ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:
الإمام الباقر(ع): إمام العلم والحوار
نلتقي في اليوم السّابع من هذا الشّهر، بذكرى وفاة إمامٍ من أئمّة أهل البيت(ع)، وهو الإمام محمّد بن عليّ الباقر(ع)، هذا الإمام الّذي استطاع في مرحلته أن يملأ العالم الإسلاميّ علماً، ويفتح عقول النّاس على الإسلام في حقائقه وأسراره، ويقدّمه بأصالته وقيمه. وقد عاش مع أبيه الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(ع) خمساً وثلاثين سنةً، وكان يعيش كلّ آفاق أبيه في كلّ خصوصيّاته وفي كلّ قيمه، لأنّه كان الإمام الّذي عاش مع الله، وعاش مع النّاس، وملأ الحياة الإسلاميّة علماً.
الباقر(ع) في نظر المؤرّخين
وقد ذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه "الصّواعق المحرقة" ـ وهو من الّذين لا يؤمنون بإمامة الإمام الباقر ـ في تفسير كلمة الباقر: "سُمّي بذلك مِنْ بَقر الأرض، أي شقّها وأثار مخبآتها ومكامنها". نعم، فالإمام(ع) أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللّطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطويّة والسّريرة.
و قيل فيه أيضاً: "هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه".
وعن عبد الله بن عطاء المكّيّ: "ما رأيت العلماء عند أحدٍ قطّ أصغر منهم عند أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه، كأنّه صبيّ بين يدي معلّمه".
وقال ابن شهرآشوب في المناقب: "كان أصدقَ النّاس لهجةً، وأحسنَهم بهجةً، وأبذلهم مهجةً، وكان يتصدّق كلّ جمعةٍ بدينار، وكان يقول: الصّدقة يوم الجمعة تُضاعَف؛ لفضل يوم الجمعة على غيره من الأيّام".
وقال المفيد: "كان ظاهرَ الجود في الخاصّة والعامّة، مشهور الكرم في الكافّة، معروفاً بالتفضّل والإحسان، مع كثرة عياله وتوسّط حاله".
إمام عصره
وفي إطارٍ آخر، كان الإمام الباقر(ع) إمام المرحلة الثّقافيّة في عصره، فقد قال المفيد في الإرشاد: "روى عن الباقر معالمَ الدّين، بقايا الصّحابة ووجوهُ التّابعين ورؤساءُ فقهاءِ المسلمين". ولو درسنا التّراث الإسلاميّ المتنوّع في المرحلة التي عاشها الإمام الباقر، لرأينا أكثر العلماء والمثقّفين، سواء كانوا في الفقه أو في الكلام أو في التّاريخ أو في الأخلاق، قد رووا عنه. وهو الّذي أسّس المدرسة الإسلاميّة الّتي ورثها عنه ابنُه الإمام جعفر الصّادق(ع)، وكان يهتمّ بتلامذته ليصبحوا في مستوى علميّ مرموق. ولذلك، كان من وصيّته لولده الإمام جعفر الصّادق(ع): "أوصيك بأصحابي خيراً"، وأجابه الإمام الصّادق(ع): "جعلت فداك، والله لأدعنّهم، والرّجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحداً".
وقد سئل الباقر(ع) عن الحديث يرسله ولا يسنده ـ أي يذكر الحديث عن رسول الله(ص) من دون سندٍ، فيرسله مباشرةً إلى رسول الله، فيقول: "قال رسول الله"، ولا يقول: رويت عن فلانٍ عن فلانٍ عن فلان، كما هو شأن الرّواة؛ فقال(ع): "إذا حدّثتُ بالحديث فلم أسنده، فسندي فيه أبي عن جدّي عن أبيه عن جدّه رسول الله عن جبرائيل عن الله عزّ وجلّ".
وقد قال الشّاعر:
ووالِ أناساً قولهُم وحديثُهم روى جدُّنا عن جبرائيل عن الباري
داعية الوحدة
وكان الإمام(ع) يريد من المسلمين أن يتوحّدوا، وأن يتحابّوا ويتواصلوا، ولم يرد لهم أن يتخاصموا، بل أن يتحاوروا عندما تختلف وجهات النّظر فيما بينهم. وفي الرّواية عنه قال: "إيّاكم والخصومة ـ يعني إيّاكم أن يخاصم أحدٌ منكم الآخر ـ فإنها تفسد القلب ـ لأنّها تخلق في داخله الحقد ـوتورث النّفاق"، لأنها تجعل الإنسان يقول ما لا يعتقد. ويقول(ع)، وهو يريد للأرحام أن يتواصلوا: "إنّ أعجل الطّاعةِ ثواباً صلة الرّحم، وإنّ القوم ليكونون فجّاراً ـ يعني لا يطيعون الله كما يجب أن يطاع ـ فيتواصلون بينهم، فتُنمى أموالهم ويثرون"، بمعنى أنّ صلة الرّحم تنمّي المال وتوسّع للإنسان رزقه.
وقال(ع): "ما من شيءٍ أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من أن يُسأل. وما يدفع القضاء إلا الدّعاء". كان(ع) يشجّع النّاس على أن يدعوا الله في كلّ أمورهم، فإذا نابت الإنسان نائبةٌ، أو أصابته مصيبةٌ، أو عاش همّاً معيّناً، فإنّ عليه أن يجلس بين يدي الله ليدعوه، لأنّ الله سبحانه وتعالى أراد للنّاس أن يدعوه، لأنَّ الدّعاءَ يمثّل العلاقةَ الحميمةَ بين الإنسان وربّه }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:60].
قبسات هادية من أحاديث الباقر(ع)
وقد تحدّث الإمام أيضاً عن أنّ على الإنسان أن يعيش ليعطي الخير للنّاس. قال(ع): "وإنّ أسرع الخير ثواباً البرّ ـ أن يبرّ النّاس، وأن يحسن إلى النّاس ـ وأسرع الشرّ عقوبةً البغي ـ أن يبغي على النّاس، وأن يعتدي عليهم ـ وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من النّاس ما يعمى عليه من نفسه ـ يعني بعض النّاس ينتقد النّاس بأشياء هو يرتكبها، وعلى الإنسان الّذي لديه بعض العيوب، أن يهتمّ بنقد نفسه ويهذّبها، لا أن يتّجه إلى النّاس ليفتّش عن عيوبهم ويعمى عن عيوبه ـ وكفى بالمرء عيباًَ أن يأمر النّاس بما لا يستطيع التحوّل عنه ـ يأمر النّاس ببعض الأشياء وهو يرتكبها ـ وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه" ـ أن يجلس مع النّاس ويؤذيهم بأشياء ليس له فائدة منها أو حاجة بها.
قال الجاحظ في كتاب "البيان والتّبيين": جمع محمّد بن عليّ الباقر صلاح شأن الدّنيا بحذافيرها في كلمتين، فقال: "صلاح شأن المعاش والتّعاشر ملء مكيال: ثلثان فطنة، وثلث تغافل"، كأنّه يقول: إنّ الإنسان بحاجةٍ إلى الوعي فلا يُخدَع، وبحاجةٍ إلى التّغافل فلا يستغرق في الأمور الهامشيّة، وبذلك يصلح شأن معيشة الإنسان، وتصلح عشرته للنّاس، فلا يحاسب في كلّ شيء، ولا يتدخّل في جزئيّات النّاس.
وجاء في حديثه(ع): "لا تصحب الفاجر ـ لأنّ الإنسان يتأثّر بصاحبه، كما قال الشاعر:
صاحب أخا ثقةٍ تحظى بصحبته فالطّبع مكتسَبٌ من كلّ مصحوبِ
والـرّيح آخذةٌ مما تـمرّ به نتناً من النتن أو طيباً من الطّيبِ
ولا تطلعْه على سرّك ـ لأنّك إذا كنْتَ لا تحفظ سرّك، فإنّ الآخرين لن يحفظوه، وإذا أطلعْتَ الفاجر على سرّك، فإنّه قد يستغلّه للإضرار بك؛ لأنّ فجوره قد يدفعه إلى أن يفشي ذلك السّرّ أو يستغلّك به ـواستشر في أمرك الذين يخشون الله"، إذا أردت أن تستشير أحداً، فاستشر النّاس الذين يخافون الله، لأنّ الإنسان الذي يخاف الله لا يمكن إلا أن ينصحك، ولا يمكن أن يغشّك، فخشية الله تدفعهم إلى أن يعطوك النّصيحة بأمانة، ولا ينطلقوا في ذلك من خلال مصالحهم.
وقد جاء في الحديث عن الباقر(ع): "ما من عبدٍ يمتنع من معونة أخيه المسلم، والسّعي في حاجته ـ إذا طلب أخوه المسلم أن يعينه، وكان قادراً على أن يعينه ولكنّه امتنع عن ذلك ـ إلا ابتلي بالسّعي في حاجةٍ فيما يؤثم عليه ولا يؤجر"، يعني أنّ الله سيبتليه بالسّعي في حوائج يؤثم عليها.
وقد جاء في حديثِ الإمام الباقر(ع): "ما من عبدٍ يبخل بنفقةٍ ينفقها فيما يرضي الله، إلا ابتلي بأن ينفق أضعافها فيما أسخط الله"، لأنّ على الإنسان أن يسعى في كلّ ما يرضي الله، فينفق نفقته لما يحبّه الله، ولا يبخل بنفقته عمّا يحبّه الله.
الحوار مع المخالف
أيّها الأحبّة، لقد ترك هذا الإمام العظيم تراثاً عظيماً متنوّعاً في أكثر من قضيّة، وكان أيضاً يدخل في الحوار مع الّذين يخالفونه في الرّأي فيسكتهم، لأنّه كان قويّ الحجّة أمام أيّ شخصٍ يفكّر بطريقةٍ أخرى، فقد كان(ع) يؤمن بالحوار والجدال بالّتي هي أحسن. وهذا ما يجب أن نتعلّمه من الإمام الباقر(ع)؛ أن نتعلّم من علمه، وأن نتعلّم من أخلاقه، وأن نتعلّم من سيرته، وأن نتعلّم من الأخذ بأسباب الحوار في كلّ ما نختلف فيه، وألا نتّخذ الاختلافات التي تحدث فيما بيننا مجالاً للتّحاقد والتّنازع.
وكان الإمام منفتحاً على كلّ المسلمين، كان منفتحاً على الّذين يقولون بإمامته، وعلى الّذين ينكرون إمامته، لأنّه كان يفكّر في الوحدة الإسلاميّة، وفي أن يلتقي المسلمون، فإذا التقوا، أمكنهم أن يتحاوروا فيما اختلفوا فيه، وأن يصلوا إلى الحقيقة وإلى النّتائج الإيجابيّة الكبرى.
إنّ أئمّة أهل البيت(ع) يمثّلون نموذج الخلافة الحقيقيّ عن النبيّ(ص)، وهم الّذين يؤكّدون الحقيقة لنا، وعلينا أن تكون موالاتنا لهم موالاة العلم والمعرفة والاتّباع في كلّ سيرتهم. والسّلام على الإمام الباقر يوم ولد ويوم التقى ربّه ويوم يبعث حيّاً.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الخطبة الثّانية
تفتيت القضيّة الفلسطينيّة!
في المشهد الفلسطينيّ، يدفع الاحتلال الصّهيونيّ الأحداث والمعطيات في الاتّجاه الّذي يوصل الفلسطينيّين، ومعهم كلّ الواقع العربيّ والإسلاميّ، إلى واقع اللادولة، تحت غطاءٍ دوليّ، واتّجاهٍ عربيّ، للتّعامل مع الأمر الواقع كما هو. وقد أدرك العدوّ هذه النّقطة جيّداً، فعمل على تحويل القضيّة من حركة مقاومةٍ وتحريرٍ، إلى حركة مفاوضات، وأخيراً، إلى قضيّة على الورق تتقاذفها الكلمات من هنا وهناك.
كلّ ذلك، وكيان العدوّ يشعر بالاطمئنان إلى أنّ أيّاً من الإدارات الغربيّة لن تسمح بإدانته أو إحراجه أو حشره في الزّاوية؛ ولذلك يسير كيان العدوّ مع رفض إعلان الدّولة الفلسطينيّة من طرفٍ واحد، حتّى مع علمه بعدم توفّر أيّ من الظّروف الواقعيّة لذلك، لا إقليميّاً ولا دوليّاً ولا حتّى محلّياً...
وللأسف، فإنَّ الحركة الاستكباريّة الّتي تقودها الدّول الكبرى، قد أوصلت مسألة الدّولة الفلسطينيّة إلى أن تغيب حتّى في الشّكل والإعلان، حتّى عبّر بعض المسؤولين الغربيّين عن أنّه لا بدّ من أن تكون هناك دولة فلسطينيّة في الواقع حتى نعترف بها، في دلالةٍ على حجم السّقوط الحضاريّ الغربيّ في منطقه في مقاربة قضايانا، بحيث تصبح "إسرائيل" المحتلّة الغاصبة والمجرمة، لا تملك الشّرعيّة القانونيّة فحسب، بل هي الّتي تمنّ أو لا تمنّ على الفلسطينيّين بدولة أو سلطة أو ما إلى ذلك.
فشل الرّهان على الغرب
لقد آن لنا أن نُدرك جميعاً، ولا سيّما الشّعب الفلسطينيّ، أنّ الاعتماد على الغرب لم ولن يُبقي للفلسطينيّين أيّ شيء، وإذا سقطت قضيّة فلسطين ـ لا سمح الله ـ فسوف تكون نتائجها كارثيّةً على كيانات الأمّة كلّها. ولذلك، ليس أمامنا إلا إعادة تفعيل المقاومة في خطّ التحرير؛ لأنّ هذا العالم لا ينصت إلا للأقوياء، والسياسة الدوليّة لا تحترم المستسلمين للإملاءات والمفرّطين بحقوق شعوبهم ومستقبلها.
أمريكا: سياسة الكيل بمكيالين
أمّا في المشهد العربيّ والإسلاميّ، فلا تزال الأحداث والمواقف تكشف الوجه الثّابت للإدارات الأمريكيّة، والّتي لا تعرف الإخلاص إلا لمصالحها الاستكباريّة، والّتي تتطابق مع مصلحة كيان العدوّ، وقد أثبتت التّجارب منذ مجيء أوباما، أنَّ السياسة الأمريكيّة تجاه العالم العربيّ والإسلاميّ لم تتغيّر، وها هو الرّئيس الأمريكيّ يعود إلى لغة الوعيد والتّهديد تجاه إيران في ملفّها النّوويّ السّلميّ، ليلوّح بعضلاته العسكريّة أمامها، فيما يبرز بصورةٍ ناعمةٍ أمام الوحش الإسرائيليّ الّذي يمتلك أنياباً نوويّةً، ويتلقّى الدّعم الماليّ والعسكريّ، وتُقام معه المناورات المشتركة الموجّهة إلى المنطقة بأسرها.
التحرّر من ربقة السيّد الأمريكيّ
وأمام ذلك، نُريد للدّول العربيّة والإسلاميّة الّتي ترزح تحت ضغط الإدارة الأمريكيّة، أن تبدأ مسيرة التّحرير الكامل لإراداتها من هذا الضّغط؛ لأنّنا نعتقد أنَّ مسيرةَ الاستقرار في منطقتنا مرهونة بالتخلّص التّدريجيّ من الضّغط الأمريكيّ الآتي عن طريق السّياسة والاقتصاد، أو القادم عن طريق الاحتلال.
القمّة العالميّة للغذاء
وفي هذا الجوّ، التقينا في الأيّام الماضية بقمّة منظّمة التّغذية والزراعة التي عقدت في إيطاليا تحت عنوان محاربة الجوع، في ظلّ تجاوز أعداد الجوعى في العالم المليار والمئة مليون، وحيث يموت ستّة ملايين طفل من الجوع سنويّاً.
وقد لاحظنا إصرار الدّول الغنيّة على عدم حضور هذه القمّة، ورفضها تقديم تعهّداتٍ ملزمة لتخفيف أرقام الفقر في العالم، في الوقت الّذي تنفق هذه الدّول مئات المليارات على آلة الحرب والدّمار، وعلى إنقاذ الشّركات الاحتكاريّة من الإفلاس.
إنّ علينا أن نعرف أنَّ مشكلة الجوع في العالم لا تنفصل عن المشكلة السياسيّة الّتي صنعتها الدّول المستكبرة، وبالتّالي، فعلى الدّول الفقيرة أن تعمل على تحقيق استقلالها الذّاتيّ على المستويات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة، عبر التّعاون المشترك فيما بينها، بدلاً من السّعي لاستعطاف الدول النّاهبة، والتي زرعت الفقر والخراب والجوع في كلّ البلدان التي دخلت إليها مستعمرةً ومحتلّة.
لبنان: لحماية الهدوء السياسيّ
أمّا لبنان، الّذي يتنفّس قليلاً في ظلّ الهدوء السياسيّ الّذي استطاع أن يُغلق الكثير من السّجالات والمناكفات غير المجدية، فيحتاج إلى خطواتٍ لحماية هذا الهدوء وتعزيزه، من خلال الإصرار على سلوك طريق الحوار الهادئ والهادف، والتّعاون الحقيقيّ داخل الحكومة وخارجها، وعدم الالتفات إلى بعض الأصوات التي تشكّل عنصر ضغطٍ سلبيّ على مسيرة السّلم الأهليّ بطريقة وبأخرى.
إنّ لبنان بحاجةٍ إلى الكثير من ورشات العمل الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة، كما يحتاج إلى تحصين أمنه ومستقبله أمام التحدّيات، ويحتاج أكثرَ ما يحتاج إلى إعادة زرع المحبّة والرّحمة بين أبنائه، بعدما لوّثت السياسة كثيراً من عناصر الطّهارة لديهم، بالأحقاد البغيضة، والعصبيّات المنغلقة، والتي نخشى أن تُستعاد عند أيّ محطّة انتخابيّة أو مصلحيّة هنا وهناك.
ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:
الإمام الباقر(ع): إمام العلم والحوار
نلتقي في اليوم السّابع من هذا الشّهر، بذكرى وفاة إمامٍ من أئمّة أهل البيت(ع)، وهو الإمام محمّد بن عليّ الباقر(ع)، هذا الإمام الّذي استطاع في مرحلته أن يملأ العالم الإسلاميّ علماً، ويفتح عقول النّاس على الإسلام في حقائقه وأسراره، ويقدّمه بأصالته وقيمه. وقد عاش مع أبيه الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(ع) خمساً وثلاثين سنةً، وكان يعيش كلّ آفاق أبيه في كلّ خصوصيّاته وفي كلّ قيمه، لأنّه كان الإمام الّذي عاش مع الله، وعاش مع النّاس، وملأ الحياة الإسلاميّة علماً.
الباقر(ع) في نظر المؤرّخين
وقد ذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه "الصّواعق المحرقة" ـ وهو من الّذين لا يؤمنون بإمامة الإمام الباقر ـ في تفسير كلمة الباقر: "سُمّي بذلك مِنْ بَقر الأرض، أي شقّها وأثار مخبآتها ومكامنها". نعم، فالإمام(ع) أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللّطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطويّة والسّريرة.
و قيل فيه أيضاً: "هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه".
وعن عبد الله بن عطاء المكّيّ: "ما رأيت العلماء عند أحدٍ قطّ أصغر منهم عند أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه، كأنّه صبيّ بين يدي معلّمه".
وقال ابن شهرآشوب في المناقب: "كان أصدقَ النّاس لهجةً، وأحسنَهم بهجةً، وأبذلهم مهجةً، وكان يتصدّق كلّ جمعةٍ بدينار، وكان يقول: الصّدقة يوم الجمعة تُضاعَف؛ لفضل يوم الجمعة على غيره من الأيّام".
وقال المفيد: "كان ظاهرَ الجود في الخاصّة والعامّة، مشهور الكرم في الكافّة، معروفاً بالتفضّل والإحسان، مع كثرة عياله وتوسّط حاله".
إمام عصره
وفي إطارٍ آخر، كان الإمام الباقر(ع) إمام المرحلة الثّقافيّة في عصره، فقد قال المفيد في الإرشاد: "روى عن الباقر معالمَ الدّين، بقايا الصّحابة ووجوهُ التّابعين ورؤساءُ فقهاءِ المسلمين". ولو درسنا التّراث الإسلاميّ المتنوّع في المرحلة التي عاشها الإمام الباقر، لرأينا أكثر العلماء والمثقّفين، سواء كانوا في الفقه أو في الكلام أو في التّاريخ أو في الأخلاق، قد رووا عنه. وهو الّذي أسّس المدرسة الإسلاميّة الّتي ورثها عنه ابنُه الإمام جعفر الصّادق(ع)، وكان يهتمّ بتلامذته ليصبحوا في مستوى علميّ مرموق. ولذلك، كان من وصيّته لولده الإمام جعفر الصّادق(ع): "أوصيك بأصحابي خيراً"، وأجابه الإمام الصّادق(ع): "جعلت فداك، والله لأدعنّهم، والرّجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحداً".
وقد سئل الباقر(ع) عن الحديث يرسله ولا يسنده ـ أي يذكر الحديث عن رسول الله(ص) من دون سندٍ، فيرسله مباشرةً إلى رسول الله، فيقول: "قال رسول الله"، ولا يقول: رويت عن فلانٍ عن فلانٍ عن فلان، كما هو شأن الرّواة؛ فقال(ع): "إذا حدّثتُ بالحديث فلم أسنده، فسندي فيه أبي عن جدّي عن أبيه عن جدّه رسول الله عن جبرائيل عن الله عزّ وجلّ".
وقد قال الشّاعر:
ووالِ أناساً قولهُم وحديثُهم روى جدُّنا عن جبرائيل عن الباري
داعية الوحدة
وكان الإمام(ع) يريد من المسلمين أن يتوحّدوا، وأن يتحابّوا ويتواصلوا، ولم يرد لهم أن يتخاصموا، بل أن يتحاوروا عندما تختلف وجهات النّظر فيما بينهم. وفي الرّواية عنه قال: "إيّاكم والخصومة ـ يعني إيّاكم أن يخاصم أحدٌ منكم الآخر ـ فإنها تفسد القلب ـ لأنّها تخلق في داخله الحقد ـوتورث النّفاق"، لأنها تجعل الإنسان يقول ما لا يعتقد. ويقول(ع)، وهو يريد للأرحام أن يتواصلوا: "إنّ أعجل الطّاعةِ ثواباً صلة الرّحم، وإنّ القوم ليكونون فجّاراً ـ يعني لا يطيعون الله كما يجب أن يطاع ـ فيتواصلون بينهم، فتُنمى أموالهم ويثرون"، بمعنى أنّ صلة الرّحم تنمّي المال وتوسّع للإنسان رزقه.
وقال(ع): "ما من شيءٍ أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من أن يُسأل. وما يدفع القضاء إلا الدّعاء". كان(ع) يشجّع النّاس على أن يدعوا الله في كلّ أمورهم، فإذا نابت الإنسان نائبةٌ، أو أصابته مصيبةٌ، أو عاش همّاً معيّناً، فإنّ عليه أن يجلس بين يدي الله ليدعوه، لأنّ الله سبحانه وتعالى أراد للنّاس أن يدعوه، لأنَّ الدّعاءَ يمثّل العلاقةَ الحميمةَ بين الإنسان وربّه }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:60].
قبسات هادية من أحاديث الباقر(ع)
وقد تحدّث الإمام أيضاً عن أنّ على الإنسان أن يعيش ليعطي الخير للنّاس. قال(ع): "وإنّ أسرع الخير ثواباً البرّ ـ أن يبرّ النّاس، وأن يحسن إلى النّاس ـ وأسرع الشرّ عقوبةً البغي ـ أن يبغي على النّاس، وأن يعتدي عليهم ـ وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من النّاس ما يعمى عليه من نفسه ـ يعني بعض النّاس ينتقد النّاس بأشياء هو يرتكبها، وعلى الإنسان الّذي لديه بعض العيوب، أن يهتمّ بنقد نفسه ويهذّبها، لا أن يتّجه إلى النّاس ليفتّش عن عيوبهم ويعمى عن عيوبه ـ وكفى بالمرء عيباًَ أن يأمر النّاس بما لا يستطيع التحوّل عنه ـ يأمر النّاس ببعض الأشياء وهو يرتكبها ـ وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه" ـ أن يجلس مع النّاس ويؤذيهم بأشياء ليس له فائدة منها أو حاجة بها.
قال الجاحظ في كتاب "البيان والتّبيين": جمع محمّد بن عليّ الباقر صلاح شأن الدّنيا بحذافيرها في كلمتين، فقال: "صلاح شأن المعاش والتّعاشر ملء مكيال: ثلثان فطنة، وثلث تغافل"، كأنّه يقول: إنّ الإنسان بحاجةٍ إلى الوعي فلا يُخدَع، وبحاجةٍ إلى التّغافل فلا يستغرق في الأمور الهامشيّة، وبذلك يصلح شأن معيشة الإنسان، وتصلح عشرته للنّاس، فلا يحاسب في كلّ شيء، ولا يتدخّل في جزئيّات النّاس.
وجاء في حديثه(ع): "لا تصحب الفاجر ـ لأنّ الإنسان يتأثّر بصاحبه، كما قال الشاعر:
صاحب أخا ثقةٍ تحظى بصحبته فالطّبع مكتسَبٌ من كلّ مصحوبِ
والـرّيح آخذةٌ مما تـمرّ به نتناً من النتن أو طيباً من الطّيبِ
ولا تطلعْه على سرّك ـ لأنّك إذا كنْتَ لا تحفظ سرّك، فإنّ الآخرين لن يحفظوه، وإذا أطلعْتَ الفاجر على سرّك، فإنّه قد يستغلّه للإضرار بك؛ لأنّ فجوره قد يدفعه إلى أن يفشي ذلك السّرّ أو يستغلّك به ـواستشر في أمرك الذين يخشون الله"، إذا أردت أن تستشير أحداً، فاستشر النّاس الذين يخافون الله، لأنّ الإنسان الذي يخاف الله لا يمكن إلا أن ينصحك، ولا يمكن أن يغشّك، فخشية الله تدفعهم إلى أن يعطوك النّصيحة بأمانة، ولا ينطلقوا في ذلك من خلال مصالحهم.
وقد جاء في الحديث عن الباقر(ع): "ما من عبدٍ يمتنع من معونة أخيه المسلم، والسّعي في حاجته ـ إذا طلب أخوه المسلم أن يعينه، وكان قادراً على أن يعينه ولكنّه امتنع عن ذلك ـ إلا ابتلي بالسّعي في حاجةٍ فيما يؤثم عليه ولا يؤجر"، يعني أنّ الله سيبتليه بالسّعي في حوائج يؤثم عليها.
وقد جاء في حديثِ الإمام الباقر(ع): "ما من عبدٍ يبخل بنفقةٍ ينفقها فيما يرضي الله، إلا ابتلي بأن ينفق أضعافها فيما أسخط الله"، لأنّ على الإنسان أن يسعى في كلّ ما يرضي الله، فينفق نفقته لما يحبّه الله، ولا يبخل بنفقته عمّا يحبّه الله.
الحوار مع المخالف
أيّها الأحبّة، لقد ترك هذا الإمام العظيم تراثاً عظيماً متنوّعاً في أكثر من قضيّة، وكان أيضاً يدخل في الحوار مع الّذين يخالفونه في الرّأي فيسكتهم، لأنّه كان قويّ الحجّة أمام أيّ شخصٍ يفكّر بطريقةٍ أخرى، فقد كان(ع) يؤمن بالحوار والجدال بالّتي هي أحسن. وهذا ما يجب أن نتعلّمه من الإمام الباقر(ع)؛ أن نتعلّم من علمه، وأن نتعلّم من أخلاقه، وأن نتعلّم من سيرته، وأن نتعلّم من الأخذ بأسباب الحوار في كلّ ما نختلف فيه، وألا نتّخذ الاختلافات التي تحدث فيما بيننا مجالاً للتّحاقد والتّنازع.
وكان الإمام منفتحاً على كلّ المسلمين، كان منفتحاً على الّذين يقولون بإمامته، وعلى الّذين ينكرون إمامته، لأنّه كان يفكّر في الوحدة الإسلاميّة، وفي أن يلتقي المسلمون، فإذا التقوا، أمكنهم أن يتحاوروا فيما اختلفوا فيه، وأن يصلوا إلى الحقيقة وإلى النّتائج الإيجابيّة الكبرى.
إنّ أئمّة أهل البيت(ع) يمثّلون نموذج الخلافة الحقيقيّ عن النبيّ(ص)، وهم الّذين يؤكّدون الحقيقة لنا، وعلينا أن تكون موالاتنا لهم موالاة العلم والمعرفة والاتّباع في كلّ سيرتهم. والسّلام على الإمام الباقر يوم ولد ويوم التقى ربّه ويوم يبعث حيّاً.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الخطبة الثّانية
تفتيت القضيّة الفلسطينيّة!
في المشهد الفلسطينيّ، يدفع الاحتلال الصّهيونيّ الأحداث والمعطيات في الاتّجاه الّذي يوصل الفلسطينيّين، ومعهم كلّ الواقع العربيّ والإسلاميّ، إلى واقع اللادولة، تحت غطاءٍ دوليّ، واتّجاهٍ عربيّ، للتّعامل مع الأمر الواقع كما هو. وقد أدرك العدوّ هذه النّقطة جيّداً، فعمل على تحويل القضيّة من حركة مقاومةٍ وتحريرٍ، إلى حركة مفاوضات، وأخيراً، إلى قضيّة على الورق تتقاذفها الكلمات من هنا وهناك.
كلّ ذلك، وكيان العدوّ يشعر بالاطمئنان إلى أنّ أيّاً من الإدارات الغربيّة لن تسمح بإدانته أو إحراجه أو حشره في الزّاوية؛ ولذلك يسير كيان العدوّ مع رفض إعلان الدّولة الفلسطينيّة من طرفٍ واحد، حتّى مع علمه بعدم توفّر أيّ من الظّروف الواقعيّة لذلك، لا إقليميّاً ولا دوليّاً ولا حتّى محلّياً...
وللأسف، فإنَّ الحركة الاستكباريّة الّتي تقودها الدّول الكبرى، قد أوصلت مسألة الدّولة الفلسطينيّة إلى أن تغيب حتّى في الشّكل والإعلان، حتّى عبّر بعض المسؤولين الغربيّين عن أنّه لا بدّ من أن تكون هناك دولة فلسطينيّة في الواقع حتى نعترف بها، في دلالةٍ على حجم السّقوط الحضاريّ الغربيّ في منطقه في مقاربة قضايانا، بحيث تصبح "إسرائيل" المحتلّة الغاصبة والمجرمة، لا تملك الشّرعيّة القانونيّة فحسب، بل هي الّتي تمنّ أو لا تمنّ على الفلسطينيّين بدولة أو سلطة أو ما إلى ذلك.
فشل الرّهان على الغرب
لقد آن لنا أن نُدرك جميعاً، ولا سيّما الشّعب الفلسطينيّ، أنّ الاعتماد على الغرب لم ولن يُبقي للفلسطينيّين أيّ شيء، وإذا سقطت قضيّة فلسطين ـ لا سمح الله ـ فسوف تكون نتائجها كارثيّةً على كيانات الأمّة كلّها. ولذلك، ليس أمامنا إلا إعادة تفعيل المقاومة في خطّ التحرير؛ لأنّ هذا العالم لا ينصت إلا للأقوياء، والسياسة الدوليّة لا تحترم المستسلمين للإملاءات والمفرّطين بحقوق شعوبهم ومستقبلها.
أمريكا: سياسة الكيل بمكيالين
أمّا في المشهد العربيّ والإسلاميّ، فلا تزال الأحداث والمواقف تكشف الوجه الثّابت للإدارات الأمريكيّة، والّتي لا تعرف الإخلاص إلا لمصالحها الاستكباريّة، والّتي تتطابق مع مصلحة كيان العدوّ، وقد أثبتت التّجارب منذ مجيء أوباما، أنَّ السياسة الأمريكيّة تجاه العالم العربيّ والإسلاميّ لم تتغيّر، وها هو الرّئيس الأمريكيّ يعود إلى لغة الوعيد والتّهديد تجاه إيران في ملفّها النّوويّ السّلميّ، ليلوّح بعضلاته العسكريّة أمامها، فيما يبرز بصورةٍ ناعمةٍ أمام الوحش الإسرائيليّ الّذي يمتلك أنياباً نوويّةً، ويتلقّى الدّعم الماليّ والعسكريّ، وتُقام معه المناورات المشتركة الموجّهة إلى المنطقة بأسرها.
التحرّر من ربقة السيّد الأمريكيّ
وأمام ذلك، نُريد للدّول العربيّة والإسلاميّة الّتي ترزح تحت ضغط الإدارة الأمريكيّة، أن تبدأ مسيرة التّحرير الكامل لإراداتها من هذا الضّغط؛ لأنّنا نعتقد أنَّ مسيرةَ الاستقرار في منطقتنا مرهونة بالتخلّص التّدريجيّ من الضّغط الأمريكيّ الآتي عن طريق السّياسة والاقتصاد، أو القادم عن طريق الاحتلال.
القمّة العالميّة للغذاء
وفي هذا الجوّ، التقينا في الأيّام الماضية بقمّة منظّمة التّغذية والزراعة التي عقدت في إيطاليا تحت عنوان محاربة الجوع، في ظلّ تجاوز أعداد الجوعى في العالم المليار والمئة مليون، وحيث يموت ستّة ملايين طفل من الجوع سنويّاً.
وقد لاحظنا إصرار الدّول الغنيّة على عدم حضور هذه القمّة، ورفضها تقديم تعهّداتٍ ملزمة لتخفيف أرقام الفقر في العالم، في الوقت الّذي تنفق هذه الدّول مئات المليارات على آلة الحرب والدّمار، وعلى إنقاذ الشّركات الاحتكاريّة من الإفلاس.
إنّ علينا أن نعرف أنَّ مشكلة الجوع في العالم لا تنفصل عن المشكلة السياسيّة الّتي صنعتها الدّول المستكبرة، وبالتّالي، فعلى الدّول الفقيرة أن تعمل على تحقيق استقلالها الذّاتيّ على المستويات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة، عبر التّعاون المشترك فيما بينها، بدلاً من السّعي لاستعطاف الدول النّاهبة، والتي زرعت الفقر والخراب والجوع في كلّ البلدان التي دخلت إليها مستعمرةً ومحتلّة.
لبنان: لحماية الهدوء السياسيّ
أمّا لبنان، الّذي يتنفّس قليلاً في ظلّ الهدوء السياسيّ الّذي استطاع أن يُغلق الكثير من السّجالات والمناكفات غير المجدية، فيحتاج إلى خطواتٍ لحماية هذا الهدوء وتعزيزه، من خلال الإصرار على سلوك طريق الحوار الهادئ والهادف، والتّعاون الحقيقيّ داخل الحكومة وخارجها، وعدم الالتفات إلى بعض الأصوات التي تشكّل عنصر ضغطٍ سلبيّ على مسيرة السّلم الأهليّ بطريقة وبأخرى.
إنّ لبنان بحاجةٍ إلى الكثير من ورشات العمل الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة، كما يحتاج إلى تحصين أمنه ومستقبله أمام التحدّيات، ويحتاج أكثرَ ما يحتاج إلى إعادة زرع المحبّة والرّحمة بين أبنائه، بعدما لوّثت السياسة كثيراً من عناصر الطّهارة لديهم، بالأحقاد البغيضة، والعصبيّات المنغلقة، والتي نخشى أن تُستعاد عند أيّ محطّة انتخابيّة أو مصلحيّة هنا وهناك.