استشارة..
السّلام عليكم.
أنا طالبة جامعيَّة أدرس في الولايات المتحدة الأميركية. حضرت دروساً في الفلسفة، وناقشت بعض الأساتذة الملحدين، فدخل إلى قلبي الشكّ بالله ورسوله. من جهةٍ ثانية، اطّلعت على نظريات نشوء الكون والتطور بحكم تخصصي الطبي، ووجدت فيها الكثير من الحقائق المقنعة والمثبتة علمياً، ما شكَّكني بوجود الله تعالى.
لا زلت ملتزمة بصلاتي وصيامي وأغلب الواجبات، انطلاقاً من مبدأ أنَّ هذه العبادات لن تضرني حتى لو أكن مقتنعة بها، ولكنَّني أشعر بأنَّني أكذب على نفسي وأستهين بالله وتعاليمه، فكيف أدحض هذه الشكوك لأثبت على ديني؟
وجواب..
لا تتعارض العقائد والشَّرائع الإسلاميَّة مع الحقائق العلمية، لأنَّ مجال الدين هو تأكيد الكليات العقلية البديهيّة، مثل مقولة: "كل معلول لا بدّ له من علة"، أو "كل نتيجة لا بدّ لها من سبب"، أو مثل مقولة أنَّ "النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان"، وغير ذلك.
كما أنَّ مجال الدين الأساس والوحيد، هو تقويم السلوك الإنساني بجانبيه الاجتماعي والفردي على أساس القيم الأخلاقية الإنسانية العامة، ومن الواضح أنَّ كلا الجانبين، العقائدي والأخلاقي، لا ينافيان مقولات العلم التجريبي، لأن العلم سوف يخضع ما يشاهده للتجربة ليتعرف إلى طبيعته، فمثلاً حين يدرس طبيعة النمل أو النحل، سوف يجد حقائق قطعية مثبتة أمامه، وحينئذ لن تكون نتائج دراسته عن النمل معارضة للدين، لأنّ الدين يتطرق إلى أكل النمل إذا كان حلالاً أو حراماً، كما أنه سيقول إن العقل يحكم أن النمل لا بدَّ له من خالق أوجده، وهما أمران لا علاقة للعلم بهما، وهكذا سائر الأمور التي ستدرسينها.
وسبب الشكوك التي وقعت فيها هو أنَّك اعتبرت أن بعض النظريات التي ما تزال محلَّ أخذ ورد بين العلماء، والتي ما تزال نتائجها غير قطعية، مثل نظرية التطور، أنها حقائق علميَّة، والَّتي لو صحَّت، فإنها لا تنافي مقولات الدين، لأنَّ نظرية التطور لا تنفي وجود خالق وراء هذا التطوّر، وهو الذي جعل للأشياء قانون تطورها، كما أنك لم تميزي بين مجال العلم الحقيقي، وهو الواقع الخارجي المشاهد الخاضع للتجربة، وبعض الكليات النظرية التي يطلقها بعض العلماء والمفكرين في مجالات العلوم الإنسانية، مثل علم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة والأنثروبولوجيا، والتي هي في تعميماتها تتجاوز الواقع المشاهد، وبالتالي لا تعتبر حقائق علمية مثل حقيقة "دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس".
وعلى العموم، عليك وضع برنامج دقيق لتعزيز ثقافتك الدينية والتعرف إلى أصول الدين ومفاهيمه، ثم بعد ذلك، يحق لك التشكيك بها أو رفضها، فمن المهم أن يكون إنكارنا للشيء قائماً على العلم التام به، مثلما يجب أن يكون إيماننا به قائماً على العلم التام به.
وأخيراً، فإننا نرحب بأي سؤال تطرحينه مع الدعاء لك بدوام التوفيق.
***
مرسلة الاستشارة: ...
المجيب عن الاستشارة: الشّيخ محسن عطوي، عالم دين وباحث ومؤلف، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).
التاريخ:30-7-2013
نوع الاستشارة: دينية.
استشارة..
السّلام عليكم.
أنا طالبة جامعيَّة أدرس في الولايات المتحدة الأميركية. حضرت دروساً في الفلسفة، وناقشت بعض الأساتذة الملحدين، فدخل إلى قلبي الشكّ بالله ورسوله. من جهةٍ ثانية، اطّلعت على نظريات نشوء الكون والتطور بحكم تخصصي الطبي، ووجدت فيها الكثير من الحقائق المقنعة والمثبتة علمياً، ما شكَّكني بوجود الله تعالى.
لا زلت ملتزمة بصلاتي وصيامي وأغلب الواجبات، انطلاقاً من مبدأ أنَّ هذه العبادات لن تضرني حتى لو أكن مقتنعة بها، ولكنَّني أشعر بأنَّني أكذب على نفسي وأستهين بالله وتعاليمه، فكيف أدحض هذه الشكوك لأثبت على ديني؟
وجواب..
لا تتعارض العقائد والشَّرائع الإسلاميَّة مع الحقائق العلمية، لأنَّ مجال الدين هو تأكيد الكليات العقلية البديهيّة، مثل مقولة: "كل معلول لا بدّ له من علة"، أو "كل نتيجة لا بدّ لها من سبب"، أو مثل مقولة أنَّ "النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان"، وغير ذلك.
كما أنَّ مجال الدين الأساس والوحيد، هو تقويم السلوك الإنساني بجانبيه الاجتماعي والفردي على أساس القيم الأخلاقية الإنسانية العامة، ومن الواضح أنَّ كلا الجانبين، العقائدي والأخلاقي، لا ينافيان مقولات العلم التجريبي، لأن العلم سوف يخضع ما يشاهده للتجربة ليتعرف إلى طبيعته، فمثلاً حين يدرس طبيعة النمل أو النحل، سوف يجد حقائق قطعية مثبتة أمامه، وحينئذ لن تكون نتائج دراسته عن النمل معارضة للدين، لأنّ الدين يتطرق إلى أكل النمل إذا كان حلالاً أو حراماً، كما أنه سيقول إن العقل يحكم أن النمل لا بدَّ له من خالق أوجده، وهما أمران لا علاقة للعلم بهما، وهكذا سائر الأمور التي ستدرسينها.
وسبب الشكوك التي وقعت فيها هو أنَّك اعتبرت أن بعض النظريات التي ما تزال محلَّ أخذ ورد بين العلماء، والتي ما تزال نتائجها غير قطعية، مثل نظرية التطور، أنها حقائق علميَّة، والَّتي لو صحَّت، فإنها لا تنافي مقولات الدين، لأنَّ نظرية التطور لا تنفي وجود خالق وراء هذا التطوّر، وهو الذي جعل للأشياء قانون تطورها، كما أنك لم تميزي بين مجال العلم الحقيقي، وهو الواقع الخارجي المشاهد الخاضع للتجربة، وبعض الكليات النظرية التي يطلقها بعض العلماء والمفكرين في مجالات العلوم الإنسانية، مثل علم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة والأنثروبولوجيا، والتي هي في تعميماتها تتجاوز الواقع المشاهد، وبالتالي لا تعتبر حقائق علمية مثل حقيقة "دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس".
وعلى العموم، عليك وضع برنامج دقيق لتعزيز ثقافتك الدينية والتعرف إلى أصول الدين ومفاهيمه، ثم بعد ذلك، يحق لك التشكيك بها أو رفضها، فمن المهم أن يكون إنكارنا للشيء قائماً على العلم التام به، مثلما يجب أن يكون إيماننا به قائماً على العلم التام به.
وأخيراً، فإننا نرحب بأي سؤال تطرحينه مع الدعاء لك بدوام التوفيق.
***
مرسلة الاستشارة: ...
المجيب عن الاستشارة: الشّيخ محسن عطوي، عالم دين وباحث ومؤلف، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).
التاريخ:30-7-2013
نوع الاستشارة: دينية.