من طيب الخلق إنصاف الناس:
كيف يخطِّط الإسلام للمنهج الأخلاقي الإنساني في تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان، ليكون من خلال ذلك قريباً من الله، ومقبولاً عنده تعالى، وموقعاً لرضاه، ولاستحقاقه دخول الجنة؟ فقد وردت عدة أحاديث عن رسول الله(ص) وعن الأئمة من أهل البيت(ع)، تتناول بعض العناوين في تعامل الإنسان مع الناس، سواء كان هؤلاء الناس قريبين إليه في وضعه العائلي، أو بعيدين عنه في المواقع الاجتماعية الخاصة أو العامة.
ففي رواية عن الإمام زين العابدين(ع)، يروي فيها حديثاً عن رسول الله(ص) قال(ع): «كان رسول الله(ص) يقول في آخر خطبته: طوبى لمن طاب خلقه ـ وطوبى تمثِّل الكلمة التي قد يراد بها موقعاً في الجنة، أو قد يراد بها درجةً رفيعة عند الله، فطوبى لمن طابت أخلاقه فأخذ بالمنهج الأخلاقي في حياته الاجتماعية، بحيث كان صادقاً أميناً ينفتح على آلام الناس ليشاركهم إياها، وعلى مشاكلهم ليحلّها لهم، وعلى أوضاعهم ليركز التوازن فيها، وليُدخل السرور على المؤمنين، منطلقاً في ذلك من الأسس التي تتطلب منه أن يتعامل مع الناس معاملةً طيبةً، بحيث يشعر الناس معه بالخير والراحة ـ وطهرت سجيَّته ـ والسجية هي الطبيعة الإنسانية التي تتمظهر في التخلّص من رذائل الأخلاق والأمراض النفسية ـ وصلحت سريرته ـ بحيث كانت نيّته نيّة الإنسان الذي يحبّ الناس من حوله، ويريد لهم الخير وينصحهم، فلا يحقد عليهم، ولا يغشّهم ولا يجور عليهم ـ وحسنت علانيته ـ بحيث كان يتحرك في علانيته بالتعامل الحسن في علاقاته الاجتماعية ـ وأنفق الفضل من ماله ـ ما فضل عنه من المال ممّا كان زائداً من الكفاف، أو أخرج من حقوق الله تعالى في ما كلّفه الله به ـ وأمسك الفضل من قوله ـ لم يتحدث باللغو والهذر والباطل ـ وأنصف الناس من نفسه»، ينصف الناس في تعامله معهم بكل ما يتعلق بحقوقهم، وبكل ما أراده الله لهم منه، فإذا كان للناس حقٌ عليه، فإنه لا يحتاج إلى أن يقدّموه للقضاء ليحصلوا على حقوقهم، أو أن يضغطوا عليه في سبيل ذلك، بل هو يحبّ لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لها.
وهناك حديث آخر عن الإمام الصادق(ع) عن بعض أصحابه، يقول: «سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: سيد الأعمال ثلاثة ـ فهذه الأعمال تقع في موقع القمة من المنهج الأخلاقي الذي يحبّه الله ويرضاه ـ إنصاف الناس من نفسك حتى لا ترضى بشيء إلا رضيت لهم مثله ـ ماذا تريد لنفسك؟ أن يعزّك الناس ويحترموك ويؤدّوا لك حقوقك ولا يعتدوا عليك؟ إذا كان هذا ما تريده لنفسك، فهو للنّاس أيضاً ـ ومواساتك الأخ في المال ـ أن تواسي أخاك عندما يحتاج إلى مالك، فتمنحه منه ما يفضل عن كفافك، أو حتى في بعض الموارد أن تؤثره على نفسك ـ وذكر الله على كل حال»، أن تذكر الله، سواء كنت جالساً أو قائماً أو ماشياً؛ أن لا يغيب الله عن عقلك أو قلبك وإحساسك ولا عن حركتك.
ولكن هذا الذّكر كما يقول الإمام(ع): «ليس سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فقط ـ فذكر الله لا ينحصر باللسان بما اعتاد الناس أن يذكروا به ربهم تسبيحاً وتحميداً وتوحيداً وتكبيراً، وإن كان هذا من ذكر الله ـ ولكن إذا ورد عليك شيء أمر الله عزّ وجلّ به أخذت به، وإذا ورد عليك شيء نهى الله عنه تركته»، أن يكون الله حاضراً في كيانك، بحيث إذا أقبلت على ما فرضه الله عليك وما أوجبه من العبادات والحقوق، فإنك تذكر موقع الله في نفسك، فتخشاه وتأتي بما فرضه عليك، وإذا وقفت أمام محرّم، فإنّك تذكر الله وتذكر عقابه وتتطلب رضاه وتبتعد عن سخطه، فتترك ذلك كله.
وورد حديث عن عليّ(ع) يركِّز فيه مفهوماً إنسانياً، وهو أن الإنسان الذي ينصف الناس من نفسه، بحيث يفتح عقله وقلبه، وينفتح بعمله على يرفع مستوى الناس وما يحقِّق لهم الراحة والعزة والكرامة، فإن ذلك يؤدي إلى أن يأخذ الإنسان بأعلى ألوان العزّ. يقول أمير المؤمنين(ع): «ألا إنّه من ينصف الناس من نفسه، لم يزده الله إلا عزاً». وعن الصادق(ع) قال: «ثلاثة هم أقرب الخلق إلى الله عزّ وجلّ يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب: رجل لم تدعه قدرة في حال غضبه إلى أن يحيف على من تحت يديه ـ الشخص الذي يملك القوة والقدرة بحيث لا يستغلهما على من هم دونه من الناس الضعفاء، كما هو الحال في الزوج الذي يملك القوة أمام زوجته أو أولاده الضعفاء، أو صاحب العمل الذي يملك القوة على عمّاله وموظفيه، ليكون في موقع رضا الله ـ ورجل مشى بين اثنين ـ حكم بينهما أو أصلح بينهما ـ فلم يمل مع أحدهما على الآخر بشعيرة ـ فالحَكَمُ لا بد من أن يكون موقفه موقف المساوي بينهما، فلا يميل إلى أحدهما دون الآخر، لأن ذلك على خلاف العدل ـ ورجل قال الحق فيما له وعليه»، بحيث يشهد بالحق حتى على نفسه، ويعترف للآخرين بالحق الذي لهم عليه في أي جانب من جوانب الحقوق.
عبادة الله ونيل رضاه:
وورد في السيرة النبوية الشريفة عن أعرابي سأل النبي(ص) أن يعلّمه عملاً يدخله الله به الجنة، فقال(ص): «ما أحبَبْتَ أن يأتيه الناس إليك فأْته إليهم، وما كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم». وهناك حديث عن الإمام الصادق(ع)، أن الله «أوحى إلى آدم(ع): إني سأجمع لك الكلام في أربع كلمات؟ قال: يا ربي وما هنَّ؟ قال: واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة فيما بيني وبينك، وواحدة فيما بينك وبين الناس. قال: يا ربّ بيّنهنَّ لي حتى أعلّمهنّ؟ قال: أما التي لي، فتعبدني لا تشرك بي شيئاً ـ من حقي عليك أن توحدني فلا تشرك بي ولا تطع غيري ـ وأما التي لك، فأجزيك بعملك أحوج ما تكون إليه ـ أعطيك الثواب على عملك الصالح في يوم القيامة في الوقت الذي أنت أحوج الناس إليه ـ وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعليّ الإجابة، وأما التي بينك وبين الناس فترضى للناس ما ترضاه لنفسك».
وهناك حديث عن الإمام الباقر(ع) يرويه عن رسول الله(ص) يقول: «قال رسول الله: ثلاث خصال من كنّ فيه، أو واحدة منهن، كان في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله ـ بحيث يقف الناس يوم القيامة بدون ظلّ، إلاّ هؤلاء الذين يملكون هذه الخصال أو واحدة منهن، فإنّ الله يظلّهم بظلّ عرشه، من هم هؤلاء؟ ـ رجل أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم، ورجل لم يقدّم رجلاً ولم يؤخّر أخرى حتى يعلم أن ذلك لله رضى ـ بحيث إذا أراد أن يعمل عملاً أو أن يدخل في أي معاملة أو أن يحدد لنفسه أي موقف أو موقع، فإنه لا يدرس المسألة على أساس رضى الناس، بل يركِّز حركته في هذا العمل أو الموقف أو المعاملة لتكون على أساس رضى الله تعالى، وهكذا في كل حياته؛ في بيته، ومحل تجارته، وفي موقفه السياسي والاجتماعي، وفي التزامه بهذا الاتجاه أو ذاك ـ ورجل لم يعب أخاه المسلم بعيب حتى ينفي ذلك العيب عن نفسه ـ فكّر في عيوبك قبل أن تتحدث عن عيوب الناس، لأنك لست سالماً من العيوب ـ فإنه لا ينفي منها عيباً إلا بدا له عيب، وكفى بالمرء شغلاً بنفسه عن الناس».
هذا هو منهج الإسلام، ومنهج رسول الله(ص) والأئمة من أهل البيت(ع)، وعلى الناس أن يتحركوا في الأخذ بهذا المنهج الأخلاقي الروحي الإنساني، حتى يقرّبهم الله تعالى إليه، وحتى يقربوا إلى الناس، وبذلك يحبهم الله.
الخطبة الثانية
بسم الله الرَّحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا خطط المستكبرين بما يسقطها ويصادرها، لأن الله أراد للمستضعفين أن لا يخضعوا للمستكبرين ولا يطيعوهم ولا يساعدوهم، فالله أراد العزة لنفسه ولرسوله وللمؤمنين، وقد فوّض إلى المؤمن جميع أموره، ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً. ونحن منذ أن انطلق الإسلام برسالته، وواجه التحديات من قبل المشركين والكافرين والمستكبرين، لا نزال نخوض في كل مرحلة من المراحل معركة في سبيل الرسالة والإنسان والمستضعفين، وقد أراد الله للإنسان أن يقاتل من يقاتلونه وأن يدافع عن المستضعفين. ونحن نعيش الآن الكثير من التحديات الكبرى على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي، فماذا هناك؟
تخبُّط أمريكي في المنطقة:
في الخطَّة الأمريكية لاحتواء الفشل الكبير لسياسة إدارتها في المنطقة، ولاسيما في العراق وأفغانستان، هناك حركة سياسية بدأها نائب الرئيس الأمريكي، ديك تشيني، إلى المملكة العربية السعودية، والتي ربما حاول من خلالها السعي لتشكيل محور ما يسمّى بالدول المعتدلة في المنطقة، وذلك لتأمين الغطاء الشرعي السياسي لما قد يفكر فيه صقور الإدارة الأمريكية ويخطِّطون له ويطالبون بتنفيذه في الضربة الأمريكية، وربما الإسرائيلية، القادمة للمفاعل النووي الإيراني الذي تراه واشنطن خطراً على هيمنتها الحالية على منطقة الخليج، حيث يوجد ثلث احتياطي النفط في العالم.
وفي هذا الخطّ، ينطلق الرئيس بوش في رحلته السياسية ليؤكّد بقاء قوَّاته في العراق، حتى إنجاز ما يسميه المهمة الاستراتيجية لتحقيق النصر وحفظ المصالح الأمريكية في المنطقة عبر العراق، ويتحدّث في أكثر من محطَّة عن دور التدخل الإيراني السوري في تعقيد احتلاله في العراق، ليتَّهمهما بإثارة العنف فيه، ثم يحطّ في عمان للبحث عن مخرج للمأزق الذي يواجهه الاحتلال الأمريكي في العراق، وليتدارس الأمر مع الملك الأردني أولاً، ومع رئيس الوزراء العراقي ثانياً، حول الطريقة التي يواجه فيها تنظيم القاعدة، التي أدخلت العراق في بحر من الدم الطائفي، في الوقت الذي تتحرّك إدارته للضغط على إيران في ملفّها النووي السِّلمي، باستخدام نفوذها في مجلس الأمن وفي دول الاتحاد الأوروبي، لفرض العقوبات على إيران إذا لم توقف عملها في التخصيب النووي، كما تتحرك هذه الإدارة أيضاً في مواصلة الضّغط على سوريا وتطويقها سياسياً واقتصادياً في عملية عزل دولي سياسي.
إنَّها اللُّعبة الأمريكية في المنطقة التي تتخبّط في أكثر من بلد، حتى إنها فشلت في إدارة الأوضاع في أفغانستان، بالرغم من مشاركة الحلف الأطلسي الذي أصيب بالارتباك هناك من خلال الخسائر التي واجهته في أكثر من موقع. ولا تزال المشكلة الأفغانية التي تداخلت معها المشكلة الباكستانية من دون حلّ واقعي يضمن لها السلام والتوازن في حركة النظام.
الفوضى البنّاءة وراء العنف:
إننا نتصوّر أنَّ الرئيس بوش لن ينجح في رحلته هذه، لأنه لا يتحرك بطريقة واقعية في إدارة الأوضاع الدقيقة في الأمن والسياسة في المنطقة، الأمر الذي يجعلها في حالة اهتزاز أمني وسياسي، وإذا كان الرئيس الأمريكي يتحدث عن أن المتشدِّدين سبب العنف في لبنان، فإننا نتصوّر أن التقارير التي تقدّم إليه من موفديه إلى لبنان، ولاسيما من سفارته هنا، لا تمنحه الصورة الصحيحة، لأنَّ الواقع في سياسته اللبنانية هو أنه ينظر إلى جانب معين من الصورة من خلال تقارير الجماعات التي تخضع لسياسته، ولا ينظر إلى اللبنانيين جميعاً الذين لا يزالون يستعيدون العدوان الإسرائيلي الذي شاركت فيه أمريكا بأسلحتها وقنابلها العنقودية والمتطوّرة التي دمّرت البنية التحتية للبنان، ما جعلهم يشعرون بأنها تمثّل العدوّ ولا تمثّل الصديق، وأن العنف الذي تبشّر به ناتج من سياسة الفوضى البنّاءة التي خطّط لها أركان الإدارة الأمريكية، لا "المتشدّدون" المدافعون عن حرية لبنان وسلامته والرّافضون لإدخاله تحت وصايتها الأمنية والسياسية.
تفويض أمريكي لإسرائيل بقتل الفلسطينيين:
هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإنَّ هذا الرئيس لا يزال يفوّض إسرائيل أمر الفلسطينيين لتتصرَّف في حياتهم كما تشاء، ولتأخذ حريتها في قصفهم واغتيال قياداتهم وقتل أطفالهم ونسائهم وشيوخهم وتدمير منازلهم وتجريف مزارعهم وتجويعهم ومحاصرتهم اقتصادياً، ويعتبر دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم إرهاباً، لأنه لا حقّ لهم في التحرر من الاحتلال. وإذا كان يتحدّث بين وقت وآخر عن الدولة الفلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية، أو عن خارطة الطريق، فإنه يعمل على إضاعة الوقت باستهلاك التصريحات المضلّلة التي توحي بالآمال غير الواقعية، كما أنه بشّر بالتفاؤل بالحل من خلال تصريحات الرئيس الصهيوني التي وعد فيها الفلسطينيين بالتحرك نحو السلام من خلال المفاوضات التي فرض فيها الشرط بتخلي الفلسطينيين عن حقّ العودة وإبقاء المستوطنات الكبرى والجدار الفاصل.
إنّه الأسلوب الخادع الذي ما زال يطلقه منذ بداية ولايته الأولى حتى الآن من دون نتيجة، فهو يتجاهل الصراع الصهيوني الفلسطيني، معتمداً على تأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي له في ذلك كله، لأنهما يدعمان إسرائيل بشكل مطلق، وواثقاً بأن أكثر الأنظمة العربية وبعض الدول الإسلامية تؤيده في سياسته هذه، إضافةً إلى دول الاتحاد الأوروبي التي قد ترغب في إيجاد حلّ لهذا الصراع، ولكنَّها لا تملك القدرة على تحريكه لفرض تدخّلها الذي ترفضه إسرائيل وأمريكا.
الاحتلال سبب المأساة في العراق:
وفي ظلِّ أجواء هذا التخبّط السياسي والأمني الّذي صنعته هذه الإدارة الفاشلة، وهذا الرئيس الأعرج، فإن العراق لا يزال يعاني من حركة الاحتلال في نطاق الفوضى التي تسود الواقع العراقي كلَّه، وتحصد كلَّ يوم المزيد من الضحايا الأبرياء من المدنيين قتلاً وجرحاً وتهجيراً في الداخل والخارج. ومن المؤسف أن السياسيين العراقيين لا يزالون غارقين في تعقيداتهم الطائفية والمذهبية وفي حصصهم المتنوّعة، الأمر الذي لا يجد فيه المخلصون للعراق الجريح أية نقطة ضوء للسلام وللحلّ الواقعي الإنقاذي، والكل يعرف أن بقاء الاحتلال هو الأساس في استمرار المشكلة المأساة للمنطقة كلها، والذي سوف ينتهي إلى سقوط أمريكا في الوحل الأمني والسياسي، كما بشّر به بعض المسؤولين هناك، وهذا ما نريد للشعب العراقي أن يعمل له، حتى يستطيع أن يملك أمره ويقرّر مصيره بنفسه، لأن البقاء في هذه الدوّامة سوف يؤدي إلى خسارة كل الذين يراهنون على الاحتلال أو على الحساب الطائفي بعيداً عن المصالح الحقيقية للشعب العراقي.
إننا في الوقت الذي نواجه كلَّ هذه الرياح العاصفة في المنطقة، نريد لشعوبنا العربية والإسلامية أن تعي طبيعة المرحلة الصعبة التي تطبق عليهم بكلِّ تحدياتها، الأمر الذي يفرض عليها أن توحِّد مواقفها على الصَّعيد العربي والإسلامي، بعيداً عن أية فتنة أو حرب أهلية يبشّر بها بعض أتباع أمريكا، وأن تقف ضد المخططات الأمريكية في العبث السياسي والأمني والاقتصادي، حتى نستطيع أن نصل إلى المستقبل الذي يحقّق النصر للأمة كلها.
ونريد للشَّعب الفلسطيني أن يكون واعياً للمؤامرة التاريخية الإسرائيلية الأمريكية على مستقبلهم، حيث يعمل الصهاينة على مصادرة القضية كلها في استغلالٍ للخلافات السياسية الداخلية، ولاسيما في إجهاض حكومة الوحدة الوطنية، لأنهم إذا لم يخطِّطوا للمستقبل، فسوف يسقط الهيكل على رؤوس الجميع، ولن ينفعهم أيّ محور عربي أو دولي، لأنه لا شغل لهؤلاء إلا إسقاط القضية كلها لحساب إسرائيل.
الإنقاذ لا يتحقَّق بالمحاور الدولية والإقليمية:
أمَّا لبنان، فإنَّ شعبه قد فقد وحدة الموقف التي توحِّده وتوحِّد الدولة، من خلال تحويله إلى مجموعات بشرية متنافرة غير قابلة للانصهار، بفعل العصبيات المذهبية والطائفية والحزبية، والسقوط الغرائزي في فخّ الشخصانيات الذاتية، والخطابات المثيرة المنتجة للحقد، من خلال الكلمات الحادّة التخوينية والاتهامية، ما جعل البلد يفقد عقله، ويستحضر غريزته، في الوقت الذي نجد بعض الذين يتولّون مهمَّة التوجيه الروحي، يتحوَّلون إلى تابعين لهذه الزعامة أو تلك، مسبّحين بحمد هذا أو ذاك، وداعين الناس إلى الخضوع الغرائزي لهذا الشخص أو ذاك، من خلال الأساليب الخادعة التي يسقط أمامها البسطاء.