه على أساس قوله: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ}[يوسف: 111]، وقوله: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[البقرة: 134]، وإنما أراد النبيّ (ص) من خلال كلمته، أن يؤكِّد أن خطَّ العدل لا يعرف قويّاً ولا ضعيفاً، ولا شريفاً ولا حقيراً، وهذا ما أكَّده أيضاً القرآن الكريم، عندما دعا المؤمنين إلى أن يتحرّكوا بالعدل حتى ضد الأقربين، قال تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[الأنعام: 152]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لله وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}.

حتى إنَّ القرآن الكريم يريد منّا أن نعدل مع أعدائنا إذا كان الحقّ لهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لله شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[المائدة: 8]، اعدل حتى مع عدوّك...

وفي ضوء هذا، فإنَّ المطلوب منّا أن نعيش هذه الذهنيَّة الإسلاميَّة القانونيَّة الحقيقيَّة التي تؤكد أنَّ على المجتمع، سواءً في البيت أو الشارع أو النادي أو في كلّ المواقع، أن يتربى على أساس أن يحاسب الشَّريف على انحرافه، كما يحاسب الفقير على انحرافه، حتى نستطيع أن نصنع مجتمعاً عادلاً، وحتى نستطيع أن نصنع دولةً عادلةً، لأنَّ الكثيرين منّا قد يطلبون العدل من الآخرين، ويسبّون ويلعنون الظالمين، ولكنَّهم لا يعدلون مع زوجاتهم، ولا مع أولادهم، ولا مع جيرانهم، ولا مع الَّذين يتعاملون معهم. ولذلك، قال الإمام جعفر الصَّادق (ع) لبعض أصحابه: "اتّقوا الله واعدلوا، فإنَّكم تعيبون على قوم لا يعدلون"2، أيْ إذا كنتم تعيبون عليهم على أساس أنهم لا يعدلون، فما بالكم لا تعدلون في ما تملكون أمره في الأوضاع التي تتَّصل بمسؤوليَّتكم هنا وهناك.

* من كتاب "النَّدوة"، ج 14.

[1]صحيح البخاري، ج ١٠، ص ٢٧٣.

[2]الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 329.

عندما ندرس الكثير من الأوضاع التي دمَّرت الحضارات في التاريخ، أو التي أسقطت الدول والحكَّام، من خلال بعض الأوضاع الحادَّة والقاسية، نجد مثل ذلك في الواقع الذي نعيشه، حيث نعرف الطّغاة الذين يسيطرون على المجتمعات بالقوَّة السياسيَّة التي يحصلون عليها، من خلال الدول الكبرى التي توظّفهم ليكونوا حراساً لمصالحها على حساب مصالح الشعوب، فيملكون القوّة السياسية التي يستطيعون من خلالها ترتيب الدَّولة على قياس مصالحهم الخاصَّة، في أقربائهم وأصدقائهم ومحازبيهم، من دون أن يسمحوا لأحد بأن يحاسبهم على ذلك كلّه، فيسرقون أموال النَّاس من خلال ما اكتسبوه من قوّة سياسية قد تتحوَّل إلى قوَّة أمنيّة عسكريّة مما يملكونه من السّلاح، وما إلى ذلك، وهكذا بالنسبة إلى القوَّة الاقتصادية.

ونحن لا نزال نعيش في مثل هذه الظروف التي عاش معها هؤلاء الطغاة وسقطوا، لأنَّ وظيفتهم قد انتهت، ولأنهم يريدون استبدالهم بغيرهم. أمَّا الشعب، فإنَّه يعيش مضطهداً مدمَّراً، يرصد الطغاة كلّ أوضاعه، ويسلّطون الأجهزة المخابراتيَّة التي تمسك على الناس أنفاسهم، وتحاكمهم على ما لم يفعلوه، وتقسو في محاكمتهم على ما فعلوه، وخشية أن يتحوَّل هؤلاء الناس إلى قوة شعبيَّة في المجتمع، يعملون على تسجيل الكثير من الاتّهامات التي قد تصل بهم إلى حدِّ الإعدام، وهم براء منها...

يقول النبيَّ (ص): "إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ"1، وهو (ص) يؤكِّد في هذا الحديث، أنَّ مثل هذا الواقع يؤدّي إلى دمار المجتمعات، وبالتّالي دمار الَّذين يصنعون مثل هذا الواقع، ومن الطبيعي أنَّ النبيّ (ص) عندما يؤكِّد ذلك، فإنّه لا يؤكّده على أساس أن يحدّثنا عن التاريخ، لكي يلهو النَّاس بقصص التاريخ، كما إنَّ القرآن عندما يتحدَّث عن التاريخ، فإنَّه يتحدث عنه على أساس قوله: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ}[يوسف: 111]، وقوله: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[البقرة: 134]، وإنما أراد النبيّ (ص) من خلال كلمته، أن يؤكِّد أن خطَّ العدل لا يعرف قويّاً ولا ضعيفاً، ولا شريفاً ولا حقيراً، وهذا ما أكَّده أيضاً القرآن الكريم، عندما دعا المؤمنين إلى أن يتحرّكوا بالعدل حتى ضد الأقربين، قال تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[الأنعام: 152]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لله وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}.

حتى إنَّ القرآن الكريم يريد منّا أن نعدل مع أعدائنا إذا كان الحقّ لهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لله شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[المائدة: 8]، اعدل حتى مع عدوّك...

وفي ضوء هذا، فإنَّ المطلوب منّا أن نعيش هذه الذهنيَّة الإسلاميَّة القانونيَّة الحقيقيَّة التي تؤكد أنَّ على المجتمع، سواءً في البيت أو الشارع أو النادي أو في كلّ المواقع، أن يتربى على أساس أن يحاسب الشَّريف على انحرافه، كما يحاسب الفقير على انحرافه، حتى نستطيع أن نصنع مجتمعاً عادلاً، وحتى نستطيع أن نصنع دولةً عادلةً، لأنَّ الكثيرين منّا قد يطلبون العدل من الآخرين، ويسبّون ويلعنون الظالمين، ولكنَّهم لا يعدلون مع زوجاتهم، ولا مع أولادهم، ولا مع جيرانهم، ولا مع الَّذين يتعاملون معهم. ولذلك، قال الإمام جعفر الصَّادق (ع) لبعض أصحابه: "اتّقوا الله واعدلوا، فإنَّكم تعيبون على قوم لا يعدلون"2، أيْ إذا كنتم تعيبون عليهم على أساس أنهم لا يعدلون، فما بالكم لا تعدلون في ما تملكون أمره في الأوضاع التي تتَّصل بمسؤوليَّتكم هنا وهناك.

* من كتاب "النَّدوة"، ج 14.

[1]صحيح البخاري، ج ١٠، ص ٢٧٣.

[2]الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 329.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية