في ذكرى وفاة الإمام الصادق(ع): الالتزام الإسلاميّ في خطّ الانفتاح...

في ذكرى وفاة الإمام الصادق(ع): الالتزام الإسلاميّ في خطّ الانفتاح...

في ذكرى وفاة الإمام الصادق(ع): الالتزام الإسلاميّ في خطّ الانفتاح...


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

مدرسة الانفتاح

الإمام جعفر الصادق(ع)، الذي نلتقي بذكرى وفاته في الخامس والعشرين من شوّال، هو الإمام الّذي ملأ المرحلة التي عاشها علماً متنوّعاً ينفتح على كل قضايا الإنسان في انتمائه الإسلامي، وفي انفتاحه الروحي، وفي كلِّ مفردات الشريعة الإسلامية والفلسفة الإسلامية، وفي تعامله مع الناس، بحيث إننا لو تأمَّلنا في تراث هذا الإمام(ع)، لرأيناه هائلاً، لأن المرحلة التي عاشها كانت مرحلةً منفتحةً يملك فيها حرية الرأي والكلمة والموقف، مستفيداً من الصّراع بين الأمويين والعبّاسيين، والذي انتقلت من خلاله الخلافة من أموية إلى عباسية.

وكان ما يميّز مدرسة الإمام جعفر الصادق(ع)، أنها كانت مدرسة منفتحة على كلِّ الاتّجاهات الإسلامية، وكلِّ التيّارات، بما فيها المادّية، فكان لا يضيق بحوار أيّ إنسان، سواء اتّفق معه في الخطِّ أو اختلف معه، وقد تتلمذ عليه أكثر العلماء في تلك المرحلة من جميع المذاهب الإسلامية، حتى ذكر المؤرّخون أن عددهم في شتى شؤون المعرفة قد بلغ أربعة آلاف شخص، وهؤلاء ليسوا مجرد تلامذة عاديين، بل كانوا من الرواة الذين يرجع إليهم الناس في نقل كلِّ ما يتّصل بالإسلام مما رووه عن رسول الله(ص) وعن الأئمة من أهل البيت(ع). وقد دخل بعض الأشخاص إلى مسجد الكوفة، وكان هذا المسجد المدرسة التي يجلس فيها العلماء ليلقوا دروسهم على تلامذتهم، لأنّ المساجد منذ زمن رسول الله(ص) كانت هي المدارس، فكان الناس يجتمعون فيها للدراسة في شتىَّ أنواع المعرفة، كما كانوا يلتقون فيها من أجل إصلاح سيوفهم وأخذ قرارات الحرب والجهاد، ومن أجل الصلاة أيضاً. لم تكن المساجد جامدة، بل متحركة يتزوَّد فيها الناس بالإيمان بالله والعلم، وتوجّههم نحو الجهاد، وكانوا يبحثون فيها قضاياهم. ثم تجمّدت المساجد وأصبحت محدودةً تفتح للصلاة فحسب.

يقول هذا الشخص: دخلت إلى مسجد الكوفة، فرأيت فيه تسعمائة شيخ (يعني أستاذاً) وكلٌّ يقول: «حدّثني جعفر بن محمد الصادق». ويتحدث المؤرّخون أن العالم الكيميائي جابر بن حيّان كان أستاذه في الكيمياء هو الإمام الصادق(ع).

وكان الإمام(ع) يلتقي في المسجد الحرام بالزنادقة، وهم الذين لا يؤمنون بدين ويلحدون بالله، فكان يفتح لهم قلبه وعقله، ويمنحهم علمه، ويحاورهم ويحاورونه بسعة صدر، وكان لا يتعقّد منهم، حتى إن بعضهم كان يطرح بعض الأسئلة التي فيها سخرية، وكان(ع) يردُّ عليهم بكل رفق، حتى قال بعضهم وهو يشير إلى الحجيج: «ما رأيت شخصاً يستحقُّ اسم الإنسانية إلا هذا»، ويشير إلى الإمام الصادق(ع)، لأن إنسانيته لا تضيق بإنسان. وهذا ما يجب أن يتعلّمه العلماء، وخصوصاً الذين يحملون علم رسول الله والأئمة من أهل البيت(ع)، أن لا يتعقّدوا من أيّ سؤال، بل أن يكون كلُّ همّهم كيف يملأون عقول الناس بالحقيقة... وقال بعض هؤلاء الزنادقة وهو يتحدث عنه(ع): «إنه شخص يتروّح إذا شاء، ويتجسّد إذا شاء».

مواصفات شيعة أهل البيت(ع)

ولقد تناول هذا الإمام في أحاديثه مختلف الحالات الإنسانية؛ في علاقة الإنسان بنفسه، وعلاقته بربه، وعلاقته بأهله، وعلاقته بالناس كلّهم، بحيث لا تجد موضوعاً إلاّ وتحدَّث فيه توجيهاً ونقداً وتخطيطاً، وقد حاولنا في هذا الأسبوع أن نختار بعض الكلمات التي يحدِّد فيها الإمام الصادق(ع) من هم شيعة أهل البيت(ع).

يقول(ع): «شيعتنا أهل الهدى ـ الذين يملكون الهدى في الخطِّ الذي يهديهم إلى الله ـ وأهل التقى ـ الذين يراقبون الله في كلِّ ما يفعلون ويتركون في كلِّ أمورهم ـ وأهل الخير وأهل الإيمان ـ الذين يعيشون الإيمان بالله ورسوله ورسالاته واليوم الآخر ـ وأهل الفتح والظفر»، الذين يفتحون البلاد على خطِّ الله، ويبلغون الظفر بأعدائهم عندما يدافعون عن أنفسهم.

وفي كلمة له(ع): «إنما المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حقِّ ـ إذا غضب فإن دينه وعقله يبقيان معه، فلا يتحدث بما يغضب الله. قد تثور أعصابك عند غضبك، ولكن عليك أن تبقي عقلك في داخل أعصابك ولسانك ورجلك ويدك وسلاحك، أن يبقى العقل ويبقى الإيمان ـ وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ـ لا يجامل الشخص الذي يحبه أكثر مما يستحقّ، ولا يمدح إنساناً يرضى عنه أكثر من مستواه، فكما يبقى في الغضب مؤمناً، يبقى في الرضى مؤمناً أيضاً ـ وإذا قدر ـ أصبح يملك القوَّة والسلطة مما يخافه الناس من ذلك ـ لم يأخذ أكثر ممّا له».

ويقول(ع): «المؤمن من طاب مكسبه ـ لم يكن ما يكسبه في معاملاته إلاّ من حلال، لأنَّ المكسب الحرام هو مكسب خبيث ـ وحسنت خليقته، وصحّت سريرته ـ لا يملك نيّةً خبيثةً تجاه الآخرين ـ وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من كلامه ـ ينفق ما فضل من ماله ولا يتكلَّم إلا ما يلبي حاجاته، أما الكلام الزائد فيمسك لسانه عنه، لأن الكلام الزائد هو الذي يتحوّل إلى لغو ـ وكفى الناس شره ـ وهذا ما عبّر عنه الإمام عليّ(ع): «الناس منه في راحة وبدنه منه في تعب» ـ وأنصف الناس من نفسه»، إنه يبادر إذا كان للناس عليه حق أن يحكم على نفسه، فيعطي كلَّ صاحب حقٍّ حقَّه.

ويحدِّد الإمام الصادق(ع) طبيعة المؤمن فيقول: «من عامل الناس فلم يظلمهم ـ كلّ من يتعامل معه في البيت والمجتمع على كلِّ المستويات ـ وحدَّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم ولم يخلفهم، كان ممن حرمت غيبته، وكمُلت مروءته، وظهر عدله، ووجبت أخوّته»، لأنه يستحقُّ أن يكون أخاً لك. وعنه(ع) قال: «قال النبي(ص): ألا أخبركم بأشبهكم بي ـ وهذه مرتبة عظيمة أن يكون الإنسان من أشدِّ الناس شبهاً برسول الله ـ قالوا: بلى يا رسول الله، قال(ص): أحسنكم خلقاً، وألينكم كنفاً ـ كناية عن التّواضع، فيلين جنبه وحياته لهم ـ وأبرّكم بقرابته ـ أوصلكم للرحم ـ وأشدكم حباً لإخوانه في دينه ـ والمؤمنون أخوة، والنبي(ص) يريد أن تكون علاقة الإيمان بين المؤمنين هي العلاقة التي يحكمها الخطُّ الإيماني والعاطفة الإيمانية، لأن المؤمن يلتقي مع المؤمن الآخر بالله، وهي أوثق العلاقات ـ وأصبركم على الحق ـ لأن الحق مرّ وكريه مطعمه، والحق قد يكلّف الإنسان الكثير ـ وأكظمكم للغيظ ـ وهي صفة من صفات المتّقين ـ وأحسنكم عفواً، وأشدكم من نفسه إنصافاً في الرضى والغضب».

بعض الناس يملكون فكرة عن المؤمن أنه "على البَرَكة" ـ كما في التعبير الشعبي ـ فكيف يعرِّفُ الإمام الصادق(ع) المؤمن، يقول(ع): «المؤمن حسن المعونة ـ هو الإنسان الذي يعين الآخرين بما يملك الإعانة فيه ـ خفيف المؤونة ـ لا يكون عبئاً على أهله وإخوانه وعلى النَّاس الذين يعيشون معه ويعيش معهم ـ جيِّد التدبير لمعيشته ـ عندما يدخل ساحة الأعمال والتّجارة والصّناعة، فإنَّه يعرف كيف يدبّر معيشته، فيكون واعياً ذكيّاً ليحقِّق النتائج الإيجابية الكبرى من خلال هذا العقل، وهذا إنما يحتاج إلى خبرة وممارسة ووعي ـ لا يُلسع من جُحر مرتين»، إذا مدّ يده إلى جحر وكان هناك فيه أيّ شيء يلسع، فإنه لا يُدخل يده ثانية في هذا الجحر، بمعنى أنه يستفيد من تجاربه في الحياة، سواء كانت تجربة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو غير ذلك من أنواع التّجارب، لأنَّ الإسلام يريد للمؤمن أن يكبر عقله، وتتعمّق خبرته، وأن يكون عنصراً فاعلاً في المجتمع.

هؤلاء أئمّتنا الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، هؤلاء الذين نرتفع بهم ومعهم لنفهم الحياة جيداً، ولنعرف كيف نسوس حياتنا، وكيف نطيع ربّنا، وكيف نحسن معونة الناس من حولنا، سلام الله عليهم، ونسأله أن يرزقنا شفاعتهم، وأن يثبّتنا على ولايتهم، لأنهم أهل بيت النبوّة، وموضع الرسالة، ومهبط الوحي والتنـزيل.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتّقوا الله وواجهوا هذه المرحلة القاسية الصعبة التي لم يمر على المسلمين في تاريخهم مرحلة أقسى وأصعب منها، واجهوها بالوعي والحكمة والثبات على الخطِّ الأصيل الذي أراد الله لكم أن تثبتوا عليه، لأن الأمم تداعت علينا كما تتداعى الأكلة على قصعتها، وعلينا أن نعرف كيف نواجه كلَّ هؤلاء من أجل أن نحافظ على أمّتنا، وهو ما يتوجَّب علينا أن نعرف ثقافة الواقع كله، فماذا هناك؟

إسرائيل سرُّ المشكلة:

في فلسطين أكثر من جدلٍ سياسي وضوضاء انتخابية في دائرة الترشيحات، بين مقاطعة إسلامية هنا ومفاوضات متعثّرة هناك، واهتزاز في قاعدة تنظيمية للسلطة هنالك، وبالتزامن مع مساعٍ مصرية سياسية وأمنية في الخطوط الصهيونية والفلسطينية في مفاصل الواقع الانتخابي المقبل، تحت شروط إسرائيلية في تجميد الإعلام الفلسطيني المضادّ للعدو، بحجة خلق حالة نفسية للانفتاح والمصالحة قبل أن يقوم هو بمثل ذلك، لمصادرة الخط الإعلامي الذي يثير الجهاد ضد الاحتلال، ويثقّف الشعب الفلسطيني والعالم الخارجي بأوضاعه العدوانية الوحشية، لأن ذلك ـ في زعم اليهود ـ يؤدي إلى زيادة التوتر الذي يمنع أجواء التسوية، في الوقت الذي يتابع شارون إصدار أوامره إلى جنوده باغتيال المجاهدين، واعتقال الشباب الفلسطيني، والاستمرار في مصادرة أراضي الفلسطينيين لاستكمال بناء الجدار العنصري والمستوطنات.

أما الرئيس الأمريكي بوش، فيعتبر أن جوهر النـزاع في الشرق الأوسط يتمثل "في قيام ديمقراطية فلسطينية، وظهور شريكٍ حقيقي في السَّلام للشعب الإسرائيلي"، على حدِّ قوله... والسؤال: هل إنَّ هناك في إسرائيل شخصاً يصلح لأن يكون شريكاً حقيقياً في السلام للشعب الفلسطيني؟ وهل إنَّ شريك السلام هو الذي يحرك جيشه وسلاحه لتدمير البنية التحتية للفلسطينيين ولاغتيال قادتهم ولقتل المدنيين من الشيوخ والنساء والأطفال والشباب المسالمين، عندما يرسل طائراته الحربية لتقصف سيارةً لمجاهد يحيط بها العشرات من المدنيين أو تجاورها منازلهم المملوءة بهم؟؟

إنَّ مشكلة هذا الرجل هي أنه يعرف أن إسرائيل هي سرّ المشكلة في منع التسوية العادلة، وهي ـ بشخص رئيس حكومتها ـ ليست مستعدّةً لتنفيذ خارطة الطريق التي وافقت عليها السلطة الفلسطينية ولم توافق عليها إسرائيل إلا بشروط تعجيزية... وها هو شارون ـ حليف بوش وصديقه الحميم ـ يعلن أنَّه لن ينفّذ إلا الانسحاب من غزَّة وبعض المستوطنات الصغيرة في الضفة، فهذا هو كل شيء عنده، لأنه لا يريد التسوية بالمطلق.

إننا نقول للفلسطينيين: إن وحدتكم التي هي الوحدة في التنوّع، هي من ركائز صمودكم وانتصاركم، ولكنَّها ليست الوحدة تحت سقف الشروط الإسرائيلية، بل على أساس الثوابت الفلسطينية التي تبقي القضية في أصالتها، ولا تسمح للمتغيّرات الدولية أو الإقليمية أو المحلية أن تنال منها تحت بروق العناوين والوعود التي تعرف إسرائيل ومن خلفها أمريكا كيف تتجاوزها، وفي اللّحظة السياسية المناسبة لها.

العراق: المشكلة في الاحتلال:

أما العراق، فلا يزال ساحةً للموت العشوائي الذي تمارسه قوّات الاحتلال من جهة، وبعض القوى المسلّحة من جهةٍ أخرى، وفوضى الأوضاع الأمنية من جهة ثالثة، في الوقت الذي يتحدث البعض عن احترام موعد الانتخابات الذي أكّده الرئيس الأمريكي وإدارته، تحت تأثير مخاوف كبيرة من سيطرة قوات الاحتلال على مجرياته الإجرائية، ولا سيّما إذا عرفنا أنها سوف تزيد قواتها العسكرية إلى 150 ألف جندي، الأمر الذي قد يجعل المجلس القادم والحكومة التي ينتجها، خاضعةً للشّروط الأمريكيّة في اختيار الممثّلين الحقيقيين للشعب العراقي، ما يفرض علينا تحذير هذا الشّعب ليكون واعياً للّعبة الاستكبارية، ودقيقاً في عملية الاختيار للأشخاص الذين يملكون الخبرة والإخلاص لوطنهم، وللمحافظة علىالهوية الإسلامية للعراق، حتى «لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين»...

وإننا في الوقت نفسه، ننظر بكثير من الريبة والخطورة للخطاب التحريضي الذي بدأته شخصيات عراقية وأخرى من الدول المجاورة، حول التّوزع الطائفي والعرقي في العراق، وحول الدعوات المتبادلة في ادّعاء طرف هنا أنه يمثل الأكثرية على حساب الآخر الذي يمثِّل الأقلية وبالعكس، وقيام البعض بتشجيع هذا الخطاب، وكأن مشكلة العراق تكمن في المسألة الطائفية وليست في الاحتلال الأمريكي لكل مقدّراته وأوضاعه... إننا نحذّر العراقيين من هذه اللّعبة التي تشبه اللعبة الغوغائية في أبعادها الغرائزية التي قد تتمثَّل في الدماء التي تسفك هنا وهناك، تحت تأثير هذه الذهنية التي يشجّعها المحتلّون واليهود والعملاء الذين يتحرّكون بفعل المخابرات الدولية من هنا وهناك، وقد تتمثَّل في الكلمات الحادَّة المثيرة التي تحاول إثارة عمليات الاستفزاز الطائفي التي تزيد النار اشتعالاً... إننا ندعو الله أن يحفظ العراق وأهله، وأن يلهم الشعب العراقي الوعي والحكمة والصبر والوحدة الإسلامية في نطاق الوحدة الوطنية.

لبنان: دراسة الأوضاع بدقّةٍ وحذر:

أمَّا في لبنان، فإنَّنا ندعو إلى عدم الاستغراق في الحديث الذي يحاول فيه فريق هنا وفريق هناك تسجيل نقاط سلبية، وإثارة حالةٍ من الصراخ السياسي الذي يصمّ العقول قبل الآذان، ونريد لهم أن يتفهّموا طبيعة التدقيق في أوضاعهم الداخلية بالحوار السياسي الموضوعي الذي يضع الأمور في مواضعها... ولا يبعدوا المسألة عن الخلفيّات الدولية في القرار الصادر عن مجلس الأمن الخاضع لخلفيات معينة قد لا تكون في مصلحة لبنان، وخصوصاً بما يتّصل بالمقاومة وبالأوضاع الأمنية الدقيقة التي يختزنها الواقع اللبناني في المشاكل القلقة التي قد يثيرها المستقبل في تعقيداته، عندما يبتعد البلد عن الضوابط الدقيقة الحاسمة...

لقد أصدر مجلس الأمن الدولي عدَّة قرارات تتصل بالمسألة الفلسطينية ضد إسرائيل، ولكن هذا الكيان المحتلّ لم يسقط أمامها ولم يخضع لأيِّ تهويل، بل كان المسؤولون فيه يحدّقون بمصالحهم الذاتية ليتابعوا خططهم الخاصة في تنفيذ استراتيجيتهم العدوانية تحت الحماية الأمريكية... إن علينا أن نعرف أن أمريكا الإسرائيلية تطلب من العرب، ولا سيّما سوريا ولبنان، كلَّ شيء، ولا تعطيهم أيّ شيء، وهذا ما لاحظناه في مطالبتهم سوريا بالكثير بما يتّصل بفلسطين والعراق والمقاومة، ولكنها ـ حتى في بعض مواقف سوريا ولبنان ضدّ قوى العنف هنا وهناك، وحفظ الحدود السورية العراقية من الاختراق ـ لا تزال تعمل على التهديد وإثارة المشاكل ضدها وضد لبنان...

إنَّ على اللبنانيين دراسة الأوضاع اللّبنانية السياسية والأمنية والاقتصادية بدقة وحذر، من خلال مصلحة البلد كلّه في شخصيّة الإنسان الوطن لا إنسان الطائفية، وإدارة الحوار حول مفاهيم الحرية والاستقلال والحلول الواقعية للمشاكل الخانقة، على مستوى شجاعة المواجهة لكلِّ الذين يديرون حركة الهدر والفساد للبلد كله، ممن صنعوا المأساة في الماضي، ويعملون لإنتاجها في المستقبل.

في ذكرى وفاة الإمام الصادق(ع): الالتزام الإسلاميّ في خطّ الانفتاح...


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

مدرسة الانفتاح

الإمام جعفر الصادق(ع)، الذي نلتقي بذكرى وفاته في الخامس والعشرين من شوّال، هو الإمام الّذي ملأ المرحلة التي عاشها علماً متنوّعاً ينفتح على كل قضايا الإنسان في انتمائه الإسلامي، وفي انفتاحه الروحي، وفي كلِّ مفردات الشريعة الإسلامية والفلسفة الإسلامية، وفي تعامله مع الناس، بحيث إننا لو تأمَّلنا في تراث هذا الإمام(ع)، لرأيناه هائلاً، لأن المرحلة التي عاشها كانت مرحلةً منفتحةً يملك فيها حرية الرأي والكلمة والموقف، مستفيداً من الصّراع بين الأمويين والعبّاسيين، والذي انتقلت من خلاله الخلافة من أموية إلى عباسية.

وكان ما يميّز مدرسة الإمام جعفر الصادق(ع)، أنها كانت مدرسة منفتحة على كلِّ الاتّجاهات الإسلامية، وكلِّ التيّارات، بما فيها المادّية، فكان لا يضيق بحوار أيّ إنسان، سواء اتّفق معه في الخطِّ أو اختلف معه، وقد تتلمذ عليه أكثر العلماء في تلك المرحلة من جميع المذاهب الإسلامية، حتى ذكر المؤرّخون أن عددهم في شتى شؤون المعرفة قد بلغ أربعة آلاف شخص، وهؤلاء ليسوا مجرد تلامذة عاديين، بل كانوا من الرواة الذين يرجع إليهم الناس في نقل كلِّ ما يتّصل بالإسلام مما رووه عن رسول الله(ص) وعن الأئمة من أهل البيت(ع). وقد دخل بعض الأشخاص إلى مسجد الكوفة، وكان هذا المسجد المدرسة التي يجلس فيها العلماء ليلقوا دروسهم على تلامذتهم، لأنّ المساجد منذ زمن رسول الله(ص) كانت هي المدارس، فكان الناس يجتمعون فيها للدراسة في شتىَّ أنواع المعرفة، كما كانوا يلتقون فيها من أجل إصلاح سيوفهم وأخذ قرارات الحرب والجهاد، ومن أجل الصلاة أيضاً. لم تكن المساجد جامدة، بل متحركة يتزوَّد فيها الناس بالإيمان بالله والعلم، وتوجّههم نحو الجهاد، وكانوا يبحثون فيها قضاياهم. ثم تجمّدت المساجد وأصبحت محدودةً تفتح للصلاة فحسب.

يقول هذا الشخص: دخلت إلى مسجد الكوفة، فرأيت فيه تسعمائة شيخ (يعني أستاذاً) وكلٌّ يقول: «حدّثني جعفر بن محمد الصادق». ويتحدث المؤرّخون أن العالم الكيميائي جابر بن حيّان كان أستاذه في الكيمياء هو الإمام الصادق(ع).

وكان الإمام(ع) يلتقي في المسجد الحرام بالزنادقة، وهم الذين لا يؤمنون بدين ويلحدون بالله، فكان يفتح لهم قلبه وعقله، ويمنحهم علمه، ويحاورهم ويحاورونه بسعة صدر، وكان لا يتعقّد منهم، حتى إن بعضهم كان يطرح بعض الأسئلة التي فيها سخرية، وكان(ع) يردُّ عليهم بكل رفق، حتى قال بعضهم وهو يشير إلى الحجيج: «ما رأيت شخصاً يستحقُّ اسم الإنسانية إلا هذا»، ويشير إلى الإمام الصادق(ع)، لأن إنسانيته لا تضيق بإنسان. وهذا ما يجب أن يتعلّمه العلماء، وخصوصاً الذين يحملون علم رسول الله والأئمة من أهل البيت(ع)، أن لا يتعقّدوا من أيّ سؤال، بل أن يكون كلُّ همّهم كيف يملأون عقول الناس بالحقيقة... وقال بعض هؤلاء الزنادقة وهو يتحدث عنه(ع): «إنه شخص يتروّح إذا شاء، ويتجسّد إذا شاء».

مواصفات شيعة أهل البيت(ع)

ولقد تناول هذا الإمام في أحاديثه مختلف الحالات الإنسانية؛ في علاقة الإنسان بنفسه، وعلاقته بربه، وعلاقته بأهله، وعلاقته بالناس كلّهم، بحيث لا تجد موضوعاً إلاّ وتحدَّث فيه توجيهاً ونقداً وتخطيطاً، وقد حاولنا في هذا الأسبوع أن نختار بعض الكلمات التي يحدِّد فيها الإمام الصادق(ع) من هم شيعة أهل البيت(ع).

يقول(ع): «شيعتنا أهل الهدى ـ الذين يملكون الهدى في الخطِّ الذي يهديهم إلى الله ـ وأهل التقى ـ الذين يراقبون الله في كلِّ ما يفعلون ويتركون في كلِّ أمورهم ـ وأهل الخير وأهل الإيمان ـ الذين يعيشون الإيمان بالله ورسوله ورسالاته واليوم الآخر ـ وأهل الفتح والظفر»، الذين يفتحون البلاد على خطِّ الله، ويبلغون الظفر بأعدائهم عندما يدافعون عن أنفسهم.

وفي كلمة له(ع): «إنما المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حقِّ ـ إذا غضب فإن دينه وعقله يبقيان معه، فلا يتحدث بما يغضب الله. قد تثور أعصابك عند غضبك، ولكن عليك أن تبقي عقلك في داخل أعصابك ولسانك ورجلك ويدك وسلاحك، أن يبقى العقل ويبقى الإيمان ـ وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ـ لا يجامل الشخص الذي يحبه أكثر مما يستحقّ، ولا يمدح إنساناً يرضى عنه أكثر من مستواه، فكما يبقى في الغضب مؤمناً، يبقى في الرضى مؤمناً أيضاً ـ وإذا قدر ـ أصبح يملك القوَّة والسلطة مما يخافه الناس من ذلك ـ لم يأخذ أكثر ممّا له».

ويقول(ع): «المؤمن من طاب مكسبه ـ لم يكن ما يكسبه في معاملاته إلاّ من حلال، لأنَّ المكسب الحرام هو مكسب خبيث ـ وحسنت خليقته، وصحّت سريرته ـ لا يملك نيّةً خبيثةً تجاه الآخرين ـ وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من كلامه ـ ينفق ما فضل من ماله ولا يتكلَّم إلا ما يلبي حاجاته، أما الكلام الزائد فيمسك لسانه عنه، لأن الكلام الزائد هو الذي يتحوّل إلى لغو ـ وكفى الناس شره ـ وهذا ما عبّر عنه الإمام عليّ(ع): «الناس منه في راحة وبدنه منه في تعب» ـ وأنصف الناس من نفسه»، إنه يبادر إذا كان للناس عليه حق أن يحكم على نفسه، فيعطي كلَّ صاحب حقٍّ حقَّه.

ويحدِّد الإمام الصادق(ع) طبيعة المؤمن فيقول: «من عامل الناس فلم يظلمهم ـ كلّ من يتعامل معه في البيت والمجتمع على كلِّ المستويات ـ وحدَّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم ولم يخلفهم، كان ممن حرمت غيبته، وكمُلت مروءته، وظهر عدله، ووجبت أخوّته»، لأنه يستحقُّ أن يكون أخاً لك. وعنه(ع) قال: «قال النبي(ص): ألا أخبركم بأشبهكم بي ـ وهذه مرتبة عظيمة أن يكون الإنسان من أشدِّ الناس شبهاً برسول الله ـ قالوا: بلى يا رسول الله، قال(ص): أحسنكم خلقاً، وألينكم كنفاً ـ كناية عن التّواضع، فيلين جنبه وحياته لهم ـ وأبرّكم بقرابته ـ أوصلكم للرحم ـ وأشدكم حباً لإخوانه في دينه ـ والمؤمنون أخوة، والنبي(ص) يريد أن تكون علاقة الإيمان بين المؤمنين هي العلاقة التي يحكمها الخطُّ الإيماني والعاطفة الإيمانية، لأن المؤمن يلتقي مع المؤمن الآخر بالله، وهي أوثق العلاقات ـ وأصبركم على الحق ـ لأن الحق مرّ وكريه مطعمه، والحق قد يكلّف الإنسان الكثير ـ وأكظمكم للغيظ ـ وهي صفة من صفات المتّقين ـ وأحسنكم عفواً، وأشدكم من نفسه إنصافاً في الرضى والغضب».

بعض الناس يملكون فكرة عن المؤمن أنه "على البَرَكة" ـ كما في التعبير الشعبي ـ فكيف يعرِّفُ الإمام الصادق(ع) المؤمن، يقول(ع): «المؤمن حسن المعونة ـ هو الإنسان الذي يعين الآخرين بما يملك الإعانة فيه ـ خفيف المؤونة ـ لا يكون عبئاً على أهله وإخوانه وعلى النَّاس الذين يعيشون معه ويعيش معهم ـ جيِّد التدبير لمعيشته ـ عندما يدخل ساحة الأعمال والتّجارة والصّناعة، فإنَّه يعرف كيف يدبّر معيشته، فيكون واعياً ذكيّاً ليحقِّق النتائج الإيجابية الكبرى من خلال هذا العقل، وهذا إنما يحتاج إلى خبرة وممارسة ووعي ـ لا يُلسع من جُحر مرتين»، إذا مدّ يده إلى جحر وكان هناك فيه أيّ شيء يلسع، فإنه لا يُدخل يده ثانية في هذا الجحر، بمعنى أنه يستفيد من تجاربه في الحياة، سواء كانت تجربة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو غير ذلك من أنواع التّجارب، لأنَّ الإسلام يريد للمؤمن أن يكبر عقله، وتتعمّق خبرته، وأن يكون عنصراً فاعلاً في المجتمع.

هؤلاء أئمّتنا الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، هؤلاء الذين نرتفع بهم ومعهم لنفهم الحياة جيداً، ولنعرف كيف نسوس حياتنا، وكيف نطيع ربّنا، وكيف نحسن معونة الناس من حولنا، سلام الله عليهم، ونسأله أن يرزقنا شفاعتهم، وأن يثبّتنا على ولايتهم، لأنهم أهل بيت النبوّة، وموضع الرسالة، ومهبط الوحي والتنـزيل.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتّقوا الله وواجهوا هذه المرحلة القاسية الصعبة التي لم يمر على المسلمين في تاريخهم مرحلة أقسى وأصعب منها، واجهوها بالوعي والحكمة والثبات على الخطِّ الأصيل الذي أراد الله لكم أن تثبتوا عليه، لأن الأمم تداعت علينا كما تتداعى الأكلة على قصعتها، وعلينا أن نعرف كيف نواجه كلَّ هؤلاء من أجل أن نحافظ على أمّتنا، وهو ما يتوجَّب علينا أن نعرف ثقافة الواقع كله، فماذا هناك؟

إسرائيل سرُّ المشكلة:

في فلسطين أكثر من جدلٍ سياسي وضوضاء انتخابية في دائرة الترشيحات، بين مقاطعة إسلامية هنا ومفاوضات متعثّرة هناك، واهتزاز في قاعدة تنظيمية للسلطة هنالك، وبالتزامن مع مساعٍ مصرية سياسية وأمنية في الخطوط الصهيونية والفلسطينية في مفاصل الواقع الانتخابي المقبل، تحت شروط إسرائيلية في تجميد الإعلام الفلسطيني المضادّ للعدو، بحجة خلق حالة نفسية للانفتاح والمصالحة قبل أن يقوم هو بمثل ذلك، لمصادرة الخط الإعلامي الذي يثير الجهاد ضد الاحتلال، ويثقّف الشعب الفلسطيني والعالم الخارجي بأوضاعه العدوانية الوحشية، لأن ذلك ـ في زعم اليهود ـ يؤدي إلى زيادة التوتر الذي يمنع أجواء التسوية، في الوقت الذي يتابع شارون إصدار أوامره إلى جنوده باغتيال المجاهدين، واعتقال الشباب الفلسطيني، والاستمرار في مصادرة أراضي الفلسطينيين لاستكمال بناء الجدار العنصري والمستوطنات.

أما الرئيس الأمريكي بوش، فيعتبر أن جوهر النـزاع في الشرق الأوسط يتمثل "في قيام ديمقراطية فلسطينية، وظهور شريكٍ حقيقي في السَّلام للشعب الإسرائيلي"، على حدِّ قوله... والسؤال: هل إنَّ هناك في إسرائيل شخصاً يصلح لأن يكون شريكاً حقيقياً في السلام للشعب الفلسطيني؟ وهل إنَّ شريك السلام هو الذي يحرك جيشه وسلاحه لتدمير البنية التحتية للفلسطينيين ولاغتيال قادتهم ولقتل المدنيين من الشيوخ والنساء والأطفال والشباب المسالمين، عندما يرسل طائراته الحربية لتقصف سيارةً لمجاهد يحيط بها العشرات من المدنيين أو تجاورها منازلهم المملوءة بهم؟؟

إنَّ مشكلة هذا الرجل هي أنه يعرف أن إسرائيل هي سرّ المشكلة في منع التسوية العادلة، وهي ـ بشخص رئيس حكومتها ـ ليست مستعدّةً لتنفيذ خارطة الطريق التي وافقت عليها السلطة الفلسطينية ولم توافق عليها إسرائيل إلا بشروط تعجيزية... وها هو شارون ـ حليف بوش وصديقه الحميم ـ يعلن أنَّه لن ينفّذ إلا الانسحاب من غزَّة وبعض المستوطنات الصغيرة في الضفة، فهذا هو كل شيء عنده، لأنه لا يريد التسوية بالمطلق.

إننا نقول للفلسطينيين: إن وحدتكم التي هي الوحدة في التنوّع، هي من ركائز صمودكم وانتصاركم، ولكنَّها ليست الوحدة تحت سقف الشروط الإسرائيلية، بل على أساس الثوابت الفلسطينية التي تبقي القضية في أصالتها، ولا تسمح للمتغيّرات الدولية أو الإقليمية أو المحلية أن تنال منها تحت بروق العناوين والوعود التي تعرف إسرائيل ومن خلفها أمريكا كيف تتجاوزها، وفي اللّحظة السياسية المناسبة لها.

العراق: المشكلة في الاحتلال:

أما العراق، فلا يزال ساحةً للموت العشوائي الذي تمارسه قوّات الاحتلال من جهة، وبعض القوى المسلّحة من جهةٍ أخرى، وفوضى الأوضاع الأمنية من جهة ثالثة، في الوقت الذي يتحدث البعض عن احترام موعد الانتخابات الذي أكّده الرئيس الأمريكي وإدارته، تحت تأثير مخاوف كبيرة من سيطرة قوات الاحتلال على مجرياته الإجرائية، ولا سيّما إذا عرفنا أنها سوف تزيد قواتها العسكرية إلى 150 ألف جندي، الأمر الذي قد يجعل المجلس القادم والحكومة التي ينتجها، خاضعةً للشّروط الأمريكيّة في اختيار الممثّلين الحقيقيين للشعب العراقي، ما يفرض علينا تحذير هذا الشّعب ليكون واعياً للّعبة الاستكبارية، ودقيقاً في عملية الاختيار للأشخاص الذين يملكون الخبرة والإخلاص لوطنهم، وللمحافظة علىالهوية الإسلامية للعراق، حتى «لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين»...

وإننا في الوقت نفسه، ننظر بكثير من الريبة والخطورة للخطاب التحريضي الذي بدأته شخصيات عراقية وأخرى من الدول المجاورة، حول التّوزع الطائفي والعرقي في العراق، وحول الدعوات المتبادلة في ادّعاء طرف هنا أنه يمثل الأكثرية على حساب الآخر الذي يمثِّل الأقلية وبالعكس، وقيام البعض بتشجيع هذا الخطاب، وكأن مشكلة العراق تكمن في المسألة الطائفية وليست في الاحتلال الأمريكي لكل مقدّراته وأوضاعه... إننا نحذّر العراقيين من هذه اللّعبة التي تشبه اللعبة الغوغائية في أبعادها الغرائزية التي قد تتمثَّل في الدماء التي تسفك هنا وهناك، تحت تأثير هذه الذهنية التي يشجّعها المحتلّون واليهود والعملاء الذين يتحرّكون بفعل المخابرات الدولية من هنا وهناك، وقد تتمثَّل في الكلمات الحادَّة المثيرة التي تحاول إثارة عمليات الاستفزاز الطائفي التي تزيد النار اشتعالاً... إننا ندعو الله أن يحفظ العراق وأهله، وأن يلهم الشعب العراقي الوعي والحكمة والصبر والوحدة الإسلامية في نطاق الوحدة الوطنية.

لبنان: دراسة الأوضاع بدقّةٍ وحذر:

أمَّا في لبنان، فإنَّنا ندعو إلى عدم الاستغراق في الحديث الذي يحاول فيه فريق هنا وفريق هناك تسجيل نقاط سلبية، وإثارة حالةٍ من الصراخ السياسي الذي يصمّ العقول قبل الآذان، ونريد لهم أن يتفهّموا طبيعة التدقيق في أوضاعهم الداخلية بالحوار السياسي الموضوعي الذي يضع الأمور في مواضعها... ولا يبعدوا المسألة عن الخلفيّات الدولية في القرار الصادر عن مجلس الأمن الخاضع لخلفيات معينة قد لا تكون في مصلحة لبنان، وخصوصاً بما يتّصل بالمقاومة وبالأوضاع الأمنية الدقيقة التي يختزنها الواقع اللبناني في المشاكل القلقة التي قد يثيرها المستقبل في تعقيداته، عندما يبتعد البلد عن الضوابط الدقيقة الحاسمة...

لقد أصدر مجلس الأمن الدولي عدَّة قرارات تتصل بالمسألة الفلسطينية ضد إسرائيل، ولكن هذا الكيان المحتلّ لم يسقط أمامها ولم يخضع لأيِّ تهويل، بل كان المسؤولون فيه يحدّقون بمصالحهم الذاتية ليتابعوا خططهم الخاصة في تنفيذ استراتيجيتهم العدوانية تحت الحماية الأمريكية... إن علينا أن نعرف أن أمريكا الإسرائيلية تطلب من العرب، ولا سيّما سوريا ولبنان، كلَّ شيء، ولا تعطيهم أيّ شيء، وهذا ما لاحظناه في مطالبتهم سوريا بالكثير بما يتّصل بفلسطين والعراق والمقاومة، ولكنها ـ حتى في بعض مواقف سوريا ولبنان ضدّ قوى العنف هنا وهناك، وحفظ الحدود السورية العراقية من الاختراق ـ لا تزال تعمل على التهديد وإثارة المشاكل ضدها وضد لبنان...

إنَّ على اللبنانيين دراسة الأوضاع اللّبنانية السياسية والأمنية والاقتصادية بدقة وحذر، من خلال مصلحة البلد كلّه في شخصيّة الإنسان الوطن لا إنسان الطائفية، وإدارة الحوار حول مفاهيم الحرية والاستقلال والحلول الواقعية للمشاكل الخانقة، على مستوى شجاعة المواجهة لكلِّ الذين يديرون حركة الهدر والفساد للبلد كله، ممن صنعوا المأساة في الماضي، ويعملون لإنتاجها في المستقبل.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية