شهر رمضان: أجواؤه.. ومعطياته

شهر رمضان: أجواؤه.. ومعطياته
نحن الآن في شهر رمضان، نعيش عمرنا في واحةٍ طيبة خضراء، نستروحُ جوّها النديّ المنعش، ونتفيّأ ظلالها الوارفة المخضلة في نشوةٍ روحيَّة طاهرة، ونتنفّس في أسحارها الطّيبة أنفاس الهدوء والطَّمأنينة، عندما ينطلق الإنسان مع ربّه في مناجاة شاعريَّة عذبة، واقفة بين الخوف والرجاء، واثقة بعفو الله ورحمته.

المناخ الروحي:
"أدعوك يا ربّ راهباً راغباً راجياً خائفاً، إذا رأيت ـ مولاي ـ ذنوبي فزعت، وإذا رأيت كرمك طمعت، فإن عفوت فخيرُ راحم، وإن عذّبت فغير ظالم". [دعاء السحر للإمام زين العابدين(ع)].
وهكذا تسمو النفس الإنسانيّة أمام ربّها في روحانيّة الدعاء وقدسيَّة الموقف، فتطمئنّ وتهدأ، ويتحوّل قلقها من مصيرها المجهول إلى اطمئنان وثقة وإيمان بعفو الله ورحمته ورضوانه، وعندها تشيعُ المحبة والوداعة والصفاء في أجواء النفس، لتنسكب في مجتمعها أخوّة ومودّة وإخلاصاً.

وهكذا، يرتفع هذا الجوّ الروحي اللذيذ بإنسانيَّة الإنسان، ويشعرها بمسؤوليتها عن المعاني الطيبة التي يعيشها هذا الجوّ الروحي في نفوس المؤمنين، فلا يشوّهها بخطيئة، ولا يلوّثها بجريمة.
قلنا: إننا نعيش عمرنا في واحة تستريح فيها النفس من عناء المادة، ويسترجع منها الإنسان أنفاسه في سيره الطويل المجهد، ولكنّها ليست الواحة التي يخلد الإنسان فيها إلى الاسترخاء والخمول والكسل، بل الواحة التي تتفتّح فيها الروح على آفاق جديدة، من الحياة الروحية الكريمة، والجمال النفسي الظاهر الطاهر، والخير والإيمان والسلام والكفاح، من أجل أن يطهّر الإنسان روحه من حيوانيّة الغريزة إلى إنسانية القيمة، في إطار إنساني رائع لا يشوّه القيم، ولكنّه يركّزها في عمليات الإبداع. كلّ ذلك في طريقة طبيعية عملية، ككل وسائل الإسلام التي تحقّق غاياته وأهدافه. وكان الصوم وسيلة من وسائل الإسلام لتحقيق أهدافه وغاياته.

الإرادة الحرّة:
إنَّ من أعظم أهداف الإسلام تربية الإرادة. أن يملك الإنسان أن يقول نعم، وأن يقول لا عندما تدهمه شهوته، أو تدعوه عادته، أو يسخّره ظالم أو مستهتر لخدمته وخدمة أغراضه وشهواته. أن يكون حراً في حياته، فلا تستعبده رغبة، ولا تقهره شدة، ولا يملك عليه مصيره إنسان ـ أياً كان ذلك الإنسان ـ أن يكون سيّد نفسه، يملك أن يريد وأن لا يريد.

ووظيفة الإرادة في حياتنا هي وظيفة الضَّابط الذي يكبح جماح الغريزة، ويخفِّف من غلواء الحيوانيّة النهمة التي تعيش في عروقنا ودمائنا فتستثير شهواتنا وغرائزنا.
وكان لا بدّ للإسلام من سبُل وطرائق عملية لتربية هذه الإرادة ورياضتها، وكان الصوم إحدى هذه الوسائل وإحدى هذه الطرائق، ففي الصوم حدٌّ من طغيان الجسم على الروح، والمادية على الإنسانية، والعبودية على الحرية، بأن يقول لا عندما تدهمه شهوته إلى الأكل أو الشرب أو الاستمتاع باللذات، أو تدعوه عادته إلى ذلك.

وعندما نلاحظ بدقّة نوعية الأمور التي فرض الله ـ عز وجل ـ على الإنسان أن يمتنع عنها، وشدّة علاقته بها في حياته اليومية، ومدى سيطرة العادة والحاجة الذاتية فيها، نعرف قوة مثل هذه الرياضة وطبيعتها العملية، وأثرها في تربية الإرادة، فإن رياضة النفس، كونها من ضروريات الحياة، تجعل الإنسان أقوى على ترويض نفسها.

وهنا ندرك كيف يكون الصوم طريقاً للكفاح، فإن الكفاح في حياتنا إرادة للخير وانطلاق لتحقيق تلك الإرادة. وكان الصوم إلى جانب ذلك عبادة لله ـ تعالى ـ كبقية العبادات، يلتقي الإنسان فيها بربّه، فتتلاشى إرادته وتذوب إزاء إرادة الله سبحانه وتعالى.
ولكنَّها لا تذوب لتموت بل لتحيا، ولتعود بإيمانها وخضوعها لخالقها أقوى ما تكون على مواجهة الأحداث في ميادين الصراع، ولتحقق في هذا التلاشي الذي هو مثال العبودية الحقّة لله، مبدأ قوة الإنسان ونقطة الانطلاق لحريّته، لأنَّ الإخلاص لله في العبادة وإطاعته في ما يأمُر به وينهى عنه، يمثّل في جوهره وحقيقته التحرّر من الخضوع لأية قوة ـ مهما كانت ـ وراء قوة الله.
وهذا هو ما تعبّر عنه الآية الكريمة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة: 4]. وبذلك، كانت العبادة وكان الصَّوم، وسيلة عملية لتحرّر الإنسان من عبوديته لأخيه الإنسان ومن عبوديَّته لعاداته وشهواته.
[كتاب: تقوى الصوم].
نحن الآن في شهر رمضان، نعيش عمرنا في واحةٍ طيبة خضراء، نستروحُ جوّها النديّ المنعش، ونتفيّأ ظلالها الوارفة المخضلة في نشوةٍ روحيَّة طاهرة، ونتنفّس في أسحارها الطّيبة أنفاس الهدوء والطَّمأنينة، عندما ينطلق الإنسان مع ربّه في مناجاة شاعريَّة عذبة، واقفة بين الخوف والرجاء، واثقة بعفو الله ورحمته.

المناخ الروحي:
"أدعوك يا ربّ راهباً راغباً راجياً خائفاً، إذا رأيت ـ مولاي ـ ذنوبي فزعت، وإذا رأيت كرمك طمعت، فإن عفوت فخيرُ راحم، وإن عذّبت فغير ظالم". [دعاء السحر للإمام زين العابدين(ع)].
وهكذا تسمو النفس الإنسانيّة أمام ربّها في روحانيّة الدعاء وقدسيَّة الموقف، فتطمئنّ وتهدأ، ويتحوّل قلقها من مصيرها المجهول إلى اطمئنان وثقة وإيمان بعفو الله ورحمته ورضوانه، وعندها تشيعُ المحبة والوداعة والصفاء في أجواء النفس، لتنسكب في مجتمعها أخوّة ومودّة وإخلاصاً.

وهكذا، يرتفع هذا الجوّ الروحي اللذيذ بإنسانيَّة الإنسان، ويشعرها بمسؤوليتها عن المعاني الطيبة التي يعيشها هذا الجوّ الروحي في نفوس المؤمنين، فلا يشوّهها بخطيئة، ولا يلوّثها بجريمة.
قلنا: إننا نعيش عمرنا في واحة تستريح فيها النفس من عناء المادة، ويسترجع منها الإنسان أنفاسه في سيره الطويل المجهد، ولكنّها ليست الواحة التي يخلد الإنسان فيها إلى الاسترخاء والخمول والكسل، بل الواحة التي تتفتّح فيها الروح على آفاق جديدة، من الحياة الروحية الكريمة، والجمال النفسي الظاهر الطاهر، والخير والإيمان والسلام والكفاح، من أجل أن يطهّر الإنسان روحه من حيوانيّة الغريزة إلى إنسانية القيمة، في إطار إنساني رائع لا يشوّه القيم، ولكنّه يركّزها في عمليات الإبداع. كلّ ذلك في طريقة طبيعية عملية، ككل وسائل الإسلام التي تحقّق غاياته وأهدافه. وكان الصوم وسيلة من وسائل الإسلام لتحقيق أهدافه وغاياته.

الإرادة الحرّة:
إنَّ من أعظم أهداف الإسلام تربية الإرادة. أن يملك الإنسان أن يقول نعم، وأن يقول لا عندما تدهمه شهوته، أو تدعوه عادته، أو يسخّره ظالم أو مستهتر لخدمته وخدمة أغراضه وشهواته. أن يكون حراً في حياته، فلا تستعبده رغبة، ولا تقهره شدة، ولا يملك عليه مصيره إنسان ـ أياً كان ذلك الإنسان ـ أن يكون سيّد نفسه، يملك أن يريد وأن لا يريد.

ووظيفة الإرادة في حياتنا هي وظيفة الضَّابط الذي يكبح جماح الغريزة، ويخفِّف من غلواء الحيوانيّة النهمة التي تعيش في عروقنا ودمائنا فتستثير شهواتنا وغرائزنا.
وكان لا بدّ للإسلام من سبُل وطرائق عملية لتربية هذه الإرادة ورياضتها، وكان الصوم إحدى هذه الوسائل وإحدى هذه الطرائق، ففي الصوم حدٌّ من طغيان الجسم على الروح، والمادية على الإنسانية، والعبودية على الحرية، بأن يقول لا عندما تدهمه شهوته إلى الأكل أو الشرب أو الاستمتاع باللذات، أو تدعوه عادته إلى ذلك.

وعندما نلاحظ بدقّة نوعية الأمور التي فرض الله ـ عز وجل ـ على الإنسان أن يمتنع عنها، وشدّة علاقته بها في حياته اليومية، ومدى سيطرة العادة والحاجة الذاتية فيها، نعرف قوة مثل هذه الرياضة وطبيعتها العملية، وأثرها في تربية الإرادة، فإن رياضة النفس، كونها من ضروريات الحياة، تجعل الإنسان أقوى على ترويض نفسها.

وهنا ندرك كيف يكون الصوم طريقاً للكفاح، فإن الكفاح في حياتنا إرادة للخير وانطلاق لتحقيق تلك الإرادة. وكان الصوم إلى جانب ذلك عبادة لله ـ تعالى ـ كبقية العبادات، يلتقي الإنسان فيها بربّه، فتتلاشى إرادته وتذوب إزاء إرادة الله سبحانه وتعالى.
ولكنَّها لا تذوب لتموت بل لتحيا، ولتعود بإيمانها وخضوعها لخالقها أقوى ما تكون على مواجهة الأحداث في ميادين الصراع، ولتحقق في هذا التلاشي الذي هو مثال العبودية الحقّة لله، مبدأ قوة الإنسان ونقطة الانطلاق لحريّته، لأنَّ الإخلاص لله في العبادة وإطاعته في ما يأمُر به وينهى عنه، يمثّل في جوهره وحقيقته التحرّر من الخضوع لأية قوة ـ مهما كانت ـ وراء قوة الله.
وهذا هو ما تعبّر عنه الآية الكريمة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة: 4]. وبذلك، كانت العبادة وكان الصَّوم، وسيلة عملية لتحرّر الإنسان من عبوديته لأخيه الإنسان ومن عبوديَّته لعاداته وشهواته.
[كتاب: تقوى الصوم].
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية