كتاب "حديث عاشوراء"، لسماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، إعداد وتحقيق السيّد جعفر فضل الله، إصدار دار الملاك، في طبعته الثّانية للعام 1998.
يتحدّث بدايةً، سماحة المرجع السيّد فضل الله في تقديم الكتاب عن أهميّة الأحاديث العاشورائيّة، وزرعها في الأجواء العامّة للنّاس، بالأسلوب الّذي يفتح ذهنيّة النّاس على معاني عاشوراء وأبعادها، بمعزل عن الأسلوب التحقيقي والتاريخي الجافّ.
كتاب "حديث عاشوراء"، هو مجموعة من المحاضرات ألقاها سماحته في أماكن شتّى، مستوحياً من الذّكرى أصالة الإسلام ورساليّته في تأكيد خطّ العدل والحقّ والالتزام بهما، ولا ضير في لفت القارئ إلى ما أوضحه سماحته في تقديم الكتاب: "وقد عشت مع الذّكرى في مدى العمر فكراً وخطاباً وموعظةً ووحياً سياسيّاً واجتماعيّاً في قضايا الإنسان والحياة، في خطّ الإسلام الّذي أحمل في كياني رساليّته وحركيّته منذ ما يقارب الخمسين سنة، وقد وجدت في عاشوراء، وفي الحسين بالذّات، الإنسان والإمام والثّوريّ والصّابر والصّامد، كلّ الغنى للتّجربة الإنسانيّة في كلّ أبعادها الفكريّة والعمليّة، وقد حاولت استيحاء ذلك في أحاديثي مع النّاس، في المسجد والحسينيّة والنّادي والمهرجانات العامّة، في المسألة الرّوحيّة والسياسيّة والاجتماعيّة".
في هذا الكتاب، لا تعثر فقط على ما يتّصل بعاشوراء، بل يتوسّع سماحته في شرح تجلّياتها وأبعادها، ليس فقط فيما يتعلّق بالجانب الحدثي التّاريخي، بل بالجوانب السياسيّة والاجتماعيّة والدينيّة والإنسانيّة، كونها ـ عاشوراء ـ مسألة تتخطّى بأهميّتها ومعانيها حيزاً زمانياً ومكانياً وتاريخياً معيناً، بل تتسع لكلّ حركة الإسلام في سموّ مفاهيمه وأخلاقيّاته وقيمه المتحركة في آفاق التقوى، وصناعة إنسان رساليّ مخلص وملتزم، يعيش الإيمان سلوكاً مسؤولاً في الحياة، فينطلق بكلّ عزيمة لتأكيد خطّ العدل والحقّ والحريّة فيها.
يلفت سماحته إلى أهميّة إثارة القضيّة الحسينيّة في الوجدان العام من النّاحية العاطفيّة، كي تبقى المأساة حيّةً في القلوب والعقول، وكي لا تصبح مجرّد قضيّة تاريخيّة تموت مع الزّمن، ولكن لا بدَّ من استعادة المأساة بالأساليب العاطفيّة المتّزنة التي تترك تأثيرها العميق في النَّفس، ولا مانع من نقد بعض ما يتعلّق بالسيرة الحسينيّة بالشّكل الموضوعيّ الّذي يؤصّلها، ويبعد عنها أيّ عنصر غريب، كي تنطلق السيرة الحسينيّة إلى الأفق الإسلاميّ الرّحب، ولتكون مجالاً دعويّاً متحركاً وحيويّاً.
ويشير سماحته إلى أهميّة توظيف النصّ الحسينيّ في أعمال فنيّة ومسرحيّة، كأسلوبٍ تعبيريّ حيويّ يفتح النّاس، على اختلاف مستوياتهم، على هذه الذّكرى، بشكلٍ يجعل منها محطّةً للوعي والثّقافة والدّعوة إلى الله.
وفي الكتاب، إطلالات لسماحته على بعض المسائل المتّصلة بالقضيّة الحسينيّة وحركتها في الفكر والشّعور، وما يتوجّب من أجل الانفتاح على ارتباطاتها العميقة بالمضمون الرساليّ الإسلاميّ، وفي المعاني الإنسانيّة في ساحات الصّراع المتنوّعة في الحياة.
كما يتناول ما للذّكرى من موقعيّة متحركة، تعمل على تحفيزنا على الدّوام على القيام بكلّ ما يلزم من خطوات، من أجل صناعة جيل يتفاعل مع تاريخه الحيّ، ويستلهم الإسلام في حياته؛ الإسلام الثّائر والرافض لكلّ ظلم وباطل؛ إسلام المسؤوليّة والوعي، إسلام الحبّ والبغض في الله.
إنّ بداية العام الهجري مع شهر محرّم الحرام، يستدعي وقفة مع الذّات، فعاشوراء فرصة للتأمل في كلّ أوضاعنا وحساباتنا، لنسأل: هل نحن في خطّ الحقّ والعدل؟!
ويتوسّع سماحته في عرض دروس هذه الذّكرى في واقعنا، وما أحدثته من أثر، لجهة تأكيد الحقّ والعدالة، ومواجهة كلّ منكر وانحراف وفساد، بحيث أحيت مفاهيم الإسلام وروحه، وجعلته متحركاً في تفاصيل الفرد والأمّة على مدى الزّمن.
ويشير سماحته في مباحث الكتاب إلى عناوين متنوّعة وغنيّة متعلقة بكربلاء الحسين(ع)، كحركة إسلاميّة في حجم العالم، وكيفيّة استحضار هذه القضيّة في حاضرنا المحاصر بالتّعقيدات، كما يبيّن النموذج الحسيني في أصالته في خطّ الإسلام، وما أنتجته المدرسة الحسينيّة من عطاءات تصلح لمواجهة كلّ التحدّيات الفكرية والثقافية المعاصرة، فهي النّموذج في تغيير الواقع على أساس استقامة الخطّ.
كتاب لا بدّ منه للقارئ العاديّ وللمثقّف وللباحث بوجه عام، فهو غنيّ بمباحثه وعناوينه وشروحاته الّتي تستحضر القضيّة الحسينيّة من كلّ النواحي التاريخية والفكرية والإسلامية الحركية والإنسانية، ولقد أحدث هذا الكتاب بكلّ عناوينه وتفريعاته، انقلاباً فعلياً وجدياً في تصحيح الكثير من المفاهيم والأفكار حول القضية الحسينية بكلّ أوجهها، وأبرز كلّ مدلولاتها وأبعادها الأصيلة في خطّ الإسلام الثائر على الظلم والباطل والانحراف.
وما أحوجنا اليوم إلى استلهام كلّ هذه المعاني، وتربية أنفسنا على القيم الحسينيّة، التي هي قيم الإسلام الأصيل في حركته الممتدّة عبر الزّمن، من أجل صناعة إنسان الوعي والعقل والحريّة والرسالة!