بسم الله الرحمن الرحيم
خطبتا صلاة الجمعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء فيهما:
رجاحة العقل ميزان هوى النّفس
طاقتا العقل والهوى
يحدّثنا القرآن الكريم عن طاقتين في ذات الإنسان؛ طاقة إيجابية ترتفع به إلى مواقع المسؤولية وإلى ما يقرّبه من الله سبحانه وتعالى ويجعله في موقع السعادة في الدنيا والآخرة، وطاقة سلبية قد تهبط به إلى أدنى المستويات، وتبتعد به عن الله، وتسير به في مواقع الهلكة، وتحوّل حياته الخاصَّة والعامة إلى حال من الفوضى.
فهناك العقل والعاطفة، والفكر والغريزة، والمبدأ والشهوة... ونحن، عندما نريد أن نصنع لأنفسنا الشخصية الواعية التي تتميّز بالبصيرة، وتتحرَّك في الخطِّ المستقيم، وتؤكّد الحق في كلِّ ما تفكّر فيه وما تمارسه وتتحرّك فيه، فلا بدَّ من أن نأخذ بأسباب العقل، لأنّ العقل هو الطَّاقة التي يمكن للإنسان من خلالها أن يميّز الحسن من القبيح، والحق من الباطل، والخير من الشر، وهو الّذي يدفعه إلى أن يختار الحق مهما كان مرّاً، وأن يختار الخير مهما كان صعباً، وأن يختار الاستقامة مهما كانت معقّدةً في الواقع.
حجّيّة العقل
وقد جعل الله العقل نوراً يضيء للإنسان حياته، ولذلك اعتبره حجّةً بينه وبين عباده، فالله تعالى يحتجّ على الإنسان بما يدركه عقله، لأنّ العقل لا يدرك إلاّ الحقّ، والإنسان إنّما ينفتح على معرفة الله بعقله، وقد ورد في الحديث المأثور: «إنّ الله لما خلق العقل قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي، ما خلقت خلقاً هو أكرم عليّ منك، إياك آمر وإياك أنهى، وإيّاك أثيب ـ عندما يتحرك عقل الإنسان في طريق الخير ـ وأيّاك أعاقب»، لأنّ العقل هو الذي يعطي لأيِّ عمل قدره، لذا ورد في الحديث: «تفكّر ساعة خير من عبادة سنة»، وورد أيضاً: «ركعتان يصلّيهما العالِم، أفضل من ألف ركعة يصليها العابد»، من دون وعي.
لذلك، على الإنسان أن يربّي عقله وينمّيه بالتفكير، بحيث يفكر في كلِّ ما يعرض عليه ويقدّم إليه، ويتحمّل مسؤوليته.
العاطفة السلبيّة
وفي مقابل العقل هناك العاطفة، وهي حالة إنسانيّة تتّصل بالشعور والإحساس، ولكن لا ضوابط لها، لأنّها تنطلق من الحالة النفسية الشعورية الّتي تتفاعل مع الغرائز والأحاسيس، وهي قد تتحرّك من خلال بعض الظروف أو العلاقات المحيطة بالإنسان. وقد تحدّث المتحدّثون عن الحب الأعمى، وهو الحبّ الّذي لا يملك معه الإنسان بصيرته، بحيث لا يعرف لماذا أحبّ فلاناً أو أبغضه، ومن دون أن يدرس العناصر الأساسية للحبّ والبغض، وقد رسم الله تعالى للإنسان الأسس التي عليه أن يراعيها في مسألة الحب والبغض، فجعل «الحبّ في الله، والبغض في الله»، وقد ورد في الحديث: «إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيراً فانظر إلى قلبك، فإن كان يحبّ أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته، ففيك خير والله يحبك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحبّ أهل معصيته، فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء مع مَن أحبّ».
فالعاطفة قد تؤدِّي بالإنسان إلى الهلكة، ولذلك كنّا نقول دائماً إنّ علينا أن نعطي العقل جرعةً من العاطفة ليرقّ ويلين، وأن نعطي العاطفة جرعةً من العقل لتتوازن. وعلى ضوء هذا، لا بدَّ للإنسان في حركته في الحياة، من أن يقف مع عقله ويحرّكه ويستنطقه ويتّبعه، وأن لا يتبع عاطفته وهوى نفسه، لما لذلك من خطورة على مصيره في الآخرة، وهو ما عبّر عنه الله سبحانه في كتابه المجيد، بقوله تعالى: {أفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِـ بحيث يملك وضوح الرؤية والمعرفة العقلية التي تمثِّل الحجة عليه أمام الله ـ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ـ وهو الإنسان الذي يرى عمله من أفضل الأعمال، بينما هو في الواقع من أسوأ الأعمال ـ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}(محمد:14)، بحيث ساروا في طريق مشتهيات النفس.
وقال تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ـ الّذين ظلموا أنفسهم بالشّرك والمعصية ـأَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُـ بحيث يرفع عنهم لطفه ورضوانه ـ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}(الروم:29). ويقول تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌـ الذّرية غير الصالحة ـأَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً}(مريم:59).
ضلالة الهوى
ويحدثنا الله تعالى عن بعض نماذج النّاس المنحرفين، الّذين يحاولون أن يؤثّروا على من يصاحبهم لينحرفوا به عن الخطِّ المستقيم، فيقول تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً}(النساء:27). كما يحدِّثنا الله تعالى عن الذين يعبدون شهواتهم من دون الله، لأنّ الطاعة هي مظهرٌ من مظاهر العبودية، قال تعالى: {أرأيت مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}(الجاثـية:23).
وقد ورد عن رسول الله (ص): «ما تحت ظل السماء من إله يُعبد من دون الله أعظم عند الله من هوى متّبع». وورد عن الإمام عليّ (ع): «الجاهل عبد شهوته».
وقال تعالى مخاطباً داود نبيّه(ع)، في توجيهٍ لكلِّ من يلي شؤون الناس من قضاءٍ وغيره: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}(ص:26).
ويقول تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(الأعراف:175-176). وهؤلاء نجد الكثير منهم، كالذي يملك علماً ولكنّه لا يعمل به ولا يهتدي به. ويقول تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ـ وهو الهوى المحرّم ـ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}(النازعـات: 37-41).
إنَّ علينا ـ كمؤمنين ـ أن نعمل لننمِّي عقولنا ونستنطقها، ونجعلها مشرفةً على غرائزنا وشهواتنا وعواطفنا، وقد قال عليّ (ع): «لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه». فلتكن حركتنا في كلّ حياتنا ـ على تنوّعها ـ محكومةً للعقل، ولنبتعد بها عن الخضوع للهوى، لأن الهوى سوف يلقي بصاحبه في نار جهنَّم.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله، فماذا هناك؟
الإدارة الأمريكية: دعم عسكري واستخباريّ لإسرائيل
ثمّة حركة تسلّح متسارعة في العالم تشرف عليها وزارة الحرب الأميركية، فبعد المنظومة الصاروخية الّتي زوّدت بها الكيان الصهيوني، وفي أعقاب نصب منظومة الرادارات الحديثة في هذا الكيان، وبعد تزويدها العدوّ بالقنابل الذكية القاتلة والمدمِّرة، أعلنت هذه الوزارة أنّها أبلغت الكونغرس عزمها على تزويد إسرائيل بطائرات شبح من طراز أف35، والتي يعجز الرادار عن اكتشافها.
والأميركيون الذين يستكثرون على الجيش اللبناني أن يحصل على مناظير ليليّة، أو على مروحيات قتالية عادية، ويثيرون الحديث الدائم والمتواصل عن تسلّح المقاومة، لا ينظرون إلى تزويد إسرائيل بأحدث الأسلحة إلاّ بعيون إسرائيلية لا تبصر مصلحة أميركا القومية إلا من زاوية حفظ المصالح الإسرائيلية، وضمان تفوّق إسرائيل النوعي الذي تنظر إليه كل الإدارات الأميركية كواجب يلزمها، وكحقّ يستوجب الحفاظ عليه، ولو أدى ذلك إلى تدمير لبنان والضفة الغربية وقطاع غزة وكل مواقع العرب والمسلمين.
إنّنا أمام هذا الواقع، نسأل دول محور الاعتدال العربي عن السرّ في حجم الشروط التي تضعها أمامهم الإدارة الأميركية في كلِّ صفقة يعقدونها معها، بينما تطلق هذه الإدارة يد إسرائيل في كلِّ الصفقات التي تزوّدها فيها بأحدث الأسلحة وأخطرها، لا بل تقوم، بالتعاون مع إسرائيل استخبارياً أو ميدانياً، بقصف المواقع العربية، كما حدث في عدوان تموز 2006 على لبنان، أو في العدوان الإسرائيلي على دير الزور في سوريا!.
إنّ هذا الحديث المتواصل عن تأمين التفوّق النوعي لإسرائيل، وتوفير الغطاء السياسي والأمني والإعلامي لها، لتأديب أية دولة أو حركة معارضة للسياسة الأميركية، يشير، إضافةً إلى الرُّؤية الأساسية في التأسيس الغربي للدولة اليهودية واغتصابها فلسطين، وطرد أكثر أهلها منها، ومحاصرة الباقين فيها، في عملية خداع بالوعد بدولة قابلة للحياة، إن كل ذلك يشير إلى دورها في تدمير التواصل العربي ـ العربي، عبر اعتبار إسرائيل دولةً صديقةً، في مقابل التعاطي مع إيران كدولة عدوّة، ومع سوريا كدولة مارقة وداعمة للإرهاب، والعمل على تشويه صورة المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان. وقد اطّلع الكثيرون على ما احتواه الأرشيف البريطاني والفرنسي، وأخيراً الأميركي، من دعمٍ للمشروع النووي العسكري الإسرائيلي، والذي يمثِّل الخطر على سلام العالم وأمن المنطقة، وفي المقابل، رأينا ألواناً من الحقد والعصبية والانفعال تتمثل بالنظرة الأميركية والأوروبية حيال المشروع النووي الإيراني السلمي. وقد توّج هذه النظرة، التصريح الأخير لوزير الخارجية الفرنسي، الذي هدّد فيه بأن إسرائيل "ستلتهم إيران إذا امتلكت سلاحاً نووياً"، ثم أعاد تصويب تصريحه قائلاً: "إن إسرائيل ستضرب إيران"، وفي الحالين، كان يحاول الإيحاء بأن بلاده تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل للقيام بضرب إيران، في حديث تتملكّه الخِفّة وتعوزه الحكمة.
إسرائيل: تهديدات تهويلية للبنان!
إن إسرائيل الغاصبة والمتوحشة، والتي لا تزال قنابلها العنقودية تلاحق أهلنا في الجنوب والبقاع الغربي، في قراهم وحقولهم وأماكن عملهم، والتي زوّدت جورجيا بأحدث الأسلحة ودرَّبت جيشها، لا يستحي رئيس وزرائها المستقيل من أن يذهب إلى روسيا طالباً منها عدم تزويد إيران أو سوريا بأيِّ سلاح قد يحميها من أيِّ هجوم إسرائيلي محتمل. وإنَّ هذا العدو الذي يصرّح قائد جبهته الشمالية بأنه "سيدمّر أية قرية لبنانية تطلق منها الصواريخ نحو إسرائيل"، ويقول بأن هذه "ليست توصيةً بل خطة تمت المصادقة عليها"... إنَّ هذا العدو، هو نفسه الذي يُحدّد للأميركيين السقف في مسألة تسليح الجيش اللبناني، ليفرض على الإدارة الأميركية الراحلة ألا تزوّد الجيش إلا بالمعدات العادية، والتي لا تمكّنه بأي حالٍ من الأحوال من مواجهة العدوان الإسرائيلي، لا بل إنَّ المسؤولين الأميركيين الذي يزورون لبنان، يوحون بأن المساعدة في هذا التسلّح هدفها أن يتحرك في التحديات الداخلية أو ما يسمّونه الحرب على الإرهاب.
ومن اللافت أنَّ هناك دراسةً أمريكيةً قريبةً من اللوبي اليهودي في أمريكا، أشارت إلى أن أسوأ ما في الأمر، أنه في حال خسارة الفريق المؤيد للسياسة الأمريكية الانتخابات البرلمانية اللبنانية في ربيع 2009، وترؤس تحالف يقوده حزب الله للحكومة الجديدة، فإنّ مساعدات الولايات المتحدة للقوات المسلّحة اللبنانية قد تتوقف غالباً بشكل كامل... إننا نجد أنّ هذه الدراسة، التي ربما تتبنَّاها الإدارة الجديدة، كما تتبنّاها الإدارة الحالية المؤيِّدة لإسرائيل، والعاملة على إبقاء لبنان قاعدةً للغرب، ولا سيما الغرب الأمريكي، تدلُّ على أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست مخلصةً للبنان ولا تحترم استقلاله وسيادته، ولكنّها تحاول الإيحاء بالوقوف مع فريق لبناني في مواجهة فريق لبناني آخر، وربما كان ذلك لإيجاد أزمة لبنانية ـ لبنانية، لتعطيل المصالحات كوسيلة للِّقاء وللوحدة الوطنية، وهذا ما يجب أن يفهمه اللبنانيون، وأن يتنبّهوا له جيداً.
تفوّق المقاومة وجهوزيّتها
إننا أمام هذا النوع من السياسة الأميركية، والتي لا تبصر مصالحها إلا من زاوية المصالح الإسرائيلية، وأمام هذا الصمت العربي والأوروبي حيال التهديدات الإسرائيلية الأخيرة للبنان، ندعو المقاومة من جهة، والجيش اللبناني من جهة ثانية، إلى الحفاظ على جهوزيتهما في مواجهة أية حماقة إسرائيلية محتملة، وإن كنا نعتقد أن التهويل الإسرائيلي هو تهويل الخائف المذعور الذي يحاول الإيحاء إلى جيشه بالثقة، بعدما بات الصهاينة أكثر شكاً في قدرة جيشهم على الانتصار في أية معركة قادمة مع المقاومة ومع لبنان.
إننا في الوقت الذي ننظر بارتياح إلى إمكانات المقاومة وبسالة مجاهديها، وإلى موقف الجيش اللبناني وجهوزية جنوده المستعدين للدفاع عن بلدهم وأرضهم، ونستذكر التجربة في مواجهة العدوان في خلال حرب تموز 2006، ندعو اللبنانيين إلى استيعاب تهديدات العدو جيداً، وأن يقفوا مع المقاومة التي تدرك مسؤوليتها في الحفاظ على سلامة قواعدها الشعبية، والّتي لا تتحرك بطريقة المغامرة لتمنح العدوّ أية فرصة سياسية أو أمنية للعدوان، لأن دورها هو ردع العدوان، كما ندعوهم إلى الالتفاف حول جيشهم وحمايته ودعمه في مواجهة المحتلّ وفي الحفاظ على السلم الأهلي الداخلي.
لبنان: لإنتاج حلول عملية محلية
أما في الداخل اللبناني، فإننا نلاحظ أنه لا يزال هناك من يراهن على توظيف الصراعات العربية ـ العربية، لقطع الطريق على تفاهمات سياسية وداخلية حقيقية، ولإشعار اللبنانيين بضعف قدرتهم الذاتية على إنتاج الحلول الواقعية والضرورية، ونحن نرى في ذلك لعباً بمصير البلد ومستقبله.
إننا نريد للبنانيين جميعاً، أن يعملوا بإخلاص لإنتاج حلول عملية من خلال اللقاءات التصالحية، بما يُحصّن الوحدة في الداخل، ويواجه مشاريع التمزيق والتفتيت والتطرف القادمة من الخارج، والتي تدخل فيها حسابات ورهانات أمنية لمصلحة دول أو منظمات أو جماعات تأتي من هنا وهناك، وعلى اللبنانيين حماية استقلالهم بوفاقهم، وبالدولة القوية العادلة التي ينبغي أن لا تظل عروس شعر في خطاب المتحدّثين والمتكلّمين، بل أن يبدأ العمل لإنتاجها في برامج المسؤولين وحركة السياسيين.
ومن جانب آخر، يبقى على الدولة اللبنانية المتمثّلة بمصرف لبنان وبالهيئات الاقتصادية، أن تواجه تداعيات الأزمة المالية العالمية وتفاعلاتها في التأثيرات السلبية من خلال الخسائر التي لحقت بالكثير من الأرصدة العربية، واقتربت من الخطر في الأزمة الاقتصادية الأوروبية، لأن الوصفات الأمريكية لم تستطع أن تحلّ المشكلة من جذورها، ونحن نعرف أن الاقتصاد اللبناني يواجه الكثير من الأزمات الخانقة، ولا سيما أزمة المديونية المتصاعدة، والمشاكل التي تحاصر الدولة في تمويل مشاريعها الحيوية الضرورية المتَّصلة بالحاجات الشعبية في الخدمات العامة. إنَّ المرحلة قد بدأت تتطور سلباً على العالم كلّه، وعلى لبنان أن يخطِّط لإنقاذ اقتصاده الضعيف منها، لئلا يزداد ضعفاً ويترك تأثيره على الواقع كلّه، ومن خلال ذلك، نؤكِّد أهمّيّة تضافر الجهود السياسية للوصول إلى مواقع الوحدة الو+طنية التي ينبغي أن تتجمَّد عندها كلُّ التعقيدات، لأن القضية قضية المصير الوطني، لا الطموحات الانتخابية الغارقة في الحساسيات الحزبية والمذهبية والطائفية، لأنه لا قيمة لنجاح أيِّ شخص وأية جهة إذا اهتزَّ الوطن كلّه الذي لن يبقى للزعامات منه شيء، لأن الهيكل قد يسقط على رؤوس الجميع.