وفيه مسائل:
ـ إذا تم عقد الإيداع مستكملاً لشروطه وجب على الودعي حفظ الوديعة من التلف بآفة طبيعية أو بشرية، ومن فقدانها بالضياع والسرقة، ومن تعيبها بنقص أوهزال أو مرض أو نحوها، وذلك على النحو التالي:
أولاً: وضعها في المكان الذي يؤمن عليها فيه من العوادي الموجبة لتلفها أو تعيبها أو فقدها، وذلك بالنحو المناسب لها في عرف البلد المودع فيه؛ فمثل النقد والحلي والوثائق وما أشبهها من الأمور النفيسة يكون حفظها بوضعها في دُرْج مقفل، بحيث كلَّما عظمت نفاستُه لزمت المبالغة في صونه، من درج ذي قفل عادي، إلى درج ذي قفل معقَّد يصعب خلعه، إلى درج مقفل في داخل خزانة أو غرفة مقفلة، إلى خزانة حديدية مخصصة لأمثاله، ونحو ذلك مما يعتبر عدم وضعه فيه تفريطاً به وتضييعاً له. ومثل الدابة توضع في حظيرة مناسبة لها، شاة كانت أو بقرة أو دابة ركوب، بحيث لا تخرج منها فتهيم وتضيع، كما يؤمن عليها فيها من السباع وعوادي الطبيعة؛ وهكذا السيارة والثوب والكتاب وغيرها مما يختلف حفظه باختلاف نوعه.
ثانياً: تعهده بالعناية والرعاية الموجبة لاستمرار سلامته وبقائه، حيواناً كان أو غيره؛ فمثل الثوب والحَب تجب حمايته من الرطوبة والتعفن، كتعريضه بين آونة وأخرى للهواء والشمس؛ ومثل الحيوان تجب العناية بسلامته من موجبات المرض ولزوم معالجته إذا مرض، كما يجب تقديم الطعام أو الشراب بالنحو والمقدار المناسبين له لضمان بقائه حياً؛ وهكذا سائر الودائع.
ـ إذا عين المودع مكاناً خاصاً أو كيفية خاصة، فإن كان ذلك من جهة كونه أحد أمكنة أو كيفيات الحفظ من دون أن تكون له خصوصية مرادة بذاتها، جاز للودعي مخالفة رغبة المودع وحفظه بالنحو الذي يناسبه؛ وإن كان التعيين لخصوصية في المكان أو الكيفية لم يجز للودعي مخالفة رغبة المودع، إلا أن يعلم هو مسبقاً ـ أو في الأثناء ـ أن وجوده في هذا المكان أو بهذه الكيفية موجب لتلفه، فيجوز له مخالفة المودع والعمل بالنحو الذي يحفظ الوديعة ويصونها.
ـ لا يستحق الودعي أجراً على المودع بإزاء قيامه بعملية الإيداع مهما كانت شاقة عليه ومرهقة له، بل وموجبة لبذل المال من أجلها؛ نعم له أن يشترط عليه الأجرة بإزاء نفس الحفظ، أو تعويضَه ما يدفعه من مال لتحقيق الحرز المناسب للوديعة، كاستبدال أقفال جديدة ومتينة بأقفاله القديمة، أو ترميم سور الحظيرة وتدعيمه، أو شراء أجهزة إنذار لباب منزله، أو نحو ذلك مما لم يكن ليفعله لولا الوديعة، فإذا وافق المودع على الشرط استحق الودعي عليه الأجرة والعوض حينئذ. ومن ذلك ما لو لم يكن عنده حرز فاضطر لاستئجار حرز لها، فليس له مطالبة المودع بالأجرة إلا مع الإشتراط، حتى لو كان المودع عالماً بعدم وجود حرز عنده إلا بهذا النحو.
ـ إذا كانت الوديعة حيواناً، ولم يعطه المودع علفه، ولا أمكنه الإكتفاء بعلف مجاني كالحشيش النابت في البرية، أو ما يلقيه أهل المنزل من فضلات طعامهم وخضرواتهم، كما وأنه لم يكن قد اشترط عليه شيئاً بهذا الشأن، فإن تبرع بالانفاق عليه من ماله مجاناً كان خيراً، وإلا فإن أمكن مراجعة المودع والتوافق معه على أمر معين، وجب عليه ذلك، وإلا لزمه مراجعة الحاكم الشرعي، فإن أذن له باستثمار نمائه ومنافعه في الإنفاق عليه ولو ببيع بعضه ـ مع الإمكان ـ والإنفاق منه على الباقي كان خيراً، وإن أمره بالإنفاق عليه من ماله ثم الرجوع على المودع أنفق عليه ورجع به عليه؛ وإن تعذر عليه الرجوع إلى الحاكم أنفق عليه من نمائه بالنحو المذكور مع وجوده، وإلا أنفق عليه من ماله ورجع به على المودع إن كان قد نوى ـ حين الإنفاق ـ الرجوع به عليه.
ـ إذا تعرضت الوديعة لخطر المصادرة من الظالم وجب عليه حفظها عنه ومنعه منها بالنحو التالي:
أولاً: إذا أمكن دفعه بالوسائل السلميَّة المتعارفة في مثل هذه الحالة، كالمصانعة والمداهنة والكذب عليه، بل والحلف بالله كاذباً، وجب عليه ذلك مُرتِّباً بينها بحسب الضرورة.
ثانياً: لا يجب عليـه ـ من أجـل دفعـه عنهـا ـ تحمل الأذى الجسمانـي أو المعنوي، كالإهانة الشديدة، دون ما لو كان بمثل الكلام الخشن الذي لا يكون هاتكاً له بالمقارنة مع مقامه الإجتماعي.
ثالثاً: إذا كان يندفع بمقدار من المال من نفس الوديعة وجب بذل المقدار الذي لا يندفع إلا به، فإن أهمل فأخذها كلها ضمن منها الباقي عن المقدار الذي كان يجب الدفع به، وذلك كما لو كان يندفع بالثلث فلم يبذله الودعي فأخذها الظالم كلها ضمن الودعيُّ الثلثين؛ وكذا لو كان عنده وديعتان، وكان الظالم يندفع بواحدة منهما أو بإحداهما المعينة، وجب بذل ما يندفع به، فإن لم يبذله فأخذهما الظالم جميعاً، فإن كان الذي يندفع به هو واحدة منهما بعينها ضمن الأخرى، وإن كان ما يندفع به هو إحداهما غير المعينة، وكانت إحداهما أكثر قيمة من الأخرى، ضمن الأكثر قيمة.
أما إذا كان ما يندفع به من مال الودعي نفسه لم يجب عليه دفعه تبرعاً، وأما مع نية الرجوع به، فإن أَمكَنَهُ استئذان الحاكم الشرعي بالدفع عن المودع، استأذنه ودفع عنه ورجع عليه، وإن لم يمكن الاستئذان، وكان ترك الدفع تقصيراً عرفاً في حفظ الوديعة، وجب عليه الدفع ورجع به على المالك، وإلا لم يجب.
ـ إذا خاف على الوديعة من السرقة أو غصب الظالم لها أو تلفها أو تعيبها، رغم جعلها في حرزها وقيامه بحفظها، وجب عليه ردها وإيصالها إلى المالك أو وكيله أو وليه، أو إعلامه بالحال ليأخذها هو، فإن لم يمكن رجع إلى الحاكم الشرعي، فإن أخذها منه وأودعها عنده، أو أذن في إيداعها عند ثقة أمين، إكتفى به، وإلا أودعها هو عند الثقة الأمين مع عدم قدرته على مراجعة الحاكم الشرعي.
ـ إذا أحسَّ الودعي بإمارات الموت لم يجب عليه إيصالها إلى مالكها أو إعلامه بالحال ليأخذها هو، إلا أن يخشى من ضياعها بعده حتى مع الإيصاء بها والإشهاد عليها، وإلا كفاه الإيصاء بها أو إعلام الوارث بها أو نحو ذلك مما يحفظ حق المودع ويضمن أداءها له بعد موته.
ـ إذا لم يتوقف حفظ الوديعة على حضور الودعي جاز له السفر، كما يجوز له السفر مطلقاً إذا كان مأذوناً له بإيداعها عند أمين، وإلا لزمه إيصالها إلى مالكها أو إعلامه بالحال، فإن لم يقدر عليهما تخيّر بين أخذها معه في سفره مع الأمن عليها أو إيداعها عند الأمين، ومع عدم الأمن عليها في الطريق تعيّن عليه إيداعها عند الثقة الأمين.
ـ إذا طلب المودع وديعته غير الموقتة وجب دفعها إليه فور طلبه لها، وكذا إذا كانت موقتة فحلَّ أجلها وكان التوقيت من الودعي، أما إذا لم يحلَّ الأجل فلا يجب دفعها، نعم إذا كان التوقيت من المودع فطلبها قبل الأجل لزم دفعها إليه؛ ولا ينافي فورية الرد التأخر اليسير المتعارف، كمثل التأخر للإنتهاء من الطعام أو الصلاة، أو من أجل تحضير الوديعة وإخراجها من حرزها، ونحو ذلك؛ نعم إذا رخص المودع في التمهل مطلقاً أو لمدة محددة، لم يعد ثمة موجب للفورية حينئذ؛ هذا ولا فرق في وجوب الرد بين المودع المسلم والذمي والحربي.
ويتحقّق الرد بإحضار الوديعة أمامه والتخلية بينها وبينه، بل يكفي إحضار المالك إلى مكان الوديعة وتمكينه منها بفتح الدُرج أو باب الحظيرة ليأخذها، دون أن يجب عليه نقلها من مكان حرزها إلى المالك، قريباً كان منها أو بعيداً عنها.
هذا إذا كان المودع مالكاً، أما لو انكشف له كونه غاصباً لم يجز له ردها إليه إذا قدر على الإمتناع، فإن عرف صاحبها أوصلها إليه أو أعلمه بها، وإن جهله ورجا معرفته عرَّفَ عنه، فإن يئس تصدق بها عنه، والأحوط وجوباً استئذان الحاكم الشرعي بالتصدق، فإن تبيّن المالك بعد ذلك ولم يرض بالصدقة ضمنها له.
ـ إذا أقر الودعي بالوديعة ثم مات، فإن كان قد عينها بشخصها وجب على الورَّاث اخراجها من التركة وتمكين المودع منها إن عرفوه، وكذا لو عينها في نوع له في تركته أفراد عدة، كأن قال: «إن لزيد عندي نسخة من الكتاب الفلاني»، دون أن يميزه بشخصه بين عدة نسخ من نفس الكتاب، فإن عليهم ـ أيضاً ـ أن يمكنوا الودعي من أخذ ماله ما داموا يحتملون صدق المورِّث في إقراره، وذلك إما بالتصالح معه على فرد منها إن تراضوا، أو بالقرعة مع عدم التراضي. وأما إذا لم يعينها بأحد الوجهين المذكورين، بحيث لم يظهر من كلامه وجودها في تركته، ولا كان الوارث عالماً بوجودها، فإن ذكر جنسها، وكان له فرد واحد، وعُلم أنَّ مراده هذا الفرد، تعينت به ووجب على الورثة إخراجها من التركة، وأما إذا لم يُعلم أن مراده هذا الفرد، أو لم يكن قد ذكر الجنس أبداً، لم يُعتَدَّ بقوله ولم يُلزمهم قولُه بشيء. هذا، ولو عُلمت الوديعة بالنحو المذكور آنفاً ولكن جُهل المودعُ لزمهم التصدق بها عنه، ولكن بعد استئذان الحاكم الشرعي على الأحوط وجوباً.
وفيه مسائل:
ـ إذا تم عقد الإيداع مستكملاً لشروطه وجب على الودعي حفظ الوديعة من التلف بآفة طبيعية أو بشرية، ومن فقدانها بالضياع والسرقة، ومن تعيبها بنقص أوهزال أو مرض أو نحوها، وذلك على النحو التالي:
أولاً: وضعها في المكان الذي يؤمن عليها فيه من العوادي الموجبة لتلفها أو تعيبها أو فقدها، وذلك بالنحو المناسب لها في عرف البلد المودع فيه؛ فمثل النقد والحلي والوثائق وما أشبهها من الأمور النفيسة يكون حفظها بوضعها في دُرْج مقفل، بحيث كلَّما عظمت نفاستُه لزمت المبالغة في صونه، من درج ذي قفل عادي، إلى درج ذي قفل معقَّد يصعب خلعه، إلى درج مقفل في داخل خزانة أو غرفة مقفلة، إلى خزانة حديدية مخصصة لأمثاله، ونحو ذلك مما يعتبر عدم وضعه فيه تفريطاً به وتضييعاً له. ومثل الدابة توضع في حظيرة مناسبة لها، شاة كانت أو بقرة أو دابة ركوب، بحيث لا تخرج منها فتهيم وتضيع، كما يؤمن عليها فيها من السباع وعوادي الطبيعة؛ وهكذا السيارة والثوب والكتاب وغيرها مما يختلف حفظه باختلاف نوعه.
ثانياً: تعهده بالعناية والرعاية الموجبة لاستمرار سلامته وبقائه، حيواناً كان أو غيره؛ فمثل الثوب والحَب تجب حمايته من الرطوبة والتعفن، كتعريضه بين آونة وأخرى للهواء والشمس؛ ومثل الحيوان تجب العناية بسلامته من موجبات المرض ولزوم معالجته إذا مرض، كما يجب تقديم الطعام أو الشراب بالنحو والمقدار المناسبين له لضمان بقائه حياً؛ وهكذا سائر الودائع.
ـ إذا عين المودع مكاناً خاصاً أو كيفية خاصة، فإن كان ذلك من جهة كونه أحد أمكنة أو كيفيات الحفظ من دون أن تكون له خصوصية مرادة بذاتها، جاز للودعي مخالفة رغبة المودع وحفظه بالنحو الذي يناسبه؛ وإن كان التعيين لخصوصية في المكان أو الكيفية لم يجز للودعي مخالفة رغبة المودع، إلا أن يعلم هو مسبقاً ـ أو في الأثناء ـ أن وجوده في هذا المكان أو بهذه الكيفية موجب لتلفه، فيجوز له مخالفة المودع والعمل بالنحو الذي يحفظ الوديعة ويصونها.
ـ لا يستحق الودعي أجراً على المودع بإزاء قيامه بعملية الإيداع مهما كانت شاقة عليه ومرهقة له، بل وموجبة لبذل المال من أجلها؛ نعم له أن يشترط عليه الأجرة بإزاء نفس الحفظ، أو تعويضَه ما يدفعه من مال لتحقيق الحرز المناسب للوديعة، كاستبدال أقفال جديدة ومتينة بأقفاله القديمة، أو ترميم سور الحظيرة وتدعيمه، أو شراء أجهزة إنذار لباب منزله، أو نحو ذلك مما لم يكن ليفعله لولا الوديعة، فإذا وافق المودع على الشرط استحق الودعي عليه الأجرة والعوض حينئذ. ومن ذلك ما لو لم يكن عنده حرز فاضطر لاستئجار حرز لها، فليس له مطالبة المودع بالأجرة إلا مع الإشتراط، حتى لو كان المودع عالماً بعدم وجود حرز عنده إلا بهذا النحو.
ـ إذا كانت الوديعة حيواناً، ولم يعطه المودع علفه، ولا أمكنه الإكتفاء بعلف مجاني كالحشيش النابت في البرية، أو ما يلقيه أهل المنزل من فضلات طعامهم وخضرواتهم، كما وأنه لم يكن قد اشترط عليه شيئاً بهذا الشأن، فإن تبرع بالانفاق عليه من ماله مجاناً كان خيراً، وإلا فإن أمكن مراجعة المودع والتوافق معه على أمر معين، وجب عليه ذلك، وإلا لزمه مراجعة الحاكم الشرعي، فإن أذن له باستثمار نمائه ومنافعه في الإنفاق عليه ولو ببيع بعضه ـ مع الإمكان ـ والإنفاق منه على الباقي كان خيراً، وإن أمره بالإنفاق عليه من ماله ثم الرجوع على المودع أنفق عليه ورجع به عليه؛ وإن تعذر عليه الرجوع إلى الحاكم أنفق عليه من نمائه بالنحو المذكور مع وجوده، وإلا أنفق عليه من ماله ورجع به على المودع إن كان قد نوى ـ حين الإنفاق ـ الرجوع به عليه.
ـ إذا تعرضت الوديعة لخطر المصادرة من الظالم وجب عليه حفظها عنه ومنعه منها بالنحو التالي:
أولاً: إذا أمكن دفعه بالوسائل السلميَّة المتعارفة في مثل هذه الحالة، كالمصانعة والمداهنة والكذب عليه، بل والحلف بالله كاذباً، وجب عليه ذلك مُرتِّباً بينها بحسب الضرورة.
ثانياً: لا يجب عليـه ـ من أجـل دفعـه عنهـا ـ تحمل الأذى الجسمانـي أو المعنوي، كالإهانة الشديدة، دون ما لو كان بمثل الكلام الخشن الذي لا يكون هاتكاً له بالمقارنة مع مقامه الإجتماعي.
ثالثاً: إذا كان يندفع بمقدار من المال من نفس الوديعة وجب بذل المقدار الذي لا يندفع إلا به، فإن أهمل فأخذها كلها ضمن منها الباقي عن المقدار الذي كان يجب الدفع به، وذلك كما لو كان يندفع بالثلث فلم يبذله الودعي فأخذها الظالم كلها ضمن الودعيُّ الثلثين؛ وكذا لو كان عنده وديعتان، وكان الظالم يندفع بواحدة منهما أو بإحداهما المعينة، وجب بذل ما يندفع به، فإن لم يبذله فأخذهما الظالم جميعاً، فإن كان الذي يندفع به هو واحدة منهما بعينها ضمن الأخرى، وإن كان ما يندفع به هو إحداهما غير المعينة، وكانت إحداهما أكثر قيمة من الأخرى، ضمن الأكثر قيمة.
أما إذا كان ما يندفع به من مال الودعي نفسه لم يجب عليه دفعه تبرعاً، وأما مع نية الرجوع به، فإن أَمكَنَهُ استئذان الحاكم الشرعي بالدفع عن المودع، استأذنه ودفع عنه ورجع عليه، وإن لم يمكن الاستئذان، وكان ترك الدفع تقصيراً عرفاً في حفظ الوديعة، وجب عليه الدفع ورجع به على المالك، وإلا لم يجب.
ـ إذا خاف على الوديعة من السرقة أو غصب الظالم لها أو تلفها أو تعيبها، رغم جعلها في حرزها وقيامه بحفظها، وجب عليه ردها وإيصالها إلى المالك أو وكيله أو وليه، أو إعلامه بالحال ليأخذها هو، فإن لم يمكن رجع إلى الحاكم الشرعي، فإن أخذها منه وأودعها عنده، أو أذن في إيداعها عند ثقة أمين، إكتفى به، وإلا أودعها هو عند الثقة الأمين مع عدم قدرته على مراجعة الحاكم الشرعي.
ـ إذا أحسَّ الودعي بإمارات الموت لم يجب عليه إيصالها إلى مالكها أو إعلامه بالحال ليأخذها هو، إلا أن يخشى من ضياعها بعده حتى مع الإيصاء بها والإشهاد عليها، وإلا كفاه الإيصاء بها أو إعلام الوارث بها أو نحو ذلك مما يحفظ حق المودع ويضمن أداءها له بعد موته.
ـ إذا لم يتوقف حفظ الوديعة على حضور الودعي جاز له السفر، كما يجوز له السفر مطلقاً إذا كان مأذوناً له بإيداعها عند أمين، وإلا لزمه إيصالها إلى مالكها أو إعلامه بالحال، فإن لم يقدر عليهما تخيّر بين أخذها معه في سفره مع الأمن عليها أو إيداعها عند الأمين، ومع عدم الأمن عليها في الطريق تعيّن عليه إيداعها عند الثقة الأمين.
ـ إذا طلب المودع وديعته غير الموقتة وجب دفعها إليه فور طلبه لها، وكذا إذا كانت موقتة فحلَّ أجلها وكان التوقيت من الودعي، أما إذا لم يحلَّ الأجل فلا يجب دفعها، نعم إذا كان التوقيت من المودع فطلبها قبل الأجل لزم دفعها إليه؛ ولا ينافي فورية الرد التأخر اليسير المتعارف، كمثل التأخر للإنتهاء من الطعام أو الصلاة، أو من أجل تحضير الوديعة وإخراجها من حرزها، ونحو ذلك؛ نعم إذا رخص المودع في التمهل مطلقاً أو لمدة محددة، لم يعد ثمة موجب للفورية حينئذ؛ هذا ولا فرق في وجوب الرد بين المودع المسلم والذمي والحربي.
ويتحقّق الرد بإحضار الوديعة أمامه والتخلية بينها وبينه، بل يكفي إحضار المالك إلى مكان الوديعة وتمكينه منها بفتح الدُرج أو باب الحظيرة ليأخذها، دون أن يجب عليه نقلها من مكان حرزها إلى المالك، قريباً كان منها أو بعيداً عنها.
هذا إذا كان المودع مالكاً، أما لو انكشف له كونه غاصباً لم يجز له ردها إليه إذا قدر على الإمتناع، فإن عرف صاحبها أوصلها إليه أو أعلمه بها، وإن جهله ورجا معرفته عرَّفَ عنه، فإن يئس تصدق بها عنه، والأحوط وجوباً استئذان الحاكم الشرعي بالتصدق، فإن تبيّن المالك بعد ذلك ولم يرض بالصدقة ضمنها له.
ـ إذا أقر الودعي بالوديعة ثم مات، فإن كان قد عينها بشخصها وجب على الورَّاث اخراجها من التركة وتمكين المودع منها إن عرفوه، وكذا لو عينها في نوع له في تركته أفراد عدة، كأن قال: «إن لزيد عندي نسخة من الكتاب الفلاني»، دون أن يميزه بشخصه بين عدة نسخ من نفس الكتاب، فإن عليهم ـ أيضاً ـ أن يمكنوا الودعي من أخذ ماله ما داموا يحتملون صدق المورِّث في إقراره، وذلك إما بالتصالح معه على فرد منها إن تراضوا، أو بالقرعة مع عدم التراضي. وأما إذا لم يعينها بأحد الوجهين المذكورين، بحيث لم يظهر من كلامه وجودها في تركته، ولا كان الوارث عالماً بوجودها، فإن ذكر جنسها، وكان له فرد واحد، وعُلم أنَّ مراده هذا الفرد، تعينت به ووجب على الورثة إخراجها من التركة، وأما إذا لم يُعلم أن مراده هذا الفرد، أو لم يكن قد ذكر الجنس أبداً، لم يُعتَدَّ بقوله ولم يُلزمهم قولُه بشيء. هذا، ولو عُلمت الوديعة بالنحو المذكور آنفاً ولكن جُهل المودعُ لزمهم التصدق بها عنه، ولكن بعد استئذان الحاكم الشرعي على الأحوط وجوباً.