وفيه مسائل:
ـ إذا تحقّقت الشروط المعتبرة لثبوت الشفعة، والشروط المعتبرة في الشفيع، وعَلم الشفيع بوقوع البيع لزمته المبادرة على النحو المتعارف إلى الأخذ بالشفعة، وذلك بإنشاء وإيقاع ما يفيد الأخذ بها من الألفاظ مقروناً بدفع الثمن إذا كان موجوداً، أو بدفعه بعد مضي المدة التي يسوغ له فيها التأخر لإحضاره إذا كان غير متيسر فعلاً، فإن أوقع الشفعة ولم يدفع الثمن، مماطلة أو عجزاً، وبدون رضا المشتري بالتأخير في مثل هذه الحالة، لم تنتقل الحصة المباعة إلى الشفيع بمجرد ذلك. هذا، وكما يتحقّق الأخذ بها بالقول بالنحو المذكور فإنه يتحقّق الأخذ بها بدون القول إذا سلّمه الثمن قاصداً إيقاع الشفعة به، وهو الإيقاع بطريقة المعاطاة. فإذا علم بالبيع، ولم يبادر إلى الأخذ بالشفعة، ولم يكن معذوراً في ترك المبادرة، سقط حقه فيها.
ـ لا يضر بالمبادرة ما لو تركها لعذر، كالجهل بالبيع أو باستحقاقه الشفعة، أو لتوهمه كثرة الثمن المباعة به فتبينت قلته، أو ظن أن المشتري زيد فبان عَمْراً، أو أن الثمن ذهب فبان فضة، أو نحو ذلك من الأعذار الناتجة عن الجهل بتفاصيل البيع. كذلك فإنه يُعذر في ترك المبادرة لغيبته وعدم قدرته على إيقاع الشفعة ولو من خلال الوكيل أو بالهاتف، وإلا فمع قدرته عليها بالتوكيل ونحوه، تلزمه المبادرة، ويكون مماطلاً لو تركها؛ وكذا يعذر إذا تأخر في الحضور من غيبته انتظاراً لتوفر ظروف سفر ملائم بالنحو الذي جرت العادة به؛ هذا، فضلاً عن كونه معذوراً إذا ترك المبادرة من أجل الإنتهاء من حمَّامه أو الفراغ من صلاته أو طعامه أو لتهيئة وسيلة انتقاله ونحو ذلك من المعوقات الطفيفة. ويجمع ذلك العبارة المختصرة التالية: (لا يضر بالمبادرة كلُّ معوق عنها لا يعد عند العرف مماطلة وتسويفاً).
ـ يَقتصر حقُّ الشفيع في الأخذ بالشفعة على أخذ الحصة المباعة من المشتري بنفس مقدار الثمن الذي اشتراها به، دون زيادة عليه ولا نقص عنه؛ وكما لا يحسب على الشفيع ما تكلفه المشتري على المبيع زيادة عن ثمنه، كأجرة الدلال أو الحمّال أو ما أهداه للبائع لتشجيعه على البيع أو نحو ذلك، فإنه لا يحسب له ما أنقصه البائع للمشتري من الثمن بعد وقوع البيع تساهلاً منه معه، بل يُلزم الشفيع بالثمن الذي تعاقد عليه المتبايعان.
ـ لا يحق للشفيع إلزام المشتري بقبول شفعته في بعض المبيع دون بعضه الآخر، بل إما أن يشفع في الجميع أو يدع الجميع. ومن فروع هذه المسألة: ما لو باع الشريك حصته لشخصين أو ثلاثة، فإن رغب الشفيع بالأخذ بالشفعة من أحدهما دون الآخر، حرصاً منه على جزء معين من الحصة المباعة، لم يكن له ذلك إلا إذا كان شراؤهما لها بالتعاقب، وإلا فإن كان قد باعها لهما دفعة واحدة لم يكن له الشفعة إلا في تمام المبيع، إلا أن يرضى المشتريان بالتجزأة.
ـ لا يعتبر في الأخذ بالشفعة علم الآخذ بمقدار الثمن، بل يصح منه ذلك ولو مع الجهل بمقداره.
ـ لا يَمنعُ انتقالُ المبيع عن ملك المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة، من أخذه بها، وله ـ حينئذ ـ أن يأخذ بالشفعة من المشتري فتبطل كل معاملة معاوضية ناقلة وقعت على المبيع إلا أن يجيزها الشفيع، وله أن يأخذ بالشفعة ممن انتقل إليه المبيع بعد المشتري، فتصح المعاملة التي أوقعها المشتري؛ ويجري هذا المبدأ مع تعاقب الأيدي بشتى المعاملات المعاوضية على ذلك المبيع، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة من المشتري بطل كل ما بعده إلا أن يجيزه الشفيع، وإذا أخذها من الأخير صح كل ما قبلها، وإذا أخذها من الأوسط صح ما قبلها وبطل ما بعدها إلا أن يجيزه؛ نعم إذا كانت المعاملات مما لا يثبت فيها الشفعة، كالوقف والهبة غير المعوضة وجعله مهراً في الزواج ونحو ذلك انحصر الأخذ بالشفعة من المشتري بخاصة، فإذا أخذ منه بالشفعة بطلت كل معاملة غيرُ معاوضية أجراها هو أو غيره بعد ذلك.
ـ إذا كان الثمن مؤجلاً على المشتري جاز للشفيع إلزام المشتري بتأجيل الثمن له، لكن لو لم يثق المشتري بالشفيع جاز له إلزامه بالكفيل؛ كذلك يجوز له أخذه بالثمن حالاًّ إن رضي المشتري بتسلُّم الثمن، أو كان شَرْطُ التأجيل للمشتري على البائع.
ـ إذا عرض مدّعي الوكالة حصة الغائب للبيع جاز الشراء منه والتصرف فيها ما لم يعلم كذبه، فإذا باع جاز لشريك الغائب الأخذ بالشفعة عند اجتماع الشروط كما لو كان شريكه الغائب هو البائع، فإذا حضر الغائب وصدَّق الوكيل صح ما وقع، وإن كذبه وحلف بطل البيع من قبل المشتري، وبطل معه الأخذ بالشفعة منه إذا لم يُجز المالك فعل مدعي الوكالة، وكان للمالك انتزاع حصته من الشفيع ومطالبته بأجرة المنافع المستوفاة أو غيرها بالنحو الذي سنتعرض له في مباحث ضمان اليد ما أخذت، وللشفيع أن يرجع إلى مدّعي الوكالة بما غرمه إذا كان مغروراً.
ـ لا يَمنعُ ثبوتُ حق الفسخ بالخيار ـ لأحدهمـا أو كليهما ـ من الأخذ بالشفعة، فإذا حدث الفسخ بعد الأخذ بالشفعة لغى البيع ما بين البائع والمشتري، وبقي حق الشفعة سارياً، فاذا أخذ الشفيع بها دفع له المشتري العين، وكان على المشتري أن يرد للبائع مثل العين المباعة أو قيمتها، ويسترد الثمن من البائع؛ في حين يسقط الأخذ بالشفعة إذا حدث الفسخ قبل الأخذ بها وبعد عودة المبيع إلى صاحبه بالفسخ.
وهذا التفصيل إنما يتم في كل خيار لا يسقط بخروج العين عن ملك المشتري، وهو سائر الخيارات عدا خيار العيب، وذلك كي يترتب عليه آثار الفسخ التي ذكرناها في صورة ما لو حدث الفسخ بعد الأخذ بالشفعة؛ أما في خيار العيب فإنه إذا صارت العين المباعة بيد الشفيع وخرجت عن ملك المشتري، ورغب مَنْ تعَيَّبتْ عليه العيـنُ ـ وهو المشتـري ـ باستخـدام حقه في الخيار، لم يكن له إلا الأرش، إذ بخروج العين عن ملكه سقط حقُّه في الرد، ويكون الحال بين البائع والمشتري والشفيع عند الأخذ بالشفعة وظهور العيب في الحصة المباعة على النحو التالي:
أ ـ إذا كان المشتري عالماً بالعيب حين الشراء، وكان الشفيع عالماً به ـ أيضاً ـ حين الأخذ بالشفعة، فلا شيء للمشتري على البائع، ولا للشفيع على كل من البائع والمشتري، من رد أو أرش.
ب ـ إذا كان المشتري عالماً به والشفيع جاهلاً كان له حق الرد على المشتري دون الأرش.
ج ـ إذا كانا جاهلين بالعيب، فللمشتري على البائع الأرش، وللشفيع على المشتري الرد أو الأرش، حتى لو كان المشتري قد أسقطه عن البائع وأبرأه منه؛ ولو فرض اطّلاع الشفيع على العيب قبل المشتري لم يكن للشفيع مطالبة البائع بالأرش، بل إن عليه إعلام المشتري بالحال ليرتب الأمر مع البائع بالنحو الذي يرغب فيه، فيما تنحصر علاقة الشفيع بالمشتري، فيطالبه بالرد أو الأرش بالنحو الذي تقدم.
أنظر ما له علاقة بذلك في خيار التفليس في المسألة: (196).
ـ إذا كان الولي أثناء ولايته على الصبي أو المجنون أو السفيه قد أسقط حق الشفعة الثابت لهم في حصة شريكهم المباعة، ثم بلغ الصبي أو عقل المجنون أو رشد السفيه، لم يكن لهم المطالبة بالشفعة ولا الأخذ بها إذا كان الولي حينها حريصاً على أمرهم ومراعياً لمصلحتهم، وإلا فمع تساهله في الأخذ بها مع وجود المصلحة الواضحة لهم فيها، جاز لهم المطالبة، ووجب على المشتري إجابتهم.