[مَن الطَّرف الأكثر قدرةً على بناء الإنسان؛ هل هو البيت، أم التعليم، أم
التربية، أم الدّين؟]
هناك نقطة يجب أن نلحظها، وهي أنَّ الإنسان يمثّل وحدة متنوِّعة الأبعاد، ولذلك، لا
يمكن أن نرصده من جانبٍ واحد، ولا يمكن أن نتحدَّث عن التعليم والتربية بعيداً من
الجانب الأخلاقيّ، ولا عن الجانب الأخلاقيّ بعيداً من الجانب الغريزيّ الّذي يقد
يقوى بفعل العناصر المؤثّرة فيه، وعلينا أن نعرف أنّ البيئة قد تخلط الأوضاع بشكل
لا يجعل عنصراً من هذه العناصر يمكن أن يؤثّر تأثيراً إيجابياً على مستوى النتائج
الإيجابيّة.
لهذا، فالإنسان مخلوقٌ متحرّك، ربما يبدأ صباحاً بذهنيّة ومؤثّرات معيّنة، لنجد أنه
قد يتأثّر ببعض ما يعرض له في اليوم، إنْ من خلال مؤثّرات الطعام أو الشراب، أو
مؤثّرات الغريزة، أو مؤثّرات الجوانب الأخرى، كالقراءات أو الاستهداء بقدوةٍ ما...
ولهذا، نجد أنه في التعليم الدينيّ، يتوجّه الإنسان ليناجيَ خالقه في الصباح
والمساء، فأدعية الصباح توجّه الإنسان ليبدأ هذا الزمن بدايةً ينفتح فيها على كلّ
ما يمكن أن يحقّق له النتائج الإيجابيّة ويبعد عنه النتائج السلبيّة.
وهكذا، ينتقل هذا الاتجاه نفسه إلى زمن المساء، حيث إنَّ انفتاح الإنسان على ربِّه
في حركته اليوميّة، تجعله يبدأ صباحه بالانفتاح على الله من خلالها، ثم تتكرَّر هذه
الحالة في المساء، حذراً من أن تكون مجريات ما بين الصّباح والمساء قد تركت بعض
المؤثّرات السلبيّة عليه، بما يحتاج معه إلى إعادة إنتاج للإيجابيات من جديد، فنقرأ
في أدعية الإمام عليّ بن الحسين (ع) في الصباح والمساء: "
اللّهمّ وهذا يومٌ حادثٌ
جديد، وهو علينا شاهدٌ عتيد
". إنّه يشعر بأنّ اليوم يمثِّل عيناً تُحدِّق به وتشهد
عليه، "إن أحسنَّا ودَّعَنا بحمد، وإن أسأْنا فارقَنا بذمٍّ". فالزمن يملك القيمة
للإنسان، قيمة أن يمدحه وأن يذمّه.
ثم يبدأ في الدعاء في عملية ابتهال إلى الله أن يتدخّل ليمنحه القوّة والقدرة على
الاستقامة: "
اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وارزقنا حُسْن مصاحبته، واعصمنا من
سوء مُفارقته بارتكاب جريرةٍ أو اقتراف صغيرةٍ أو كبيرة، وأجزل لنا فيه من الحسنات،
وأخلنا فيه من السيّئات، واملأ لنا ما بين طرفيه حمداً وشكراً وأجراً وذخراً وفضلاً
وإحساناً
".
ثم يلتفت في دعائه إلى أنَّ الله عيّن له ملائكة يحصون عليه أعماله في كلّ ما يقوم
به في يومه: "
اللّهمّ يسِّر على الكرام الكاتبين مؤونتنا، واملأ لنا من حسناتنا
صحائفنا، ولا تُخزنا عندهم بسوء أعمالنا
"، إلى أن يقول في المساء، كما في الصّباح،
ليبرمج يومه: "
اللّهمّ وفّقنا في يومنا هذا وليلتنا هذه، وفي جميع أيَّامنا،
لاستعمال الخير، وهجران الشرّ، وشكر النّعم، واتّباع السنن، ومجانبة البِدَع،
والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وحياطة الإسلام، وانتقاص الباطل وإذلاله،
ونصرة الحقّ وإعزازه، وإرشاد الضّالّ، ومعاونة الضّعيف، وإدراك اللّهيف
"1.
إننا عندما نقرأ هذه المفردات، نعرف أنّ على الإنسان أن يكون واعياً لنفسه في كلّ
ما يتحرّك به ويفكِّر فيه، ليكون يومه يوماً يتمتَّع بتعميق إنسانيّته واستقامة
حركتها في الاتجاه الصّحيح، بما يوحي بأنّ على الإنسان أن يكون مراقباً لنفسه. ونحن
نلاحظ أنّ القرآن الكريم يؤكّد هذه التربية: {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ
}[الحشر: 18]. أن يفكّر
الإنسان بما قدّمه لمستقبله، سواء أكان مستقبلاً في الدّنيا أم في الآخرة. وفي
الحديث النبوي الشريف: "حاسِبوا أنفُسَكم قبل أن تُحَاسبوا، وزِنوها قبل أن توزنوا"2 . نحن نعرف أنّ على الإنسان عندما ينفذ إلى داخل نفسه، أن ينفتح على كلّ أبعاد
النفس الحسيّة والفكرية، باعتبار أنّ الإنسان يمثِّل مخلوقاً يتأثّر بأيِّ شيءٍ،
حتى بنسمة الهواء التي تمرّ به، ويتأثّر بالطّعام الّذي يأكله، وبالماء الذي يشربه،
وبالشّهوات الداخلية، ويتأثّر باستقراره وبالظّروف القاسية الّتي يحياها.
لهذا، على الإنسان أن يكون في حالة طوارئ إنسانيّة، بحيث يبقى مشغولاً بنفسه.
*من كتاب "عن سنوات ومواقف وشخصيّات".
[1]الصّحيفة السّجاديّة، دعاء الصّباح والمساء.
[2]العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج67، ص 73.
[مَن الطَّرف الأكثر قدرةً على بناء الإنسان؛ هل هو البيت، أم التعليم، أم
التربية، أم الدّين؟]
هناك نقطة يجب أن نلحظها، وهي أنَّ الإنسان يمثّل وحدة متنوِّعة الأبعاد، ولذلك، لا
يمكن أن نرصده من جانبٍ واحد، ولا يمكن أن نتحدَّث عن التعليم والتربية بعيداً من
الجانب الأخلاقيّ، ولا عن الجانب الأخلاقيّ بعيداً من الجانب الغريزيّ الّذي يقد
يقوى بفعل العناصر المؤثّرة فيه، وعلينا أن نعرف أنّ البيئة قد تخلط الأوضاع بشكل
لا يجعل عنصراً من هذه العناصر يمكن أن يؤثّر تأثيراً إيجابياً على مستوى النتائج
الإيجابيّة.
لهذا، فالإنسان مخلوقٌ متحرّك، ربما يبدأ صباحاً بذهنيّة ومؤثّرات معيّنة، لنجد أنه
قد يتأثّر ببعض ما يعرض له في اليوم، إنْ من خلال مؤثّرات الطعام أو الشراب، أو
مؤثّرات الغريزة، أو مؤثّرات الجوانب الأخرى، كالقراءات أو الاستهداء بقدوةٍ ما...
ولهذا، نجد أنه في التعليم الدينيّ، يتوجّه الإنسان ليناجيَ خالقه في الصباح
والمساء، فأدعية الصباح توجّه الإنسان ليبدأ هذا الزمن بدايةً ينفتح فيها على كلّ
ما يمكن أن يحقّق له النتائج الإيجابيّة ويبعد عنه النتائج السلبيّة.
وهكذا، ينتقل هذا الاتجاه نفسه إلى زمن المساء، حيث إنَّ انفتاح الإنسان على ربِّه
في حركته اليوميّة، تجعله يبدأ صباحه بالانفتاح على الله من خلالها، ثم تتكرَّر هذه
الحالة في المساء، حذراً من أن تكون مجريات ما بين الصّباح والمساء قد تركت بعض
المؤثّرات السلبيّة عليه، بما يحتاج معه إلى إعادة إنتاج للإيجابيات من جديد، فنقرأ
في أدعية الإمام عليّ بن الحسين (ع) في الصباح والمساء: "
اللّهمّ وهذا يومٌ حادثٌ
جديد، وهو علينا شاهدٌ عتيد
". إنّه يشعر بأنّ اليوم يمثِّل عيناً تُحدِّق به وتشهد
عليه، "إن أحسنَّا ودَّعَنا بحمد، وإن أسأْنا فارقَنا بذمٍّ". فالزمن يملك القيمة
للإنسان، قيمة أن يمدحه وأن يذمّه.
ثم يبدأ في الدعاء في عملية ابتهال إلى الله أن يتدخّل ليمنحه القوّة والقدرة على
الاستقامة: "
اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وارزقنا حُسْن مصاحبته، واعصمنا من
سوء مُفارقته بارتكاب جريرةٍ أو اقتراف صغيرةٍ أو كبيرة، وأجزل لنا فيه من الحسنات،
وأخلنا فيه من السيّئات، واملأ لنا ما بين طرفيه حمداً وشكراً وأجراً وذخراً وفضلاً
وإحساناً
".
ثم يلتفت في دعائه إلى أنَّ الله عيّن له ملائكة يحصون عليه أعماله في كلّ ما يقوم
به في يومه: "
اللّهمّ يسِّر على الكرام الكاتبين مؤونتنا، واملأ لنا من حسناتنا
صحائفنا، ولا تُخزنا عندهم بسوء أعمالنا
"، إلى أن يقول في المساء، كما في الصّباح،
ليبرمج يومه: "
اللّهمّ وفّقنا في يومنا هذا وليلتنا هذه، وفي جميع أيَّامنا،
لاستعمال الخير، وهجران الشرّ، وشكر النّعم، واتّباع السنن، ومجانبة البِدَع،
والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وحياطة الإسلام، وانتقاص الباطل وإذلاله،
ونصرة الحقّ وإعزازه، وإرشاد الضّالّ، ومعاونة الضّعيف، وإدراك اللّهيف
"1.
إننا عندما نقرأ هذه المفردات، نعرف أنّ على الإنسان أن يكون واعياً لنفسه في كلّ
ما يتحرّك به ويفكِّر فيه، ليكون يومه يوماً يتمتَّع بتعميق إنسانيّته واستقامة
حركتها في الاتجاه الصّحيح، بما يوحي بأنّ على الإنسان أن يكون مراقباً لنفسه. ونحن
نلاحظ أنّ القرآن الكريم يؤكّد هذه التربية: {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ
}[الحشر: 18]. أن يفكّر
الإنسان بما قدّمه لمستقبله، سواء أكان مستقبلاً في الدّنيا أم في الآخرة. وفي
الحديث النبوي الشريف: "حاسِبوا أنفُسَكم قبل أن تُحَاسبوا، وزِنوها قبل أن توزنوا"2 . نحن نعرف أنّ على الإنسان عندما ينفذ إلى داخل نفسه، أن ينفتح على كلّ أبعاد
النفس الحسيّة والفكرية، باعتبار أنّ الإنسان يمثِّل مخلوقاً يتأثّر بأيِّ شيءٍ،
حتى بنسمة الهواء التي تمرّ به، ويتأثّر بالطّعام الّذي يأكله، وبالماء الذي يشربه،
وبالشّهوات الداخلية، ويتأثّر باستقراره وبالظّروف القاسية الّتي يحياها.
لهذا، على الإنسان أن يكون في حالة طوارئ إنسانيّة، بحيث يبقى مشغولاً بنفسه.
*من كتاب "عن سنوات ومواقف وشخصيّات".
[1]الصّحيفة السّجاديّة، دعاء الصّباح والمساء.
[2]العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج67، ص 73.