كتاب "العودة إلى الذّات"، للدكتور المفكّر علي شريعتي، ترجمة الدكتور إبراهيم الدسوقي شتا، في الطبعة الأولى العام 1986م، نشر "الزهراء للإعلام العربي".
الفصل الأوَّل من الكتاب تحت عنوان "العودة إلى الذَّات"، هو عبارة عن محاضرة ألقاها شريعتي في جامعة جنديسابور. والفصل الثّاني، تحت عنوان "العودة إلى أيِّ ذات!"، كتبه شريعتي في أخريات عمره، وبطبيعة الحال، فإنَّ نتاج شريعتي هو من النِّتاجات الفكريَّة الإنسانيَّة العالميَّة الحيَّة والمؤثّرة.
عرف شريعتي أنَّ العودة إلى الذَّات من أبرز مصاديق المؤمن العارف بأصول إسلامه والمتفهِّم له، لذا، فهو لا يمكن أن يرضى بديلاً من مفاهيم الإسلام الصَّافية والثَّوريَّة، وأنَّ الحضارة الغربيَّة، مهما كانت عالميَّةً أو مسيطرةً ومتسلِّطة، لا يمكن أن تصلح للمسلم الحقيقيّ الَّذي يدرك ضعف هذه الحضارة بالمقارنة مع ما يحمل من مبادئ.
فلعلَّ العودة إلى الذَّات كعنوان، تختصر فكر شريعتي في دعوته الفرد والأمَّة إلى العودة إلى أصالتها، وعدم الجمود في قوالب الجهل والتخلُّف؛ هذه القوالب الَّتي تريد أن تسحق شخصيَّة الفرد والأمَّة، وتحرمهما من فعلهما الطّبيعيّ في بناء الذّات النّاشطة والواعية والفاعلة على المستويات كافّة، فالإسلام في جوهر مفاهيمه، دعوة للعودة إلى استنهاض الذات الحيّة والمؤثّرة، ومواجهة كلّ الوسائل الّتي تعمل على تهميش الذات وتقييدها وسقوطها.
يرى شريعتي أنَّ السّلاح الوحيد الَّذي كنّا نملكه، ويدافع عن كياننا، هو الدين، ولأنَّ الدين والدّنيا لدينا واحدة، فإنّ ضياع أحدهما يستتبع ضياع الآخر، وللأسف، فإنَّ مفكّرينا الَّذين صُنعوا في الغرب، أفهمونا أنّ الدّين نوع من التعصّب، وأنّ التعصّب رجعيَّة وتأخُّر، فأضعفنا الدين وضاعت الدنيا.
والحلّ عند شريعتي، أن نعود إلى الإسلام بثقافته وفكره ومعتقداته وأسلوب حياته؛ هذا الإسلام الَّذي حوّل جندب بن جنادة (أبو ذر الغفاري) إلى ثوريّ عظيم ومفكّر، دون أن يبدِّل ثوبه أو يغيِّر راحلته، ولا بدّ من أجل العودة إلى الذات الإسلاميَّة من قطع مراحل، ومن ذلك مرحلة بناء الذات الثائرة الّتي تعيش روح العبادة والعمل والنّضال الاجتماعيّ المستمر.
فالقلب دوماً في عبادةٍ ترتقي بالروح والمشاعر، والعقل في تفكُّر ونشاط وبحث ومراجعة، والسّلاح في اليد، فالإسلام لا يعرف لا "الكوادر" ولا "الطبقات"، فلا تناقض في الإسلام بين أن يكون المرء معلّماً وعالماً وعاملاً، وفي الوقت نفسه، عنصراً سياسيّاً فعَّالاً، إلى حدّ شَغْلِ منصب الإمامة، وعندما يريد أمراً، يكون بطلاً مناضلاً بالسَّيف. لا تناقض في أن يكون المرء خليفةً للمسلمين، وفي الوقت نفسه يكون صانعاً للسّلال، أو تاجراً صغيراً، أو عاملاً في تأبير النّخل. وفي المرحلة الثانية، لا بدَّ من تصحيح مفاهيم الدّين في المجتمع وتنقيته من كلّ الشّوائب.
أمّا المرحلة الثالثة، فهي العمل على قيام إسلامٍ عالميّ أمميّ، ويكون الإسلام الرسالي هو الجنسيَّة وهو الوطن، ولا بدَّ من قيام العالميَّة الإسلاميَّة، ومن أن تسكت كلّ الخلافات المذهبيَّة.
يعتبر الدّكتور شريعتي أنّ المتنوِّر هو ذلك الإنسان الَّذي يعي ذاته، ويتمسَّك بما يؤمن به عن وعيٍ وانفتاح، بحيث لا يقبل أيَّ شيء كيفما كان، بل ينطلق من الرّوح النقديَّة الصَّالحة الّتي توجِّه حركة المجتمع.
فالذّات الإسلاميَّة هي تلك المنطلقة من روح الوعي والمسؤوليَّة والإيمان، في مواجهة كلّ أشكال الشعائريّة التقليديّة والطقوسيّة الَّتي تقيِّد المسلم في رسالته وأهدافه، بأن يتحسَّس روح إسلامه ورسالته تجاه مجتمعه وعصره.
إنّ الإسلام، بحسب شريعتي، هو دين الاجتهاد الاجتماعيّ والعقليّ، وليس دين التعصّب والجهل اللّذيْن لا يخضعان لأيّ منطق.
كتاب "العودة إلى الذّات" من الكتب الهامّة للمفكّر شريعتي، والَّتي تستدعي انتباه القارئ والباحث، بما تشتمل عليه من أفكار تنويريَّة تستنهض روح الفرد والجماعة.