استشارة..
السَّلام عليكم، كنت مصابة بمرض الذهان الاكتئابي، أجاركم الله، وأخاف أن يعود هذا المرض لي، لا قدَّر الله، لأنَّ ذلك متوقع.
كنت أبحث في الإنترنت عن أحاديث تدفع البلاء والجنون، وعن فوائد السور والآيات، وعن التَّسبيحات أو العبادات الَّتي تؤدي إلى الحؤول دون إصابتي بهذه المرض مرة ثانية، ولقد أخافني أن يكون ما وجدته غير صحيح أو مدسوساً. أرجو مساعدتي في هذا المجال رجاءً، ذلك أنَّني لست أرجو غير الله لشفائي التام، إن شاء الله، ولكم الجزاء والثواب والشّكر.
وجواب..
أولاً: ملخَّص الوقائع:
ـ الأخت مصابة بمرض الذهان الاكتئابي، وهو دوري لديها.
ـ كانت تبحث عن أحاديث وأذكار وآيات قرآنيَّة للعلاج والحؤول دون الإصابة بالحالة مرة ثانية.
ـ تطلب المساعدة لمنع معاودة هذه الحالة.
ثانياً: الأسئلة التي تطرحها هذه المشكلة:
ـ ما هو مرض الذهان الاكتئابي؟
ـ ما هي طرائق وسبل علاج المرض؟
ـ ما هو العلاج الديني لهذا المرض؟
ـ ما هي النصائح الخاصة لطالبة الاستشارة؟
ثالثاً: الردود والإجابة عن المسائل المطروحة:
ـ ما هو مرض الذهان الاكتئابي؟
الاكتئاب هو مرض نفسي عقلي، من الأمراض النفسيَّة الذهانيَّة الَّتي تصيب الذكور والإناث على السَّواء، وفي مختلف المراحل والأعمار.
وحالة الاكتئاب هي حالة نفسيَّة تتَّسم بفقدان الأمل والشّعور بالكسل والاسترخاء وعدم القيمة والحزن الشَّديد. وفي الحالات الشَّديدة منه، قد يشعر المريض بالذَّنب والقلق وفقدان الشهيَّة وعدم القدرة على النوم، وترافقه أفكار وميول انتحاريَّة في حالاته القصوى.
أما الاكتئاب الذهاني، فهو نوع من أنواع الاكتئاب كما هو مذكور أعلاه، ولكنَّه أكثر حدة من الاكتئاب العادي، لا يعود إلى حادثة معينة مباشرة أو لمثير معروف، وإنما يرتبط بشخصية المريض، أي بحالة نفسية داخليَّة لا شعوريَّة، والمصاب هنا لا يدرك السَّبب الحقيقي لحزنه ولمشاعر التعاسة التي تغمره، الأمر الذي يضعف قدرة المقاومة والتَّحليل المنطقي لديه، ويسهّل استسلامه للأوهام المختلفة الَّتي يتركز معظمها على تهويل مشاعر الخيبة واتهام الذات بالآثام والخطايا والدعوة إلى القصاص الذاتي.
إضافةً إلى ذلك، يسيء المريض تفسير الواقع الخارجي، وتصاحبه أوهام وهذيانات الخطيئة وهوسها، بسبب عمق جذور الحالة وامتدادها إلى داخل الشخصيَّة التي تتسم ببطء نشاطها النفسي والحركي والعقلي وهبوطه. وفي الاكتئاب الذهاني، يغلب على المصاب الجمود الانفعالي، واتصاله بالواقع يكون هشاً جداً أو معدوماً، وتقييمه لذاته يتميز بالنظرة الدونية لها وإدانتها باستمرار على أمور لم تصدر عنها. كذلك، يعتقد المريض بعدم استحقاقه للحياة وعدم صلاحيته وعدم نفعه لمجتمعه، فتبدأ فكرة الانتحار بمراودته، وتبدأ مشاعر الموت تنتصر على مشاعر الحياة، وهنا لا بد من التدخل لعلاج المريض عبر طبيب عقلي لتلقي العلاج بالدواء أولاً، ولاحقاً بالعلاج النفسي والمساندة النفسية اللازمة.
ـ ما هي طرائق علاج مرض الذهان الاكتئابي؟
أولاً: يتوجَّب على المريض مراجعة طبيب نفسي (psychiatre)، وبحسب حدة العوارض، من الممكن أن تتطلَّب حالته دخول المستشفى لتلقي العلاج العاجل.
ثانياً: العلاج الدوائي المستخدم في الاكتئاب الذهاني، هو مزيج من أدوية الاكتئاب ومضادات الذهان، تعمل على تحسين المزاج واستقراره، ويوجد مجموعة كبيرة من أدوية الاكتئاب والذهان، ولكل دواء منها خاصية تميزه، ومجموعة أعراض جانبية يجب مراقبتها، من هنا نلفت إلى ضرورة الخضوع للعلاج وفقاً للمدة التي يحددها الطبيب حسب حدة العوارض ودرجتها.
ثالثاً: العلاج والدعم النفسي، ويتم بالتعاون مع الطّبيب النّفسي أو بشكل مستقل، وذلك عبر المعالج النفسي أو المحلل النفسي، ومن طراق العلاج النفسيّة على سبيل المثال وليس الحصر:
ـ العلاج النفسي المعرفي.
ـ العلاج النفسي التحليلي.
ـ العلاج النفسي السلوكي.
ـ العلاج بالاسترخاء.
رابعاً: الدعم والمساندة النفسية أو التمريض النفسي، ويتم بشكل أساسي عبر الأهل وأقرباء المريض، وقد يساعد في ذلك، الممرضون والعاملون الصحيون والاجتماعيون، ومن الطرائق:
ـ تقديم الدعم المادي والمعنوي.
ـ التشجيع على التعبير والتفريغ والمحادثة وعدم الانعزال عن المجتمع.
ـ إدخال المريض في أجواء تحمل على السرور والبهجة، من خلال إشراكه بنشاطات اجتماعية أو عامة مختلفة.
ـ التشجيع على ممارسة الرياضة بشكل يومي إضافةً إلى بقية الأنشطة التي قد يطلب تنفيذها المساعدة من المعالج النفسي.
ـ مراقبة حياة المريض ومساعدته على تقبل العلاج والدواء والطعام والشراب والنوم والاهتمام بنظافته الشخصية.
ـ إبعاده عن الأجواء المقلقة والموترة والمسببة للحالة.
ـ مرافقته إلى مراكز العلاج المختصة وتشجيعه على الاستمرار والمتابعة.
ـ أخذ المبادرة لمساعدته وعدم تركه عرضة للأحدث المفاجئة والاستعداد للمؤازرة عند النكوص.
ـ ما هو العلاج الديني لهذا المرض؟
1- الصَّلاة والتردد على دور العبادة للدعاء والاختلاط بالمصلين.
2- ترديد الأذكار المختلفة.
3- الاستغفار.
4- قراءة القرآن الكريم.
5- الصوم المستحب.
ـ ما هي النصائح الخاصة لطالبة الاستشارة؟
1- ضرورة مراجعة طبيب نفسي لمتابعة العلاج الدوائي اللازم.
2- في حال خفَّت العوارض وتوقّفت عن المعالجة بالدواء، يمكن المتابعة لدى معالج أو محلل نفسي مختص.
3- مراجعة عالم دين حسب مرجع التقليد، لتحديد برنامج عبادي يومي والمواظبة عليه.
4- اعتماد برنامج غذائي رياضي منتظم مع التأكيد على:
ـ ممارسة رياضة المشي أو الهرولة، بمعدل 30 دقيقة يومياً، وعلى الأقل لفترة مرتين أسبوعياً.
ـ أخذ حمام فاتر بعد العودة من ممارسة الرياضة يومياً ومساءً قبل النوم.
ـ الابتعاد قدر الإمكان عن الكافيين، ولا سيّما القهوة والشّاي والكولا، وخصوصاً بعد الغروب وقبل النّوم.
ـ الاستعاضة عن الكافيين بالعصير الطبيعي وشرب الماء والزهورات مساءً وقبل النوم.
ـ الإكثار من تناول السّوائل عند وجبة الغداء، وكذلك السّلطات والخضروات، ولا سيَّما الصعتر والروكا وغيرها.
ـ تناول المكسّرات والبزورات والفواكه المجفَّفة، ولا سيَّما الزبيب، المشمش، الكاجو، الفستق.
5- الحفاظ على مبدأ التوازن بين الفصول الأربعة، وهو مبدأ علمي ويتوافق مع الحديث الوارد عن الإمام الصادق(ع):
"اجعل زمانك أربع ساعات؛ ساعة للعبادة وساعة للعمل وساعة للإخوان وساعة للذة من غير محرم، وبتلك الساعة تقوى على الساعات الباقية".
من هنا، إضافةً إلى القراءة والمطالعة الدائمة، لا بدَّ من وضع برنامج من عدة أجزاء:
ـ جزء للعمل: العمل بمقابل أو التطوعي، أو العمل المنزلي للواجبات الأسرية، أو الدراسة النظامية.
ـ جزء للعبادة: البرنامج العبادي الواجب، والمستحبات.
ـ جزء للترفيه: السفر، التنزه في الطبيعة، قضاء وقت في القراءة والمطالعة، مشاهدة فيلم.
ـ جزء للتواصل الاجتماعي: زيارة الأهل، الأقرباء، الأصدقاء، المرضى.
6- في الختام، لا بدَّ من الأخذ بعين الاعتبار الحقائق التالية:
ـ الدواء النفسي هو مجرد مسكّن ومهدئ، ولا يعطى بشكل دائم، من هنا تأتي ضرورة الخضوع للعلاج النفسي.
ـ الأهم في علاج الاكتئاب معرفة أسبابه، والعمل على الاستفادة من الحادث الصادم أو المسبب للحالة، من أجل الانطلاق بقوة إلى حياة أكثر حركة وحيويَّة من السابق، وأيّ علاج لفترة تطول عن 6 أشهر، ولا يحسن من حالة المريض، ليس علاج مناسباً.
ـ ليس العصر عصر الاكتئاب، ولستِ ممن كتب عليهم قضاء العمر في الصراع مع المرض.
ـ خلق الله عز وجل الإنسان، وسهَّل له كل السبل للنجاة في الدنيا والآخرة، من هنا ضرورة اتباع ما أمرك الله به أولاً، وهو التقرب اليومي منه عبر ممارسة العبادات والمستحبات، والسعي إلى العمل ضمن خطة واضحة، مع تكريس كل الجهود لإنجاح مشاريعك بالتوكل على الله، والسير وفقاً للمسار الطبيعي للأمور، وكوني على ثقة بأنك ستكتشفين بقية أسرار النجاح والتفوق والعلاج بنفسك. والحمد لله رب العالمين.
صاحب الاستشارة: نور أمجد.
المجيب عن الاستشارة: الأستاذ محمود غنوي، اختصاصي ومعالج نفسي تربوي وعيادي.
تاريخ الاستشارة: 12 كانون الثّاني/ يناير 2013م.
نوع الاستشارة: نفسيَّة.